كميونة الدراويش

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-05-2024, 06:12 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف للعام 2016-2017م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
01-05-2016, 08:42 AM

ودقاسم
<aودقاسم
تاريخ التسجيل: 07-07-2003
مجموع المشاركات: 11146

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: كميونة الدراويش (Re: ودقاسم)

    قلت لأمي لماذا لا نسافر إلى البلدة التي شهدت حدث بيان والدي ونتحقق من الأمر، ونتعرف على تفاصيل حياته في الفترة الأخيرة التي عاشها هناك، فربما أن الرجل قد تغير عما كان عليه هنا، فارتقى ذاكرا وعابدا وسائحا، وسلك طريق القوم العارفين بالله. وربما نجد له هناك أبناء أكثر مني جاهزية وتأهيلا لدور الخلافة لأنه ربّاهم على الزهد والذكر والأدب، يعرفون طريقته ، وأوراده ، وبعض مريديه ، فنسند إليهم دور الخلافة هذا ، وسيقومون به أفضل قيام. لكن أمي لم يعجبها هذا الاقتراح ، فصكت وجهها ، وتمطت ، وتثاءبت ، ورددت دعاءها المأثور ، ثم نهضت واقفة ومدت يدها وأمسكت بيدي ، ففهمت أنها تريدني أن أقف وأرافقها إلى وجهة أرادتها . فأطعتها دون أدنى مقاومة، ودون أن أسألها عن وجهتها، فخرجت بي إلى الصالون الكبير في بيتها وهو مضيَفة متسعة ربما يعدّها بعض الناس بيتا كبيرا منفصلا إن توفرت لهم . مكان نظيف معطر يفوح برائحة الند والصندل ، وقد فرشت أرضيته بالسجاد العجمي الذي ظلت تحتفظ به منذ أن أحضرته معها وهي عائدة من رحلتها للحج قبل سنوات عديدة . وقد أعدت مجلسا وثيرا للخليفة هناك، تحيط به مقاعد لخاصته والمقربين منه . قادتني أمي إلى هذا المكان الذي لم أره من قبل في منزلها، وأجلستني على مجلس قالت إنه مجلس الخلافة ، ثم وضعت عباءة مذهّبة فوق أكتافي، ثم أمرت النساء فأطلقن الزغاريد، وانهالت التهاني من الحاضرين، وكان البيت أصلا يعج بمن يعد وجبة الغداء للمدعوين. وتجمّع جيران أمي وقدموا التهاني لي ولأمي، وبدت على وجوههم فرحة غريبة لم استطع إدراك معناها أو مصدر انطلاقها. إذن السيناريو كان معدا وجاهزا، فلم تكن أمي تقوم بخطواتها تلك بتردد أو بإعادة تفكير، بل كانت تنتقل من خطوة إلى أخرى بسلاسة غريبة ، وكأنها تردد نشيدا حفظته منذ المدرسة الابتدائية. ووسط كل ما يجري حولي كنت صامتا ، لا أكلم أحدا ، ولا أرد على تهانيهم، ولا أبتسم في وجوهم، فظللت جالسا ملتصقا بمجلس الخلافة، لا أتململ، ولا يصيبني اهتزاز. كنت فقط أمد يدي للناس بتلقائية غريبة، وهم يقبّلونها، ويتزاحمون عليها، ويتمنون لي التوفيق ، ويتمنون لأنفسهم النفع بجاهي .
    يا لبساطة هؤلاء القوم ، إنهم ينقادون لرغبات أمي وكأنها تسحر عيونهم وتسلبهم عقولهم فيتصرفون دون وعي منهم. بعضهم كان يدخل علي منحنيا، وبعضهم ينزل عمامته من رأسه ، ولا أحد منهم يجرؤ على الدخول منتعلا. رأيت من بينهم من هم أكبر مني سنّا، يشاركون في مباركة الحدث، رأيت المتعلمين، ومرسلي اللحي، والنساء والرجال، والشيب والشباب ، والوجهاء ، والبسطاء والسذج ، كلهم يدخلون علي، كثيرون منهم يسعون لنيل البركة، وقليل منهم متطفلون يدفعهم حب الاستطلاع والرغبة في ملء الفراغ. وانتصبت أمي واقفة في مدخل الدار ترحب بالداخلين ، وتودع الخارجين، تشكر لهم مسعاهم، وتؤكد عليهم جميعا الحضور للغداء، والمشاركة في إحياء ليلة الذكر. كانت أمي تدعو لهم بتحقيق مرادهم في زيارة النبي عليه الصلاة والسلام ، وتقول لكل واحد منهم ، قدمك لأبي ابراهيم . وأنا أعيش حالة من تكلس المشاعر أمام المشهد كله، وتتملكني الدهشة وأتساءل كيف استطاعت أمي تمويل كل هذا الذي تقوم به . ولا أعرف كيف أتصرف مع كل هذه التفاصيل ، وما الذي يمكن أن أقوله في مثل هذه المواقف التي لم تخطر لي على بال. لكني كنت متيقنا من مقدرتي على ضبط أعصابي وإخفاء مشاعري الحقيقية، وعدم الكشف عن مدي اقتناعي وإيماني بالدور الذي أقوم به.
    كان البيت قد تحول كله إلى مسرح كبير يقوم الممثلون فيه بإتقان أدوارهم وإجادتها كأنهم قد تدربوا عليها خلال عدد من البروفات ، وتعلموها على يد أمهر المخرجين. وقد لبسوا جميعا أزياء تناسب أدوارهم التي أسندت إليهم . وكنت أحس أن العرض كله معدٌ ومنتجٌ لصالح أمي ، لكني ما كنت أفهم مراميها ومقاصدها وتفاصيل حساباتها، إلا أنني كنت متأكدا أنها لن تفعل شيئا أو تتصرف تصرفا يكلفها آلاف الجنيهات مالم تكن قد عرفت تماما نصيبها المادي منه.
    تجمع حولي عدد من الدراويش في جلابيبهم الملونة ، كل الألوان تجتمع هنا ، وبعضهم أرسلوا شعورهم، وبعضهم جعلوا من شعرهم جدائل ، وكلهم متمنطقين بأحزمة ملونة تتطابق او تتنافر مع الجلابيب، لكنها في مجموعها تمثل لوحة زاهية الألوان بصرف النظر عن عمق معانيها أو سطحيتها. لا أعلم من حضّر لهم تلك الأزياء وبهذه السرعة، أم أنّ أمي كانت ترسم خطتها وتنفذها منذ فترة ليست بالقصيرة فأعدت لكل شيء عدته؟ لا أرى أحدا يندهش أو يتفاجأ بوجودي على مقعد الخلافة، وأنا النافر عن الدين وتفاصيله طيلة العمر. ولا أحد يسأل عن مصداقية حكاية والدي الذي اكتشف الناس صلاحه بعد موته ببضع سنين ، وليس هناك من يريد أن يشغل باله، فهم فقط يرون ما تحت أرجلهم. هم الآن يهتزون بعنف في حلقة الذكر، يكبرون، ويهللون، ويتمايلون طربا حتى يتصبب منهم العرق. وأنا جالس في منتصف الحلقة كمركزٍ قابضٍ يحرك أطرافا بعيدة بإشارة منه، والناس يطوفون من حولي يضربون النوبة والطار والرق ويهزون الكشاكيش، فتخرج النغمات مرتبة ترتيبا يهتز له حتى من لا قلب له. والغبار يتطاير حتى يغطي المصابيح المعلقة في الأعمدة التي تم توزيعها بعناية فائقة، فيقع ما ينفذ من ضوئها على رؤوس الذاكرين فترى ظلالهم وكأنها شجر يتحرك ويتمايل بفعل ريح عاتية . لا أعلم كم مر من الليل، وأنا ما زلت متماسكا، أحافظ على صمتي، وأحبس ابتسامتي، مصطنعا جدية لم أعهدها في حياتي كلها. وكانت النساء أيضا حاضرات ، حضورا كاملا ، وقد وقفن في الجانب الغربي من الحلقة، فطربن بالقصيد، واهتزت أجسادهن لضربات النوبة، وقد تبينت بينهن بصعوبة زوجتي وأمها. ومن المؤكد أنهن لا يصدقن أكاذيب أمي، ولم يأتين للسلام علي أو للتهنئة ، لكن ربما جئن إلى هنا بدافع حب الاستطلاع ، ولمعرفة الذي يدور هنا وأنا جزء منه. ولم أكن أعلم لم صمودي حتى الآن على موقف هزيل مثل هذا لم أكن سأقتنع به لو أنه طرح في حوار جاد ، فبقيت في صمتي ذاك أسخر من نفسي ، وأستغرب طول صبري. إلا أني كنت مقتنعا أنني لا أستطيع أن أنهي المسرحية كيف ومتى أردت ، وكنت أخشى عيون أمي التي بثتها في كل أرجاء البيت ، كما خشيت من انهيار أمر خططت له أمي طويلا دون أن أفهم حقيقة جدواه ومراميه وأبعاده .
                  

العنوان الكاتب Date
كميونة الدراويش ودقاسم12-30-15, 12:48 PM
  Re: كميونة الدراويش ودقاسم12-31-15, 12:20 PM
  Re: كميونة الدراويش جورج بنيوتي12-31-15, 02:13 PM
    Re: كميونة الدراويش ودقاسم01-01-16, 05:57 PM
      Re: كميونة الدراويش ودقاسم01-03-16, 07:03 PM
        Re: كميونة الدراويش ودقاسم01-05-16, 08:42 AM
          Re: كميونة الدراويش ابو جهينة01-05-16, 11:08 AM
            Re: كميونة الدراويش ودقاسم01-06-16, 01:07 PM
              Re: كميونة الدراويش ودقاسم01-10-16, 01:57 PM
            Re: كميونة الدراويش ودقاسم01-07-16, 10:33 AM
    Re: كميونة الدراويش ودقاسم01-06-16, 01:26 PM
      Re: كميونة الدراويش doma01-10-16, 03:20 PM
        Re: كميونة الدراويش ودقاسم01-11-16, 06:31 AM
          Re: كميونة الدراويش ودقاسم01-12-16, 01:18 PM
            Re: كميونة الدراويش ودقاسم01-13-16, 08:46 AM
              Re: كميونة الدراويش ودقاسم01-18-16, 08:22 AM
                Re: كميونة الدراويش ودقاسم01-20-16, 01:46 PM
                  Re: كميونة الدراويش ودقاسم01-22-16, 07:59 AM
                    Re: كميونة الدراويش ودقاسم04-04-16, 07:40 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de