09:42 AM March, 03 2016 سودانيز اون لاين
عليش الريدة-
مكتبتى
رابط مختصر
زمان ،قبل أكثر من ثلاثة عقود،عندما كان الرفاق يتباهون بمهارات العدو وتسلّق الجدران ولعبة الكمبلت،كنت أنا متيما بلعبة (انقُر)..كانت تستهويني دائما تلك الأسئلة من شاكلة(انقر أنا شايل شنو في جيبي،انقر نحن العصر ماشين وين،انقر أنا دار أقوليك شنو...) وظللت لفترة طويلة من ذلك الزمن القديم ،أتصيد تلك الضروب من الأسئلة، حتى تعلمت إدمانها في نهاية الأمر،إدمانا لافكاك عنه،لدرجة أن صارت حياتي فيما بعد مسلسلا متواصلا من لعبة (انقر).. غير أنه لا أحد ظل فارغا ليسألني التخمين،بل أقوم بذلك بنفسي،فإذا طُرق على الباب مثلا،أو رن جرس الهاتف،أبدأ فورا بوضع احتمالات لمن يكون الطارق أو المتصل..وبعد أن أتبينهما ، أحاول أن أحدد أسباب الزيارة والاتصال..وهكذا ،وهكذا.. وأيضا دائما ماتنته عندي الحكايات والمؤانسات والشروح ...في أثناء استماعي لها..لم يحدث أن انتظرت حتى النهاية لأعرف ماهي النهاية..واختبرت كذلك الكثير من مشاعر الحبور والرضى والحزن والإحباط ، من مقدمات أحداثها وأبطالها،لذا كنت على الدوام سابقا للأحداث بخطوة،تماما مثل الكلب البوليسي الذي يسبق المتحري.
هذه اللعبة لديها العديد من الاسماء العالمية ،فتارة يُطلق عليها حديث القلب ،ومرة تُسمى بالحاسة السادسة،لكن أحب اسمائها لدي هو (الحدس) ،فهو اسم أراه أقرب من غيره إلى العلمية والتمنهج،وظل يراودني أمل كبير في أن يقطع العلم في هذا الشأن،الخطوات الكافية التي تمكنه من وضع تأطير لهذه الغريزة ،لكي يتعلم الناس كيف يكتسبوها وينموها.
لكن على حال ،أصبحت هي عندي غريزة أساسية لاغنى عنها،ففي الأجواء القاتمة،عندما تنعدم الدلائل والركائز المنطقية التي تساعد على اتخاذ القرارات الصحيحة ..أو عند الاصطدام فجأة، بالأشخاص الذين اكتسبوا مهارات الحفلات التنكرية، أو عند المواقف التي يراود فيها الشعور بالتيه،كما يراود الطعم السمكة..لكل تلك الغياهب،سلخت عمري وأنا انقر...
علاوة على أن هذه البلاد التي أعيش فيها (وآسف لقول هذا) يناسبها في الأصل إسلوب انقر،أكثر مما تناسبها تلك الأساليب المتبعة في حل المسائل الرياضية ..
لكن يلزمني الاعتراف بأن تلك اللعبة ،لم تنجح في جميع المجالات،وأن هناك مجال محدد،ظل النجاح فيه متعسر عليّ على الدوام ،وهو المجال المتعلق بمحاولة معرفة شكل شخص لم أره، لكني سمعت صوته أوسمعت عنه أو قرأت له ...،دائما كان الفشل الذريع هو نصيبي في هذا المضمار..فالنهج الذي توزعت به الأرواح على الأجساد والوجوه،كان دائما خارج مدى المألوف والمتوقع..والعرب تقول (كل إناء بمافيه ينضح) ..والجسد بلاريب هو إناء الروح..لكني ظللت أشاهد في معظم المرات،استقلالية ظاهرة ومستعصية على التصنيف،بين الإناء وماحوى،بين الحامل والمحمول..ولو كانت العرب قالت( كل إناء صُنع لما يحمل) لغدت الرؤية أوضح كثيرا، ولقلّ بالتالي تشعب الاحتمالات.
قبل أيام قليلة حدثت صدفة عجيبة،صدفة تدعو للاحتفال،إذ اكتشفت أني قد نجحت نجاحا تاما في تحديد شكل رجل ، فقط من محادثات هاتفية محدودة حدثت بيننا ..هذا الرجل (والذي صار من أصدقائي الأعزاء في هذه الأيام القليلة ) يُدعى علي بابكر،لكنه اشتهر محليا بعلي بيض..فهو الموزع الشعبي المعتمد لبيض المائدة في القريتين (5و6) من قرى المناصير الجديدة..
لكن القصة بدأت قبل ذلك بأسابيع عدة..