الدولة السعودية- الوهابية الأولىتجري الاطلالة عموماً على التاريخ السعودي على أنه تأريخ لثلاث دول سعودية-وهابية متتالية: الأولى (1744-1818)، والثانية (1824-1891)، والثالثة (1902 وحتى الآن). لكن ماهو غير معروف لمعظم المراقبين هو أن تنظيم الدولة الإسلامية يعتبر الدولة الأولى من بين هذه الدول الثلاث هي النموذج الذي يجب أن يُحتذى: نموذج لدولة اسلامية نشرت التوحيد عبر الغزوات العسكرية، وقتلت الهراطقة الذين يقفون في طريقها، ولم تضع حدوداً لتوسّعها. وهذا التنظيم لم يكن مخطئاً حين يرى كثيرا من صورته في مرآة الدولة السعودية- الوهابية التاريخية الأولى، التي كانت راديكالية، وتوسعيّة، والتي أدان العالم الإسلامي برمته تقريباً تأويلاتها للإسلام بكونها هرطقة مُتعصبة.12 هاكم، على سبيل المثال، الوصف النموذجي الذي قدّمه كاتب مجهول معاصر حول مؤسس الوهابية: "ينسب نفسه للإمامة ويوجب على الأمة الأخذ بقوله ولزوم مذهبه ويجبرهم على ذلك بالسيف قهرا ويعتقد كفر من خالفه ويستحل دمه وماله ولو استكملت فيه أركان الإسلام".13
كانت الدولة السعودية-الوهابية الأولى ثمرة اتفاق توصّل إليه شيخ القبيلة محمد بن سعود والداعية محمد بن عبد الوهاب في واحة الدرعية الصحراوية الصغيرة في وسط شبه الجزيرة العربية. وقد اتفق الزعيمان على مساندة بعضهما البعض: ابن سعود يدعم الدعوة الوهابية، والدعاة الوهابيون يدعمون السلطة السياسية لآل سعود.
وبالتدريج، تمدّدت الدولة السعودية-الوهابية لتشمل معظم شبه الجزيرة، وشمل ذلك في العام 1805 العتبات المقدسة في مكة والمدينة. استند توسعها على هذا النحو على الجهاد الذي فهِمَ على أنه هجوم ديني على كل ألوان الشرك. وقد اعتبر الوهابيون أن معظم العالم الإسلامي سقط في وهدة الشرك، وأن من واجبهم استئصاله وإحلال الإسلام الحقيقي مكانه.
أوضح ابن بعد الوهاب، في رسائل عديدة، أُسس هذا الجهاد المتوسِّع، مجادلاً بأنه وأتباعه يدعون الناس إلى نبذ الشرك. وكتب قائلاً: "ونقاتلهم عليه. وكما قال تعالى: "وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة"، أي شرك، "ويكون الدين كله لله"".14 وقد أوضح أحد أبنائه أنه من حق الوهابيين وواجبهم غزو كل من تلقى الدعوة ورفضها، وقال: "وأما من بلغته دعوتنا وأبى أن يدخل في ذلك، وأقام على الشرك...فهذا نكفره ونقاتله...وكل من قاتلناه فقد بلغته دعوتنا...أهل اليمن وتهامة والحرمين والشام والعراق قد بلغتهم دعوتنا".15
قاتل الوهابيون في الغالب نظراءهم من المسلمين السنَّة، لكن الشيعة تعرّضوا أيضاً إلى الحملات. فقد كتب ابن عبد الوهاب أن "أول من أدخل الشرك في هذه الأمة هم الرافضة الملعونة".16 وفي العام 1791 هاجم الوهابيون المناطق الشيعية في شرق السعودية، وسلبوا ونهبوا القرى والبلدات وقتلوا نحو 1500 شخص. وبرّر مؤرخ بلاط أول دولة سعودية-وهابية هذا الهجوم بأنه الرد المناسب على الهرطقة الشيعية - "ورفعوا للرفض منارا" – ودعوا إلى تدمير المساجد الشيعية - "كنائس الرفض".17
وقعت مذبحة أخرى ضد الشيعة في العام 1802، حين غزا الوهابيون مدينة الأضرحة الشيعية كربلاء في العراق. ووفق مؤرخ بلاط الدولة السعودية-الوهابية الثانية: "دخلوها [المدينة] عنوة، وقتلوا غالب أهلها في الأسواق والبيوت... وقُتل من أهلها قريب ألفا رجل".18 المدينة نُهبت وجرى تدمير الرموز الشيعية المقدسة. وقد بعث قائد الحملة، وهو حفيد محمد بن سعود برسالة إلى الحاكم العثماني في العراق لتوضيح دوافع عمله: "وقولك إن أخذنا كربلاء وذبحنا أهلها وأخذنا أموالها، فالحمد لله رب العالمين، ولا نعتذر من ذلك، ونقول: "وللكافرين أمثالها" (سورة محمد، الآية 10)".19
في العام 1818، لقيت الدولة السعودية-الوهابية الأولى حتفها في نهاية المطاف، حين اجتاح الجيش المصري بقيادة محمد علي، وبتوجيه من العثمانيين في اسطنبول، بلدة الدرعية بعد حملة دامت نيفاً وسبع سنين. سُوِّيت العاصمة السعودية بالأرض، ونُفِيَ أو أُعدِم قادتها السياسيون والدينيون، وبدا أن الهرطقة الوهابية المتعصبة طُويت صفحتها.
Read more at: http://carnegieendowment.org/2016/02/18/ar-62893/iuonhttp://carnegieendowment.org/2016/02/18/ar-62893/iuon