المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدرويش.. دكتور عبد الرحمن الغالي

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-19-2024, 11:25 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف للعام 2016-2017م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
03-01-2016, 09:05 AM

عمر عبد الله فضل المولى
<aعمر عبد الله فضل المولى
تاريخ التسجيل: 04-13-2009
مجموع المشاركات: 12113

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدرويش.. دكتور عبد الرحمن الغالي

    08:05 AM March, 01 2016

    سودانيز اون لاين
    عمر عبد الله فضل المولى-
    مكتبتى
    رابط مختصر

    الحلقة الأولى : الإهداء والمقدمة والتوطئة

    المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدرويش

    بسم الله الرحمن الرحيم

    إهـــــــــــداء أول

    إلى تلك الروح الوثابة الواثقة بربها، الروح التي حلّت بذلك الجسد النحيف فأرهقته ولكنها كشفت له الحُجب وأجْلت له الظُلَم وأنارت له ولآلاف الأرواح التي تبعته دياجر الظلمات: ظلمات العادة المستكنة في النفس البشرية، وظلمات النفس المجبولة على الأثرة والشح، وظلمات الإستعلاء الأجوف.

    إلى صاحب تلك الروح الطاهرة والهمة العالية والإرادة الصلبة والعقل الذكي ، وإلى الأرواح التي سارت خلفه لم تربطها به وشيجة من فانيات الوشائج والعلاقات، سارت معه تشده وتشدها معانٍ استعصت على الطمس وجلّت عن المادة فاسترخص هو وأصحابه معها حياتهم وأبناءهم وذويهم فخلفوا وطناً عزيزاً كريماً، ومادةً نسج على منوالها ناسجون رتقوا فتقها ورفعوا الراية وأعادوا ألقها وبهاءها.

    إلى روح السيد عبد الله بن السيد محمد خليفة المهدي عليهما السلام وصحبه أهدي هذه الكلمات.

    إهداء ثانٍ

    إلى " إلف شفق" التي برهافة حس الكاتب إلتقطت اللحظة التاريخية، لحظة إلتقاء شمس الدين التبريزي بجلال الدين الرومي فكانت "قواعد العشق الأربعون"، رواية فيها من جد الفكر وكده ما فيها، وفيها من صفاء الروح ما فيها، وفيها من دعوة الحب ما فيها، ومن عبقرية الروائي وإبداعه ما فيها. وفيها إشارات ذكية من الماضي وما يمكن أن يقدمه للحاضر.

    وبعد رحلة طويلة – كرحلة شمس الدين التبريزي – فيها من الشوق والتوق ما فيها- إلتقى رجلان أعظم مقاماً في التصوف وأرسخ قدماً وأكبر نفساً وهمة وأشد توقاً لإحياء الدين فأثمر لقاؤهما إحياء للدين وحياة لوطنٍ وبعثاً لأمة.

    وبين " قونية" و " المسلمية" نضح إناءُ نفسِ "إلف شفق" بمعاني الحب والخير – مهما اختلف الناس معها في صغائر التفاصيل - ونضحت أوانٍ أخرى بما تعي فكل وعاء بما فيه ينضح.

    المقدمة: هذا الكتاب

    تدور أحداث رواية شوق الدرويش للكاتب السوداني حمور زيادة في القرن التاسع عشر إبان الثورة المهدية في السودان وتمتد حتى بُعيد الغزو الثنائي إسماً البريطاني فعلاً.

    فازت الرواية بجائزة نجيب محفوظ مما حقق لها زخماً لا سيما في السودان. جاءت حيثيات لجنة التحكيم صريحة مباشرة في دوافع منح الجائزة، إذ تطابقت وجهة نظرها السياسية والأيديولوجية مع الرواية فكان هذا هو العامل المرجح في فوز الرواية. لم تغلف اللجنة رأيها وإنما تبنت أحكاماً قطعية تقريرية في قضية أقل ما يقال عنها أنها تحمل وجهات نظر مختلفة لدى أصحاب الشأن السوداني بل وحتى الدول التي انغمست في ذلك الصراع.

    هذا الفوز وبالحيثيات التي سيأتي هذا الكتاب على ذكرها – في تقديري – قد صار عبئاً على الرواية وكاتبها، وخَصَم من حيادية اللجنة ومهنيتها.

    يقوم الكتاب في الباب الأول بتلخيص الرواية والتعليق على بعض الحقائق التاريخية المغلوطة دون الخوض في النقد الأدبي والتعرض لفنيات الرواية . ويلفت النظر إلى أن الرواية استمدت مادتها الأساسية من كتاب الأب أوهروالدر الذي صاغه ونجت باسم ( عشر سنوات في معسكر المهدي) ويرى أن الرواية إن هي إلا صياغة أدبية لذلك الكتاب.

    لن يطيل هذا الكتاب الحديث في الجدل الممتد حول التوظيف السياسي الأيديولوجي للجوائز الأدبية وإن مرّ عليه فمسه مساً خفيفاً يفي بغرض الإشارة، إذ سينصرف جل جهده لتناول جوهر الرواية وثيمتها الأساسية في ذم المهدية ونعتها بالتطرف والكذب والوحشية والهمجية والتخلف واعتبارها تمرداً طارئاً أوقف تطور السودان وقطع رسالة " الإستعمار" التحضيرية التي ما لبثت أن أستعادتها بوارج الجيش المصري الإنجليزي التي حررت السودانيين من المهدية وفتحت لهم مجال التطور على حد زعم الرواية.

    تبنى كاتب الرواية وجهة نظر الجيش الغازي، فرأى في السودان أرضاً خلاءً يقطنها ثلة من السود الذين بالغ في الإكثار من وصف سوء خَلْقهم وخُلُقهم: سوء خَلْقهم من حيث سواد البشرة وقبح المنظر مع الروائح العطنة واتساخ الأجساد والملابس إلى آخر أوصافه، وسوء خُلُقهم بانتشار الكسل والنفاق وتفشي المفاسد الاجتماعية والاخلاقية العديدة التي ذكرها وأجرينا لها تلخيصاً في الفصول الأُوَل من هذا الكتاب.

    ولأول مرة فيما قرأت من كتب أرى كتاباً يتحدث عن محاسن الاستعمار العثماني - المصري في السودان، إذ أجمع مؤرخو الثورة المهدية - بمن فيهم الذين مهدوا لقمعها وإعادة إحتلال السودان – على ظلمه ومبالغته في الوحشية حتى صار ذلك الباعث الأول على اندلاع الثورة المهدية في السودان.

    يناقش هذا الكتاب بعد ذلك العهد التركي المصري ليبين في المقام الأول أنه كان استعماراً كأبشع ما يكون الإستعمار إذ ركّز على صيد البشر قبل نهب الموارد، ثم يمضي الكتاب في تبيين انغراس كراهية ذلك النظام في الوجدان الشعبي مستدلاً بما وقر في ذاكرة السودانيين الجمعية وبما جادت به قريحتهم من أدب شعبي في ذمه. ويبين أن ذلك الحكم لا يمثل المصريين بل هم والسودانيون سواء في نيل أذاه، ويستدل على ذلك بأقوال نخبة من المفكرين المصريين أنفسهم.

    وينتقل الكتاب بعد ذلك ليزيل ركام الدعاية الحربية الذي أهيل على صورة المهدية وينفي صفة التاريخ عن تلك الكتابات إذ لايمكن وصفها إلا بالدعاية الحربية والتاريخ منها براء. فإذا كان التاريخ رصداً أميناً لأحداث وقائع أمة ما، فينبغي لكاتبه أن يتحلى بصفات تؤهله لكتابة ذلك التاريخ، منها معرفته بالبلاد وأهلها وطبائعهم وثقافتهم، ومنها إلمامه وتأهيله العلمي لذلك العمل – حيث أن التاريخ علم كسائر العلوم- ثم منها حياده وعدالته وخلوه من الغرض إلى غير ذلك من الشروط.

    ولكن تاريخ السودان والمهدية على وجه الخصوص كتبه عسكريون أجانب محاربون إتخذوا من الكتابة سلاحاً أشد مضاءً من أسلحتهم الفتاكة، حيث حشدت تلك الكتابات الرأي العام البريطاني خلف خطة " إستعادة " السودان وحاصرت كل رأي أو موقف سياسي يتحفظ على ذلك. وفي سبيل تعبئة الرأي العام إمتلأت تلك الكتابات بشتى الأكاذيب التي اتضح زيفها منذ وقت مبكر. فضحها كتاب أكاديميون أجانب ووطنيون.

    وقد استخدم "الفاتحون" ثلاثة أسلحة ماضية لتبرير غزو السودان وقمع المهدية وتمكين حكمهم. أولها الآلة الإعلامية التي أتينا على تمهيدها للغزو ثم استخدمت لتبرير الفظائع المرتكبة بعد الغزو . وثانيها الآلة العسكرية التي حصدت المدافعين وتعقبتهم في مجازر استمرت لأكثر من ربع قرن. ثم جاءت الآلة الثقافية التي أكملت وتكاملت مع فعل الآلتين الاعلامية والعسكرية. والآلة الثقافية التي لم يلتفت الكثيرون لخطرها بسبب استفظاعهم لآلة القتل العسكرية وذهولهم عن آثارها، لا تقل خطراً عن سابقتيها. وقد أوضحت ورقة جيدة كتبها الباحث الأمريكي البروفيسور نوح سالومون استاذ الأديان بكلية كارلتون بعنوان (نقض المهدية: الاستعمار البريطاني كإصلاح ديني في السودان الإنجليزي المصري 1898-1914) بعضاً من أوجه ذلك السلاح الثقافي. ولهذا الوجه الثقافي فطنت رواية (الأشياء تتداعى )(Things Fall Apart) للكاتب النيجيري الكبير شنوا أشيبي حيث تدور فكرتها حول السلاح الثقافي الذي حوّل وجه الشعب المستعمَر بعد أن زرع فيه هوية جديدة غسلت أدمغة الشعب وأدت إلى خذلان بطل الرواية لما حاول استنهاض قومه ضد المستعمِر.

    وفي سبيل إزالة أثر الآلة الإعلامية السالب يقوم الباب الثالث بدفع الإفتراء عن المهدية، ويبين تسامحها بالوقائع المعلومة وشهادات الخصوم والمحايدين الذين لا تربطهم أدنى شبهة إرتباط بها، ثم بالوثائق الثابتة بعد أن يؤصل ويستقصي مفهوم الجهاد في المهدية وضوابطه ، ويستعرض التسامح الذي لقيه خصوم المهدية ومحاربوها ويبين إكرام المهدية للمشائخ ورجالات الجماعات الدينية، ويبين تسامح المهدية مع المسيحيين لاسيما الأوربيين والذي إعترف به ونجت نفسه المسؤول الأول عن الحملة الدعائية ضد المهدية. ويمضي الكتاب في الحديث عن العدل ونفي المحسوبية والفساد المالي ويتحدث عن حوادث فتح الخرطوم ويدحض المطاعن التي أُلصقت بذلك الحدث.

    وفي الباب التالي يبين الكتاب الأبعاد الثقافية والفكرية والعلمية للمهدية وقادتها ودولتها والوعي العلمي والسياسي الذي تمتعوا به ويعقد فصلاً في المزايا الشخصية والفكرية والنفسية لقائدي المعسكرين : المهدي وغردون مستعيناً بشهادات أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها لا تمت للمهدية والتعاطف معها بصلة. ويضع معايير عامة للدروشة ليرى القاريء مدى إنطباقها على أي من الشخصيتين.

    ثم يمضي الكتاب في الباب الخامس ليتحدث عن الخليفة عبد الله وعن شهادات الأعداء التي تنفي التهم المثارة ضده، ثم يذكر الفصل شهادتين مهمتين لشخصين اتسما بالعدالة والمعاصرة للخليفة والقرب منه. وكلا الرجلين لا يمكن أن يتهما بالتعصب للمهدية إذ واصلا عملهما بعد المهدية وأدليا بشهادتيهما بعد زوال دولتها : أولهما هو الشيخ أبو القاسم أحمد هاشم الذي صار شيخاً لعلماء السودان والمؤرخ محمد عيد الرحيم. ويستشهد هذا الباب بوقائع وشهادات تبين الظلم الفادح الذي تعرض له الخليفة. وتذكر نتفاً من إنجازاته الضخمة، ويفرد الباب حيزاً كبيراً ليوضح وعي الخليفة السياسي بما يدور حوله في العالم والإقليم ومعرفته الدقيقة بالبلاد وقواها الإجتماعية ودوافع أهلها السياسية والاجتماعية ثم يوضح السمات العامة لأسلوبه في الإدارة.

    ثم يأتي للحديث عن الرضا الشعبي الواسع الذي حظي به الخليفة وعهده مستدلاً بالشهادات المحايدة، وبالمواقف التي هي أصدق إنباءً عن ذلك الإلتفاف ومنها الموت الفدائي العظيم معه في كرري والهجرة إليه بعد زوال سلطته ثم الموت معه في أم دبيكرات.

    ويستشهد الباب السادس بدراسة مهمة أعدها الباحثان الأمريكيان ( ريتشارد ديكميجيان ومارقريت فايزوميريسكي) بعنوان( القيادة الكاريزمية في الإسلام: مهدي السودان) . تبين تلك الدراسة ثبات الولاء للمهدية منذ بدايتها وإلى ما بعد زوال دولتها حيث تدرس 140 قائداً مهدوياً حافظ 90% منهم على ولائهم للمهدية وتدرس خلفيتهم الإجتماعية لتيبن أن المهدية حظيت بمساندة كل قطاعات المجتمع السوداني.

    ويستشهد هذا الباب أيضاً للتدليل على بقاء الولاء للمهدية بدراسة للبروفيسور حسن أحمد إبراهيم بعنوان ( الانتفاضات المهدوية ضد الحكم الثنائي في السودان 1900- 1927) والذي عدد فيه الانتفاضات المهدوية التي استمرت لفترة طويلة وفي أنحاء متفرقة من البلاد.

    ويناقش الباب السابع المعارضة الداخلية للمهدية وقضايا مثارة مثل قضية الجهادية وتفلتاتهم وقضية التعاون الحبشي في مواجهة الهجمة الأوربية وقضية محاباة الخليفة لأهله وسياسة التهجير. وفي قضية العرض الحشبي لللتعاون مع المهدية في مواجهة الهجمة الآوربية يوضح الباب مستعيناً بورقة الدكتور هارولد ماركوز ( مهمة رود 1897) وبوثيقة أوردها الدرديري محمد عثمان في مذكراته مع بقية المراجع التي تناولت القضية وهكذا.

    ثم يعرض الكتاب في باب تالٍ مقارنة بين المهدية والحكمين السابق والتالي لها من حيث التسامح والقهر : ليبين تعامل تلك النظم الثلاثة في الحرب وفي أحوال السجون والتعامل مع الأسرى والإلتزام بحقوق الإنسان ويتطرق لموضوع الرق والأسباب الحقيقة للغزو الثنائي للسودان والحريات الدينية وغيرها من الأوجه. ويستشهد هذا الفصل بدراسة بعنوان ( السيد عبد الرحمن المهدي: دراسة في المهدية الجديدة في السودان 1899- 1956) لحسن أحمد إبراهيم . كما يستعرض القمع الديني للمهدية والطرق الصوفية مستشهداً بورقة نقض المهدية التي بيّن كاتبها الحظر الذي فرضه الحكم الثنائي على المهدية ورموزها: من زي وشعائر عبادية الخ. بل والحظر على الطرق الصوفية التي رأوا فيها خطراً لكونها تحظى بقبول شعبي واسع خارج سيطرة الحكومة ولكون مؤسساتها من زوايا وخلاوى ومعاهد يتم تمويلها ذاتياً. فتبنت الحكومة البريطانية سياسات قمعية تجاه الطرق الصوفية عكس ما قد يتبادر للأذهان. وفي المقابل زرع الحكم الثنائي نمطاً من الإسلام الرسمي يسهل خضوعه ويتوافق مع الحاجات الإستعمارية. وتشير الورقة إلى أن الإستعمار البريطاني تخلى عن العلمانية في سبيل نقض المهدية ومحوها من الوجود إذ تتلخص فكرة العلمانية حسب رأي الورقة في إبعاد الدين عن السياسة وحصره في الجانب الشخصي وفي خصخصة المؤسسات الدينية وفي تناقص الأهمية الإجتماعية للمعتقدات الدينية ويخلص الكاتب إلى عدم إنطباق تلك المواصفات الثلاث على سياسة بريطانيا الدينية في السودان.

    ويلمح هذا الباب إلى الفرق في التعامل بين المهدية والحكم الثنائي مع الصوفية.

    ثم يخلص الكتاب في الباب التاسع ليبين بعض أوجه عطاء المهدية وإسهاماتها التي لم تغب حتى عن المؤرخين الأجانب ويبين بعض وظائفها التي يمكن أن تقوم بها مجدداً ودورها الديني والوطني الذي ظلت تلعبه والذي يمكن أن تلعبه، فأهم خلاصة لهذا الباب هي أن المهدية ليست فقط حركة تاريخية وإنما حركة مستمرة متجددة ولا تقل أهميتها الدينية والوطنية اليوم عما قامت به بالأمس. ويبين هذا الباب دور المهدية اليوم في ترسيخ الفكر الوسطي من حيث النظر والعمل والتبشير، كما يبين عطاءها الوطني وأهميته لبقاء البلاد والحفاظ على تماسك لحمتها الإجتماعية.

    يحتوي الكتاب على بعض الوثائق التي كان من الممكن تلخيصها والاكتفاء بذلك ولكن رأينا إعادة نشرها لأهميتها مثل خطاب الخليفة للملكة فكتوريا وعهد الأمان النبوي لغير المسلمين الموجود بكنيسة جبل الطور والوارد في كتاب ونجت ورد الدكتور محمد سعيد القدال على خطاب المنظمة العربية والثقافة والعلوم الذي يوضح للأسف الشديد استمرار وجود بعض العقليات الخديوية في أرفع المؤسسات العربية الإقليمية.

    وأخيراً فالمهدية كتاب مفتوح للتدبر والتفكر، وهي كتاب ذو صفحات عديدة: صفحة الإصلاح المجتمعي حيث ابتغت إصلاح الفرد والجماعة وتخليصهم من الرذائل ونقائص السلوك الفردي والجماعي. وصفحة إصلاح سياسي تحريري وصفحة إصلاح ديني وغيرها من الصفحات. وهي – أي المهدية – في سعيها من طور الدعوة إلى المقاومة إلى الدولة إلى إنهيار الدولة مرّت بأطوار وشارك فيها لاعبون مختلفو الثقافات والدوافع والقدرات والميول وشارك معها بالمعارضة والمدافعة آخرون بنفس التفاوت وأكثر. وهي كتجربة بشرية إجتماعية ذاخرة متشعبة لن يجدي معها منهجان: منهج الشانيء الجاحد لكل خير فيها، ومنهج رد الفعل المقدِّس لكل فعل فيها. فحتى صاحب الدعوة نفسه ربط تحقيق مقاصده بإخلاص مؤيديه وتجردهم وإلتزامهم بالسنة الراتبة الجارية التي لخصتها الآية الكريمة ( ولينصرن الله من ينصره). فكم من مرّة أنّب أهله وعشيرته الأقربين على مفارقتهم لجوهر دعوته وميلهم إلى الدنيا وزخرفها، وكم من منشور عاتب فيه المعتدين من أنصاره مذكِّراً أن النصر لا يكون مع الظلم وكم من مرّة نسب تخلف الوعود بقيام الدين كما كان يرتجي بسبب دخول كلاب الدنيا و طلابها، وبسبب مداخلة حب الدنيا وما يستتبعه من تقديم المغانم على المعاني. وكذلك تتردد نفس عبارات التقريع في المرويات الشفاهية عن خليفته.

    والمهدية كتجربة بشرية حدثت فيها أخطاء بلا ريب، لا سيما في مجال الدولة والسياسة وهذا شيء لا يعيبها ولا ينتقص منها، فليس هناك من تجربة بشرية خلت من ذلك ولا حتى فترة النبوة والخلافة الراشدة - في الاسلام – وماصاحبها من الدخول الجماعي في الدين الجديد دون تشرب الجميع لمبادئه وعمليات الارتداد الجماعي لبعض القبائل والصراع السياسي المعروف في التاريخ الاسلامي. إذن النهج الصحيح هو دراسة أية تجربة وفق مقاييس ومعايير محددة - يرتضيها العقل وتقتضيها النزاهة والموضوعية – والنظر إلى مواضع الصواب ومكامن الخطأ ومعرفة ما أصابت من نجاح وما وقعت في من فشل وإدراك ما قاد إلى النجاح وما أدى إلى الفشل.

    إذن ليس من غرض هذا الكتاب تقديس التجربة المهدية وتنزيهها عن كل خطأ، ولكن هذه العبارة القصيرة الفضفاضة العامة لا ينبغي أن تكون مدخلاً لغمط حركة أدت على الصعيد السياسي إلى تحرير البلاد من حكم أجنبي متمكن ما كان يُرجى التخلص منه، وإلى توحيد قبائل السودان ومناطقه تحت حكم وطني لأول مرة، وإلى خلق كينونة وإسم للسودان. وأدت على الصعيد الإجتماعي إلى العدالة الإجتماعية والمساواة وفتح باب الترقي على أسس موضوعية مثل الكفاءة ورضا الناس بدلاً عن الوراثة والأسس الطبقية وأدت إلى تلاقح وتمازج ديمغرافي كبير وأدت إلى إزالة المفاسد الخلقية في المجتمع كما أفلحت في خلق شخصية سودانية جديدة معتدة بذاتها وفجرت الطاقات الكامنة فيها. وأدت على الصعيد الفكري إلى تجاوز التفرق المذهبي وإلى فتح باب الإجتهاد وإلى تثوير التصوف وجره نحو الإيجابية والتفاعل مع قضايا الناس في المعاش والمعاد، وأدت إلى كسر الهالة الزائفة للتدين الرسمي الشكلي الوالغ في تأييد السلطان الجائر وتبرير ظلمه ونهبه بمقولات فقهية بالية. وقادت لتحرير الإنسان بعد تحريره من كل سلطة زمنية أو روحية وإيكال الأمر كله لله فلم يعد الفرد يخشى خزعبلات الدجالين ولا سيوف المتسلطين فاسترخص الموت وأسبابه وجاء بأمور غير مسبوقة أدهشت الأعداء قبل الأصدقاء.

    هذا بعض عطاء المهدية، وفي المقابل نجد أخطاء إدارية وسياسية وعسكرية وحوادث فردية وجماعية حدثت في ظروف دعوة تكوينية تحارب إستعماراً أجنبياً واقعاً كما تحارب جبهات إستعمار متربص متعددة، وتحاول إصلاح مجتمع متنافر غرس فيه الاستعمار التركي أمراض لم يكن يعرفها. وبناء مجتمع متماسك لم يعمل سوياً إلا في عهدها، كما تواجه جماعات محلية ارتبط بعضها بمصالح مع الحكم التركي بينما ارتبط بعضها الآخر بحياة البداوة التي لا تريد ولا ترضى لها بديلاً، ولا تفهم ولا تتفهم أسس الدولة الحديثة والإدارة الواحدة وتنظيم المجتمعات على أساسها والذي يستدعي ضربة لازب تخلي البعض عن حرياته على أساس العقد الإجتماعي المعروف اللازم لكل إجتماع بشري يضم أشتاتاً من الناس.

    إن أكبر مراجعة تمت للمهدية قام بها أنصار المهدية أنفسهم، إذ اختط قائد المهدية في الطور الذي أعقب الهزيمة طريقاً جديداً حقق به فتوحات تالية لا تقل عظمة وقيمة للدين والوطن من الفتح الأول، فتوحات أتم فيها مابدأته الدولة المهدية واستدرك فيها ما عجزت عن تحقيقه بحكم الظروف المذكورة آنفاً وحاول جاهدأ إكمال رسالتها النظرية في تجاوز الانقسام في المجتمع السوداني وفي الدعوة السلمية . وابتدع أساليب جديدة في تحقيق الأهداف السياسية بالكفاح السلمي المدني الذي التزم به التزاماً صارما إلى غير ذلك من المجالات التي ليس من غرض هذه المقدمة الدخول فيها ولا من غرض الكتاب إستقصاؤها وإن تمت الإشارة لبعض تلك الإنجازات في ثنايا الكتاب.

    وبعد فهذا جهد المقل، كتبته في ظروف شدة وقلة في الوقت والمراجع أرجو أن يكون جهداً محموداً ينفع ويفتح الباب لجهد آخر من آخرين هم أقدر مني وأوفر جهداً. وهو جهد سبقته جهود ضخمة جبارة رصينة متبصرة من آخرين أكبر علماً ومقاماً بلا أدنى ريب جزاهم الله خير الجزاء ونفع بهم.

    عبد الرحمن الغالي

    توطئة

    شوق الدرويش في ميزان العقل والعدل

    كنت و لا زلت ممن يهوون الآداب والفنون ويقدرونها حق قدرها ويعرفون خطرها. وكنت ولا زلت من الذين تستهويهم الكلمة الجميلة واللحن الموحي والأداء الرائع والأعمال الفنية الساحرة مهما كان مضمونها ومحتوى رسالتها، وما الفن في جانب من جوانبه إلا سحر يذهل العقل ويوقظ الروح. وبين ذهول العقل ويقظة الروح وإلتهاب العواطف يتجاوز المرء عن مدركات عقله ويدع روحه تستريح محلقة في الأجواء متخففة من ثقل العقل، ذلك السحر الذي أشار إليه المعصوم صلى الله عليه وسلم: ( إن من البيان لسحرا) وإليه أشار عمر: ( خير صناعات العرب أبيات يقدمها الرجل بين يدي حاجته يستميل بها الكريم ويستعطف بها اللئيم) روى ذلك الجاحظ في البيان والتبيين على ما أذكر والجاحظ بلا ريب هو مبتدع " البطل النقيض" Anti- hero في الأدب العربي إن لم يكن قاطبة، يستعمل قلمه السلس وعلمه الغزير في رسم شخصيات منبوذة فيجعلها موضع بطولته: كالبخلاء وكرسالته في فخر السودان على البيضان والمحاسن والأضداد الخ. ولبدر شاكر السياب قصيدتان في ديوانه أنشودة المطر ذواتا صلة قوية بما ذكرنا هما " المومس العمياء" و" المخبر" تجعلان القاريء يرى بُعداً يحجبه عنه التنميط المستقبِح – بكسر الباء- لهذين الفعلين الشنيعين. والسياب عبقري حوّل هزيمة العدوان الثلاثي الغاشم إلى نصر ونصر المعتدين إلى هزيمة:

    يا حاصد النار من أشلاء قتلانا منك الضحايا و إن كانوا ضحايانا

    كم من ردى في حياة و انخذال ردى في ميته و انتصار جاء خذلانا

    إنّ العيون التي طفّأت أنجمها عجلنّ بالشمس أن تختار دنيانا

    ××

    إن الحديد الذي صنتِ الحياة به غير الحديد الذي وافاكِ بالعطب

    و الخير في بندقيات قذائفها حتف المغيرين و الميلاد في قضب

    لكنه الشر في خبز حقائبه عون لأعدائكِ الجوعى و في قرب

    وقد صدق.

    لذلك لا أستنكر أن يكتب كل كاتب ما يرى من كتابة تحمل ما شاء لها أن تحمل من الرسائل والمضامين، فعلى الرسالة نَحْكُم بعد أن نُحَكّم العقل، ويمكن أن نستعير أبيات الأعشى بعد أن نجعلها للعقل:

    حكمتموه فقضي بينكم أبلج مثل القمر الزاهر

    لا يأخذ الرشوة في حكمه ولا يبالي غبن الخاسر

    ولن أحكم هنا - في هذا الكتاب - على أدبيات النص وفنياته وأسلوبيته، فإن مضمون النص قد تناول أمراً عظيماً كأعظم ما تكون الأمور. أمر يرتبط بكيان الأمة السودانية وتاريخها ومكوناتها الثقافية والروحية ويمتد ليشمل حاضرها ومستقبلها بل ومحيطها الإقليمي والعالمي.

    وقد بَنَتْ اللجنة التي منحت الرواية الجائزة – ومن ثم منحتها رواجها – أحكامها على رؤية سياسية وأيديولوجية واضحة ليس فقط في موضوع الرواية – المهدية في السودان – وإنما في إسقاط تلك الرؤية على الواقع المعاصر في العالم الاسلامي لا سيما الشرق الأوسط، وبذلك استحقت الرواية أن تُحمل محمل الجد، فالرواية أصبحت لا تتعلق بالتاريخ فقط وإنما بحاضر السودان ومحيطه، وهي تحاول إحياء رؤية ظننا – ظن تحقيق ويقين- أنّا قد تجاوزناها.

    فهل تمهد الرواية الطريق لشيء يراد بالسودان؟ أم هي مجرد كتابة متمردة ناقمة كشأن ارتباط الأدب في عصرنا الراهن – لا سيما الرواية- بالمغالاة في كسر المألوف وصدم المشاعر؟ فإن كانت الأخيرة فلا تثريب عليها فستنتهي الرواية إلى المكان اللائق بها في ميزان التاريخ علواً أو هبوطاً. وإن كانت الأخرى فإن من أوجب الواجبات دحض الإفتراءات وإحقاق الحق وتحطيم الأصنام التي طال مكوثها بين ظهرانينا والله المستعان.

    عبد الرحمن الغالي

    أبها في 11 ربيع الأول 1437 من هجرة المصطفى عليه الصلاة والسلام

    الموافق 22 ديسمبر 2015 من ميلاد المسيح عليه السلام

                  

العنوان الكاتب Date
المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدرويش.. دكتور عبد الرحمن الغالي عمر عبد الله فضل المولى03-01-16, 09:05 AM
  Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� عمر عبد الله فضل المولى03-01-16, 09:09 AM
  Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� عمر عبد الله فضل المولى03-01-16, 10:16 PM
    Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� محمد أبوجودة03-02-16, 05:20 AM
    Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� عمر عبد الله فضل المولى03-02-16, 07:48 AM
      Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� عمر عبد الله فضل المولى03-03-16, 08:25 AM
        Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� عمر عبد الله فضل المولى03-03-16, 10:00 PM
  Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� محمد حيدر المشرف03-04-16, 05:08 AM
    Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� عمر عبد الله فضل المولى03-05-16, 04:49 PM
      Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� عمر عبد الله فضل المولى03-06-16, 04:37 PM
        Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� عمر عبد الله فضل المولى03-07-16, 03:32 PM
          Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� عمر عبد الله فضل المولى03-08-16, 06:11 PM
            Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� عمر عبد الله فضل المولى03-09-16, 08:27 AM
              Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� عمر عبد الله فضل المولى03-10-16, 10:21 PM
                Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� عمر عبد الله فضل المولى03-12-16, 11:25 AM
                  Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� مني عمسيب03-12-16, 11:29 AM
                    Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� عمر عبد الله فضل المولى03-14-16, 11:17 AM
                      Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� عمر عبد الله فضل المولى03-14-16, 11:27 AM
                        Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� عمر عبد الله فضل المولى03-14-16, 11:32 AM
                          Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� عمر عبد الله فضل المولى03-15-16, 07:29 PM
                            Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� عمر عبد الله فضل المولى03-16-16, 08:00 PM
            Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� عمر عبد الله فضل المولى03-30-16, 04:00 PM
    Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� عمر عبد الله فضل المولى03-17-16, 09:25 AM
      Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� عمر عبد الله فضل المولى03-17-16, 07:26 PM
        Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� عمر عبد الله فضل المولى03-19-16, 07:49 PM
          Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� عمر عبد الله فضل المولى03-20-16, 04:04 PM
            Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� حماد الطاهر عبدالله03-21-16, 04:14 PM
              Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� عمر عبد الله فضل المولى03-22-16, 08:42 AM
                Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� عمر عبد الله فضل المولى03-22-16, 07:45 PM
                  Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� عمر عبد الله فضل المولى03-23-16, 11:09 AM
  Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� عمر عبد الله فضل المولى03-31-16, 09:21 AM
    Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� Ammar Makki03-31-16, 10:18 AM
      Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� Ammar Makki04-03-16, 07:38 AM
      Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� عمر عبد الله فضل المولى04-20-16, 04:56 PM
  Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� عمر عبد الله فضل المولى04-05-16, 04:03 PM
    Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� عمر عبد الله فضل المولى04-10-16, 09:44 AM
  Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� عمر عبد الله فضل المولى06-02-16, 05:07 PM
  Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� sadig mirghani06-04-16, 03:03 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de