كتب الكاتب الفاتح جبرا المتوفرة بمعرض الدوحة
|
Re: صابونة.. !!؟ المقارنة التي تُخرس كل صاحب لف (Re: عرفات حسين)
|
قد لا يعلم كثير من أبناء هذا الجيل الذين شبّوا في هذا الظلام، أن المريض كان قبل الإنقاذ تُجرى له من عملية القلب حتى جراحة التجميل بالمستشفى العمومي بلا مقابل، وكان يُصرف له الدواء مهما غلا ثمنه من صيدلية المستشفى، وكان التعليم بالمدارس الحكومية للتلاميذ الذين يحرزون درجات عالية، ويدخلها أبناء الرؤساء والوزراء والأثرياء (درس محمد إبن الزعيم إسماعيل الأزهري بمدرسة الهجرة الإبتدائية والأميرية الوسطى والمؤتمر/ حنتوب الثانوية ثم جامعة الخرطوم)، وكان يدرس بالمدارس الخاصة أصحاب الدرجات المتدنيّة، وكانت أجور المعلمين مناسبة بالحد الذي كان يجعلهم يبذلون غاية جهدهم لنجاح التلاميذ، وكان من العيب على المعلّم إعطاء دروس خصوصية في المنازل بأجر أو دون أجر، وكانت المدارس الحكومية تصرف للتلاميذ الكتب والكراسات والأقلام والملابس الرياضية بلا مُقابل، وكانت بالمدارس الحكومية ميادين للكرة والأنشطة الرياضية الأخرى، إلى جانب نشاط الموسيقى والمسرح، كما كانت المدارس الثانوية ترتب رحلات مجانية للطلبة لزيارة المناطق النائية في الجنوب وجبال النوبة ودرافور والنيل الأزرق حتى يتعرّف التلاميذ على حياة السكان في مناطق السودان المختلفة، وفي المدارس بالمناطق البعيدة بجنوب وغرب وشرق السودان، كان يُصرف للتلاميذ طقمين من ملابس المدرسة، كما يُمنح كل تلميذ قطعة صابون لغسل الملابس أثناء عطلة الإسبوع.
• ثم أن المقارنة السليمة بين الحكومات تكون بمثيلاتها التي تُعاصرها في الزمن بدول أخرى ذات طبيعة وظروف مشابهة، وأفضل مقارنة لأداء حكومة الإنقاذ يكون مع حكومة بلد مثل إثيوبيا التي بدأ نظامها الحالي الحكم في تاريخ مقارب للإنقاذ (1991)، والتي وجدت الشعب الإثيوبي (90 مليون) يعيش فيما يُشبه المجاعة، وحتى عام 1992 كانت إثيوبيا تعتمد في إقتصادها على تصدير محصول البن وقليل من السياحة، وكان الزائر للعاصمة أديس أبابا يرى البيوت المُشيّدة من الصفيح والكرتون على جانبي الطريق من المطار إلى المدينة (بولي روود)، ولم يكن بالعاصمة الإثيوبية سوى فندق واحد "جيون" بثلاث نجوم، وكانت سيارات أجرة المطار (من نوع فيات موديل 60 وما قبله) من السوء بحيث تُقفل الأبواب في معظمها من الداخل عن طريق "ترباس" خشب، وكانت معظم شوارع العاصمة تُرابية وغير مسفلتة، وكان من النادر أن ترى مبنى من طابقين بالمدينة، وكان مطار العاصمة الدولي يتكون من مباني قديمة وسط غابة من الأشجار.
• في أقلّ من المدّة التي حكمت فيها الإنقاذ، إستطاعت الحكومة الإثيوبية أن تُغيّر وجه البلد وحياة المواطنين بشكل كامل دون أن تضرب يدها مثل الثمانين مليار دولار التي تقاسمها أهل الإنقاذ من عائدات البترول، وهي اليوم على رأس الدول الأسرع نمواً في أفريقيا، ففي أقل من (15) سنة أنشأت الحكومة الإثيوبية (52) مصنع نسيج و(32) مصنع جلود و(10) مصانع سكر و(9) مسالخ لحوم حديثة، وأدخلت محاصيل ومنتجات نقدية جديدة، وتُعتبر اليوم إثيوبيا ثاني أكبر دولة مُصدّرة للزهور في العالم (بعد كينيا)، كما تقوم بتصدير ما قيمته نصف مليار دولار من الذهب، ومثله من الغاز الطبيعي، كما تطورت إثيوبيا في صناعة وتصدير الملابس الجاهزة والصناعات الجلدية للولايات المتحدة وأوروبا، وتقوم بتصدير الكهرباء حالياً (قبل إكتمال سد النهضة) إلى كل من جيبوتى والسودان وكينيا وسوف يشمل تصديرها خلال الثلاث أعوام القادمة دول أخرى منها تنزانيا واليمن ومصر، وأدّى إستقرار الأمن والإقتصاد في إثيوبيا إلى جذب المستثمرين من أنحاء العالم، ويستطيع المستثمر تحويل كل عائداته للخارج عن طريق البنك، فليس في إثيوبيا سعر رسمي وآخر موازي للعملات الحرة، فسعر التحويل بالبنك هو نفسه السعر الذي تبدّل به العملة عند بائع السجائر مع عمولة ملاليم نظير الخدمة الفورية، وعند وصول النظام الحالي للحكم كانت قيمة الدولار حوالي "7" وحدات من العملة المحلية "البِر" وبعد مرور 24 سنة على الحكم لا تزال العملة المحلية تحافظ على قيمتها مع إنخفاض طفيف في حدود ما يحدث في شأن بقية العملات المستقرة حيث تبلغ قيمة الدولار اليوم "19" بِر، وقد أدى ذلك إلى بلوغ تحويلات المغتربين الإثيوبيين ‘لى معدّل (4) مليار دولار في العام.
|
|
|
|
|
|
|
|
|