من المتوقع أن يكون يوم الغد حافلا بالعمل،فيجب أن تأخذ الأرض الجرعة الأولى من سماد اليوريا،ويجب كذلك أن يُرش المبيد الكيمائي على الحشائش التي لم تمت في الرشة الأولى التي أُعطيت مع شتل البصل مباشرة، وأخيرا يجب أن تُروى الحواشة..في حواشة من ستة أفدنة،وبطرقنا التقليدية التي نباشر بها الزرع، فستسهلك هذه المهام ثلاثة أيام تقريبا..اتصلت بعبد المنعم وطلبت منه أن يقابلني في الصباح الباكر في موقف الدامرـــ المناصير..
خلاف خبرته الزراعية،كان يملك قدرات اجتماعية كبيرة،جعلت منه صديقا محببا للجميع (أصحاب العربات التجارية،وأصحاب محلات المبيدات والتواريب،وعمّال اليومية ،ووجهاء القرية 5،و...).. لذا كان لاغنى أبدا عن استشاراته ،داخل الحواشة وخارجها.
هناك نوعان من العربات في خط الدامر /المناصير الجديدة،هما الحافلات والبكاسي المعروشة،ويذكرك منظرها ، باللاعبين المحترفين الذين أفنوا زهرة شبابهم في دوريات أوربا،ثم أجبرهم عامل السن وحده،على اللعب في الدوريات الخليجية.
بعد أن تقابلنا وشرحت له ما أريد،ذهب بي لأحد سائقي البكاسي، وتفاوضنا معه قليلا على قيمة ترحيل جوالات السماد،ثم بعد هنيهة اتفقنا..
قال (وكأننا سماسرة في دلالة الصحافة)
:أركبوا في ال79 داك..
وتوجهنا تلقائيا نحو ما أشار،لكن عبد المنعم قال بصوت خفيض:بتعرف ال79 آجنا..
فصحت في السائق:نمرتو كم ياحبوب..
في اللحظة التي ركبنا فيها،رن جرس هاتفي،وفي أثناء انهماكي في المحادثة،دخل شخص وركب معنا،لم يحضر السائق بعد ،ومازال البوكس متوقفا..بعد أن أنهيت المكالمة، سلمت بإهمال على الرجل..
قال عبد المنعم: دا علي بيض..
فاستجمعت اهتمامي،لكني بدلا من أن أعيد السلام ليصبح لائقا كما تقضي الأعراف،سألته متحفزا
:إت علي بيض؟
لم يتكلم ،وإنما هز رأسه موافقا..
:إت علي بيض؟
كرر نفس حركته الولى..
ثم قرقر قرقر،انفجرت ضاحكا،وكدت أصيح : أخيرا،لفقت..
وكان هو يبتسم في حياء..
ومن اللحظة الأولى التي رأيته فيها ،وقعت في غرامه*
:يآخي معقول ياعلي يوم داك تدّلع علينا كدا..
:والله كنت مشغول.. أنا أصلا شغال في .....، وعندي معاهم يومين بس،وباقي الإسبوع حقي،عشان كدا بملاهو بأي حاجة،مابقعد ساي أصلو..
قال عبد المنعم: أنا اتفقت معاهو يجي يرشلك باكر
:وليه باكر مايمشي معانا هسة؟
:لا والله هسة مشغول
:تاني ياعلي؟
:شايف الحافلة الصفراء ديك؟
لم التفت لحافلة صفراء ولاحمراء،وإنما نظرت في وجهه شذرا: أها مالا؟
:أنا الليلة شغال فيها كمساري..
يخرب بيتك لبيت بصات الوالي ذاتا..
:لكن بكرة قبل ما تشرق الشمس بكون معاك في الحواشة.
*التعبير لواحد ة خواجية عن فندق سوداني (ترجمة أستاذنا الهاشمي)