لابد أن أقر ابتداء بأني أملك رصيدا كبيرا من العناد تجاه التقدم التكنولوجي،والقصص في ذلك كثيرة،ولاأريد إقحامها هنا،(وهي للأسف غير مبذولة في الشبكة العنكبوتية) لكن خلاصة تلك القصص،وذاك العناد،أن الهاتف الذي استخدمه حتى الآن،هو هاتف قديم صنع في عام2005،ليس به شئ من الإمكانيات غير خاصية التحدث والرسائل،ولعبة الثعبان الذي يجب أن يأكل أكبر قدر من البيض..لذلك فإن أشياء مثل الواتساب والإسكايب و الفيسبوك و.....،تبدو لي مثل الطلاسم ،وعلاقتي بها تتمحور حول شئ واحد فقط،وهو أن اسمع الناس يتحدثون بها..
قبل نحو عامين،جمعتني بأحد الأصدقاء ظروف عملية،قضت بأن نسكن في غرفة واحدة لمدة تسعة أشهر،وكانت تلك الأشهر التسعة بحق، ألما مكافئا تماما لذلك العناد..كان ذاك الصديق شغوفا جدا بجواله الجلاكسي*.. لدرجة أنه كان مشترك في أكثر من قروب من القروبات الواتسابية،كانت الغرفة مثل محطة السكة حديد بعطبرة،لاتنقطع عنها أبدا صافرات الرسائل،وكان صديقي هذا (وهو من بربر) يصر بعد أن يقرأ كل رسالة،على أن يضحك ضحكة مجلجلة،حتى أني قد ظننت أن الكوميديان محمد موسى مشترك في إحدى قروبات صديقي البربري هذا..على أن سيل الإزعاج لم يتوقف هنا وحسب،لكن ظل يصر أيضا طيلة تلك الأشهر على أقرأ كل رسالة ترد إليه..
كان البرنامج يتكون من ثلاث خطوات كالآتي :تتتتتيي (صافرة وصول رسالة)
قراءة ثم هع هع هع (ضحكة دنجل الشرير الشهيرة)
ثم الخطوة الأخيرة إشهار الجوال في وجهي و:أقرأ دي عليك الله،وأحيانا
شوف دي عليك الله،وأحيانا رأيك شنو بالله.
على أن الشئ الذي جعل ذلك الألم يأخذ أبعادا مأساوية إضافية،هو تلك الركاكة الغالبة على تلك الرسائل، لقد تألمت لدرجة أني قد فكرت بجدية في شراء أبشختتين والاشتراك في عشرا ت القروبات..
و من مئات الرسائل التي مرت عليّ في تلك الغرفة الجهنمية،علقت واحدة فقط برأسي،كانت عبارة عن مشهد كوميدي لرجال بوجوه كوميدية (أظن أنهم هنود)،يتحدثون ويتبادلون الضحكات بطريقة غرائبية فعلا،لكن دُبلج المشهد ووضعت ترجمة لحديث أولئك الرجال،تظهرهم كأنهم يسخرون من نادي الهلال أو المريخ لا أذكر..
بعد تلك الحادثة بعامين،وفور ماانتهيت من تلك المحادثات التلفونية الفاشلة مع علي بيض،نبح في أُذني واحد من تلك الكلاب البوليسية المعهودة،ملوحا بأن علي بيض يشبه أولئك الكومديان الهنود..
وبعد بضعة أسابيع من ذاك النبيح،وقبل أيام قليلة من الآن،عرفت أن ذاك الكلب،كان يملك حاسة شم جبارة واستثنائية،وعرفت كذلك أني قد نجحت للمرة الأولى في وضع تصور لشكل شخص،استنادا فقط على بضع محادثات هاتفية جرت بيني وبينه.
وكان كل ذلك القدر من المعرفة قد حدث،عندما قابلت علي بيض وجها لوجه،في موقف مواصلات (الدامر ـــ المناصير الجديدة)
* علمت من صديق آخر من أبناء دارفور،أن الجلاكسي عندهم يُسمي أبشختة ،ومثل تلفوني هذا يُسمى كلامة،وأحيانا يُضاف له تحقيرا،كلمة ساي فيصير اسمه كلامة ساي.