إنِّي لأتفهَّم موقف عادل عبد العاطي، وهو -لعمري- لا يتجاوز ذلك الموقف المُتخاذل لليبراليين الذي تكلَّم عنه سام هارس وحذَّر منه، وسوف تجد أسفل مُداخلتي هذه بعض ما جاء من كلامه بهذا الخصوص. لا مُشكلة لي مع عادل عبد العاطي أو غيره إلَّا مُحاولات تملقه للإسلام، ودعمه لفكرة "الإسلام الشَّعبي" أو الإسلام المُعتدل، وهو بذلك -سواءُ علم ذلك أو جهله- يُؤكد على فكرة أنَّ هنالك اختلافًا بين الإسلام التَّاريخي والإسلام السياسي، وتلك كذبةٌ أطلقها المُسلمون أنفسهم وصدَّقوها، ووجودوا من غير المُسلمين من صدَّقها معهم. إنَّ فكرة التَّنصل من مُواجهة الحقيقة، والاعتراف بأنَّ مُشكلة المُسلمين هي في النَّص الإسلامي وفي تاريخه، وليس في مَن يُسمَّون بتُجَّار الدين، أو الإسلام السياسي، وطالما ظلَّ هذه العقليَّة فاعلةً، فسوف تظلُّ المُشكلة قائمة، وسوف يظلَّ النَّص القرآني (بفكرة القابليَّة للتأويل) تفقس دواعش جُدد في كُل مرَّة.
أنا شخصيًا، لا مُشكلة لدي في التَّعايش مع أي مُتدين يُريد أن يتعايش في سلام، وأن يعترف بحقي في الحياة، والرأي، والتَّعبير، ولكن دون أن يزعم أنَّ ذلك جزءٌ من عقيدته ودينه. فالنَّص القرآني واضحٌ وصريحُ، وهو مُنسجمٌ تمامًا مع مرويات السيرة والسنَّة التي أصبح عددٌ كبيرٌ من المُسلمين يُنكره الآن.
أمَّا عن أسئلتكَ، فالحجاب حسب النَّص القرآني لا يعني اللباس، ولم يرد -حين ورد- بمعنى اللباس، ولكنه جاء بمعنى الحائل الذي يحول بين المرأة والرَّجل، كالجدار أو ما شابه، ويُفهم من ذلك أنَّه لا يجوز للرَّجل أن ينظر إلى المرأة، ولو أراد أن يتكلَّم معها فيكون ذلك من وراء جدارٍ أو حجاب، ولقد بيَّنتُ في تعليقاتي وردودي السَّابقة تهافت حُجَّة أنَّ الأمر في الآية مُقتصرٌ على نساء النَّبي، بالإضافة إلى الشَّواهد الأخرى من القرآن، فقد دلَّت آيةٌ أُخرى على عدم جواز أن تُظهر المرأة زينتها إلَّا لمحارمها، ولقد ناقشتُ فكرة الزينة، فسواء كانت الزينة حُليًا أو جزءًا من الجسد كما يُفهم من النَّص، فإنَّه مُحرَّم إظهاره لغير المحارم، ولقد أسمتها الآية بالعورة، كما أوضحتُ وبينتُ سابقًا، ورغم أنَّي لم أستدل بشيءٍ من المرويات في كلامي؛ إلَّا أنَّ الاعتماد على المرويات يكون من باب الاستئناس بها لا أكثر، فهي تدعم منطوق الآيات وتفسيرها على النَّحو الذي أوضحتُ في المقال.
ما هو الواجب الآن؟ الواجب من كُل إنسانٍ يُقدر مفهوم الحريَّة، ويُعلي من شأن الإنسان، ويهتم لقضايا المرأة أن يرفض هذا الكلام جُملةً وتفصيلًا، لا أن ينكره، ويتنصَّل عنه، ليدعي أنَّ هذا ليس من الإسلام في شيء، وأنَّه من تدليس السَّلفيين المُتشددين، لأنَّنا بذلك، لا نُساعد على حل المُشكلة؛ بل نزيد منها من حيث لا نعلم. لقد حان الوقت أن نتكلَّم بشكلٍ صريحٍ وواضحٍ، وأن نُسمي الأشياء بأسمائها، وأن نبتعد عن أُسلوب المُجاملات والمُداهنات. وإنَّي لأطالب كُلَّ من يُبرئ النَّص من الفهم السَّلفي أن يُوضح لنا (من خلال النَّص القرآني) مفهوم اللباس المُحتشم، وكيف تكون هيأتُه. وماهي القيمة التَّشريعيَّة لنصوص القرآني إن كان النَّص القرآني -بحسبهم- يجب فيه مُراعاة السياق الثَّقافي، على اعتبار زعمهم بأنَّ اللباس يكون بحسب كُل ثقافةٍ وبيئة؛ إذ أنَّ ذلك قد يعني أنَّ النَّص القرآني يفقد أيَّ معنىً له بمُجرَّد اختلاف الثَّقافة واختلاف البيئة. وماذا إذا كان لباس المرأة في ثقافةٍ ما، لا يُؤدي إلى الفتنة وإثارة الشَّهوة حتَّى وإن كان فوق الرُّكبة، فهل يُمكن -عندها- اعتباره لباسًا مُناسبًا للمرأة المُسلمة من تلك الثَّقافة؟
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة