|
Re: نوافذ مفتوحة ========= يحيي فضل الله ============= (Re: munswor almophtah)
|
عزيزنا محمد خلف في السرد القادم من اللاوعي، كيف يمكن التفريق بين الحلم والهلاويس والكشف والالهام والرؤية وثقاب الرؤية والوحي الالهي؟
وهذه المرة انا لا اسأل بقدر ما افكر بصوت عالي ومبعث هذا التفكير انتباهي لنقطة محددة، بعدما قرأت ردك اعلاه، والنقطة هي أن تجربة الأديان مرتبطة بشكل ما بالرؤى والأحلام عند مؤسسيها أو أنبياءها بل أن منبع عبادة كاملة مثل الحج وطقوسه جاء بعد رؤية الذبح وتداعياته كما وردت في الكتب السماوية. وعلى ما ذكر أن واحدة من الأديان الاسيوية قامت على حلم او رؤية، ومولد المراغنة جاء نتيجة لحلم، وقد أشرت في سؤالي السابق لكتاب ابن عربي والذي جاء نتيجة للحم وقد أضفت أنت أنواع أخرى من الرؤى أنتجت أدباً ومعرفة.
تجربة الايحاء أيضاً تٰصعِّب من فهم مسألة الاحلام، ولدي تجربة مع عدد من الاصدقاء كنت اقول لهم مثلاً (اليوم ستشاهد في حلمك فلان الفلاني اذا قرأت سورة يوسف قبل النوم) والذي يحدث انه يرى ذلك الفلان. وكنت ارجع ذلك الى أن الشخص يحلم بما يفكر فيه.
كما قلت فهو تفكير بصوت عالي، وربما محاولة لفهم ظواهر مثل الاديان وسردياتها والظاهرية الابداعية في مختلف المجالات والباراسيكلوجي وغيره من الظواهر التى تستعصي على العقل الواعي، وقد أردت مشاركة قراء هذا الخيط فيه
الصادق إسماعيل
| |
|
|
|
|
|
|
Re: نوافذ مفتوحة ========= يحيي فضل الله ============= (Re: munswor almophtah)
|
السَّردُ مطيَّةُ الوعيِّ والأحلامُ وسيلةُ اللَّاوعي، وكلاهما مظهرانِ لعقلِ السَّاردِ المتشظِّي
-الحلقة الثَّالثة-
عزيزي الصَّادق وعدنا في المرَّةِ السَّابقة بتخصيصِ حلقةٍ ختامية للنَّظر إلى العلاقة بين علم النَّفس والأحياء، وقلنا إن فكرتها تدور بشكلٍ مبهم حول "معرض الجسم، متحف الرُّوح"؛ ولكن قبل أن نشرعَ في هذا الشَّأن، أرجو أن نحدِّدَ الدَّورَ الذي تلعبه الأحلامُ في توضيح الفارق الجوهري بين الحقِّ والحقيقة. إن الله هو الحقُّ (الحج 62)، يقصُّ الحقَّ (سورة "الأنعام"، الآية 57)، وقوله هو الحقُّ (سورة "الأنعام"، الآية 73)؛ ويخبرنا في آية الكرسي (سورة "البقرة"، الآية 255) أنه المنفردُ بالألوهية، القائمُ على تدبير خلقة؛ ومن تمامِ قيوميته أنه لا تأخذه سنةٌ ولا نوم، مما ينتفي عنه بالضرورة تعرُّضُه لما يعتري النائمُ في نومه. وأنبياءُ الله يقولون الحقَّ (سورة "مريم"، الآية 34)؛ وقد جاء في حديثٍ يُروى عن السَّيِّدة عائشة أن "أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ فِي النَّوْمِ، فَكَانَ لا يَرَى رُؤْيَا إِلا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ"؛ وفي حديثٍ آخرَ أن "الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ". أما البشرُ العاديون، فإن مادة أحلامهم التي تبدو في ظاهرها مفارقةً للوعي البشري العادي، هي ما يُخضِعُها علمُ النَّفسِ الحديث إلى الدِّراسة والتَّحليل والتَّفسير؛ وهو ما نحنُ بصددِ الحديثِ عنه في هذه الحلقة الختامية.
[كُتبت هذه الفقرة التَّمهيدية للحلقة الثَّالثة قبل مشاركة الصَّادق إسماعيل الأخيرة، ولم تمنعني إلا شواغلُ من إكمال بقية الحلقة قبل تلك المشاركة؛ وعندما جلستُ اليومَ لإكمالِ الحلقة، وجدتُ مشاركة الصَّادق قد سبقتني، فقلتُ أدفعُ بهذه الفقرة، على أن أُكمِلَ الحلقة صباح الغد، عسى أن أُضيفَ إلى ما في ذهني إجاباتٍ لخواطرَ وردت في تفكير الصَّادق المسموع.]
محمد خلف
| |
|
|
|
|
|
|
Re: نوافذ مفتوحة ========= يحيي فضل الله ============= (Re: munswor almophtah)
|
السَّردُ مطيَّةُ الوعيِّ والأحلامُ وسيلةُ اللَّاوعي، وكلاهما مظهرانِ لعقلِ السَّاردِ المتشظِّي
-الحلقة الثَّالثة (كاملةً)-
عزيزي الصَّادق وعدنا في المرَّةِ السَّابقة بتخصيصِ حلقةٍ ختامية للنَّظر إلى العلاقة بين علم النَّفس والأحياء، وقلنا إن فكرتها تدور بشكلٍ مبهم حول "معرض الجسم، متحف الرُّوح"؛ ولكن قبل أن نشرعَ في هذا الشَّأن، أرجو أن نحدِّدَ الدَّورَ الذي تلعبه الأحلامُ في توضيح الفارق الجوهري بين الحقِّ والحقيقة. إن الله هو الحقُّ (سورة "الحج"، الآية 62)، يقصُّ الحقَّ (سورة "الأنعام"، الآية 57)، وقوله هو الحقُّ (سورة "الأنعام"، الآية 73)؛ ويخبرنا في آية الكرسي (سورة "البقرة"، الآية 255) أنه المنفردُ بالألوهية، القائمُ على تدبير خلقة؛ ومن تمامِ قيوميته أنه لا تأخذه سنةٌ ولا نوم، مما ينتفي عنه بالضرورة تعرُّضُه لما يعتري النائمُ في نومه. وأنبياءُ الله يقولون الحقَّ (سورة "مريم"، الآية 34)؛ وقد جاء في حديثٍ يُروى عن السَّيِّدة عائشة أن "أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ فِي النَّوْمِ، فَكَانَ لا يَرَى رُؤْيَا إِلا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ"؛ وفي حديثٍ آخرَ أن "الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ". أما البشرُ العاديون، فإن مادة أحلامهم التي تبدو في ظاهرها مفارقةً للوعي البشري العادي، هي ما يُخضِعُها علمُ النَّفسِ الحديث إلى الدِّراسة والتَّحليل والتَّفسير؛ وهو ما نحنُ بصددِ الحديثِ عنه في هذه الحلقة قبل الختامية.
يزعمُ علمُ الأحياءِ الحديث، وتدعمه مجموعةٌ من الملاحظات الثَّاقبة، أن جسم الإنسان تطوَّر على مراحلَ أملتها رغبته الغريزية في البقاء، حيث تمكَّن عبر أزمنةٍ طويلة من تكييف نفسه مع المتغيِّرات التي تطرح نفسها في بيئته. ويمكن بالمشاهدات العادية أن نلحظ التَّشابه والتَّحول التَّدريجي للأعمدة الفقرية للكائنات الحيَّة التي تشترك مع الإنسان في شعبة الفقاريات، حسب التَّصنيف البيولوجي المعروف. وقد سبق أن أشرنا في ردِّنا على عادل البراري إلى تركيب الدُّماغ البشري، وقلنا "إن وظائفه المعروفة تقع ضمن مستوياتٍ مُتراكبة، ومناطقَ مُتداخلة، وإن خصائصه المتفرِّدة تتوزَّع داخل كلِّ مستوًى أو كلِّ منطقةٍ مستقلة، قائمةٍ برأسِها. ففي مستوياته الدُّنيا الأساسية، يتمُّ عملية التَّنفُّس والنُّمو، إضافةً إلى الدَّورة الدَّموية، والهضم، وردِّ الفعل المنعكس، والتَّوازن. ويشترك الإنسانُ، ضمن هذا المستوى، مع بقيةِ الحيوانات؛ وهو المستوى الذي إذا اعتراه عطبٌ ما، فلن تكون بقيةُ المستوياتِ الأخرى بمنأًى عن التَّأثُّرِ السِّلبي.
"وفي المستوى الوسيط (الذي يُشار إليه أحياناً بالجهاز الجوفي)، تضطرمُ الانفعالات، وتصطرعُ العواطف، وتتدفقُ الأحاسيسُ، والأشواقُ العنيفة. ومنذ زمنٍ ليس ببعيد، كان يُظنُّ أن هذا المستوى له تأثيرٌ سلبيٌّ على أداءِ العقل، لذلك كان يُنصحُ بمراقبتِه عن كثب، ووضعِ العراقيلِ أمام طريقِه، وكبحِ جَيَشانِه، حتى يخلو الواقعُ الاجتماعي، أو الفكرُ المُعاش، من تأثيراتِه الضارَّة. إلا أن الأبحاثَ الحديثة تشيرُ بقوَّةٍ إلى أن هذا المستوى هو جزءٌ لا يتجزأ من العقل، الذي لا تتكامل أجزاؤه، إنْ حُرِم هذا الجزءُ عن التَّعبيرِ عن شغفِه، شوقِه، أو جَيَشانِه. أما المستوى الأخير، فهو مربطُ الفرسِ في الأداءِ العقلي، وهو ما كان يُظنُّ، حتى وقتٍ قريب، بأنه المسؤولُ وحدُه عن النَّشاط الفكري؛ فلنتخيَّل دماغاً فاشلاً في ضخِّ الدَّمِ عبر العروق، متبلِّداً لا يستجيبُ إلى المؤثِّراتِ الخارجية، مؤدِّياً إلى تعطيلِ الهضم، أو مُربِكاً لعملية الاستتباب أو التوازن؛ ولنتخيَّل شخصاً بلا عواطفَ أو انفعالات، ناضِباً من جهةِ الأشواق، أو متحجِّرَ الأحاسيس".
هذا ما قلناه في الرَّدِّ على عادل البراري؛ وما لم نقله في ذلك الرَّد، يشيرُ إلى ارتباط المستوى الأخير من الدُّماغ بالعقل اللَّاواعي كذلك، وهو ما تطرَّقنا إليه بشكلٍ عابر في الحلقة السَّابقة؛ وما لم نقله أيضاً حول المستويات الثَّلاثة للدُّماغ البشري، يشيرُ إلى أن هذه المستويات قد تطوَّرت في مراحلَ متعاقبة، وهو ما سنتطرَّق إليه في هذه الحلقة تحت فكرة "معرض الجسم"، توطئةً للحديث عن دور العقل اللَّاواعي وعلاقته بالأحلام، والثَّقافة، وأديان السِّجل الأنثروبولوجي، تحت فكرة "متحف الرُّوح".
في البدء، تطوَّرت أنساقٌ بسيطة واستجاباتٌ نمطية، تشمل أنظمة التَّمثيل الغذائي، وردود الأفعال الغريزية، والجهاز البيولوجي الثَّاوي خلف ما سيُولِّدُ لاحقاً الإحساسَ بالألم والدَّوافع والمحرِّكات المختلفة؛ ثمَّ تطوَّرت أنساقٌ أكثر تعقيداً، واستجاباتٌ نمطية، تشمل العواطف الثَّانوية، والعواطف الأساسية؛ ثم أنساقُ المشاعر التي تُنبئ بوجود الألم أو السُّرور، والعواطف التي تتكوَّن منها صوراً أولية؛ ثمَّ أخيراً الاستجابات المعقَّدة المرنة، والاستجابات المُعتزَمة التي يتمُّ صياغتها عبر صورٍ واعية، وربما تمَّ اعتمادُها في سلوكٍ بشريٍّ محدَّد.
يوجد المستوى الأول، وهو المستوى الخلفي، في قاع الدُّماغ، أو ما يُسمى بجذعِ الدُّماغ؛ ويوجد المستوى الوسيط في جوف الدُّماغ، لذلك يُسمى أحياناً بالجهاز الجوفي؛ أما المستوى الأخير، وهو المستوى الأمامي، فإنه يوجد في أعلى الدُّماغ، وهو المخ الذي يحتوي على قشرة الدُّماغ. وتتجاورُ هذه الأنظمة والمستويات، لكنها تؤدِّي وظائفَ متباينة، وإنْ كانت منسَّقة فيما بينها، كما أنها برزت إلى الوجود في مراحلَ مختلفةٍ من مراحل التَّطوُّر البشري، لكنها تعمل الآن في تنسيقٍ وتعاونٍ فائقين؛ فالجسمُ البشري عبارة عن معرضٍ تتجاور فيه الأعضاء؛ أما الدُّماغ البشري، فهو جناحٌ خاص ومتميِّز، تُعرض فيه الأجهزة المصنوعة في أزمنةٍ مختلفة، لتعملَ في الوقتِ الرَّاهن بكفاءةٍ ودقةٍ متناهيتين.
كما قلنا في فقرةٍ سابقة، فإن المستوي الأخير، الذي تطوَّر في مرحلةٍ لاحقة، ويحتوي على قشرة الدُّماغ، لا يرتبط بالوعي فقط، وإنما يرتبط كذلك بمنطقة اللَّاوعي، التي تمَّ اكتشافُها بواسطة علم النَّفس الحديث. ولم يؤدِ اكتشاف اللَّاوعي إلى استكشافِ منطقةٍ جديدة من الواقع فحسب، بل قاد إلى مضاعفةِ نظرتنا إلى العالم، كذلك. فقبل كلِّ شيء، لم نعُد نسأل فقط عما إذا كانت الظَّاهرة العقلية واعيةً أم لاواعية، بل أصبحنا نسأل كذلك ما إذا كانت الظَّواهر الواقعية نفسها مُكتسبةً عن طريق الوعي أم اللَّاوعي.
قلنا أيضاً إن الأحلام هي وسيلة اللَّاوعي للاتِّصال بالوعي، من غير أن يفقد العقل اللَّاواعي خاصيته. وفي حالة الأحلام العادية، فإن المحلِّل النَّفسي سيكون قادراً بمساعدة المريض على تفسيرها، سواءً كان عن طريق تقنية "التَّداعي الحر" عند سيجموند فرويد، أو الاهتمام بالأحلام ذاتها كنصوصٍ مستقلة قابلةً للتَّفسير بتعاونِ المحلِّل والمريض، كما هو الحال عند كارل غوستاف يونج. إلا أن بعضَ الأحلام تخرجُ عن النَّمط العادي، كأن تكونَ هوساً أو وسواساً أو مشحونةً بعواطفَ جمَّة، وهي ما يسميها فرويد بـ"البقايا القديمة". وقد اهتم بها يونج وأكسبها بُعداً شمولياً، وأسماها بـ"النَّماذج الأصلية" أو "الأنماط الأولية" (آركيتايبز).
حسب ما يرى يونج، فإن قوى اللَّاوعي الرَّهيبة لا تظهر فقط في الأحلام التي تشكِّل مادةً إكلينيكية، وإنما تظهرُ أيضاً وبشكلٍ أسطع بروزاً في الممارسات الأسطورية، والدِّينية، والفنية، وكافة الأنشطة الثَّقاقية (بالمعنى الأنثروبولوجي للمصطلح). ويرى يونج أن "الأنماط الأولية" هي أنساقٌ مشتركة موروثة بواسطة العقل الجمعي؛ وبما أن كلَّ النَّاس لديهم أنساقٌ موروثة من السُّلوك العاطفي والنَّفسي، فمن المتوقع أن نجد طابعاً لمنتجاتهم -التي تتخذُ شكلَ أوهامٍ وتصوراتٍ وأفكارٍ وممارسات- في كلِّ مجالات الأنشطة الإنسانية. فكما أن الجسم البشري هو "معرضٌ" قائم على الأنساق التَّشريحية العامة للثَّدييات، فإن النَّفس القديمة أو "الأنماط الأولية"، بحسب يونج، هي "متحفٌ" قائم على جوهر العقل البشري. وكما أن عالم التَّشريح الحاذق يجد عدَّة آثارٍ لأنساق الثَّدييات في الجسم البشري، فكذلك فإن خبير الرُّوح بإمكانه أن يجدَ عدَّة تشابهاتٍ وتناظراتٍ بين أحلام الإنسان المعاصر ومنتجات العقل البدائي، بصوره الجمعية وأفكاره الأسطورية المتكرِّرة.
كنَّا نرغب في أن تكون هذه هي الحلقة الأخيرة من مسلسل حلقات "السَّرد مطية الوعي والأحلام وسيلة اللَّاوعي"، إلا أن الحلقة قد طالت، ولم نتناول بعدُ علاقة اللَّاوعي بعلم الفيرياء، أو على الأصح علم فيزياء الجُسيمات المتناهية الصِّغر، لذلك سنخصِّص لها حلقةً رابعة، نرجو أن تكون، بإذن الله، هي الخاتمة الفعلية لهذا المسلسل.
محمد خلف
| |
|
|
|
|
|
|
Re: نوافذ مفتوحة ========= يحيي فضل الله ============= (Re: munswor almophtah)
|
عزيزنا خلف السلام ورحمة الله عليك والأسره والسلام على الأخ الصادق إسماعيل الذى كاد كيدا فى تماديه بالأسئله المفتاحيه والتى كدت أنت كيدا أكبر بأن فتحت مغاليق المسؤول عنه من ما جعل ذلك التناغم معرفيا مفيداً لنا ولكم وللغير، ونحن لا نبخس حرث سيقموندفرويد ولا زرع يونج ولكن نتساءَل عن خراج إبن سيرين ومرتكزاته فى تفسير الأحلام بعلمية كان ذلك أم بمعيارية هواتف وكشف وفراسه بما هو مثبت فى الأثر (أقول للشئ كن فيكون ويقول عبدى للشئ كن فيكون) أو الحديث الأخر يتقرب إلىّ عبدى بالنوافل الخ) أتمنى أن تشتمل الخاتمه على هذا التساؤل حتى تكون حاوية شامله.
منصور
| |
|
|
|
|
|
|
Re: نوافذ مفتوحة ========= يحيي فضل الله ============= (Re: munswor almophtah)
|
السَّردُ مطيَّةُ الوعيِّ والأحلامُ وسيلةُ اللَّاوعي، وكلاهما مظهرانِ لعقلِ السَّاردِ المتشظِّي
-الحلقة الرَّابعة-
عزيزي منصور أو بالأحرى عزيزاي الصَّادق ومنصور
ما كان من الممكنِ أن أستمرَّ في هذا الرُّكن، على أهمية رسالتي إلى الصَّديق عادل القصَّاص في ذاتها أولاً، وباعتبارها مِعبراً للتَّواصلِ مع جمهرة النَّاشطين في الحركة الثَّقاقية ثانياً، لولا تشجيعٌ صادقٌ لقيته منكما في شكلِ أسئلةٍ محرِّضة على التَّفكير، وفي شكلِ تقريظٍ يُثلجُ الصدرَ، ويدفعُ المرءَ نحو اجتراحِ المزيد. إلا أن التَّصوفَ بحرٌ عميقُ اللُّجة، ودربٌ وَعْرُ المسالك؛ وأنا لا أجيدُ السِّباحة، ولا أقوى على طولِ المسير. هناك غيري مَنْ هو أفضلُ منِّي في عرضِ تفسير الأحلام عند ابن سيرين أو النَّابلسي أو ابن شاهين أو ابن خلدون أو ابن عربي، غير أن غرضي هو تجاوز فكرة الكريبتوجرام أو النَّصِّ المشفَّر الذي يحتاج إلى مفتاحٍ لفكِّ طلاسمه أو قاموسٍ للاهتداء إلى معانيه، لذلك فقد تطرَّقت إلى فرويد، المعادل المعاصر لابن سيرين، في فقرةٍ واحدة لأخلُصَ منه إلى النِّطاق الأرحب الذي فتحه يونج، بالنَّظر إلى الأحلام في خصوصيتها التي تستغني عن القاموس العام، وتستعيضُ عنه بالمحلِّل المتعاطف مع المريض، الذي يساعدُ الحالمَ على فهم الرِّسالة التي يحاول العقل اللَّاواعي أن يوصلها إليه. فياعزيزي منصور، قد لا تجدُ عندي خراجَ ابن سيرين، لكنى أوعِدُكَ، بإذن الله، بتناولِ الآية 82 من سورة "يس": "إنَّما أمرُهُ إذا أرادَ شيئاً أن يقولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ"، إذ إنها هي كلمةُ الحقِّ، التي ترفُّ فوق هذا العالم الأرضيِّ المتشظِّي.
يُجدرُ بالذِّكرِ أن النِّطاق الأرحب الذي فتحه يونج لا يقفُ عند خصوصية الأحلام، وإنما يتجاوزها إلى الدَّور الذي يلعبه العقل اللَّاواعي نفسُه في استبصار العالم من حولنا، وهو الأمر الذي دفع عدداً من الفيزيائين المعاصرين ليونج، وعلى رأسهم وولفغانغ باولي، إلى القول بأن إدراك الطَّبيعة يستلزم إدراك طبيعة العقل النَّاظر إلى ظواهرها: هل هو عقلٌ واعٍ مدركٌ لما حوله أم أن هناك دوراً يلعبه العقل اللَّاواعي في استكشاف او استشراف هذا العالم. وهذا الجانب المعاصر المرتبط بالعلوم الطَّبيعية هو الذي يجذبني إلى مداراته، وأترك لِمَنْ هو أفضلُ منِّي مهمة التَّبحُّر في تراث الماضي أو الاسترشاد بالقبس القادم من ذاك الزَّمان السَّحيق.
يتعدَّى العقلُ اللَّاواعي عند يونج الجانبَ الشَّخصي، ليشملَ العقل اللَّاواعي الجمعي، وهو الذي يتضمَّن المستويات العميقة للنَّفس، وتحتوي على الموروثات المتراكمة، وهي ما يسميها يونج بـ"النَّماذج الأصلية" أو (الآركيتايبز). وقد بدأ كثيرٌ من المفاهيم العلمية، مثل المادَّة والطَّاقة والذَّرَّة، بوصفها "نماذجَ أصلية"، ثم تطوَّرت إلى أن صارت مفاهيمَ دقيقة، يتم التَّعبيرُ عنها حالياً وفق مصطلحاتٍ رياضية مجرَّدة. فهذه المفاهيم لم تُصَغْ في البدء للتَّعبير عن واقعٍ موضوعي، وإنما جاءت بدافعٍ فطريٍّ لدى الإنسان لإيجادِ صلاتٍ مناسبة بين الوقائع الخارجية وما يعتمل في النَّفس من وقائعَ داخلية. ويرى باولي أنه نتيجةً لاكتشاف العقل اللَّاواعي، فإن مراجعةً ضرورية لابد من إجرائها لفكرة تطوُّر الحياة، مما يستدعي مراجعة العلاقة بين النَّفس اللَّاواعية والعمليات البيولوجية الخارجية. ومما يُزكِّي هذه النَّظرة أن عمليات الارتقاء تحتاج إلى وقتٍ أكبر من العمر المعروف لكوكب الأرض، إذا ما تمَّتِ التحوُّلاتُ المُنتخبة عن طريق الصُّدفة المحضة.
وفقاً لهذه النَّظرة، فإن مصادفاتٍ "ذات معنى" هي التي سرَّعت من عمليات التَّحوُّل المُنتخب؛ وهي نفسُ المصادفات التي تقود عن طريق تنشيط "النَّماذج الأصلية" والموروثاتِ المتراكمة إلى التَّنبؤاتِ فوق الطَّبيعية، مثل معرفة مصطفى سيد أحمد لموتِ قريب أو عثورِ مسعودٍ على شيءٍ مفقود أو اضطرارِ حيوانٍ، تحت ظروفٍ ضاغطة، إلى تغييرِ مظاهرِه المادية الخارجية. إلا أن ما يهمني من تأثير يونج لا يرتبط بتفسير الظَّواهر الباراسايكولوجية أو إعادة تفسير النَّظرية الدَّارونية، وإنما يختصُّ بصلة علم النَّفس بعلم الفيزياء، أو على وجه الدِّقة: علم فيزياء الجُسيمات الدَّقيقة، وهو العلمُ المعروف باسم ميكانيكا الكم، الذي كان باولي، صديق يونج، أحدَ مؤسِّسيه الرَّئيسيين؛ والذي يرتبطُ باسمه أحدُ الحالات الطَّريفة التي تُسمى "أثر باولي"، وهي أن المعدات التَّقنية تُصابُ فوراً بالعطل في حضورِ عالم الفيزياء النَّظرية النَّمساوي وولفغانغ باولي، وهي الظَّاهرة التي أشار إليها إستيفن هوكنج بشكلٍ فَكِهٍ في كتابه الشَّهير: "تاريخٌ موجزٌ للزَّمن".
قد تبيَّن ليونج أثناء عمله اللَّصيق مع باولي أن علم النَّفس التَّحليلي في بحوثه التي يجريها في مجاله الخاص، كثيراً ما يضطرُ إلى صياغةِ مفاهيمَ شبيهةٍ بتلك التي يصيغها الفيزيائيون عندما يجابهون ظواهر الطَّبيعة المتناهية في الصِّغر؛ ومن تلك المفاهيم، يبرزُ واحدٌ من المفاهيم الشَّهيرة التي صاغها عالمُ الفيزياء الدَّنماركي، نيلز بور، وهو مفهوم "التَّكامل" أو "التَّكاملية". على سبيل المثال، يمكن النَّظر إلى الضُّوء باعتباره جُسيماً متناهيَ الصِّغر (فوتون)، كما يمكن النَّظر إليه باعتباره موجةً، ولكن لا يمكن أن يكونَ الاثنين معاً (جُسيماً وموجةً) في نفسِ الوقت؛ فتحت ظروفٍ تجريبية معيَّنة، يُظهِرُ الضُّوءُ نفسَه كجُسيم، وتحت ظروفٍ أخرى كموجة. وكذلك حسب مبدأ الرِّيبة أو اللَّايقين الذي صاغه عالمُ الفيزياء الألماني فيرنر هايزنبيرج، فإنه لا يمكن تحديد الموقع والسُّرعة المتَّجهة في نفسِ الآن. وعلى المراقب -الذي يتدخَّلُ بشكلٍ حاسم في التَّأثير على قياساته- أن يختارَ إعداداته التَّجريبية قبل الخوضِ في غمارِ التَّجربةِ ذاتِها، علماً بأنه سيضحي بالإعدادات الأخرى، إنْ فعل؛ وهو الوضعُ الاحتمالي التَّأسيسي الذي يعصف بنظرية اليقين في شكلها القديم الذي أرسته الفيزياءُ الكلاسيكية.
يُعتبر تفسير بور، الذي يستخدم مفهوم "التَّكاملية"، واحداً من عدَّةِ تفسيراتٍ تفوقُ العَشَرةَ بكثير لميكانيكا الكم؛ وهو من أشهر تلك التَّفسيرات، وقد لا يكونُ أهمها، لكنه الأهمُّ بالنِّسبة لموضوعنا، وهو تشظِّي هذا العالم. فقد قبل العلماء بشكلٍ عام دخول مبدأ الاحتمال على صياغاتهم العلمية الصَّارمة، إلا أن هذا الأمر يشكِّل أهميةً قصوى بالنِّسبة لعلماء النَّفس الذين ينظرون إلى الوضع النَّفسي العام من حيث الوعي أو اللاوعي على حدٍّ سواء؛ وعلى وجه الخصوص، كارل غوستاف يونج، الذي يستخدم فكرة "التَّكاملية" التي جاء بها نيلز بور، فهو يرى أن العلاقة بين العقل الواعي واللَّاواعي تقومُ هي كذلك على مبدأ "التَّكاملية"؛ فالمواد القادمة من جهة اللَّاوعي تغيِّر طبيعتها الأساسية، حينما تدخل في منطقة اللَّاوعي، إنْ كان ذلك في شكلٍ أحلامٍ أو أساطيرَ أو ممارساتٍ طقسية بدائية؛ وكذلك فإن مردودَ الوعي الذي يأتي من الأحلام، على سبيل المثال، له تأثيرٌ كبير على طبيعة اللَّاوعي لدى الحالمين.
قلنا في الحلقة الأولى إن المجالات الرَّئيسية الثَّلاثة للحقيقة، وهي العالم واللُّغة والعقل، كلُّها مجالاتٌ متشظِّية، إذ إنها قائمةٌ على صدعٍ أساسيٍّ في أنظمتها البنيوية؛ فالعالمُ مُغطًى بظاهرٍ قابلٍ للتَّعرُّفِ عليه، إلا أنه ينطوي على شيءٍ يصعبُ التَّعرُّفُ على كُنهِه؛ واللُّغة في جانبٍ منها نظامٌ إشاريٌّ يقومُ على التَّعيين، وفي جانبٍ آخرَ منها نَسَقٌ رمزيٌّ لا يعملُ إلا بالتَّضمين؛ وها هو يونج يوكِّد بأن العقل به قسمٌ واعٍ يستندُ إلى المنطق، وقسمٌ آخرُ يعملُ بوصفه عقلاً لا واعياً، وأن التَّأثير المتبادل بينهما يقومُ على مبدأ "التَّكاملية" التي قال به بور في مجال فيزياء الجُسيمات الدَّقيقة.
وما نقولُ به نحن إن عالم الحقيقة لا يبرأ من الصَّدع أو التَّشظِّي، فالمادَّة والعقل في تصدُّعهما البنيوي لا تلحمهما فكرة "التَّكامل"؛ كما أن اللَّغة التي من المفترض أن تعملَ كجسرٍ رابطٍ بينهما، هي الأخرى مكتنفةٌ في مجال الحقيقة بالتَّشظِّي. ومع إنها توهم في صيغتها الأدائية التي اكتشفها جي إل أوستن بالرَّتق، كأن يُفتتحَ برلمانٌ بصيغةٍ أدائية، فيصبحُ منعقداً على إثرها بشكلٍ رسمي؛ أو تُكتبُ صيغةٌ أدائية على ورقةٍ، فتصبحُ عملةً ساريةَ المفعول ومبرئةً للذِّمَّة بفضلِ صياغتها على ظهر الورقة؛ أو تُطلقُ صفارةٌ إيذاناً ببدءِ مباراةٍ لكرةِ القدم أو انتهاءِ دوريةٍ في مصنعٍ للملابسِ الصُّوفية. إلا أن فتقاً يعتري هذه الصِّياغات الأدائية، إذا نظرنا إلى التَّركيب الاجتماعي الذي تقوم عليه، سواءً اتَّخذ ذلك شكلَ إدارةٍ برلمانية، أو مصارفَ ماليةٍ مركزية، أو اتِّحاداتٍ محلية أو إقليميةٍ أو دولية.
أمَّا في رحابِ الحقِّ، فليس في الوجودِ من مُوجدٍ غيره؛ وإذا أراد شيئاً، فلا شيءَ يتوسَّطُ بين إرادته وكينونة الشَّيء، سوى كلمته. ولأن كلامه قائمٌ على العلم، وعلمُه يسعُ كلَّ شيء، فإن الإنسان لا يعلم إلا ما علَّمه الله. والقرآنُ هو كلامُ الله الذي نزل على نبيِّنا محمد بواسطة الملك جبريل. ومعرفته مرتبطةٌ بإذنه، إلا أن إرادة المفسِّرين المتأخِّرين عمِلت على تفسيرِ القرآن آيةً على إثرِ آية، وقد كانوا محقِّين في صيغةٍ لا جدالَ حولها، هي "اللهُ أعلم"، التي تخلَّلت جلَّ تفسيراتهم. وكان المفسِّرون الأوائل يذرعون الأرضَ من أقصاها إلى أقصاها لتفسيرِ آيةٍ واحدةٍ فقط. وبما أن كلامَه قديم، وزمانَه مديد، فإننا لا نعرف متى يُقدِرُ اللهُ أحدَنا على تفسيرِ بعضٍ من آياته على وجهِ اليقين، سوى ما جاء على لسانِ نبيِّه وأفضل أصحابه وعترته.
إلا أن هناك سماتٍ أو إشاراتٍ تضيءُ طريقَ التَّفسير؛ على سبيل المثال، "وألقى في الأرضِ رواسيَ أن تميدَ بكم وأنهاراً وسبلاً لعلكم تهتدون" (سورة النَّحل"، الآية رقم 15)؛ فكثيرٌ من المفسِّرين، بما فيهم الطَّبري والقرطبي وابن كثير، يعتقدون أن الرَّواسي هي الجبال، ولكن المُلمَّ بمشكلة انهيار الإلكترونات داخل الذَّرَّة، حسب تصوُّر نيلز بور لها، والحلِّ الذي اقترحه وولفغانغ باولي، وهو ما صار يُعرف بـ"مبدأ باولي للاستبعاد" [وهو بالطَّبع غير "أثر باولي"، الذي تحدَّثنا عنه في فقرةٍ سابقة]، يدرك أن ما يمنع الأرضَ من أن تميدَ بنا، هو المبدأُ الذي أقدر اللهُ باولي على صياغته، وهو المبدأُ الذي لا يعملُ في الأرضِ فقط، وإنما في سائرِ الكونِ كذلك؛ وبالطَّبع، في نهاية هذه الحلقة الأخيرة من مسلسل "السَّردُ مطيَّةُ الوعيِّ والأحلامُ وسيلةُ اللَّاوعي، وكلاهما مظهرانِ لعقلِ السَّاردِ المتشظِّي"، لا يمكنُ لنا إلا أن نؤمِّنَ عن قناعةٍ كاملة على جملةِ المفسِّرين الأثيرة، بأن الله وحدَه هو الأعلم.
محمد خلف
| |
|
|
|
|
|
|
Re: نوافذ مفتوحة ========= يحيي فضل الله ============= (Re: munswor almophtah)
|
لا يخلو الاستخدامُ العادي للُّغة من تجاورِ المستويين، إذ لا توجد لغةٌ صرفة قائمةً على التَّعيين، كما لا توجد أخرى قائمةً بشكلٍ كامل على التَّضمينِ وحده؛ ولكن الشِّعرَ يغلب عليه التَّضمين، الذي يدخل في اللُّغة المجازية بتشبيهاتها واستعارتها المعروفة. أمَّا الموسيقى، فإن لغتها بطبيعتها مجرَّدة وحُبلى بالتَّضمينات المفتوحة؛ وسيبدع الموسيقيُّ البارع إنْ مال بها ميلاً نحو التَّعيين، كأن يعزف موتزارت موسيقى قدَّاس الموتي، أو يُنطِقُ حسن عطية الوترَ، فيعمُّ الطَّربُ في حفلةِ زفافٍ أمدرماني.
محمد خلف
| |
|
|
|
|
|
|
Re: نوافذ مفتوحة ========= يحيي فضل الله ============= (Re: munswor almophtah)
|
وإلى هذا التقرير القصير والمثير من محمد خلف:
المذيع التلفزيوني المخضرم ديفيد أتنبرا يرتادُ آفاقاً جديدة من السَّرد عبر تقنية "الواقع الافتراضي"
نشرت اليوم صحيفة "الجارديان" البريطانية تقريراً تحت عنوان: "المذيع التِّلفزيوني وعالم الطَّبيعة المخضرم، ديفيد أتنبرا، ومنتجُ برنامج ’إنتاج أطلسي‘ الطَّليعي يرتادان آفاقاً جديدة للسَّرد بغوصهما عميقاً داخل تيار ’الواقع الافتراضي‘". وتحدَّثت كاتبة التقرير ماغي براون عن تجربتها في مشاهدة الثَّواني القليلة الأخيرة من برنامج "الحياة الأولى"، وهو عبارةٌ عن تجربةٍ رائدة في استخدام تقنية "الواقع الافتراضي" لسردِ قصةِ العالَمِ الطَّبيعي، وهو برنامجٌ يرويه أتنبرا، ويتمُّ عرضه في الأستوديو التَّعليمي لمتحف التَّاريخ الطَّبيعي بجنوب كنسينجتون بلندن، الذي سُمِّي باسمه، احتفاءً بشهرته التي طبَّقت الآفاق. ويُعيدُ برنامج "الحياة الأولى" المحيط الكمبري مضاءً بنورِ شمسٍ ساطعة، وهو المحيطُ الذي انبثقت فيه الحياةُ فجأةً، فيما أصبح يُعرف بـ"الانفجار الكمبري"، وذلك قبل 540 مليون عام، استناداً على مُستَحجَراتٍ أُحفورية جمعها عالمُ المُتحجِّرات البارز بالمتحف، دكتور غريغ إدجكومب.
وقد لفت نظري إشارةُ الكاتبة إلى "أنومالوكيريس" (ذات الخرطومين البائنين)، على الرَّغم من هفوتها الإملائية الصَّغيرة، إذ كتبتها "أمالاكيريس"؛ هذا إضافةً إلى تثبيتها صورةً فوتوغرافية باهرة في نهاية التَّقرير لـ" أوبابينيا" (ذات الأعينِ الخمس)، وهما النُّموذجان الأكثر سطوعاً -في نظري- لعصرِ المفصلياتِ ثلاثيةِ الفصوص، التي تضاهي في أهميتها عصر الدِّيناصورات؛ فقلتُ أُشركُ قراءَ "رسالتي إلى عادل القصَّاص" ومتابعي هذا الرُّكن معي في مشاهدةِ هذه المادَّة البصرية الرَّائعة. ولفائدتهم جميعاً، أرفق أدناه تقرير "الجارديان" كاملاً.
http://www.theguardian.com/media/2015/jul/05/david-attenborough-vr-atlantic-national-history-museumhttp://www.theguardian.com/media/2015/jul/05/david-attenborough-vr-atlantic-national-history-museumhttp://www.theguardian.com/media/2015/jul/05/david-attenborough-vr-atlantic-national-history-museumhttp://www.theguardian.com/media/2015/jul...ional-history-museum
محمد خلف
| |
|
|
|
|
|
|
Re: نوافذ مفتوحة ========= يحيي فضل الله ============= (Re: munswor almophtah)
|
إلا أن هناك سماتٍ أو إشاراتٍ تضيءُ طريقَ التَّفسير؛ على سبيل المثال، "وألقى في الأرضِ رواسيَ أن تميدَ بكم وأنهاراً وسبلاً لعلكم تهتدون" (سورة النَّحل"، الآية رقم 15)؛ فكثيرٌ من المفسِّرين، بما فيهم الطَّبري والقرطبي وابن كثير، يعتقدون أن الرَّواسي هي الجبال، ولكن المُلمَّ بمشكلة انهيار الإلكترونات داخل الذَّرَّة، حسب تصوُّر نيلز بور لها، والحلِّ الذي اقترحه وولفغانغ باولي، وهو ما صار يُعرف بـ"مبدأ باولي للاستبعاد" [وهو بالطَّبع غير "أثر باولي"، الذي تحدَّثنا عنه في فقرةٍ سابقة]، يدرك أن ما يمنع الأرضَ من أن تميدَ بنا، هو المبدأُ الذي أقدر اللهُ باولي على صياغته، وهو المبدأُ الذي لا يعملُ في الأرضِ فقط، وإنما في سائرِ الكونِ كذلك؛ وبالطَّبع، في نهاية هذه الحلقة الأخيرة من مسلسل "السَّردُ مطيَّةُ الوعيِّ والأحلامُ وسيلةُ اللَّاوعي، وكلاهما مظهرانِ لعقلِ السَّاردِ المتشظِّي"، لا يمكنُ لنا إلا أن نؤمِّنَ عن قناعةٍ كاملة على جملةِ المفسِّرين الأثيرة، بأن الله وحدَه هو الأعلم.
محمد خلف
| |
|
|
|
|
|
|
Re: نوافذ مفتوحة ========= يحيي فضل الله ============= (Re: munswor almophtah)
|
سردية علم الوراثة (الجينيِّ) التَّنبؤيِّ الجديد
في عام 2005، نشرت مونيكا كونراد، الباحثة في علم الأنثروبولوجيا الاجتماعية، كتاباً تحت عنوان: "سردية علم الوراثة التَّنبؤيِّ الجديد: علمُ الأخلاق، الأنثروبولوجيا الوصفية والعلوم الطَّبيعية"؛ وهو كتابٌ يطرحُ في المقام الأول قضايا تهمُّ العالم الغربي المتطوِّر، إلا أنني ارتأيت إشراكَ قُرَّاءِ رسالتي إلى عادل القصَّاص من متابعي هذا الرُّكن في هذه الحلقة الخاصَّة، لثلاثةِ أسبابٍ، هي أولاً: ليس للتَّدليل فقط على شمولية السَّرد، وإنما لكي لا يظنُّ ممارسٌ لأيٍّ من مبادئ المعرفة التي لم نتطرَّق إليها بعد بأنه بمنأًى عن هيمنة السَّرد أو نفاذه إلى كافَّةِ الحقول المعرفية؛ وثانياً: لصلة الموضوع بالجينوم البشري، الذي تحدَّثنا عنه في مشاركةٍ سابقة، وللتَّسلُّل من خلال متابعة الغرب للمراحل الأولى من الاستفادة منه إلى إدراكِ ما يكون عليه الحال حينما تتطوَّر وسائلُ البحث لتغطي الصِّلات المتشابكة للجينات داخل الجينوم البشري، والتي لن تستبعد أحداً مهما نأى أو تباطأت وسائلُ اكتسابه للمعارف الجديدة؛ وثالثاً، وهو الأهم بالنِّسبة لموضوعنا، للتَّعرُّف على طبيعة التَّشظِّي داخل العلوم الاجتماعية.
تناولت الكاتبة بعض الأمراض الوراثية التي تسبَّبتِ اختباراتُها الجينية الحديثة في تغيير شكل العلاقة بين علمَي الأخلاق والطِّب. فقد وفَّرت تلك الاختبارات معلوماتٍ تشخيصيةً وتنبؤيةً دقيقة، مما أثار قضايا ذات أهميةٍ قصوى في الغرب، تتعلَّق بفكرة القبول، الخصوصية، واستخدام المعلومات السِّرية من قبل أفراد الأسرة والأطراف الأخرى. وقد ركَّزت الكاتبة على داء هنتنغتون (إتش دي)، الذي أصابتِ الاختباراتُ الجديدةُ بإزائه نجاحاتٍ باهرة، لارتباطه بمنطقةٍ محدَّدة للحامض النَّووي الرِّيبي منقوص الأكسجين (دي إن إيه) داخل الذِّراع القصيرة للكروموسوم رقم 4؛ أمَّا الاختبارات التَّنبؤية لحالات الأمراض المرتبطة بعدَّة جينات داخل الجينوم، فهي غير متوفرة في الوقت الرَّاهن لدى الباحثين البارزين في هذا المجال.
يُعتبر داء (إتش دي) أولَ حالةٍ للأمراض العصبية-الانتكاسية التي ينجحُ معها الاختباراتُ الجينية التَّنبؤية، التي أصبحت متوفِّرة مع نهاية الثَّمانينات. وهو مرضٌ نادر يُصيبُ الجهاز المركزي العصبي، ويتسبَّب في حدوث الحركات اللاإرادية والخرف التَّدريجي، ولا يوجد حالياً أيُّ علاجٍ معروف ومتوفِّر لهذا المرض. ويُصيبُ المرضُ عادةً الأشخاص في منتصف العمر، وأحيانا الأطفال؛ لذلك، فإنه يُشار إليه باعتباره مرضاً متأخِّرَ الظُّهور. ويستمر المرض لفترةٍ تتراوح بين عشرةٍ وعشرين عاماً. وقد يشهد المصابون بالمرض تغييراتٍ في شخصياتهم، قد تشمل التَّهوُّر، والنِّسيان، والاكتئاب، والسُّلوك العنيف. أمَّا من ناحيةٍ جسدية، فقد يعاني المريض من الفقدان التَّدريجي للنُّطق، والتَّدهور العام في القدرة على تأدية ردود الأفعال اللاإرادية، لدرجةٍ يصعُبُ معها بلعُ الرِّيق، مما يؤدِّي أحياناً إلى الموتِ اختناقاً.
بما أنه أصبح من السَّهل اكتشافُ كثيرٍ من الحالات، نتيجةً لتركيز الاختبارات على جينةٍ واحدة داخل الكروموسوم رقم 4، رغم إحجامِ عددٍ كبيرٍ من الأشخاص عن إجراء الاحتبارات، فقد تنامى عددُ المشخَّصين بالمرض، بل أن بعضهم قد تمَّ تشخيصه بالمرض قبل ميلادهم، مما أثار عدَّة مسائل حيوية ترتبط بمهنة الطِّب وعلم الأخلاق. وقد ارتبطت الباحثة بعددٍ من أسر المرضى والتَّنظيمات الأهلية العاملة في مجال التَّعريف بالمرض، وجمع التَّبرعات الخاصة بتطوير البحوث المتعلقة بهذا المجال. وقد حرصت الباحثة الأنثروبولوجية على إبراز سرديات أسر المرضى، والأفراد المشخَّصين بصورةٍ قبلية بالمرض، وما يطرحه ذلك من مسائلَ أخلاقيةٍ مرتبطة باستخدام المعلومات حول المرضى أو المشخَّصين مُسبقاً بالمرض، سواءً تعلَّق ذلك بمسألة القبول أو حماية الخصوصية؛ كلُّ ذلك في مقابل مبدأ حرية توفُّر المعلومات، وحقِّ مؤسَّسات الدَّولة في جمعها، ونشرِ الإحصائيات، ووضعِ السِّياسات الخاصة باحتواء المرض وعلاجه.
واجه علمُ الأنثروبولوجيا الكلاسيكي -بشقيه الثَّقافي والاجتماعي- صعوباتٍ منهجية في جمع المعلومات عن المجتمعات "البدائية"، كما واجه معضلاتٍ أخلاقية في استخدامها لأغراضِ البحث أو الإثارة الغرائبية. على سبيل المثال، لقي إدوارد إيفانز-بريتشارد صعوبةً جمَّة في فهم صناعة السِّحر عند الزَّاندي، وكان يدخل في جدالٍ لا ينقطع مع المخبرين المحليين في محاولته لفهم الظَّواهر الاجتماعية لدى قبيلتهم؛ وما درى أن البنية المفهومية أو الجهاز الإدراكي لكلٍّ من الباحث والمخبر يتدخَّلان بصورةٍ ما -وأحياناً حاسمة- في توجيه الوصف "الموضوعي" للظَّاهرة أو الظَّواهر التي تشْخَصُ أمامهما؛ وحتى حينما فهم إيفانز-بريتشارد استخدامَ الاصطلاحات الزَّاندية، واستطاع التَّدرُب على توصيف الظَّواهر اعتماداً على مركزية السِّحر، لم يتوفَّق في إخراجِ نسخةٍ مُستساغة وخالية من الإثارة أو التَّجريح. وحتى تاريخ اليوم، يصعُبُ التَّفريقُ الحاسم بين النَّهج "الموضوعي" لطرح القضايا والنَّبرة الاستعلائية أو الغرائبية التي تتسلُّل إلى عبارات الوصف، فتطعنُ في نزاهته. يمكن مراجعة التَّقرير الذي نشرته صحيفة "الدِّيلي تلجراف" يوم الأحد 5 يوليو 2015 تحت عنوان: "حبس الأطفال المُهُق (بتنزانيا) في ملجأ آمن خشيةً من الأطباء السَّحرة" لتوضيح هذه المعضلة المعرفية والأخلاقية.
أما علم الأنثروبولوجيا المعاصر، ممثلاً في كتاب "سردية علم الوراثة التَّنبؤيِّ الجديد"، فإنه يعاني من نفس مشكلة التَّشظِّي؛ وإذا كانت هذه المشكلة قد اتَّخذت شكلَ صدعٍ بين الباحث الأجنبي والمخبر المحلي، كما هو الحال عند إيفانز-بريتشارد، أو شكلَ صدعٍ في خيارات الباحث وغواياته عبر الملاحظة اللَّصيفة بالمشاركة الطَّويلة، كما هو الحال عند برونسيلاف مالينوفسكي (جزر تروبرياند بميلنيزيا)، فإنها اتَّخذت في هذا البحث الأنثروبولوجي المعاصر شكلَ صدعٍ بين الإحصاءات الحكومية التي تتحدَّث بلغة الأرقام لفرضِ الرُّؤى "العلمية" والسِّياسات الصِّحية والاجتماعية من جانب، وسرديات أسر المرضى والمشخَّصين مُسبقاً بالمرض من جانبٍ آخر، والتي لا تعكس معاناتهم فقط، وإنما تبرز أيضاً أنشطتهم، التي تشمل انخراطهم في العمل الخيري للتَّعريف بالمرض، والمشاركة في جمع التَّبرعات التي تساهم في تطوير البحوث المؤدِّية لاكتشاف العلاج أو استئصال شأفة المرض.
محمد خلف
| |
|
|
|
|
|
|
Re: نوافذ مفتوحة ========= يحيي فضل الله ============= (Re: munswor almophtah)
|
بابُ الاشتقاقِ واسعٌ ورحابته اللُّغوية تضمن تعايشاً سلمياً للمفردات المستقلة عزيزي الصَّادق سواءً أسماكَ والداكَ على (الصَّادق) الأمين صلوات الله وسلامه عليه، أو أسمى أبابكرٍ أخي والداهُ على (الصِّدِّيق) عليه السَّلام، فإن (صداقةً) تنشأ بينكما لا تحتاجُ إلى (تصديقٍ) من السُّلطات؛ ويُقدِّمُ الرَّجلُ عندنا (صَداقاً) أو (صِداقاً) مَهْراً للمرأة، ولا (يتصدَّق) عليها به، وإنما يُقدِّمُه تعبيراً عن (صِدقِ) محبته ورغبته (الصَّادقة) في الارتباط بها مدى الحياة؛ و(تصديقاً) لهذا القول، فإن (الصَّدَقَة) تُعطى للفقراء والمساكين؛ ويمكنك أن (تُصدِّقَ) أو لا (تُصدِّق)، فإنني لم أتحرَ (صِدقاً) واتِّساقاً منطقياً لهذه الجملة المُتَقعِّرة، بل "قصدتُ" (وهو تقليبٌ للكلمة يُسميه أبو علي الفارسي أستاذ ابن جنِّي بالاشتقاق الأكبر أو الكبير) من ورائها (المُصادقة) على الرَّأي المُضمَّن في عنوان هذه الحلقة. وعليه، يمكن الزَّعم بأن اشتقاقاتِ كلٍّ من الجذر الثُّلاثي المجرَّد (دَوُرَ) والجذر الرُّباعي المزيد بالنُّون (دَوْرَنَ)، إضافةً إلى الرُّباعي المُنقلب عنها (دَرْوَنَ)، تذكيراً بدارون – يُمكنُ لها كلُّها أن تتعايشَ سلمياً، داخل مظلَّة الاشتقاق الواسعة، مع مصطلح (تدوير)؛ وإنْ كان هناك من مشكلةٍ بإزاء استخدام هذا المصطلح الأخير، فإنها ستكون مع نفسه: فهل المقصود (تدوير) الشِّعر، أم إعادة (تدوير) المفاهيم القديمة، أم (تدوير) المربع؟ ولكن لا عليك، فاللُّغاتُ البشرية تحتشدُ بأمثلةٍ لا تُحصى للكلمة الواحدة ذات الدَّلالات المتعدِّدة أو الدَّلالة الواحدة التي يتمُّ التَّعبير عنها بكلماتٍ متعدِّدة. ويُمكنُ لهذا المصطلح أن يتعايشَ مع ما اقترحناه من بدائلَ لترجمة "إيفَلوشن"، مثلما يُمكنُ له أن يسكُنَ في (دارٍ) واحدة، أو يعملَ في (دائرةٍ) واحدة، تحت (إدارةٍ) موحَّدة، وأن يلعبَ (دوراً) مهمَّاً في توزيع (الأدوار) على العاملين في (الدَّوريات) المختلفة؛ ومن دون لفٍّ أو (دوران)، فإن هذا الوضع المعتدل لايحتاجُ إلى (استدارةٍ) أو تربيعٍ مستحيلٍ لـ(الدَّائرة). هناك كلماتٌ كثيرة مُعَرَّبة، تُضربُ مثلاً على نجاح مهمَّة التَّعريب، من بينها كلمة (ديمقراطية)، التي تقبلُ لام التَّعريف، ونون الجمع، وألف الاثنين، وتاء التَّأنيث، وياء النَّسب، والتَّذكير والتَّأنيث، والتَّنوين بأنواعه؛ إلا أن استحالة قبول الكلمة لجذرٍ ثلاثي، لطولها، ولعدم تحديد جذرها الرُّباعي منذ بدء الاصطلاح على استخدام الكلمة: هل هو مادَّة [د. ق. ر. ط.] أم مادَّة [م. ق. ر. ط.] – كلُّ ذلك جعل من الصَّعب صياغة فعلٍ منها يلقى قبولاً فورياً لدى المتعاملين مع العربية؛ فلا يوجدُ (مصداقيةٌ) مقنعة حتى الآن لعبارة "(دقرطة) الثَّقافة" [من دقرط، يدقرط، دقرطةً] أو "(مقرطة) الحياة السِّياسية" [من مقرط، يمقرط، مقرطةً]، كما يزعمُ غلاةُ الحداثيين؛ كما لا يوجدُ (صِدقيةٌ) في الزَّعم بأن التَّرجمة تتمُّ وفقَ ما يهوى التُّرجُمان (أو التَّرجَمان)، أو أن التَّعريبَ يُمكنُ أن يتمَّ بمعزلٍ عن بنية اللُّغة العربية أو مبناها المُتعارف عليه بين أهلها والنَّاطقين بلسانِها.
خلف
| |
|
|
|
|
|
|
Re: نوافذ مفتوحة ========= يحيي فضل الله ============= (Re: munswor almophtah)
|
11:51 PM Aug, 27 2015 سودانيز اون لاين munswor almophtah- مكتبتى فى سودانيزاونلاين
تقيم (ندوة العلَّامة عبد الله الطَّيِّب) بمعهد العلَّامة عبد الله الطَّيِّب التَّابع لجامعة الخرطوم، في السَّاعة 12 ظهراً من يوم الاثنين 31 أغسطس، بقاعة الشَّارقة بالجامعة، قراءاتٍ في "رسالة محمد خلف الله عبد الله لعادل القصَّاص"، يتحدَّثُ فيها: نادر السَّماني، د. مصطفى الصَّاوي، عمر محمد أحمد، السَّر السَّيِّد.
ويُعدُّ البروفسور الطَّيِّب (1921-2003) أحد أعلام الفكر والثَّقافة بالعالم العربي، وقد عمل بالتَّدريس بكلية "غوردون"، و"بخت الرضا"، وجامعة الخرطوم. وتولَّى عمادة كلية الآداب بالجامعة من سنة 1961 إلى 1974. كما تولَّى الرَّاحل إدارة جامعة الخرطوم (1974-1975)، ويُعتبر أول مدير لجامعة جوبا (1975-1976)، كما ساهم في تأسيس كلية "عبد الله باييرو" في كانو بنيجيريا، وعمل أستاذاً للُّغة العربية بكلية الآداب بجامعة فاس بالمغرب. ونال كتابه "المرشد إلى فهم أشعار العرب" جائزة الملك فهد العالمية عام 2000، كما ترك نحو 45 كتاباً -نثراً وشعراً- بالعربية والإنجليزية. يُذكر أن مقتطفاتٍ من رسالة محمد خلف للقصًّاص كانت قد نُشرت في صحيفة "الشَّرق الأوسط" في الصفحة الثَّقافية بتاريخ 11 مايو 2015، تحت عنوان: "أين مضى شعراء السُّودان وقصَّاصوه؟
| |
|
|
|
|
|
|
Re: نوافذ مفتوحة ========= يحيي فضل الله ============= (Re: munswor almophtah)
|
صحيفة "اليوم التَّالي" السُّودانية السَّبت، 5 سبتمبر 2015 الرسائل في أدب الحداثة.. ارتباط بالخطاب الثقافي والديني.. سفر القصاص الخرطوم - حسن موسى نظمت ندوة العلامة عبدالله الطيب بقاعة الشارقة بالخرطوم وبرعاية شركة زين ندوة وسمتها بـ (الرسائل في أدب الحداثة) رسالة خلف الله القصاص نموذجاً تحدث فيها الدكتور الناقد مصطفى الصاوي والأستاذ الناقد عامر محمد أحمد حسين. ابتدر الحديث الناقد السر السيد الذي أدار الجلسة، فقال إن محمد خلف هو أحد المثقفين والناشطين السودانيين الذين برزت مساهماتهم في الحركة الثقافية في حقبة الثمانينيات من القرن الماضي من خلال مجموعة تجاوز واتحاد الكتاب السودانيين.
حساسية النقد وأضاف السر بأنه نُشر له عدد من الدراسات النقدية في مجال الأدب، لافتاً إلى أن محمد خلف هو وجيله الدكتور محمد عبد الرحمن والدكتور مصطفى الصاوي وآخرين كمجموعة ولدت حساسية جديدة في مجال النقد، فقدمت اختراعات غزت بها الحركة الثقافية في تلك الفترة. وأكد السر السيد أن من بين هذه المجموعة نقاد عادوا من هجرتهم فاحتفت بهم الملفات الثقافية، ولكن محمد خلف – للأسف - لم يجد أي احتفاء يذكر. حالة المثقف من جانبه، أشار السر السيد إلى أن الرسالة في مضمونها تكشف عن حالة المثقف السوداني المهتم بالسرد الأدبي، وبالتغيرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وكذلك إحساسه العالي بالقضايا الوطنية، كما أكد أن الرسالة من قراءتها الأولى موجهة بشكل خاص إلى عادل القصاص، ولكن عند إعادة قراءتها للمرة الثانية أو الثالثة، نجدها موجهة إلى كافة المثقفين في العالم، وهي تبرز حقل الجفوة والفجوة بين جيل وآخر، وكذلك تناقش حالة الانفصال التام بين حقل الثورة في مجال الأدب وبين العلوم الاجتماعية والعلوم الطبيعية وغيرها. خطاب دعوي وذهب الأستاذ السر السيد إلى أن رسالة خلف أجابت عن أسئلة افتراضية عديد من بينها أن محمد خلف يريد أن يؤكد أن علم الرياضيات والعلوم الطبيعية هي علوم تنطوي على علوم سيرية وسردية. وذهب السر السيد في إضاءته إلى أن هذه الرسالة تتعلق بجوانب جذرية مرتبطة بالخطاب الثقافي وبالخطاب الديني والدعوي هذا إلى جانب ارتباطها بتقاطعات الحركة الثقافية في السودان في حقبها المختلفة ومن جيل إلى جيل آخر.
رسالة شخصية فيما قال الدكتور مصطفى الصاوي في إضاءته النقدية انطلق من عنوان الرسالة، فقال إنها تنطوي على أبعاد سيرية للأستاذ محمد خلف. وأضاف بأنها رسالة شخصية أو إخوانية تندرج ضمن اطار ثقافة الرسائل، واعتبرها جنس من الأجناس الأدبية أو من الأجناس المجاورة. وأكد الصاوي "أننا بصدد تحليل نص نثري يتضمن عاطفة كبيرة ويطرح أسئلة عديدة وتواترات بلا ترتيب أو انتظام". وأشار إلى أنها رسالة ذاتية متميزة سعت لاكتشاف الأشياء، وذكر أن الرسالة أيضا في واحدةٍ من تجلياتها مسكونة بالمكان، فتحتوي على ذاكرة مكانية وأمكنة متعددة استطاع فيها محمد خلف رسم شخصياتها بعناية فائقة جداً، إضافة إلى احتوائها لوجهات النظر والنحو والبلاغة، هذا إلى جانب أنها وازنت بين المنهج وبين أنها رسالة لغوية لها وقع خاص في الذاكرة، وذكر بأنها جاءت من منطلق تداعي الذكريات، وهي ثمة تميز بها جيل الثمانينات، ويرى الصاوي أن الإشارة لأسماء أعلام لامعة في هذه الرسالة له دلالات عميقة في كتابة القصة القصيرة. وأكد أن عادل القصاص اهتم كثيراً في قصصه بالبعد الاجتماعي باعتباره مثقفاً عضوياً من الطراز الأول، فكانت هناك إشارة لمجموعة من الشعراء في كتاباته.
سرد عميق من جانبه، أوضح أن الرسالة فيها سرد عميق لتكوين محمد خلف الفكري، وفيها كذلك أبعاد سيرية تضمنت الاحتفاء بالذات واتخذت من البعد الفكري مرتكزاً لها، هذا إلى جانب تعويل محمد خلف على السرد واعتماده على الآخرين في سرد الوقائع والتجارب والتصورات الفردية، وختم بأن هذا الاتجاه هو سمة من سمات السرد السيري. أما الأستاذ عامر محمد أحمد حسين فانطلق من خلال قراءاته لهذه الرسالة من زاوية نظر حداثوية وفلسفية وعلاقة الرسالة بالأجيال المختلفة. فقال إن جيل محمد خلف وعادل القصاص ولد في بدايات خروج السودان من قبضة الاستعمار، وهو جيل شهد لحظة الانفتاح على الثقافة الغربية، وهي واحدة من أهم الحقب في تكوين عقل المبدعين في العالم العربي. وأضاف أن السودان بطبعه كان يرتكز على إرث ثقافي يتجاوز السبعة آلاف سنة من الثقافة. وأشار إلى أن هذا الجيل الذي نضجت تجربته في حقبة السبعينيات هو جيل غير محظوظ، ولفت الأستاذ عامر إلى أن أغلب الأسماء الأدبية التي ذكرها محمد خلف في رسالته كانت لأصحاب مشاريع فكرية واعدة بالرغم من أن أحلامهم وكتاباتهم كانت تضج بالاختلاف، إلا أن سؤال الحداثة كان مطروحاً في كل إبدعاتهم الفكرية، وهو الآن يطل برأسه بوضوح في هذه الرسالة. وأرجع عامر تأخر تلك المشاريع الإبداعية إلى الأزمة الاقتصادية التي ضربت العالم كله في تلك الحقبة بما فيها السودان، الأمر الذي أدى إلى إحداث فجوة بين الأجيال وأصبح كل جيل يرمي اللوم على الجيل الآخر الذي سبقه هذا إلى جانب تأثيرات الظروف والتحولات الاجتماعية والسياسية التي شهدها السودان في تلك الحقب.
تبرئة الكتاب من جانبه، أوضح عامر أن محمد خلف حاول في رسالته أن يضع إطاراً في هذه الرسالة لتبرئة جيله من الكتاب والمبدعين، وإيجاد مبررات لعدد منهم تكشف عدم اكتمال لمشاريعهم الفكرية في حقبة الثمانينيات بسبب الثورات الشعبية. وذهب إلى أن محمد خلف أراد أن يوصل رسالة تكشف أن جيله لم يبدأ الكتابة في حقبة السبعينات وإنما بدأ الكتابة قبل ذلك بكثير. وخلص عامر في ختام إضاءته إلى تطرقه إلى هجرة هذا الجيل وتأثيرات هذه الهجرة على الصعيد الشخصي والمجتمعي.
تدوين لمراحل مهمة وختم عامر محمد أحمد حسين حديثه بأن رسالة محمد خلف لعادل القصاص تعد تدويناً لمراحل مهمة ومحاولة ناجحة لإرساء أدب يرى أنه مرتبط بسيرة ومسيرة جيل ومجتمع كامل في السودان.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: نوافذ مفتوحة ========= يحيي فضل الله ============= (Re: munswor almophtah)
|
كانت نهارية بديعة بقاعة الشَّارقة – جامعة الخرطوم بدعمٍ سخيٍّ واهتمامٍ خاص من مدير معهد عبدالله الطَّيِّب، الدُّكتور الصِّدِّيق عمر الصِّدِّيق، وتحت راية ندوة المعهد الشَّهيرة "ندوة العلَّامة عبدالله الطَّيِّب" التى ناقشت حتى الآن ما يُقاربُ الـ 400 عنوان فى شتَّى ضروب المعرفة والثَّقافة والفكر - تحت ظلال هذا الاحتفاء الكبير، أقمنا ندوةً، اخترنا لها عنوان: "رسائلُ فى أدبِ الحداثة"، حيث ناقشنا من خلالِه "رسالة محمد خلف الله عبدالله لعادل القصَّاص". وكان في البدءِ فكرةٌ، اختبرناها مع عددٍ من المثقفين، نذكرُ منهم الدُّكتور الصِّدِّيق عمر الصِّدِّيق، وأبابكر الأمين، ومحمد طه القدال، وعالم عبَّاس محمد نور، وعصام عبد الحفيظ، وبابكر الوسيلة سر الختم؛ فشكرُنا الجميل لهم، لِما لَمِسناهُ منهم من جدِّيةٍ وتشجيع، واهتمامٍ فائق بموضوع الرِّسالة. اختبرنا الفكرةَ معهم لشعورِنا بجِدَّةِ الموضوع على الخبرة الثَّقافية السُّودانية، خاصةً تلك التى عاشها منظِّمو النَّدوة؛ فعلى حدِّ علمي، لم يسبق أن تمَّ تناولُ رسائلَ أدبيةٍ كتبها سودانيون؛ لذلك، اختبرنا الفكرةَ، بحثاً عن كيفيةٍ ما لتناولِ هذا الشَّكل من الكتابة. وهنا أُشير إلى أننا تحاورنا كثيراً حول ما هو العنوان المناسب لهذه النَّدوة؛ وأخيراً، استقرَّ رأيُنا أن يكون العنوان: "رسائلُ فى أدبِ الحداثة"، ليحتلَّ هذا العنوانُ حيِّزاً مقدَّراً فى النِّقاش بين مَنْ يرى أنه مناسبٌ، وبين مَنْ يرى أنه غيرُ مناسب ولا يُعبِّر بما يكفي عن موضوع النَّدوة. وهنا، أودُّ أن أُشير إلى أن الرِّسالة قد أثارت حواراً ثرَّاً متعدِّدَ الجوانب، ولفتت الانتباهَ إلى ما يمكن أن يتيحَهُ عرضُ ونقاشُ الرِّسائل، خاصةً تلك التى تبادلها أدباءُ وسياسيون سودانيون، وما اشتملت عليه من معارفَ ومعلومات؛ وقد تمَّ بالفعل الإشارةُ الى بعضٍ من تلك الرَّسائل. كانت نهارية بديعة، تستوجب الشُّكر لِمَنْ جعلوها ممكنةً، ونخُصُّ منهم الأساتذة الكرام: عصام عبد الحفيظ، والأمين محمد عثمان، ومجتبى حامد، وعماد بابكر، ومحمد إسماعيل بجريدة "الخرطوم"، وحسن موسي بجريدة "اليوم التَّالي؛ ولا ننسى جريدة "الشَّرق الأوسط"، خصوصاً وأن صفحتها الثَّقافية "فضاءات" قد قامت بنشرِ إعلانٍ مجانيٍّ للنَّدوة يومَ انعقادِها منتصف نهار الاثنين 31 أغسطس، هذا علاوةً على تلخيصِها لجانبٍ من الرِّسالة في عددٍ سابق، تمَّ نشرُه على المواقع السُّودانية المعروفة في حينه تحت عنوان: "أين مضى شعراء السُّودان وقصَّاصوه؟"؛ كما لا ننسى، بالطَّبع، عثمان حامد ومثابرته وعزمه على إنجاح هذه النَّهاريةِ البديعة. في الختام، يُجدر أن نُشيرَ إلى أن محمد خلف وعادل القصَّاص كانا حريصَيْنِ غاية الحرص أن يُسدى هذا الشُّكرُ "إلى كلِّ مَنْ ساهمَ في إنجاحِ هذه النَّهارية"، وأن يتمَّ نشرُه عبر الوسائط الإعلامية المُتاحة في أسرعِ وقتٍ ممكن. السِّر السَّيِّد
| |
|
|
|
|
|
|
Re: نوافذ مفتوحة ========= يحيي فضل الله ============= (Re: munswor almophtah)
|
كلما تتعمق فى القراءه كلما تتكشف لك حجبٌ لا تعيها وتتفتح لك سبلٌ للإستقامه وتنبجس لك أنوارٌ هادية لوحدانية الله وقدرته التى فيك نفحاً محدوداً منها فتتجبر وتتكبر وتتعامى عن الجبار والأكبر أما يقول خالق كل شئ فى الحديث القدسى ما معناه (أقول للشئ كن فيكون ويقول عبدى للشئ كن فيكون) ويا صاحبى بثقة الكباشى فى ربه أديناك ولد!!
منصور
| |
|
|
|
|
|
|
Re: نوافذ مفتوحة ========= يحيي فضل الله ============= (Re: munswor almophtah)
|
بندوة العلامة عبدالله الطيب الرسائل في أدب الحداثة.. رسالة خلف الى القصاص نموذجا Published September 6, 2015 | By صحيفة الأيام رصد / وفاء طه قدمت ندوة العلامة عبدالله الطيب في إطار انعقادها الدوري ندوة بعنوان ( الرسائل في أدب الحداثة ”رسالة خلف الى القصاص نموذجا” ) شارك في تقديمها د. مصطفى الصاوي ، أ . السر السيد والأستاذ عامر محمد أحمد . وغاب الأستاذ نادر السماني عن المنصة، حيث كان ضمن المتحدثين في الجلسة . قدم الجلسة وأدار الحوار الأستاذ محجوب دياب … ابتدر الحديث الناقد السر السيد مقدما إضاءات حول الرسالة أشار خلالها الى أن الرسالة والتي كتبها الناقد محمد خلف للقاص عادل القصاص قد نُشرت في موقع ( سودان فور أول و سودانيز أون لاين ) وأضاف أن محمد خلف هو أحد المثقفين السودانيين الذين لهم إسهامات ثرة في الحركة الثقافية السودانية ، خلال فترة الثمانيات وعبر اتحاد الكتاب السودانيين ، وقد نُشرت له العديد من الدراسات النقدية ، وعزز قوله عن خلف أنه وجيله في تلك الفترة قد خلقوا ما يُعرف بالحساسية الجديدة في مجال النقد مع مجموعة من النقاد منهم د. الصاوي ود. محمد عبدالرحمن وأضاف أنها مجموعة قدمت اقتراحات جيدة في الحركة الثقافية ، كما أوضح أن محمد خلف وآخرين من المبدعين المهاجرين عادوا الى الوطن واحتضنتهم المؤسسات الثقافية والأندية إلا أن محمد خلف لم يجد حظا من هذا الاحتفاء ، وذكر السر أن الرسالة تكشف عن أن المثقف السوداني كان مهتما بالسرد والأدب وبالتغيرات الاجتماعية وكان يحمل هما خاصا بالوطن وقال إن الرسالة حاولت أن تعبر عن الحقبة الثمانينية وهي رسالة موجهة لعادل القصاص بل موجهة لكل العالم ، وفي ذات الوقت تكشف أن هناك فجوة ما بين جيل وآخر وهي تجاوب على أسئلة افتراضية يحاول خلف البحث عنها في العلوم الاجتماعية والرياضية وغيرها وختم السر حديثه بأن الرسالة تنطوي على علوم سيرية وفردية وفي ذات الوقت تحمل خطاباً ثقافياً ودعوياً ودينياً . د. مصطفى الصاوي عمل على عنوان الرسالة وقال إنها تحمل أبعاداً سيرية للأستاذ محمد خلف وهي رسالة شخصية أو إخوانية تندرج تحت إطار ثقافة الرسائل، وجنس من الأجناس الأدبية يمكن أن يُطلق عليها أجناس مجاورة ، وأضاف الصاوي أن الرسالة تحمل وجدانيات كبيرة جدا وأسئلة كبرى وتواترات بلا ترتيب وهي رسالة ذاتية متميزة فيها أبعاد سعت للكتابة عن المسكوت عنه ، وذكر أن الرسالة واحدة من تجلياتها أنها احتفت بالمكان الذي يمثل فيها خطوة وذاكرة مكانية ، كما تمت الإشارة لعدد من الشخصيات الأدبية .. والأمكنة والشخصيات تمثلان جزءا كبيرا من هذا النص ، الذي يحمل النحو والبلاغة والتوازن بين المناهج ، كما أن محمد خلف حافظ رغم كل هذا على أن تكون رسالة لغوية تحفر في ذاته وهي تتضمن تداعياً كبيراً للذكريات لوجود حقبة الثمانينات وأورد في هذه الرسالة أسماء تحمل أبعاداً ودلالات في كتابة القصة القصيرة ، وذهب الى أن عادل اهتم أكثر في هذه الرسالة بالبعد الاجتماعي باعتباره مثقفاً، وأشار فيها الى مجموعة من الشعراء وكتاب القصة القصيرة . وختم الصاوي حديثه بأن الرسالة فيها سرد لتكوينه الفكري وأبعاده السيرية في احتفائها بالذات كما أنها اتخذت من البعد الفكري مرتكزا لها وعوَّل كثيرا على السرد في اعتماده على الآخرين كما أنها تجارب فيها تجارب وتطورات فردية لذات الكاتب . الأستاذ عامر محمد أحمد أضاف للمتحدثين من قبله أن جيل محمد خلف والقصاص ولد بعد الاستقلال ، وهو جيل شهد فعليا الانفتاح على الثقافة الغربية ، وهي حقبة مهمة جدا ، في تكوين عقل الكاتب في كل العالم ، وأضاف أن السودان يحمل ثقافة عمرها 7 ألف سنة ولكن هذا الجيل غير محظوظ ، وهو جيل فترة نهاية السبعينات و الثمانينات الذي حاول التعبير عن قضاياه ، وقال إن أغلب الأسماء التي ذُكرت عبر الرسالة كانوا أصحاب مشاريع فكرية واعدة ، ولكن أحلامهم وكتاباتهم كانت مختلفة ، وأرجع عدم تحقيق هذه الأحلام الى الأزمة الاقتصادية التي مر بها السودان ، وأشار الى أن تلك الحقبة كانت مفصلية ، وكان سؤال الحداثة سؤالا مطروحا في تلك الرسالة ، وهو السؤال الذي اشتغل القصاص عليه . ويرى عامر أن كل جيل يرمي اللوم على الجيل السابق له وأضاف أن مشروع الحداثة في السودان حدثت خلاله فجوات كبيرة خلال التحولات الاقتصادية والسياسية ساهمت بدورها بجزء كبير من هذه الفجوة .. وأكد أن محمد خلف في هذه الرسالة حاول أن يضع إطاراً لتبرئة جيله من الكتاب والمبدعين لإيجاد مسوغات لعدد منهم في اتجاهاتهم الفكرية باعتبار أن هناك تغييراً اجتماعياً وثورات شعبية على المستوى السياسي مثلت عقبات أدت الى تأخير إنجاز تلك المشاريع في السودان ، وأراد خلف أن يوصِّل رسالة مفادها أن جيله من الكتاب لم يبدأ الكتابة في السبعينات انما بدأها قبل ذلك بكثير ، كما تطرَّق عامر الى موضوع هجرة المبدعين وأثرها عليهم وقال إنها ساهمت في تغييب محمد خلف وتغييب مبدعين آخرين منهم هاشم محجوب وآخرين .. دفعت بعضهم للكتابة الإبداعية وهي تأخذ مؤشرات تدور حول المتغيرات التي حدثت في العالم من حداثة وأدب وغير ذلك ، كما أشار عامر في ختام حديثه الى أن الرسالة احتوت على الكثير من الحنين الى الماضي بسبب تلك الهجرة وتأثيراتها على المستوى الشخصي والمستوى الاجتماعي ، وأكد على أن الرسالة تطرح سؤال الحنين بقوة كبيرة وهي تُعتبر تدويناً لمراحل تاريخية مهمة ومحاولة لإرساء أدب سيري مرتبط بمسيرة جيل كامل وأن محمد خلف هو أحد النقاد الذين كتبوا دراسات نقدية في تلك الحقبة ولعب دورا كبيرا في إرساء الحداثة والوفاء لوطنه السودان.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: نوافذ مفتوحة ========= يحيي فضل الله ============= (Re: munswor almophtah)
|
لزم علينا أن نقول أن هنالك أشراط أخر أسهمت بصوره فعاله فى فى تمادى خلف فى الإبانة والتوضيح والإضافه ومن بين تلك كانت الأسئله التى طرحها بعض المتداخلين الكثر بلا حصر ولكن أختار الأخ الأستاذ الصادق إسماعيل الذى نذر أن يحصحص كل مكتوب ويبعث بأسئلة يرى خلف أنها ذكيةً بل أفادت فى تمدد الرساله وفى التنحى بها صوب نقاط ومرتكزات جديده، وقد فعل الأستاذ مسعود كذلك بكبسولاته وعثمان حامد وآخرون لا نبخس دورهم وكان لهم حضوراً لافت ولم أذكر ذلك إلا لملئ ما سكت عنه من غير قصد من تناول الرسالة بالدراسه بل عل ظرفهم وظرف الندوه إستدعى إعطاء صوره إجماليه عنها تاركين بعض المساحات لأهل التفاصيل وما زالت الرسالة بِكرا للعشاق وأصحاب الأهواء المعرفيه.
منصور
| |
|
|
|
|
|
|
Re: نوافذ مفتوحة ========= يحيي فضل الله ============= (Re: munswor almophtah)
|
عن جريدة الأيام إستطاعت الصحافيه المتمكنه وفاء طه من تدوين حيثيات ندوة عبدالله عن رسائل خلف للقصاص تلك التى تناولها كبار النقاد من أهل الثقافة والمعرفه بالكشف والتوضيح والإبانه، والذى تمكنت وفاء من رصده بمهنيةِ عاليه شملت كل جوانب الندوه، من التقديم والمداخلات وجهد مقدمى الأوراق عن تلك الرساله المتميزه والتى عكف صاحبها على تجويدها لا بل إستمراره فى مراجعتها مضيفاً ومصححاَ وموضحاً فلم تبخل ولم تبخس لا بل نقلت حق من غاب فى تقديم ورقته أخى وصديقى وزميلى الأستاذ نادر السمانى الذى حال ظرف مهنته دون الحضور إلا أنه بذل ورقته للوقوف عليها ، فيا وفاء طه لا يرد على الوفاء إلا بوفاء مثله أو أكثر فأقبلى بما هو أقل من ما قدمتيه ذلك ولك كثير الشكر عليه ولك الثناء ولصحيفتك الرائدة الأيام العريقة الراسخه وكل عام وأسرتك بألف خير.
منصور
| |
|
|
|
|
|
|
Re: نوافذ مفتوحة ========= يحيي فضل الله ============= (Re: munswor almophtah)
|
الشَّايُ أخضرُ والمغنطيسُ مجالٌ حاوٍ لكلِّ الألوان: المرئيةُ منها وغيرُ المرئية إلا بمناظيرَ خاصَّة عزيزي منصور نحتاجُ إلى تناولِ مزيدٍ من أقداح الشَّاي الأخضر، لفضِّ مغاليقِ الذَّاكرةِ الجماعية؛ وعندما أقول الذَّاكرة، لا أعني تصوُّرها بوصفها مستودعاً للمعلومات فقط، وإنما بوصفها حقلاً ديناميكياً متفاعلاً مع ما قبلُ وما بعدُ. ففي مجالِ الحقيقة، نحتاجُ إلى مشاركةِ كافَّة العقول النَّيِّرة، فقوَّةُ الحقيقة ليست رهناً على فردٍ أو فئةٍ بعينِها؛ هذا بخلافِ الحقِّ، حيث لا يحتاجُ الغنيُّ، بارئُ الكونِ وخالقُ كلِّ شيءٍ، إلى أحد. فالزهرةُ، على سبيل المثال، ليست حصراً على تأمل الشَّاعر أو الفنان، كما اعتقدَ صديقٌ لعالِم الفيزياء النَّابه ريتشارد فاينمَن، حيث زعم ذلك الصَّديق أن بإمكانه رؤية جمال الزَّهرة وتأمُّل محاسنها، هذا بخلاف العالِم الذي يُشَرِّحُها، فتستحيلُ تحت مِجهرِه إلى مَنظرٍ مُمِلٍ تمقته العينُ ولا تُسَرُّ بالنَّظرِ إليه؛ فيَرُدُّ عليه فاينمَن بالقول: إن جمال الزَّهرة متاحٌ للجميع، بما فيهم العالِم نفسِه، حتى ولو لم يتمتع، مثل صديقه الفنان، بحاسَّةٍ جماليةٍ صقيلة؛ فبإمكانه، إذاً، أن يُقدِّرَ قيمة الزَّهرة على المستوى الجمالي؛ إضافةً إلى ذلك، يمكنه أن يرى ما لا يستطيع الفنانُ رؤيتَه: يمكنه تصوُّر الخلايا بداخلها، والأنشطة المعقَّدة التي تجري في الخفاء، والتي تتمتع هي أيضاً، إلى جانب الجمال الخارجي، بمَسحَةٍ من جمال. بمعنًّى آخر، فإن رؤية العالِم يمكن أن تضيفَ إلى رؤيةِ الفنانِ بُعداً أكثرَ عُمقاً أو تطرحَ، إلى جانبِ تأملاتِه الجمالية، بُعداً يرشَحُ بأسئلةٍ فلسفية: هل تملكُ الحشراتُ التي تنجذبُ إلى ألوانِ الزَّهرةِ لتلقيحها حِسَّاً جمالياً؟ وأين يبدأ الوعي وأين ينتهي على أفرعِ شجرةِ المَحتِدِ (وهي الشَّجرةُ التي تُبيِّنُ تدورُنَ الأنواعِ ذات الأصلِ المشترك، وفقاً لتصوُّر علم الأحياء الحديث)؟ هذا عن الزَّهرة؛ أمَّا المغنطيس، فيمكن تصوُّره، كما في تشبيه الشَّاعر عبد القادر الكتيابي (وربما تكونُ بيننا، دون أن ندري، علاقةُ قُربى، فأنا سليلُ كِتَيٍّ، جَدُّ الكتياب؛ وجذوري راسخةٌ في الجزيرة النِّعمة، قبالة المحمية غرب)، فقد أشار في تشبيهه في الاقتباس الذي أوردتَهُ أنتَ عن الشِّعر إلى "أنه يختبئُ في الكلام كما تختبئُ خاصيَّة المغنطة في ’جلد‘ المغنطيس". إلا أن الأخيرَ يمكن تصوُّره أيضاً، كما في تخيُّل مايكل فاراداي؛ فقد بسط أمامه مغناطيساً، ولم يكتفِ، مثل غيره من العلماء الاعتياديين، بالنَّظر إليه باعتباره كُتلةً من المعدن أو لفائفَ من الأسلاك، بل نظر إليه وكأنه "أنابيبُ من القوة" أو مخالبُ لأخطبوتاتٍ تنتظم الكونَ بأكملِه، الأمر الذي مهَّد الطَّريقَ أمام جيمس كلارك ماكسويل لدمجها في "أخطبوطٍ كونيٍّ" واحد، هو المجالُ الكهرومغنطيسي، الذي لا يقفُ عند حدِّ الألوان المرئية، التي تقع ذبذباتُها في وسط المجال، وإنما تتعدَّاه إلى الألوان غير المرئية، دون الحمراء (ذات التَّردُّد المنخفض) وفوق البنفسجية (ذات التَّردُّد العالي)؛ وتتجاوز كلَّ ذلك إلى أشعة المايكروويف وموجات الرَّاديو من جانب، والأشعة السِّينية وأشعة غاما المغنطيسية من جانبٍ آخر. ومن مقطعٍ افتتاحيٍّ من رواية "مائة عامٍ من العزلة" للكاتب الكولومبيِّ الرَّاحل، غابرييل غارسيا ماركيز، يحضُرني مشهد الغجريِّ ملكياديس وهو يعرض مغنطيساً صغيراً على أهالي ماكوندو، فلا يجذبُ إليه معادنَ من فِضَّةٍ وذهبٍ فقط، مثلما يحلم المرءُ العاديُّ في المنطقة، وإنما ينجذب إليه أيضاً قلبُ جوزيه أركاديو بوينديا الذي يحلم، مثل المشتغلين غيره بالكيمياء القديمة، بإجراءِ تغييراتٍ متسارعة تُمكِّن من صنعِ حجر الفلاسفة، وتحويلِ الفلزات الوضيعة إلى معادنَ نفيسة، والبحثِ عن إكسير الحياة الذي يوفِّر لشاربِه حياةً أبدية. في المقابل، يحضُرني مشهد أمريكا وهي تخرجُ من عزلتها ’المجيدة‘ في أعقاب الحرب العالمية الثَّانية، وقد أتقنت خبرتَها النَّووية، وهاهي الآن تبدأ في إجراءِ قياساتٍ دقيقة للإلكترونات والميوونات (وهي جُسيماتٌ مشابهة للإلكترونات)، بعد أن سحبت، قبل عامين، مغنطيساً ضخماً (وزنه 17 طنَّاً، وقطره 15 متراً) من بروكهيفن في لونغ آيلند، وهي جزيرةٌ بولاية نيويورك، إلى فيرميلاب، وهو مختبرُ أبحاثٍ شهير في شيكاغو بولاية إلينوي، لما يتمتع به المختبرُ من خبرةٍ متراكمة، لا يملكها مختبرُ بروكهيفن، في مجال الميوونات. فالإلكترونات والميوونات، هي في الأساس، عبارةٌ عن مغنطيساتٍ متناهية في الصِّغر، إذ إنها تشتمل على ما يُسمَّى بالزَّخم الزَّاوي (الزَّخم، بمعنى كمية الحركة أو حاصل ضرب الكتلة في الحركة؛ والزَّاوي من زاوية؛ والزَّخم الزَّاوي هو المقابل التَّناوبي أو الدَّائري للزَّخم الخطي)، والدَّوران المغزلي، والشُّحنة الكهربائية. وربما تؤدِّي هذه القياساتُ إلى نتائجَ لا يستطيعُ حتى مصادم الهدرونات الكبير في سويسرا الإتْيانَ بها. وإذا كان المصادمُ الأوروبي، كما قلنا في مشاركةٍ سابقة، هو مصنعٌ ضخمٌ لإنتاج الحقيقة في مجال فيزياء الجُسيمات الدَّقيقة، فإن المغنطيس الأمريكي العملاق هو صنوٌ له أو يزيد في هذا المجال المتسارع. فلنتناول يا صديقي مزيداً من أقداحِ الشَّاي الأخضر، حتى نُطلِقَ العنانَ لأفضلِ ما في الذَّاكرةِ الجماعية؛ أو لعلنا نلتقي ذات نهارٍ زنجبيليٍّ، كما تمنَّت لنا "نجوى" ذات يومٍ، على فنجانٍ من قهوةٍ يتمُّ إعدادُها على طريقةِ أُمِّي، وتفوحُ رائحتُها بعطرِ حديثِها، بشاشتِها، وبركتِها؛ وما زال في أُذني صوتُ مِقلاةٍ على الجمرِ، وفي أنفي روائحُ مِسكٍ؛ وفي الحلقِ، نكهتا قِرفَةٍ وقَرَنفُلٍ؛ وتحت اللِّسانِ، لسعةٌ ممزوجةٌ من زنجبيلٍ وحَبِّ هالٍ من أبكارِ قهوتِها الصَّباحية. محمد خلف
| |
|
|
|
|
|
|
Re: نوافذ مفتوحة ========= يحيي فضل الله ============= (Re: munswor almophtah)
|
المغنطيس يا خلف عند وراق وبين الوراريق والكتياب مغنطيس وكأنى بالكتيابى يقول عن ذلك: تلاقينا توائم فى رنين الإسم والذات الغريبه فى نحول الجسم فى طرق التعفف والميول لهب المواهب والضياع المر يسحقنا الزمان كحبتى قمح وتخطؤنا العقول وكطائرين مسافرين من الرياح إلى الرياح إفترقنا وألتقينا مثل أجزاء الجراح).
منصور
| |
|
|
|
|
|
|
Re: نوافذ مفتوحة ========= يحيي فضل الله ============= (Re: munswor almophtah)
|
الحبيب المنصور سلاااام ومعزة ، وكل عام وأنتم ممهولين، وربنا يبارك لك ولزوارك في أهلكم وأعماركم ومالكم وجناكم أكرمني الله أن اشاهد جلسات الشاي الأخضر لعلمائنا الشناقيط بل وأكرمني الله أن أدرت الكؤوس" الأتاي" علي بعضهم من اشعارهم فيه: " وشُربُهُ عند الصباح أحسنُ لكنّهُ بعد العشــــا يُستحسنُ لانه وقت فــــــــــرَاغ البـال وتفرُغ النَفسُ من الأشـغال وإنّما الباب عليك تَسْــــتدُلُ وأغلِقهُ حتى لا ثقِيلَ يَدْخُــلُ والعادة عندهم في "الأتاي" ثلاثة مرات ، ولكن إذا طاب لهم المجلس عند أحدهم ، وأعجبهم الأُنس ، وكان البال فارغا، يقولون: "رابع الكؤوس من الكرامِ عادة جري به عكس اللئامِ والأتاي عندهم لا يحلو، إلا بعد الشواء، وبعدمه قديد الصيد، أو قديد الإبل "التِّشطار، التشتار" بلهجتهم الحسَّانية المورتانية ، إن إنعدم اللَّحم والقديد، أحيانا يديرون كؤوس "الأتاي"، علي الفول السوداني مع التَّمر ، ويسمونه "القرتة" بالكاء أتذكر مرة سمعت عالمين منهم وفي جلسة "أتاي" يتناقشون عن كتاب إسمه "عنوان الشرح الوافي" وكان النقاش يدور عن كتاب فرعي موجود بالكتاب الأم إسمه "مثلث بن قطرب" والجميل في الأمر الكتاب كان نظما في المفردة، حيث يأخدها تشطيرا من الحركات "الفتحة والضمة والكسرة" ثم يشرحها في البيت الثاني ، بمعني أن البيت الأول يأخذ المفردة من حركاتها "النصب، الرفع ، الكسر" وفي البيت الثاني يشرح المفردات ،وكل الكتاب المنظوم شعرا يحفظونه تماما وصاحبك ودالمقدم لأول مرة يسمع بهذا الكتاب ، وب "مثلث بن قطرب" ولقد بحثت عنه بعد ذلك وبعد جهدا جهيد ، أهداني له الشريف حسنا عليه الرحمة ، ومن عجائب الحظ ، لم أجده لوحده وإنما مرفق مع كتاب آخر ، بمعني الكتاب الأصل إسمه "عنوان الشرح الوافي " ومرفق في آخره كتاب آخر"مثلّث بن قطرب " ولقد حفظت وقتئذٍ من تلك الجلسة المحضورة هاتين البيتين من مثلث بن قطرب : بدا فحيا بالسَّلام رمى عذولي بالسِّلام أشار نحوي بالسُّلام بكفه المخضبِ بالفتح لفظ المبتدي والكسر صخر الجلمد والضم عرق في اليد قد جاء في قول النَّبي والحمد لله الأن بعض" مثلث بن قطرب" موجود في جراب ربيعنا قوقل حيَّا ربد الغمام، ونفل البادية قبور علماؤنا الشناقيط، فقد كانوا متفردون في كل شئ حتي في مصارعة البيد والصحاري والعتامير، وربنا يبارك في عمر من كان حيا منهم معزتي
عبيد المقدم
| |
|
|
|
|
|
|
Re: نوافذ مفتوحة ========= يحيي فضل الله ============= (Re: munswor almophtah)
|
سلام للجميع كيفنكم يا جماعة ومعليش للغياب لسبب ظروف مرض الوالد وهو والحمد لله بدأ في النقاهة من المرض
والصفحة الجديدة رجّعتنا لموضوع الحق والحقيقة
و(الحقيقة) إنه دا الموضوع من البداية، والاستطرادات الجانبية كانت لشرحه.
ويا خلف (الحق) ورد في القرآن هو واشتقاقاته كتير جداً
فهل ممكن تدينا إضاءة بسيطة، للمعاني الكتيرة الورد بيها في القرآن
{إنا أرسلناك بالحق} (البقرة:119). {حتى جاءهم الحق} (الزخرف:29). {ليحق الحق} (الأنفال:8). {ولكن حق القول مني} (السجدة:13). {قالوا لقد علمت ما لنا في بناتك من حق} (هود:79). {وعدا عليه حقا} (التوبة:111).
ودي نماذج لورود لفظة (الحق) ومشتقاتها.
وشكراً يا قصاص على التلخيص للندوة، وأهو زي ما اتوقع محمد خلف الجماعة جو (رغم تأخرهم) لكن جو، والبقية جايين في السكة
الصادق إسماعيل
| |
|
|
|
|
|
|
Re: نوافذ مفتوحة ========= يحيي فضل الله ============= (Re: munswor almophtah)
|
أيُّها الولدُ، كيفُ حالِ الوالد؟ (أيُّها الولدُ، العلمُ بلا عملٍ جنون، والعملُ بغيرِ علمٍ لا يكون)؛ أبو حامد محمد بن محمد الغزالي. عزيزي الصَّادق أولاً، الحمد لله على سلامة الوالد. ورحم اللهُ التِّجاني الماحي، فقد كان يستعصمُ بالعلمِ والاطِّلاع، عندما تلمُّ به الكُرَبُ والمصائب. ومع علمي التَّام بأن الغزالي يقول في رسالته الشَّهيرة: (أيها الولد، النَّصيحةُ سهل، والمشكلُ قبولها)، فإنني أرجو ألا تمنعك ملازمة القصر العيني من زيارة سور الأزبكية نهاراً أو التَّهجُّد ليلاً في مسجد الحسين. أمَّا في رسالتي للصَّديق عادل القصَّاص، فقد شبَّهتُ علاقةَ الحقِّ بالحقيقة، من وجهةِ النَّظرِ المنطقيةِ فقط، بعلاقةِ الوالدِ والولد؛ فالعلاقةُ بينهما علاقةٌ غيرُ متماثلة؛ فالوالدُ ينجبُ ولدَه، إلا أن الولدَ لا يمكن أن ينجبَ أباه؛ ومن ناحيةٍ أنطولوجية، ينتفي أيُّ تَّماثلٍ بين الحقِّ والحقيقة؛ فالحقُّ ليس كمثله شيء، ولا يمكن مضاهاته بشيء؛ بينما الحقيقةُ تحيا في كَنَفِ الباطل، وتلتبسُ به، وتتزيَّا زمناً بزيِّه، إلى أن تلامسَ الحقَّ، أو يحينُ وقتُ مجيئه: "وَقُل جَاءَ الحَقُّ وزَهَقَ البَاطِلُ إنَّ البَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا" (سورة "الإسراء"؛ الآية رقم 81). ومع تقديري لأسئلتك على وجه العموم، وسؤالك عن معاني الحقِّ على وجه الخصوص، فأنا لستُ مختصَّاً في المقام الأول بالمعاني، إذ إنَّ كتبَ التَّفاسيرِ الرَّئيسية تُغنينا عن كثيرٍ من الاجتهادات المُضنية في هذا الخصوص؛ ولكنني مهتمٌّ بالعلاقةِ بين الحقِّ والحقيقة، ومهتمٌّ أكثر بتخصيصِ مجال الحقيقة، التي لم يرِدْ ذِكرُها في القرآن بهذه الصِّيغة الصَّرفية، ليشملَ كافَّةِ العلوم الطَّبيعية والاجتماعية، إضافةً إلى الاجتهاداتِ البشرية المتلاحقة والتَّفاسير المختلفة، مع شدَّةِ رسوخِها وقوَّةِ حُجَّتها، فقد يأتي يومٌ تتكشَّفُ فيه أو تنكشِفُ لأيٍّ من المجتهدين الجُدُدِ أو تُكشفُ لسواهُمُ احتمالُ دلالاتٍ جديدة، لم تكن تخطُر على عقلِ مَن سبقهم، مهما عظُمت قدراتهم في التَّفسير أو كرَّمهُمُ اللهُ بقدرةٍ على التَّأويل: "كُلَّاً نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِن عَطَاءِ رَبِّكَ ومَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحظُورًا" (سورة "الإسراء"؛ الآية رقم 20). فالحقُّ قد تنزَّل لنا وآمنا به، وهو حقٌّ في الدَّرجةِ الصِّفر من التَّفسير؛ أمَّا تفسيرُنا له، فيخضعُ، إذا ما خلُصت نوايا المفسِّر، إلى مقتضياتِ الوقتِ وتدورنِ الدَّلالة. ونحن ما زلنا في انتظارِ المزيد منهم، مهما هم تأخَّروا، فربما يكونُ في قدومهم انكشافٌ لعهدٍ جديدٍ من الاستنارةِ والفرجِ القريب. محمد خلف
| |
|
|
|
|
|
|
Re: نوافذ مفتوحة ========= يحيي فضل الله ============= (Re: munswor almophtah)
|
رسالةٌ داخل كبسولة: استجابةً لرجلٍ حكيمٍ من كاليفورنيا من المدهش حقَّاً أن كاليفورنيا، كما سبقت الإشارة إلى ذلك، ملأى بالحكماء، ولا سبيلَ إلى تَعدادِهم في هذه الرَّسالة المقتضَبة؛ ولكن، إذا كانت أسئلة الأستاذ الصَّادق إسماعيل تسبُقني مراحلَ في التَّفكير، فإن الملاحظات الثَّاقبة التي يقدِّمها لي الأستاذ مسعود محمد علي، شفاهةً أو بشكلٍ مكتوب، تتقدَّمني فراسخَ في طرحِ الأفكار. ففي زمنٍ باكرٍ من عُمُرِ رسالتي إلى القصَّاص، قال مسعود: "شكراً لعادل على الحصَّة، وشكراً لخلف على السَّبورة"، فقد كنتُ أُقلِّبُ الفكرَ في ذهني زماناً، ولولا حصَّة عادل لما خرجتُ من محبسِ الأفكار"؛ وبينما كان النَّاسُ يستمتعون بالرِّسالة، ويندهشون لغرابةِ جمعها للمتفرِّقات، كان مسعودٌ يُلهِبُ ظهري في محادثاتٍ بعيدةِ المدى بالأسئلةِ الحارقة حول الحقِّ والحقيقة"؛ وبالأمس فقط، قال لي قد فهمت تفرقتك بين الحقِّ والحقيقة، وارتَحتُ لكلامِك بشأنِ اللُّغة، إلا أنك لم تتحدَّث بعدُ عن دور العقل، وتحديداً لم تتحدَّث عن الوعي. فقلت له فيما يُشبهُ المراوغة إنني سبق أنْ تناولتُ معمارية الدُّماغ البشري بغُرَفِهِ الثَّلاث في معرضِ ردٍّ على أحدِ المشاركين، لكنني لم أتعرَّض بالتَّفصيل إلى دور العقل، وإنْ كنتُ قد أشرتُ في الرِّسالة نفسها، وفي ثنايا بعض الرِّدود، إلى أقانيمَ ثلاثةٍ هي الواقعُ، واللُّغةُ، والعقل. فهل أرجئُ الحديث عن الوعي، أو الأقانيم الثَّلاثة، إلى أن تحينَ سانحةٌ مناسبة، أم أقبل بأن ملاحظة مسعود، وإنْ جاءت شفاهةً، هي هذه السَّانحةُ المَرجُوَّةُ بالذَّات؟ وبدأتُ أُعمِلُ الفكرَ طول اللَّيل، إلى أن اتَّضحَ لي ما نحنُ بصددِ الكلامِ عليه في هذه الرِّسالةِ داخل كبسولةٍ إلى مسعود؛ وبما أنه خارجٌ من جُبَّةِ أهلنا الصُّوفية، سأقوم بتلخيصِ كلامي في هذه الفقرة على طريقتهم في تضييقِ العبارة؛ وبما أنني خارجٌ، من جهةٍ أخرى، كما ذكرتُ في الرِّسالة، من جُبَّةِ بولا، أو خارجٌ عليه، سأقوم بتوضيحِ فكرتي لاحقاً بشكلٍ مستفيض. وأبدأُ بالقول إن الوعي هو كينونةٌ لا تستطيعُ التَّعبير عن مكنونها إلا بشكلٍ كوني؛ ومن هنا جاءت الآية الكريمة "وَفِي أَنفُسِكُم أَفَلَا تُبصِرُونَ" (سورة "الذَّاريات"؛ الآية رقم 21)، داعيةً في سؤالها التَّرغيبي -في مستواهُ الكوني- إلى استخدام حاسَّةِ البصر، إلاَّ أنها تدعو على مستوًى أعمق بالسُّؤالِ -في مستواهُ المكنوني- إلى النَّفاذِ إلى البصيرة؛ صحيحٌ أن الأفعال الأدائية، على كونيتها، تقترب من فعل التَّكوين، ولكن هيهات؛ فهذا من اختصاصِ الحقِّ وحدِهِ: "إنَّما أمرُهُ إذا أرادَ شيئاً أن يقولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ"، (سورة "يس"؛ الآية رقم 82)؛ "إِنَّمَا قّوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ"، (سورة "النَّحل"؛ الآية رقم 40). سنشرح في حلقةٍ قادمة بشكلٍ مستفيض ماذا نعني بالكينونة، وما هي المكنونات، وما هو التَّعبير الكوني؛ إضافةً إلى ذلك، سنتحدث باستفاضة عن الأفعال الأدائية البشرية، كما سنشير إلى دلالاتِ "كُن فَيَكُونُ"، وفق ما جاءت في مُحكَمِ التَّنزيل.
محمد خلف
| |
|
|
|
|
|
|
Re: نوافذ مفتوحة ========= يحيي فضل الله ============= (Re: munswor almophtah)
|
من بين جبة الحلاج وجبة بولا خرج قبس الوعى الدال على إدراك مستجدات الواقع ليبين قدرة العقل على إدراك الحقيقة وسعة القلب الموقن على إحتواء أنوار الحق الواجبه بقدر سعة ذلك القلب. فإن فكت الحصة وثاق أسر خلف فقد إزهرت السبورةُ بفيوض جلوته وتجلت وأجْلَت غشاوةً من أعين العقول والقلوب لتتلمس قدرة الحق المتنزله فى بعض خلقه والكاشفه عن وجه الحقيقة بكشف عُرى النفس الحاوية على ذلك ( ( وفي الأرض آيات للموقنين ( 20 ) وفي أنفسكم أفلا تبصرون ( 21 ) وفي السماء رزقكم وما توعدون ( 22 ) ) وقال تعالى ((وفي انفسكم افلا تتفكرون))
منصور
| |
|
|
|
|
|
|
Re: نوافذ مفتوحة ========= يحيي فضل الله ============= (Re: munswor almophtah)
|
العزيز صلاح الدين عبدالمحمود السلام والرحمه والبركات، وقبل الإعجاب وبعده لكم الرأى إن أفصحتم به أو أضمرتموه سماحةً، فهذه رسائل تتناسل بدوافع عده وتتدافع لتكشف الغطاء عن الحقيقه وتؤكد الحق البائن بالضرورة للكفيف وبذى البصيص والمُفتِح فتراه البصيرة فيها وفى ما حولها وتوقن به وتنهزم فيها الشكوك كلها إلا شك العارفين الذى هو فوق اليقين وعين اليقين والقابض لظهر حق اليقين بنور المحبه فلك المحبة يا صلاح ولك السلام والتقدير.
منصور
| |
|
|
|
|
|
|
Re: نوافذ مفتوحة ========= يحيي فضل الله ============= (Re: munswor almophtah)
|
يا لها من صورةٍ بديعة، جمعت محمد المكي إبراهيم، صاحب أكتوبر الأخضر؛ ومنصور عبد الله المفتاح، الذي أوحى إلينا باكراً بفكرة الشَّاي الأخضر؛ بالنَّصري أمين علي النَّصري ("جِدو")، الذي كان يُتحفنا جده الحاج على النَّصري بطقسِ تناول الشَّاي الأخضر، الذي تهيؤه ابنته الرَّائعة بنت وهب، أم ميرغني والسِّر كركساوي؛ علماً بأن "جدو"، ابن أمي الثَّانية صفية بنت البدوي سليمان كركساوي، هو الذي حلَّ لنا، في نهاية شهر أكتوبر، مشكلة تلوين المربع في مشاركة "الشَّاي الأخضر" بموقع "سودانيزأونلاين"، في الرُّكن الذي يشرف عليه منصور المفتاح، وهو أحد الرَّوافد المهمَّة التي نتابع من خلالها مشاركات الرِّسالة
محمد خلف .
| |
|
|
|
|
|
|
Re: نوافذ مفتوحة ========= يحيي فضل الله ============= (Re: munswor almophtah)
|
وهذه أيضاً صورة بديعة، جمعت مَن تغنَّى بأكتوبر الأخضر بكاتب مشاركة "الشَّاي الأخضر"، في يومٍ أخضرَ بالقاهرة، أشار فيه محمد وردي إلى ابنه مظفَّر أن يأتي على مقربةٍ منه، فهمس في أذنه بكلماتٍ انطلق على إثرها إلي شقَّةٍ قريبة بحدائق المعادي، وسرعان ما جاء راكضاً وفي يده عود، وكانت حافلتان تستعدان لنقلنا إلى نهر النِّيل لحضورِ زفافِ رجلٍ "فقيرِ الأرومةِ والمنبتِ" على امرأةٍ من حسانِ الجموعية وأشرافها. إلا أن واسطة العقد النَّفيس هي علوية، أمُّ حافظ، وجوليا، ومظفَّر؛ أول مَن يُسمعها وردي ألحانَه الجديدة، وأفضل مَن ينتقده من غير إحساسٍ بالحرج؛ فليس من المستغرب إذاً أن تخرجَ ألحانُه مبرأةً من العيوب الشَّائعة في الوسط الغنائي. رحمهما الله وجازاهما بقدرما قدَّما للفن الغنائي، وبقدرما اتَّسعَ صدرهما للمشتغلين في أوساطه. مَن يدلَّني على حَسَن وردي؟ آخر مرَّة التقيت به في فيلاديلفيا؛ أمَّا عبد الوهاب، فمنذ تتبُّعي لأنشطة المعهدالعالي للموسيقى والمسرح نهاية الثَّمانينات. وفي خلفية الصُّورة، يظهر بابكر، ابن عديلي الِّدرديري، الذي كان يكنُّ له وردي تقديراً خاصَّاً؛ أمَّا أنا، فمازلتُ حائراً، أيُّ العديلين أوفى في ميزان العدل، وطيبة المعشر، وحُسْن السجيَّة: الدَّرديري أحمد بابكر أم متوكل أبوشامة؟
| |
|
|
|
|
|
|
Re: نوافذ مفتوحة ========= يحيي فضل الله ============= (Re: munswor almophtah)
|
سلام يا محمد خلف أتابع هذه الكتابات بشغفٍ كبير، وأجدُنى كلَّما أقرأ أرغبُ فى المزيد. يعجبُني فيها أنها تزواجُ بإيقاعٍ فريد بين ماهو ذاتيٌّ وما يمكن أن نسميه موضوعياً مزاوجةً تكادُ تلامسُ الحذر؛ فالرسالة التى بدأت على زعمٍ أو افتراضٍ قاله القصَّاص، هاهي تمضي من السرد وماهيته -دون أن تفارقه- إلى معارفَ شتَّى في اللغة والفلسفة والعلوم الطبيعية والأدب؛ وكلُّ هذا فى توهُّجِه ومولدِه الغض. رسالةٌ تنهضُ وتحرِّضُ على القراءة الحرَّة المتنوِّعة الناقدة. ما أكادُ ألمسُه، ولا أكاد، هو حضورُ الكتاب الإلهي، أي القرآن الكريم، كهادٍ خفٍ، ومهيمنٍ بلطف على جهرِ الرسالةِ وسرِّها؛ فالرسالةُ فى مجملها، فيما نضحت به من قراءاتٍ وفيما أتت به من تأويلات، جاءت مدحاً لحدودِ الحقيقة، ومدحاً لسرمديةِ الحق. ولأن الأمرَ كلَّه متعلِّقٌ بأسئلة الوجود والحياة، تحرَّكتِ الرسالة فى المسافةِ فى ما يمكن أن أُسميه العلم والدين، وحيث هنا كان تمييزُها بين الحقِّ والحقيقة، وهو تمييزٌ قام على حيثياتٍ كثيرة فيما يخصُّ الحقيقة، واكتفى بالإشارةِ فيما يخصُّ الحق. السر السيد
| |
|
|
|
|
|
|
Re: نوافذ مفتوحة ========= يحيي فضل الله ============= (Re: munswor almophtah)
|
فى خاصِّ الرسالةِ، أو السريِّ فيها، والمعلنِ فى ذاتِ الوقت، ما يشي بأنها تسعى جاهدةً لإزالةِ ما يمكن وصفه بالغيوم التى تحجِبُ اللهَ، الذي من أسمائه الحقُّ، والذي أنزل القرآنَ، الذى هو الحقُّ، كما جاء فى الآية الكريمة: "وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ"؛ القرآنُ الذى نادى صاحبَ الرسالة، فاستجابَ ولازال فى فلكِه يدور؛ فالرسالةُ مشغولةٌ بالبحثِ فى مسامِّ العلوم الطبيعية، ومجتهدةٌ كلَّ الاجتهاد فى التمييزِ بين الحقيقة والحق؛ ففي الرسالةِ لا يحضُرُ الدينُ كمنظومة شعائر وشرائع وعقيدة، لكن يحضُرُ -وبشكلٍ جليٍّ- اللهُ، والقرآنُ، والعلم؛ يحضُرُ العقل؛ تحضُرُ اللغة؛ يحضُرُ العالم. وتحاول الرسالة فجَّ تلك الغيوم لإزالةِ الحُجُبِ، لا لنرى اللهَ، فهو عند صاحبِ الرسالةِ ظاهرٌ وباطن، ولكن لنرى الغيومَ فى العلمِ وبالعلم.
السر السيد
| |
|
|
|
|
|
|
Re: نوافذ مفتوحة ========= يحيي فضل الله ============= (Re: munswor almophtah)
|
Quote: . أما سؤالُ مسعودٍ المباغت، فإنه لا يصلُ فقط إلى حدود البليون، وإنما يقود إلى حقلٍ عصبيٍّ يقطنه مائة بليون نيرون (أي خليةٍ عصبية)؛ وهو الدُّماغ البشري، الذي لا يُختزلُ الوعيُ في إطاره، إذ لا تصلُح التفرقة الاعتيادية بين الواقع ومظهره، حينما نخترقُ المجالَ العقلي؛ فالمظهر، حينما يكون الحديثُ عن الوعي، كما يقول جون سيرل، هو الواقعُ ذاتُه.
محمد خلف |
إستطاع سؤال مسعود الذى بذله لخلف أن يكون سسببا تتفتق منه بساتين المعرفه وتنبجس مياه سقيتها من عقل خلف الذى إنفعل وأخرج أثقال المعرفه من ماهية وجودها بالقوة إلى حقيقة وجودها بالفعل، فيا لهاتيك الأسئله التى كشفت لموسى خلف ما يخفيه خِضْرهُ!!
منصور
| |
|
|
|
|
|
|
Re: نوافذ مفتوحة ========= يحيي فضل الله ============= (Re: munswor almophtah)
|
عودةٌ إلى المربَّع لصياغةِ نظامٍ ثلاثيٍّ وتدريبٌ على فكِّ الأقواسِ توطئةً للحديث عن قصدية الوعيأشرنا في نهاية المشاركة الأخيرة إلى النِّظام العشري، واجتهادِ العلماء في تمحيصِ افتراضاتهم وربطِ وثاقها بأقربِ علامةٍ عشرية ممكنة. إلا أن النِّظام الثُّنائي الذي أنشأه ألان تورينغ، مؤسَّس نظرية الحاسوب المعاصرة، التي تقوم عليها الثَّورة الرَّقمية الحديثة، هو في الأساس نظامٌ ثنائيٌّ يعتمد على إعادة تعريف الأرقام العشرية، وفقاً لشفرةٍ ثنائية تتكوَّن من الصِّفر والواحد، بحيث يُمَكِّنُ من معالجتها -إلى جانب الحروف التي تمَّ إعادة تعريفها رقمياً- إليكترونياً، وفقاً لذلك النِّظام الذي يسهُل تحويله إلى نبضاتٍ كهربائية، تتناوبُ بين الإيجابِ والسَّلب، أو الفتحِ والإغلاق. ومع ذلك، لا يرقى هذا الحاسبُ الإلكتروني المُخترَع، رغم سرعته وقدرته الفائقة على طحنِ الأرقام، إلى مستوى الدُّماغ البشري، بحيث يكونُ حاضناً لما يُمكِنُ أن يتمخَّضَ عنه وعيٌّ يُبرِّرُ تسميتَه السَّابقة بالعقلِ الإلكتروني، أو مقارنتَه الحالية بالعقلِ البشري؛ فالأول، من حيث هو برنامجٌ، لا يعدو أن يحمِلَ في طيَّاته سوى تركيبٍ (أو سينتاكس)، بينما يحتوي الدُّماغ، من حيث هو حاضنٌ لعقلٍ بشري، إضافةً إلى التَّركيب، على دلالةٍ (أو سيمانتكس) تشيرُ إلى خارجِه.تُعرفُ الحُجَّةُ المطروحةُ في الفقرةِ السَّابقة في أدبياتِ فلسفةِ العقل بـ"الغُرفةِ الصِّينية"، وهي "تجربةٌ فكرية" (غيدانكنإكسبيريمينت)، صاغها الفيلسوفُ الأمريكي جون سيرل، ونكتفي بالإشارة إليها هنا دون تفصيل؛ إلا أننا سنستفيدُ منها لاحقاً في نظامنا الثُّلاثي (الواقع، والعقل، واللُّغة)، الذي عرضناه في حلقاتٍ سابقة وفقاً لثلاثِ ألوانٍ هي الأصفر، والأحمر، والأزرق، ووضعناها داخل مربَّعٍ رقَّمناه، من واحد إلى تسعة؛ وسنحاول في هذه المشاركة إعادة تعريف الأرقام التِّسعة، بحيث تكون مشتملةً فقط على نظامٍ رقميٍّ ثلاثي، نستفيدُ منه إجرائياً في توضيح خطَّة توزيع الألوان، من حيث تمثيلها للأقانيم الثَّلاثة: الواقع، والعقل، واللُّغة. وفي خطوةٍ لاحقة، سنقوم بتعريف الأرقام المتبقية (من واحد إلى ثلاثة)، وفقاً لوجهين: الأول، يشتمل على وجودها المستقل داخل نظامٍ ثلاثيٍّ منفصل أو غير مترابط؛ والثَّاني، يشتمل على بعدها التَّراكمي، الذي لا يكتفي باستقلاليتها المنفصلة، وإنما يشير إلى ما اكتسبته بالإضافة إلى غيرها. على سبيل المثال، لاتكونُ الاثنينُ اثنيناً فقط، وإنما تكون أيضاً واحداً مضافاً إلى آخر.أما بخصوص الأرقام 1، 4، 7 ذات اللَّون الأصفر، في الصَّفِّ العمودي على يمين المربَّع، فيمكن إعادة تعريفها، وفقاً لنظامنا الثُّلاثي المقترح، على النَّحو التَّالي: الرَّقم 1 يبقى على ما هو عليه في الصَّفِّ الأعلى الأفقي؛ 4 يُصبِحُ 1+(3×1)؛ 7 يُصبِحُ 1+(3×2). وبخصوص الأرقام 2، 5، 8 ذات اللَّون الأزرق (المُمتزج بالأصفر، ليُعطينا الأخضر)، في الصَّفِّ العمودي الواقع في منتصف المربَّع، فيمكن إعادة تعريفها، على النَّحو التَّالي: الرَّقم 2 يبقى على ما هو عليه في الصَّفِّ الأعلى الأفقي؛ 5 يُصبِحُ 2+(3×1)؛ 8 يُصبحُ 2+(3×2). وأخيراً، بخصوص الأرقام 3، 6، 9 ذات اللَّون الأحمر (الممتزج بالأزرق ليُعطينا البنفسجي، والأزرق والأصفر معاً ليعطينا البنِّي)، في الصَّفِّ العمودي على يسار المربَّع، فيمكن إعادة تعريفها، وفقاً لنظامنا الثُّلاثي المقترح، على النَّحو التَّالي: الرَّقم 3 يبقى على ما هو عليه في الصَّفِّ الأعلى الأفقي؛ 6 يُصبِحُ 3+(3×1)؛ 9 يُصبِحُ 3+(3×2).اغنيٌّ عن القول إن النَّظام الثُّلاثي المُقترح هنا قد تمَّ ترجمته من النِّظام العشري المعروف، لذلك فإنه لا زال يحتفظ بذلك الأثر؛ فإذا فككتَ الأقواسَ وأجريتَ الحسابَ وفقاً للنِّظام العشري، فإنكَ واصلٌ إلى نفسِ النَّتيجة؛ إلا أننا أمام نظامٍ ثلاثيٍّ مغلق، فينبغي إجراءُ الحسابِ والتدرُّبِ على فكِّ الأقواس بكيفيةٍ مغايرة، بحيث لا يتعدَّى العددُ الرقمَ 3، وبحيث يشير فكُّ الأقواسِ فقط إلى هذه المستوياتِ الثَّلاثة، التي تُغطيها الألوان الرَّئيسيىة الثَّلاثة، في إشارتها إلى الأقانيم الثَّلاثة، وهي الواقع، والعقل، واللٌّغة.سنحتاجُ لوقتٍ، وصبرٍ أشرنا إليه في مشاركةٍ سابقة، حتى نتعوَّدَ على التَّفكيرِ والتَّأمُّلِ داخل هذا النِّظام الثُّلاثي؛ إلا أنَّ من حُسنِ الطَّالعِ أن وضعَ الأقواسِ وفكِّها عند إدموند هوسرل، رغم ضلوعِه وتبحُّرِه في علم الرِّياضيات، لا يحتاجُ منَّا إلى معرفةٍ كافيةٍ بها حتى نُدركَ ما يقصدُ بقصديةِ الوعي؛ فإلى مشاركةٍ قادمة نستجلي فيها مشروعه الظَّاهراتي، الذي جذبَ إليه، فيمَنْ جذبَ، مارتن هايدغر.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: نوافذ مفتوحة ========= يحيي فضل الله ============= (Re: munswor almophtah)
|
القيُّوميَّةُ شِراعُ الحقِّ الواحد والأُقنوميَّةُ إشعارٌ بوجودِ الحقيقةِ ضمن مجالاتٍ ثلاثة قلنا في حلقةٍ سابقة عن الأحلام إن الله هو الحقُّ (سورة "الحج"؛ الآية رقم 62)، يقصُّ الحقَّ (سورة "الأنعام"، الآية 57)، وقوله الحقُّ (سورة "الأنعام"، الآية 73)؛ ويخبرنا في آية الكرسي (سورة "البقرة"، الآية 255) أنه المنفردُ بالألوهية، القائمُ على تدبيرِ خلقة؛ ومن تمامِ قيُّوميَّتِه أنه لا تأخذه سِنةٌ ولا نوم، مما ينتفي عنه بالضَّرورة تعرُّضُه لما يعتري النَّائمُ في نومِه. وحُلمُ النَّائمِ شكلٌ من أشكال الوعي، وهو حالاتُ الإحساس والانتباه التي تطرأ على الشَّخص المُستيقظ؛ لذلك، فإن تعريفه (أي الوعي) يتضمَّن ابتداؤه لأولِ وهلةٍ من يقظةٍ من نومٍ خالٍ من الأحلام، وانتهاؤه بغفوةٍ أخرى أو إغماءةٍ أو غيبوبةٍ أو غيابٍ تام عن الدُّنيا. علماً بأن هذا التَّعريف يشمل فقط التَّحديد الذي تقتضيه الفطرة السَّليمة؛ أمَّا التَّعريفُ التَّحليلي، فربما تصطكُّ له رُكبُ العارفين، خصوصاً إذا لامس ما أطلق عليه ديف(يد) تشالمرز مشكلة الوعي العصيَّة، وهي ليست تلك المشكلة السَّهلة التي يمكن حلَّها باختزال الوعي إلى مكوِّناته النَّفسية التي يسهُل تفسيرها بواسطةِ شفراتٍ سلوكية خارجية.وفقاً للتَّعريف المذكور أعلاه، يمكن القول بأن الوعي البشري عرضة للانقطاع، وحدوثه قائمٌ على التَّناوب، مما يطعنُ في أوراق اعتماده كمنتجٍ للحقِّ الدَّائم، ومما يبرِّر، في نفسِ الوقتِ، تلقِّيه للحقِّ من علٍ في شكلِ آياتٍ من الذِّكرِ الحكيم أو أحاديثَ قدسيةٍ أو أقوالٍ أو أفعالٍ مرفوعةٍ بالسَّند الصَّحيح إلى النَّبي الكريم. فالقيُّوميَّة هي شراعُ الحقِّ الواحد؛ هذا بخلاف الحقيقة التي ينتجها وعيٌ بشريٌّ مُنتَقَصُ القيُّوميَّة، كما يمكن تلمُّسها ضمن أقانيمَ ثلاثة، تتوزَّعُ فيها الأعباء، وتتداخلُ الاختصاصات، وتتصارعُ السُّلطاتُ القائمة على الأمرِ في تلك المجالات المُتشظِّية، وتتنوَّعُ الأسبقيات. فالعلوم الطَّبيعية، على سبيل المثال، تعمل في مجال الواقع، الذي يتَّسمُ بالموضوعية، وطينته مادية - أمَّا الأسبقيةُ فيه، فإنها أنطولوجية؛ والفلسفة تعمل في مجال العقل، الذي يتَّسمُ بقدرٍ من التَّخيُّل والتَّقدير الذَّاتي للموضوعات، وصبغته مجرَّدة – أمَّا الأسبقيةُ فيه، فإنها منطقية؛ والبلاغة تعمل في مجال اللُّغة، التي تتَّسمُ بالمرونة والإبداع، وبنيتها الصَّوتية مادية، ونظامها الدَّلالي أقرب إلى التَّجريد – أمَّا الأسبقيةُ فيها، فإنها بيانية.نادراً ما تعمل هذه الأقانيم الثَّلاثة، داخل ثقافةٍ بعينها، في تنسيقٍ وانسجام. ففي داخل الثَّقافة العربية، يُمكن الاستشهاد بالخلاف الذي كان قائماً بين المناطقة والنَّحويين، والذي انعكس في تلك المناظرة الشَّهيرة التي جرت بين أبي سعيد السِّيرافي وأبي بشر متَّى بن يونس في مجلس الوزير أبي الفتح جعفر بن الفرات، الذي انعقد في سنةِ ستٍّ وعشرين وثلاثمائة من الهجرة، بحضورِ المرزبانيِّ وقدامة بن جعفر ورهطٍ من أهلِ العلم في مصرَ في زمنِ زعامةِ كافور الإخشيدي. ابتدر السِّيرافي المناظرة بسؤالٍ موجَّهٍ إلى متَّى، فقال: حدِّثني عن المنطق ما تعني به؟ قال متَّى أعني به أنَّه آلةٌ من آلاتِ الكلام يُعرف بها صحيحُ الكلامِ من سقيمه. فقال أبو سعيد: أخطأتَ، لأن صحيحَ الكلامِ من سقيمه يُعرف بالنَّظمِ المألوف والإعرابِ المعروف، إذا كنَّا نتكلَّم بالعربية؛ ... وإذا كان المنطقُ وَضَعَهُ رجلٌ من يونانَ على لغةِ أهلِها واصطلاحِهم عليها ... فمن أين يلزَمُ التركَ والهندَ والفرسَ والعرب؟ قال متَّى: إنما لزِمَ ذلك، لأن المنطقَ بحثٌ عن الأغراض المعقولة والمعاني المُدرَكة. قال أبو سعيد: إذا كانت الأغراض المعقولة والمعاني المُدرَكة لا يُوصلُ إليها إلا باللُّغة الجامعة للأسماء والأفعال والحروف، أفليس قد لزِمَتِ الحاجةُ إلى معرفة اللُّغة؟ قال نعم. قال أخطأتَ، قُلْ في هذا الموضع: بلى. قال: بلى، أنا أُقلِّدُكَ في مثلِ هذا.لقد عرضنا هذا المقطَّع المطوَّل من المناظرة، لا لنبشِّرَ بانتصارِ السِّيرافي، الذي نقلته لنا المصادرُ المتوفِّرة، ولا لننتقصَ من مكانة أبي بشر متَّى بن يونس بعد هزيمته المشهودة في ذلك المجلس الإخشيديِّ المحضور، وإنما لنسلِّط الضُّوءَ على الاستقلال النِّسبي للأُقنومين المتنازِعين (العقل واللُّغة) عبر علمَيْ النَّحو والمنطق، ولنؤكِّد على مركزية الصِّراع المُحتدِم الذي كان يجري على مُقدِّمةِ الخشبة، وفي واجهةِ السُّلطة، وعلى مرأًى من أهلِ العلم؛ بينما كان أُقنومٌ آخرُ (هو الواقع) يتمُّ الاقترابُ منه عبر العلوم التَّجريبية الوليدة، خلف الكواليس، وعلى مسافةٍ من دهاليز السُّلطة، وبعيداً عن أعينِ الرُّقباء. وقد انقلب هذا الوضعُ نوعاً من الانقلاب داخل الثَّقافة الغربية الحديثة، فصارتِ العلومُ الطَّبيعية تتوسَّط خشبة المسرح، وأصبحت تهيمنُ هيمنةً واضحة على إنتاجِ جلِّ المعرفة "المُفيدة" (من الإبرةِ إلى الصَّاروخ)، وتتدخَّلُ في كلِّ صغيرةٍ وكبيرةٍ من حاجاتِ النَّاس اليومية؛ بينما انحصرتِ البلاغة والمنطق داخل الأبراج العاجية للجامعات ومعاهد البحث الكبرى.ولقد أشرنا في الرِّسالة إلى الفيلسوف دان(يل) دينيت، من جامعة تفتس الأمريكية، وكتابه الأشهر: "وعيٌ وقد تمَّ تفسيرُه"، الذي دافع فيه عن العلوم الطَّبيعية، وانتصر فيه لأُقنوم (الواقع) الماديِّ الموضوعي؛ كما أشرنا إلى الفيلسوف الأمريكي طوماس نيجل، من جامعة نيويورك، الذي اتَّخذ الخُفَّاشَ مثالاً لتوضيحِ مشكلة الوعي المُستعصية في إطار أُقنوم (العقل)؛ وتطرُّقنا أيضاً إلى فلسفتَيْ فيتجنشتاين التي اهتمت أُولاها بأُقنوم (العقل)، لتنتقلَ أُخراها إلى أُقنوم (اللُّغة)؛ هذا علاوةً على إشارتنا المتكرِّرة واستفادتنا المتلاحقة من الإرشاداتِ اللُّغوية التي يقدِّمها ستيفن بنكر، من معهد ماساتشوسيتس للتَّقنية، الذي يهتمُّ بأُقنوم (اللُّغة)، ويعمل بداخله أيضاً اللِّسانيُّ الضَّليع، نعوم تشومسكي، الذي يستقلُّ ببحوثه اللُّغوية، رغم كَثرَةِ المقتنعين بآرائه بين الباحثين، ويرفض الانضمامَ إلى التَّيارِ الدَّارويني المهيمن داخل المعهد.إلا أننا حرصنا في مشاركاتٍ سابقة على تأصيلِ مشكلة الوعي داخل حقبةٍ أوروبية كانت تستشرفُ حداثة القارة، فوقعَ اختيارُنا على أربعةِ فلاسفةٍ ألمان هم: إيمانويل كانت، وويلهام دلتاي، وإدموند هوسرل، ومارتن هايدغر؛ وقلنا إن الكانتيين الجُدد ركَّزوا على "الظَّاهرة" (الفينومينون) على حساب "الشَّيء في ذاته" (النُّومينون)، تمهيداً لتدشين الحداثة التي جاءت في أعطاف ثورة العلوم، فلم يروا في تصوُّرهم لأقنوم (الواقع) سوى هذه الظَّواهر القابلة للمعرفة العلمية؛ أمَّا "الشَّيء في ذاته"، فقد احتُبس إلى الأبد فيما وراء الظَّواهر البادية للعيان، والقابلة في نفسِ الوقت للتَّحليل العلمي. أمَّا دلتاي، فقد اهتمَّ بمنتجاتِ الثَّقافةِ الإنسانيةِ كلِّها، التي رأى أنها تحمل في طيَّاتِها معنًى أو دلالةً مُسبقة؛ لذلك، فإن التَّعامل معها يتمُّ عبر أُقنوم (اللُّغة)، وتحديداً النُّصوص؛ وبما أن دلالة النُّصوص لا توجد خارجها كالظَّواهر الماثلة للعيان، التي تتناولها العلوم الطَّبيعية، فإن أفضلَ طريقةٍ للتَّعامل معها هو القفزُ إلى حقلِ تفسيرِها الدَّلالي (أو الهيرمنيوطيقي).وسوف نقتحمُ في حلقةٍ قادمة -في معيَّة هوسرل- أُقنومَ (العقل)، وسنتعلَّمُ منه حرفة فتحِ الأقواس ووضعِ أُقنومٍ على إثرِ آخرَ بداخلها، وسيبدأ هو بإدخال (الواقع) برُمَّتِه داخل قوسٍ، ليركِّز تحليله الظَّاهراتي داخل أٌقنوم (العقل)، يعاونُه ويختلفُ معه في ذاتِ الآن هايدغر، الذي سيشِبُّ عن الطَّوقِ لينشئَ فلسفته الخاصة، التي عرضها في كتابه الضَّخم "الكينونة والزَّمان" (هل أنت بخيرٍ يا عزيزي الصَّادق؟ أرجو صادقاً تحقُّقَ ذلك، فالزَّمنُ، يا صديقُ، خيرُ مداوٍ للجروح، وأفضلُ مُذهِبٍ لأحزاننا؛ فلا عليكَ إنْ نسيتَ تذكيري بحديثِ الكينونة). محمد خلف
| |
|
|
|
|
|
|
Re: نوافذ مفتوحة ========= يحيي فضل الله ============= (Re: munswor almophtah)
|
(ههل أنت بخيرٍ يا عزيزي الصَّادق؟ أرجو صادقاً تحقُّقَ ذلك، فالزَّمنُ، يا صديقُ، خيرُ مداوٍ للجروح، وأفضلُ مُذهِبٍ لأحزاننا؛ فلا عليكَ إنْ نسيتَ تذكيري بحديثِ الكينونة)[/]. محمد خلف عزيزنا خلف أنا بخير، والحزن يأخذ دورته العادية، لم أنسى، غير أني مشغول بأشياء مؤجلة بخصوص العمل، كما تعلم فقد تغيبت لزيارة الوالد، رحمه الله، في مصر. وبعدها ذهبت إلى السودان، كل هذا راكم العمل على مكتبي (والفواتير أيضاً). وبرغم الحزن فقد سعدت بمقابلة بعض الأصدقاء، وعلى رأسهم العزيز محمد عبد الرحمن شقل وهو محتفٍ بهذا الخيط أيّما احتفاء. يحمل نسخ مطبوعة منه يوزعها على (أصدقائكما). زارني شقل معزياً بصحبة اثنين من أعز الأصدقاء (شهاب وكلتوم فضل الله)، ومرة ثانية بصحبة (الشاعر بابكر الوسيلة) الذي ما زال كعهدي به يرتدي نفس الهدوء والنظر العميق للأشياء، استعدنا ذكرى بعض الأصدقاء، أخبرني أن صديقي العزيز الشهيد نصر الدين الرشيد (مات في معسكرات التجمع في اسمرا) قد أهداه جُلّ مكتبته قبل أن يغادر، وأخبرته أن صديقه (رضوان بلال من نواحي أم تريبات (بتاعة حاتم مصطفى) قد اغترب أخيراً). وزارني شقل مرة ثالثة مودعاً، وشقل يحمل من الوفاء ما لن نستطيع رد ولو جزء بسيط له وأحزن أحياناً على عدم اعتناءنا بشقل ولو بمكالمة عابرة (متع الله حبيبنا شقل بالصحة والعافية وأعانه على مصاعب الحياة هناك) وشقل، للذين لا يعرفونه، هو أحد أنبياء زماننا هذا، واتمنى أن ينبري أحدهم للكتابة عنه ذات يوم. زارني أيضاً الصديق محمد جلال هاشم أيضاً، وخفف عني الكثير بحكاويه وتحليلاته (الماكرة). وجاءتني تماضر مبارك وآخر عهدي بها في زيارة خاطفة لباريس قبل اربعة عشر سنة، معها المحامي حاتم الياس وفيروز زوجته. وشباب حزب المؤتمر السوداني يحملون قلق عظيم على الوطن. وجاءني الشاعر عبد الله الزين، هاديء كعهدي به، طمنني وهو يحكي عن (مفروش) أن الناس تقرأ كما كنا، وخصوصاٍ الشباب، ليت (مفروش) تعود. وكان الأهل جميعهم هناك بعضهم لم أره لسنوات تجاوزت العشرات، وأجيال جديدة هالني ما آل إليه حالهم كنتاج طبيعي لتعليم لا يحفّز ملكة النقد عندهم. كل هذا لم يمنعني من اختلاس النظر مرات عدة على هذا الخيط كلما سنحت فرصة (أتاحها غالباً عدم النوم المرتبط بفرق الزمن) على العموم احاول أن اتخلص من تراكم العمل، لأعود لممارسة حياتي العادية. ويظل الحزن الأكبر ليس على الفقد ولكن على (الأحاديث التى لم تكتمل، وهيهيات أن تكتمل، مع أبي ومع كل من فقدت ومن سأفقد)الصادق إسماعيل
| |
|
|
|
|
|
|
Re: نوافذ مفتوحة ========= يحيي فضل الله ============= (Re: munswor almophtah)
|
منصور المفتاح سلام لعل شقل سمع قول الشاعر: الناس بقت حبات سبح لا خيط يلمها لا ترانيم العباده فنذر على نفسه أن يكون ذاك الخيط الذي يجمع الناس تسأله عن الناس فيجيبك بأخبارهم، حتى أخبار جيراني في مونتري (عبد اللطيف ومريم والخواض وسلوى صيام)، يعرفها أكثر مني. ولعل الله خلق شقل ليذكرنا دوماً بتقصيرنا في معرفة أخبار بعضنا البعض، ولينسف أعذارنا الواهية (مشغوليات ... جري.. حال الدنيا) والتى نقبلها من بعضنا البعض، عل مضض، مدفوعين بتواطوء الإلفة ودفع فواتير الصداقة. حينما توفت والدة (خلف وبابكر الشاعر)، لم أجد من يعطيني تلفون بابكر لأعزيه سوى شقل، اتصلت عليه فأخبرني الخبر وقال لي أنه في طريقه إلى هناك وسيضطر للعودة لإستلام ملصقات لتأبين صديق، وزيارة مستشفى لوالد أحد الاصدقاء المشتركين وهكذا تمضى حياة شقل، ناذراً نفسه لترتيق حبل التواصل. لا أعرف كيف احتمل فراق مصطفى وبعده حميد ومحجوب شريف، ولكني أحسبه يراهم في تواصله بمن أحبوا. أخجل حين أعرف أن أخباري كلها عنده، وأخجل أكثر حينما أكتفي، عند سماع اسمه في الونسات (الذكرياتيّة) بالمقولة الإعتذارية الواهية (يا الله بالله هو عامل كيف؟). وهي اعتذارية وواهية كونها تستبطن هذا التقصير المخيف في حق شقل، يكفي أنه الوحيد الذي اعطى وعطي وسيعطي دون مقابل سوى المحبة، ولأنه، وبحق يا منصور، مشاء بمديح، فكل الناس جميلين عند شقل، شقل يعرف أجمل ما فيك ويكتفي به، يعيدك لبراءتك الأولى، لدفء المشاعر، الذي استبدلناه براحة المنافي الخادعة. الكون عند شقل يبدأ وينتهي عند هؤلاء الأصدقاء، شقل لا يبارح السودان لأنه مربوط بهذه الصلات، يتخيل أن عقدها سينفرط لو هو غادر. السلام على شقل وعلى من يحب شقل، والله إني لسعيد أن أكون حبةّ في سبحة شقل كونها تجمعني مع قوم أعتى ذنوبهم حب الخير لأوطانهم واهلهم.الصادق إسماعيل
| |
|
|
|
|
|
|
Re: نوافذ مفتوحة ========= يحيي فضل الله ============= (Re: munswor almophtah)
|
يا لهُ من أسبوع؛ بدأ بموسى والخَضِر، وانتهى بميلادِ مُحَمَّدٍ ويسوع
يا لهُ من أسبوع؛ فبعدُ الألفينِ وخمسةَ عشرةَ عاماً، هاهو العامُ الميلادي يصِلُ إلى نهايته، وهاهي ساعاتُه المتبقية تلفظُ أنفاسَها الأخيرة؛ إلا أنه لم يمضِ إلى حالِ سبيلِه من قبلِ أن يحتفلَ العالمُ الإسلامي بميلادِ المصطفى، ومن قبلِ أن يحتفلَ العالمُ كلُّه (بحُكمِ الثَّقافةِ الغالبةِ راهناً) مع المسيحيينَ بميلادِ الفادي. ففي يوم الثُّلاثاء 11 ربيع الأول، كانت ليلةٌ هي، بحَسَبِ الشَّاعر محمد المهدي المجذوب، سرُّ كلِّ اللَّيالي؛ وصادف يوم الأربعاء 12 ربيع الأول ميلادَ النَّبي محمد، شفيعِ الأمَّة. وفي يوم الخميس 24 ديسمبر، كانت عشيةُ عيد الميلاد؛ وصادف يومُ الجمعة المبارك ميلادَ المسيح عليه السَّلام؛ تلك إذاً أربعةُ أيامٍ مشهودة. وكُنَّا قد تبِعنا في مشاركةِ يوم الخميس 17 ديسمبر موسى وفتاه إلى مَجمَعِ البحرين، حيث تخِذَ حوتٌ طريقه إلى البحرِ سَرَبَاً، فيما كان الخَضِرُ يجلس على طُنفُسةٍ فوق سطح الماء؛ تلك إذاً ثلاثةُ شخصياتٍ معهودة. وما بين الأيامِ المشهودةِ الأربعة والشَّخصياتِ المعهودةِ الثلاثة، أخذتُ أتبيَّنُ شيئاً فشيئا سرَّ العلاقةِ المُدهِشةِ بين المربَّع والمثلَّث. ففي المربَّع قيد الاكتمال، كنَّا ننظر إليه (أي المربَّع) باعتباره نظاماً مغلقاً مكتملاً، يحوي داخله ثلاثة أقانيم، هي: الواقع، والعقل، واللُّغة؛ تستقلُّ بذاتها حيناً، وينشأ بينها علاقاتٌ متداخلة أحايينَ أخرى ضمن النِّظام الموحَّد، الذي ينحصرُ انحصاراً داخل المربَّع؛ حتَّى أننا أعدنا تعريف الأرقام من واحد إلى ثلاثة، داخل النِّظام العشري المعروف، لتكشِفَ عن نفسها بوصفها نظاماً ثلاثياً، مُعبِّراً عن الأقانيم الثَّلاثة، المُنحصِرة داخل المربَّع، باعتباره نظاماً كاملاً شاملاً في مجال الحقيقة المتغيِّرة. وكنتُ أنتظرُ، كما بُحتُ إلى الصَّديق الشَّاعر سيدأحمد علي بلال، إطلالةً من الصَّديق عبد الواحد ورَّاق عبر الهاتف؛ وما كنتُ أنتبهُ، إلا بعد مُضي وقتٍ، بأن ورَّاقاً كان يمطرني -طيلة وقت الانتظار- بوابلٍ من المربَّعات عن طريق الواتساب (الوتصب): بدءاً من حاج الماحي، مادحِ الرَّسول وعبر نسلِه الأخيار منذ القرن التَّاسع عشر، وانتهاءً بالشَّاعر المدهش غاية الإدهاش علي عاكير، الذي اشتُهر باسم عُكير الدَّامر؛ هذا إضافةً إلى ما استجدَّ من شعر العكودابي ود بادي، ومجادعاته مع الصَّديق الشَّاعر محمد طه القدَّال. وكنتُ أستغربُ أيضاً أن ندوةً تُقامُ في "معهد البروفيسور عبد الله الطَّيِّب للُّغةِ العربية" بجامعة الخرطوم، في يوم الاثنين 31 أغسطس 2015، تحت عنوان: "الرَّسائل في أدب الحداثة – رسالة خلف إلى القصَّاص نموذجاً"، ويُعلنُ فيها عن مشاركةِ أربعةِ متحدِّثين، هم: د. مصطفى الصَّاوي، و أ. السِّر السَّيِّد، و أ. عامر محمَّد أحمد، و أ. نادر السَّماني؛ ولا يعتلي مِنبرَ النَّدوةِ إلا ثلاثةُ متحدِّثين، بغيابِ الأخ الصَّديق والجارِ العزيز نادر السَّماني (كيف حالُ الأهلِ والجيران؛ وكيف حالُ المنتدياتِ، في غيابِ أسرابها المهاجرة). وكانتِ النَّدوةُ محضورةً بحضورِ القدَّالِ، وعالم عبَّاس محمَّد نور، وعبد المنعم الكتيابي، وعبد الله محمد الطَّيِّب، وعصام عبد الحفيظ، وعثمان حامد، والأمين محمد عثمان، وبابكر الوسيلة، ورهطٍ من المهتمين الأخيار؛ إلَّا أنني أُدركُ الآنَ لماذا غابَ رابعُهم؛ فهي في الأصلِ، كما أحدسَ القدَّالُ نفسُه في إشارةٍ إلى "شملة كنيزة"، ثلاثية: "هي تلاتية لاكين قدَّها رباعي". ونقِفُ هنا الآن، لنُكمِلَ، في مشاركةٍ لاحقة، قصَّة موسى مع الخَضِر، حيثُ أقدمَ في المرَّةِ الأولى -ضمن ثلاثةِ اختباراتٍ- على "قدِّ" السَّفينة (أي خَرقِها)؛ ولنَختِمَ أيضاً على عَجَلٍ هذه المشاركة، التي أشارت إلى المربَّع، في ثلاثِ فقراتٍ مختصرة، احتفاءً بمقدِمِ العامِ الجديد، أعاده اللهُ على قرَّاءِ هذا الرُّكنِ بالخيرِ واليُمنِ والبركات.
محمد خلف
| |
|
|
|
|
|
|
Re: نوافذ مفتوحة ========= يحيي فضل الله ============= (Re: munswor almophtah)
|
قصَّة موسى مع الخَضِر: بديلٌ تفسيري لفهمِ اختباراتٍ ثلاثة في مطلعِ عامِ المربَّع
أشرنا في حلقةٍ سابقة إلى أن سورة "الكهف" تتوسَّطُ المصاحفَ العثمانية، وأن قصَّة موسى مع الخَضِرِ، عليهما السَّلام، تتوسَّطُ بدورِها السُّورة المكيَّة (باتِّفاقِ جميع المفسِّرين)، بل إن الاختباراتِ الثَّلاثة، التي تضمَّنتها القصَّة، تمتدُ من الجزءِ الخامسَ عشرَ إلى الجزءِ السَّادسَ عشرَ من المُصحَف، حيث يبدأ الاختبارُ الأول (خَرقُ السَّفينة) وينتهي مع نهاية الجزء السَّادسَ عشرَ، ويبدأ الاختبارُ الثَّاني (قتلُ الغلام) مع نهاية الجزء، ولا يكتملُ إلا مع بداية الجزءِ السَّادس عشر، ثم يليه الاختبارُ الثَّالث والأخير (إقامةُ الجدارِ من دون اتِّخاذِ أجرٍ مقابل هذا العمل) مع بداية الجزء؛ ومن ثمَّ البدءُ في تفسيرِ ما أشكلَ أمرُه على موسى عليه السَّلام، ضمن هذه الاختبارات التَّعليمية الثَّلاثة. وكنَّا قد بدأنا الحديثَ عن هذه القصَّة الشَّهيرة في الأسبوع الأخير من العامِ الخامسَ عشرَ بعد الألفين، ونأمل أن نصِلَ إلى ختمِ قولٍ بصددها في الأسبوع الأول من العامِ السَّادسَ عشرَ بعدهما، سائلين الله أن يجعله عامَ خيرٍ وبركة؛ وآملين خلاله أن نصِلَ إلى تفسيرٍ مقنعٍ بشأنِ المربَّع، خصوصاً وأن العام السَّادسَ عشرَ (4×4) هو رمزُ المربَّع بامتياز، (بخلافِ الشَّملةِ يا قدَّالُ)، فهو رباعيٌّ وقدُّه (أي خرقُه) كذلك. يعتقد الكثيرون أن فحوى القصَّة يشيرُ بوضوحٍ شديد إلى وجود مستويين من العلم: أحدهما ظاهرٌ متاحٌ للعيان، والآخرُ خفٍ أو باطنٌ لا يتأتَّى فهمه إلا لِمَنْ أوتي صبراً، أو كان ذا حظٍّ عظيم. ونحن لا نختلفُ كثيراً مع هذا الشِّقِّ الثَّاني من التَّوصيف، إلا أننا نضعُ بديلاً عنه تفسيراً قائماً على تمييزنا بين الحقِّ والحقيقة؛ فبينما نجدُ أن الحقيقة هي مجالٌ واسع للاكتشاف ضمن علم الظَّاهر بمحتلف أنواعه، نجد أن الحقَّ سبيلٌ لتلقي الكشف ضمن مستوياتٍ متعدِّدةٍ من العلم اللَّدني؛ ولأجلِ ذلك قلنا إن العلم الموسوي والخَضِري كلاهما يقعُ ضمن مستوياتٍ متراوحة من العلم اللَّدني، الذي يتمُّ منحه وفق معاييرَ لا ندرك كنهها تماماً، وإنْ كان الصَّبرُ والحظُّ العظيمُ أمارتين دالَّتين على وجودِ ذلك العلم الممنوح من الحقِّ عزَّ وجلَّ؛ وهو لا يتبع، كما الحقيقة، منهجاً بعينه لتلقيه، باستثناءِ صدقِ التَّقوى، وخُلُوِّ العمل من الزَّيف، وتطابقِ ظاهرِ المرءِ مع باطنه. فإذا كانتِ التَّفرقةُ بين علم الظَّاهر والباطن ليست هي الأمرُ المعوَّل عليه في تفسير قصَّة موسى مع الخَضِر، فما هو البديل الذي يمكن أن يُركن إليه في تفسير هذه القصَّة العظيمة؛ علماً بأننا ما كان يمكن أن نضطرَّ للبحثِ عن بديل، لولا أننا رأينا بأمِّ أعيننا انقساماً لا مبرِّرَ كافياً له؛ هذا غير أنه قائمٌ على إغماضِ العين عن السِّياق الذي يبرِّر في الأصل وجوده، مما ينشأ بسببه انشقاقٌ في تفكير وممارسة المؤمنين بإرادة الحق، ومشيئته المطلقة في توزيع حصص العلم اللَّدني على المريدين. وأولُ ما يرهصُ بالبديل، هو تدرُّج الإثم المُرتكبِ ضمن الاختبارات الثَّلاثة المُشار إليها في الفقرة الأولى؛ ففي الاختبارِ الأول، خُرقت السَّفينة، التي يمكن أن يؤدِّي تثقيبُها إلى قتلِ رُكَّابِها المحتملين، مما يرقى إلى تهمة القتل العمد، في حالة حدوثه؛ بمعنًى آخر، إننا وإنْ كنَّا هنا أمام جريمة قتل، إلا أنها تتحرَّك في حيِّز الإمكان، ولا يوجد دليلٌ قاطع على عبورها إلى مجال التَّحقُّق العيني، بوقوعِ الجريمةِ ذاتِها. وفي الاختبار الثَّاني، وقع الجرمُ المؤكَّد، وحدث ما كان في موضعِ الإمكان في الاختبارِ الأول، وطلَّت جريمةُ القتلِ العمد برأسِها، مما يصعُب الدَّفعُ عنها أو تبريرُها. فإذا كان قتلُ النَّفس البريئة هو أفظعُ الكبائر وأعظمُ الجرائم عند الله، وكنَّا بصددِ سُلَّمٍ متدرجٍ للآثام ضمن الاختباراتِ الثَّلاثة، فما هو الإثمُ الذي يفوق في فظاعته جريمة القتل؟ من الواضح أن هذه الاختبارات الثَّلاثة لا تتمُّ ضمن سياقٍ مكرور أو تجري داخل مدرسةٍ عادية، وإنما تتمُّ في إطارِ مجموعةِ تحكُّمٍ أعضاؤها مختارون بعنايةٍ فائقة، فهي تضمُّ نبيَّاً لبني إسرائيل (موسى عليه السَّلام)، ورجلاً علَّمه اللهُ من لدنه علماً (الخَضِر عليه السَّلام)، وفتًى حباهُ الله برفقة نبيٍّ ليكونَ شاهداً للنَّاسِ على هذه الاختبارات الفريدة (يوشع بن نون). كما أن المكان الذي تمَّت فيه، قد تمَّ اختيارُه هو الآخرُ بعنايةٍ فائقة؛ بل جاء شَقَّاً ثانياً للبحر باتِّخاذِ الحوتِ طريقاً إليه سَرَبَاً، بعد الشَّقِّ الأول له في أعقاب هجرة بني إسرائيل من مصر. وإذا كان جريمة القتل هي جريمةٌ لا تُغتفر، بالفهم المتداول والمقبول اجتماعياً، فإن لله في خلقِه شؤون، وقد سبق أن غفرَ بواسعِ علمِه ورحمتِه لموسى؛ أمَّا الجريمة التي لا تُغتفر بالفعل ضمن سياق هذه الاختبارات الثَّلاثة، فهي اتِّخاذُ الأنبياء أجراً نظيرَ دعوتهم النَّاس إلى الإيمان بالحقِّ عزَّ وجلَّ، حتى لو تضوَّروا جوعاً أو لاقوا في دعوتهم شتَّى ألوان المصاعب والشَّدائد. صحيح أننا نتَّخذُ النَّبي قدوةً، إلا أن النَّبي يتَّخذُ سائرَ الأنبياءِ قدوةً له، ومن ضمن أعمالهم المألوفة عدم اتِّخاذِ أجرٍ عن دعوتهم إلى الحق، فهمُ المهتدون حقَّاً. وفي سورة "الأنعام"، بدءاً من الآية رقم 83 إلى 89، يتمُّ ذكرُ الأنبياء الذين ينتظمون في سلك الاهتداء، ويُشار إلى إبراهيم، وإسحق، ويعقوب، ونوح، وداوود، وسليمان، وأيوب، ويوسف، وموسى، وهارون، وزكريا، ويحيى، وعيسى، وإلياس، وإسماعيل، واليسع، ويونس، ولوط. وفي الآية رقم 90 من سورة "الأنعام"، يتمُّ التَّأكيد على اقتداء النَّبي محمد، صلوات الله وسلامه عليه، بهَديِّ هذه السِّلسلة الطَّويلة من الأنبياء؛ ومن أولِ سماتِ هذا الهَدي، هو امتناعُ النَّبي عن السُّؤالِ عن أجرٍ نظيرَ دعوتِه إلى الحق: "أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَىٰ لِلْعَالَمِينَ". ونحن لا نستطيع أن نحتذي نهجَ الأنبياءِ حذوَ النَّعلِ بالنَّعلِ والحافرِ بالحافر، ولكننا نسعى للاقتراب منهم اقتراباً؛ وربما نطلب أجراً عمَّا نقوم به من أعمالٍ عادية، لكننا نطلب مِمَن يتصدَّى للعمل الدِّيني أن يربأ بنفسه عن التَّكسُّبِ باسم دعوته. وفي الأعمال الخيرية، نراقبُ عن كَثَبٍ مصادرَ الأموال، ونطلبُ من القائمين عليها عِفَّةً في السُّلوك، وشفافيةً في المنهج. وإذا صبرنا على المتكسِّبين من العملِ العام، فإننا لسنا مطالبينَ بالصَّبرِ على المتكسِّبين من العمل الدَّعوي. وإذا طالب الخَضِرُ موسى بالصَّبر، ووجد له المعاذيرَ مُقدَّماً على ما لم يُحِط به خُبراً؛ فإننا نجدُ للخَضِرِ نفسِه المعاذيرَ في عدم صبره على موسى في الاختبارِ الأخير، حينما أوحى له بأنه كان من الممكن أن يتَّخذَ من بناءِ الجدارِ أجراً، ولو أن موسى كان متأثِّراً تحت ضغط التَّضوُّرِ جوعاً، برفضِ أهل القرية أن يضيفوهما، بعد أن طلبا منهم طعاماً.
محمد خلف
| |
|
|
|
|
|
|
Re: نوافذ مفتوحة ========= يحيي فضل الله ============= (Re: munswor almophtah)
|
آن الأوانُ لتقديمِ مفهوم "الإبرازِ بالتَّخالُف" في شكلِه العام وعرضِه وفقاً لثلاثِ طرقٍ خاصة
نعني بمفهوم "الإبراز بالتَّخالف" أو "المخالفة"، بشكلٍ عام، توضيحَ منحًى إيجابيٍّ وتصويرَه بشكلٍ جليٍّ بمقارنته بضدِّه؛ ويتَّخذُ ذلك التَّوضيح أو تلك المقارنة الضِّدِّية ثلاثَ طرقٍ خاصة، يمكن عرضها على النَّحو التَّالي: أولاً: تجاور الأضداد؛ وهي طريقة معروفة يمكن تلخيصها في عبارةٍ وردت في شطرٍ من القصيدة "اليتيمة": "فالضِّدُّ يُظهِرُ حُسنَه الضِّدُّ" أو قول المتنبي في شطرٍ من إحدى قصائده "وبضدِّها تتميَّز الأشياءُ". ونجد أمثلةً لها في العلوم والدِّين والفلسفة. ففي العلوم، تبدأ قوانين نيوتن للحركة بوضع حالة السُّكون، حيث يوضِّح إسحق نيوتن في القانون الأول للحركة أن الجسمَ يظلُّ على حالته من سكون (أو حركةٍ منتظمة) في خطٍّ مستقيم، ما لم تؤثِّر عليه مُحَصِّلة القوة (أي مجموعها)، فتُغيِّرُ من حالتِه. وفي الأديان الكتابية، يتمُّ تصويرُ حالةِ الكُفَّار في النَّار، ليس تشفِّياً وإنما تحبيباً وترغيباً في الإيمان، وإبرازاً ساطعاً لحالة النَّعيم ومقام المؤمنين المُتطلَّع إليه في الجنَّة. وكنَّا قد بدأنا في حلقةٍ سابقة بتعريفٍ مبسَّط للوعي، توطئةً لتناول المشكلة المستعصية للوعي (وصبراً يبل الآبري يالصَّادق) في حلقاتٍ قادمة، عن طريق انبثاقه من نومٍ بلا أحلام (إذ إن الحُلمَ نوعٌ من الوعي)، أو انتهائه بإغماءةٍ أو إغماضِ عينٍ بنومٍ آخرَ بلا أحلام أو مفارقةٍ للحياة؛ وفي كلِّ تلك الحالات، يتمُّ إبراز الشَّيء بضدِّه أولاً. ثانياً: الإحلالُ محلَّ الضِّدِّ؛ وهي حالةٌ نادرة، تتمُّ في الأعمال التَّراجيدية الكبيرة، حيث يلجأ الكاتب المسرحي إلى الانتقال بالعمل التَّراجيدي إلى ضدِّه، حينما يتصاعد التَّوتر ويصِلُ العملُ الدَّرامي إلى مستوًى يصعُب معه تحمُّل وطأته من قبل الممثلين أو المشاهدين على حدٍّ سواء، فينبثقُ من العمل التَّراجيدي ما تمَّ الاصطلاح على تسميته "كوميك ريليف"، أو الاستراحة الهزلية. إلا أن فكرتها الأساسية لا تنطلق فقط من إحداثِ مَجَمَّةٍ هزلية، ترويحاً للمشاهد أو الممثل، وإنما لها دورٌ آخرُ في تعميق الطَّبيعة التَّراجيدية للعمل الدَّرامي نفسه؛ لذلك، أدرجناها في التَّصوُّر العام لمفهوم "الإبراز بالتَّخالف". من جانبٍ آخر، فإن الكلمة الإنجليزية "ريليف" ذات الأصل اللَّاتيني تشيرُ إلى معنيين: فهناك معنى الاسترواح، كما أن هناك معنى الإبراز؛ وهو الذي نجده في النَّحت أو النَّقش البارز (ويُسمَّى أيضاً "ريليف" باللُّغةِ الإنجليزية)، ويستخدِم التَّخالفَ بين مستويين للسَّطح المستوي لإبرازِ الصُّورة المنشودة؛ ويوجد منه بصورةٍ رئيسية نوعان: النَّقش البارز المرتفع، والمنخفض أو الغائر. ثالثاً: الإيهام بالتَّماهي مع الضِّدِّ؛ وتختصُّ هذه الطَّريقة -حسب فهمنا- بالقرآن، وتتوزَّع على ثلاثةِ أنماط، هي السِّحرُ والشِّعرُ والجنون؛ لتتراسل مع الأقانيم الثَّلاثة للمربَّع قيد التَّفسير (وصبراً يبل الحلو مر يالصَّادق)، وهي الواقع واللُّغة والعقل. فالسِّحرُ في جوهره إبطالٌ للواقع؛ والشِّعرُ في الأصلِ إلغاءٌ للمألوف من اللُّغةِ العادية؛ وليس الجنون في حقيقة الأمرِ إلا نسفٌ للعقل. والقرآن بوصفه حقَّاً وتنزيلاً من الحقِّ، يتمُّ إبراز التَّخالف فيه عبر طريقتين: الأولى هي تجاور الأضداد، كما جاء ذكرُه في فقرةٍ سابقة عن الجنَّة والنَّار؛ وبشكلٍ أوضح ما جاء ذكره في الآية رقم 81 من سورة "الإسراء": "وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا"؛ فالباطلُ لا يوجد أصلاً في مقام الحقِّ، إلا أن في ذكرِه إبرازاً للحقِّ بالمُخالفة، علاوةً على إزهاق الباطل إزهاقاً لا مناصَ منه. أمَّا الطَّريقة الثَّانية، فهي إيهام الغافلين بشيءٍ على غير حقيقته؛ وهي تتبدَّى للعارفين –مؤمنينَ كانوا أم غيرَ مؤمنين- تماهياً بلاغياً مع الضِّدِّ، بغرضِ إبرازِ الحقِّ بالتَّخالف. فما أتى به السَّحَرَةُ أمام فرعون هو سحرٌ سحروا به أعينَ النَّاس؛ وما أتى به موسى ليس بسحرٍ، وإنْ أوهم الغافلين بذلك، وعلى رأسهم فرعون نفسه، وإنما هو الحقُّ الذي أدركه السَّحَرَةُ أنفسُهم، مثلما كان يدركه موسى نفسُه، لذلك سارعوا بالإيمان به، قبل أن يأذَن لهم مليكُهم بذلك. فالسِّحرُ في جوهره كما قلنا هو إبطالٌ للواقع؛ أو هو بالأحرى إيهامٌ لمدارِكِ النَّاسِ حتى يبطُل الواقعُ الماثل أمامهم؛ أمَّا الحقُّ الذي يتماهى بضدِّه، في حالة السِّحر، فالغرضُ منه إجبار السَّحرةِ أنفسِهم على التَّخلِّي عن سحرهم والاعتراف بالحقِّ والإيمان به؛ إذ إنهم، وبما لهم من خبرةٍ ومعرفة بطرائقِ عملهم، هم أفضلُ من يؤكِّدون لغيرهم ويقرُّون لأنفسهم بصدقِ الحقِّ وبطلان طرائقهم. وما اتُّهم به موسى عليه السَّلام، قد طال محمداً صلوات الله وسلامه عليه. إلا أنه اتُّهم أيضاً بقول الشِّعر. فقد أوهم القرآنُ الغافلين بأنه ضربٌ من الشِّعر، إلا أن العارفين بأقراءِ الشِّعر قد أقرُّوا بأنه ليس بشعر؛ كما أنه ليس بنثر، وقد سبق وأنْ عرضنا رأي طه حسين بأنَّ "القرآن ليس نثراً، كما أنه ليس شعراً، إنما هو قرآن". كما اتُّهم صلواتُ الله وسلامُه عليه بالجنون؛ فقد أوهم قولُه الغافلين، لأنه لم يأتِ على غرار ما يعقلون، إلا أن العارفين أقرُّوا بصدقِ قولِه، لمعرفتهم بصدقِ قائله؛ فعندما قال لهم الرَّسولُ الكريم بأنه قد "أُسري بي اللَّيلةَ إلى بيتِ المقدسِ بالشَّام"، ظنَّ أبو جهل بأنها فرصةٌ مناسبة لرمي الرَّسول الكريم بتهمة الجنون؛ وساور الشَّكُّ فريقاً من المسلمين، فذهبوا إلى أبي بكر وأخطروه بأمرِ صاحبه؛ فقال لهم إنِّي أُصدِّقة فيما هو أبعدُ من ذلك، أُصدِّقة في خبرِ السَّماء يأتيه في غدوِه أو رَوَاحِه؛ ثم قال لهم قولته الشَّهيرة: "إنْ كان قال، فقد صدق"؛ فليس غريباً، إذاً، أنْ سُمِّي بالصِّدِّيق. هذا من أمرِ السِّحرِ (والنَّمطين الآخرَيْن: الشِّعرِ والجنون) في مقابل الحقِّ؛ أمَّا في مجال الحقيقة، فإن السِّحرَ ينهضُ، في نظرِ جيمس فريزر صاحب "الغصن الذَّهبي"، وكثيرٍ من علماء الاجتماع المتبنِّين للنَّظرية الدَّاروينية، بوصفِه مرحلةً كاملة تسبق مرحلتي الدِّين والعلم. ونحن لا نختلف معهم في هذا القول، ولكننا نفرِّق بين أديان السِّجل الأنثروبولوجي وبين الدِّين الحقِّ؛ بل من أجل ذلك، ولأسبابٍ أخرى، توصَّلنا، بفضلِ الله، إلى أهمية التَّميير بين الحقِّ والحقيقة؛ ففي مجال الحقيقة، يبدو السِّحر مناطاً لاستخدام العقل، وإنْ بطُل محتواه الواقعي؛ في حين يبدو الدِّين في سجلِّه الأنثروبولوجي مفارقاً للعقل، فكان لا بدَّ من تجاوزه بمرحلة العلم، التي تشبه السِّحرَ في إطارها الشَّكليِّ فقط. وبدون هذا التَّمييز بين الحقِّ والحقيقة، ستجدُ الأديانُ الكتابية نفسَها في صراعٍ طاحنٍ مع العلم، الذي سيسهُل عليه أمرُ هزيمتها أو أكلِ غدائها، على حدِّ قول عالم الفيزياء الأمريكي، ستيقن واينبيرج. وفي حالة التَّمييز، سيتسنَّى للعلمِ والدَّين معاً التَّعاونُ على تجاوزِ السَّحَرَة والأنبياء الكَذَبَة.
محمد خلف
| |
|
|
|
|
|
|
Re: نوافذ مفتوحة ========= يحيي فضل الله ============= (Re: munswor almophtah)
|
انتخابات؛ إشاعات؛ تكهُّنات؛ احتمالات: مرحباً بالدُّخول إلى مجال الحقيقة
1. انتخابات: كانتِ الكواكبُ داخل مجموعتنا الشَّمسية لا يتعدَّى عددُها تسعةً أثناء سنواتِ الطَّلب؛ وقُبيل انتخاباتٍ جرت عام 2006، كان عددُها متأرجِّحاً بين الزِّيادة والنُّقصان أو البقاء كما هي عليه دون تفسيرٍ مقبول، سوى التَّمسُّك بما عُهِد النَّاسُ عليه؛ وكانت تلك هي الخياراتُ الثَّلاثة التي طُرحت للتَّصويت على علماء الفلك المجتمعين في براغ في منتصف أغسطس عام 2006، في اجتماع الجمعية العمومية للاتِّحاد الفلكي الدُّولي. وما دعا في الأساس لطرحِ هذه الخيارات على التَّصويت، هو أنه قد تمَّ في عام 2005 اكتشافُ جِرمٍ جديد هو "إيريس"، في منطقة القُرص المُبعثَّر إلى جانب "سيريس" بين مداري المريخ والمشترى؛ وإلى جانب "بلوتو" و"هاوميا" و"ماكيماكي"، داخل حزام كايبر، وهي المنطقة التي تمتد من 30 وَحدَةً فلكية (حيث يوجد "نبتون") إلى 50 وَحدَةً فلكية، عِلماً بأن الوَحدَة الفلكية الواحدة تساوي المسافة ما بين الأرض والشَّمس. وبما أن الجِرم الجديد "إيريس" في منطقة القُرص المبعثَّر كان أكبرَ كتلةً، وليس حجماً، من "بلوتو" داخل حزام كايبر، فقد نشأ خلافٌ حول تصنيف الجِرم الجديد، وبالتَّالي الأجرام الأخرى الشَّبيهة، هل يُعتبر الجِرمُ الجديدُ كوكباً عاشراً، أم يتمُّ تخفيض "بلوتو"؛ أم يتمُّ إضافة أجرامٍ أخرى إلى نادي الكواكب، مثل "سيريس" و"هاوميا" "وماكيماكي"؛ أم يظلُّ الأمرُ كما عُهِد النَّاسُ عليه؟ وهذا تحديداً ما استدعى طرحَ الخياراتِ الثَّلاثة على المجتمعين في براغ في منتصف عام 2006. وقد توصَّل المجتمعون، عبر آلية التَّصويت، إلى تخفيضِ رتبة "بلوتو" إلى "كوكبٍ قزم"، إلى جانب "سيريس"، و"هاوميا"، و"ماكيماكي"؛ وبذلك، أصبح عددُ الكواكب ثمانيةً، وليس تسعةً، كما عهِدنا أيام الطَّلب. وفي 20 مايو 325م، تمَّ افتتاحُ المجمَّعِ المسكوني الأول، بحضور الإمبراطور قسطنطين الأول، في مدينة نيقية، في الشَّمال الغربي لآسيا الصُّغرى. وقد عُقد الاجتماعُ في الأساس لحسمِ الخلافِ النَّاشبِ بين القس آريوس وبابا الإسكندرية حول طبيعة يسوع: هل هي طبيعةٌ إلهية مثل الرَّبِ تماماً، كما كان يري بابا الإسكندرية؛ أم هي طبيعةٌ بشرية، كما كان يرى القس آريوس؟ وبما أن الإمبراطور كان حاضراً للاجتماع، وكان توَّاقاً لحسمِ الخلافِ بأسرعِ وقت، حتَّى يتفرَّغَ إلى شأنِ توسُّعِ الإمبراطورية، مدعوماً بوحدةٍ فكريةٍ قوية - فقد طُرِح الرأيان، بعد مداولاتٍ لم تستغرق طويلاً، على القساوسة المجتمعين في نيقية لحسمِ الخلافِ عبر آلية التَّصويت؛ وقد فاز رأي ألكسندروس الأول، بابا الإسكندرية. وعندما رفض آريوس التَّوقيع على وثيقة نيقية، حُرقت كتبُه، وحُرِّم مذهبُه، وتأسَّس في أعقاب ذلك أولُ أشكالِ الإيمان المسيحي، الذي لم يكتفِ بالتَّرويج للطَّبيعة الإلهية للسيِّد المسيح، وإنما عمِل على ربط الكنيسة بالدَّولة، بعد أن كانت كياناً دينياً مستقلاً لمدَّةٍ تربو على ثلاثةِ قرونٍ بقليل. وفي كلتا هاتين الحالتين، قد تمَّ حسمُ قضيةٍ موضع خلاف، وفقاً لآلية التَّصويت الانتخابي. إلا أن هناك فرقاً جليَّاً بين الحالتين؛ ففي الحالة الأولى، تمَّ تخفيضُ كوكبٍ إلى رتبةٍ "كوكبٍ قزم"؛ وهو "بلوتو"، إلى جانب كلٍّ من "إيريس"، و"سيريس"، و"هاوميا"، و"ماكيماكي"؛ أمَّا في الحالة الثَّانية، فإنه بمجرد طرحِ القضية على التَّصويت، فقد تمَّ تخفيضُ "الحقِّ"، الذي لا يُعلى عليه، إلى مرتبة "الحقيقة" المُتغيِّرة، والقابلة للتَّداول بين البشر، مما أوقع المجتمعين في نيقية في غُلُوٍّ لا مبرِّرَ له: "يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ وَكِيلًا" (سورة "النِّساء"؛ الآية رقم 171). انتهى هذا القسمُ الخاص بدور الانتخابات في حسمِ الخلاف بين الأطراف المتنازعة في إطار "الحقيقة"؛ وسنستعرض في حلقاتٍ قادماتٍ الدَّور الذي تلعبه كلٌّ من الشَّائعات، والتَّكهُّنات، ومختلفِ الاحتمالات في ترجيحِ أمرِها (أي "الحقيقة").
محمد خلف
| |
|
|
|
|
|
|
Re: نوافذ مفتوحة ========= يحيي فضل الله ============= (Re: munswor almophtah)
|
كان الأجدرُ أن يُسدَى الشُّكرُ للصَّادق إسماعيل أولاً لولا خوفٌ من تلوينِ مشاركةٍ سابقة بلونٍ ذاتي
حرصنا في مشاركةٍ سابقة على تقديم مفهوم "الإبراز بالتَّخالف" في شكله العام، لذلك فقد تفادينا أيَّ استطرادٍ يمكن أن يُضعِفَ المشاركة أو أيَّ ميلٍ شخصيٍّ يمكن أن يلوِّنَها بلونٍ ذاتي؛ ومع ذلك، فقد أرهصنا بذلك اللَّون، عندما خاطبنا الصَّادقَ داخل الأقواس، ورجونا منه التَّريُّث قليلاً حتى ينجلي أمرُ المربَّع، وكنَّا نرجوه بصوتٍ داخليٍّ خفيض أن ينتظرنا حتى نُسدِي هذا الشُّكر، الذي هو أهلٌ له، ولولاه لما استقدمنا طرحَ موضوعِ السِّحر، وربطِه بالشِّعرِ والجنون، في تراسلِه بأقنوم الواقع، وفي تراسلِهما المُصاقبِ لأقنومي اللُّغة والعقل. وقد أشِدنا عِدَّةَ مراتٍ بذكاء أسئلته، وباعتمادِ هذا الرُّكنِ على صوتِه، في وقتٍ لاذ فيه غيرُه بالإرجاءِ أو الاستعصامِ بقراءةٍ إستراتيجيةٍ صامتة. إلا أننا لا نمَلُّ من الإشادةِ به، فيما يملأ جوانحَنا إحساسٌ غامرٌ بأنهم يأتون، فإنني أسمعُ وقعَ خُطاهم في الفلواتِ، وهسهسةَ أقلامِهم في الدُّجى، هذا غيرَ إشاراتٍ وبشاراتٍ تصلُني عبر الهاتف وعددٍ من الرَّسائل الإلكترونية. أنا أعلم أنني قد طرقتُ كثيراً من الموضوعات، وفتحتُ العديدَ من الأبواب، إلا أنني تركتُ بعضَ الموضوعاتِ معلَّقة أو ملقاةً على قارعةِ الطَّريق، بينما تركتُ بعضَ الأبوابِ مواربةً أو مُشرَعَةً على مصراعيها. ولا خَشيَةَ من ذلك، لسببينِ رئيسيين: أولهما أن هذا الرُّكنَّ مفتوحٌ لمشاركةِ الجميع، التي لا تسندُها أيُّ سلطةٍ معرفية، سوى ذكاءِ المشاركين أنفسِهم ورجاحةِ عقلهم، ومن هنا احتفاؤنا بمشاركاتِ الصَّادق، ومن هنا صبرُنا الذي لا ينفدُ في انتظارِ القادمين؛ وثانيهما أن هذا الرُّكنَ مقامُ تعليمٍ وتعلُّم، لا يستعجلُ فيه معلِّمٌ بالفراغِ من إلقاءِ الدَّرس أو يضجرُ فيه من أسئلةِ الآخرين، بل إنه يترقَّبُها، ويتعلَّمُ منها، وينتظرُ انبثاقَ سياقٍ مناسبٍ لتقديم إجاباتٍ طازجة، لا تخرجُ مُكفهِرَّةً من بين ثنايا الكتب. ومن أجل ذلك كان استغرابُنا أن يشيرَ الصَّديق الصَّادق إلى "القراية أم دق". مهلاً مهلا، فأنا أعرفُ أنه ذكرها بطيبةِ خاطرٍ، وأنه لا يعني تلك الدَّلالاتِ المُختبئة في ثنايا المصطلح الدَّارج؛ وكذلك لم يكنِ الصَّديقُ عادل القصَّاص يعنيها حينما أورد تلك الملاحظة العفوية العابرة، التي ولَّدنا منها هذا الرُّكن البديع. لن نلجأ هنا مرَّةً أخرى إلى ذلك الإجراء، ولكننا نُنبِّه إلى أننا بشَّرنا بعمومية السَّرد، وليس حصره في مجالاتٍ بعينها، من أجل أن يصبحَ تلقِّينا للمعرفةِ ممتعاً، ومن أجل أن يختفي من مدارسِنا وجامعاتِنا، وكلِّ أماكنِ تحصيلِ المعرفة، ذلك الضَّربُ (أي النَّوعُ) المقيتُ من "القراية أم دق".
محمد خلف
| |
|
|
|
|
|
|
Re: نوافذ مفتوحة ========= يحيي فضل الله ============= (Re: munswor almophtah)
|
الحقُّ والحقيقة: العلمُ والمعرفة؛ الكلامُ والقول؛ المشيئةُ والإرادة
قلنا في الحلقة السَّابقة إننا استقدمنا الحديثَ عن السِّحر، استجابةً لمشاركةٍ كريمة تقدَّم بها الصَّديق الصَّادق إسماعيل؛ وقد ربطناه (أي السِّحر)، في تراسلِه بالواقع، بالشِّعر والجنون، وفي تراسلِ كليهما أيضاً باللُّغة والعقل. وكان في الحُسبانِ أولاً أن نُرجئَ الحديثَ عن السِّحر، إلى أنْ نستجليَ العلاقة بين العلمِ والمعرفة؛ وأن نؤخِّرَ الحديثَ عن الشِّعر، إلى أن نستوضحَ الفرقَ بين الكلامِ والقول؛ وألا نتطرَّقَ إلى الحديثِ عن الجنون، قبل أن نصيغَ تعريفاً عملياً يُقيمُ فارقاً واضحاً بين المشيئةِ (الإلهية) وحريةِ الإرادةِ (الإنسانية)؛ وذلك تمهيداً لربطِ كلِّ ذلك بصمديةِ الحقِّ، في مقابل تشظِّي الحقيقة البشرية. وقد نبَّهنا، بفضلِ الله، عبارةٌ استخدمناها في الحلقةِ السَّابقة إلى مزالقِ هذا الاستقدام؛ فقد قلنا "إن هذا الرُّكنَّ مفتوحٌ لمشاركةِ الجميع، التي لا تسندُها أيُّ سلطةٍ معرفية، سوى ذكاءِ المشاركين أنفسِهم ورجاحةِ عقلهم". فهذه العبارة، من غير استجلاءٍ كافٍ للعلاقة بين العلم والمعرفة، تبدو وكأنها تبجُّحٌ علمانيٌّ من ذلك النَّوع الذي بعجه الفيلسوف الألماني إيمانويل كانت في الرُّبُع الأخير من القرن الثَّامن عشر؛ وقد كان مُحِقَّاً في ذلك الوقت الذي اتَّسم بهيمنة الكنيسة، فكان لا بدَّ من تأسيس التَّنوير ونقد العقل على قاعدة الفكاك من إسار السُّلطة الدِّينية القائمة. وما يُنجينا من هذا الشَّرِّ المستطير (أي التبجُّح الأجوف)، هو البدءُ أولاً بتنزُّل الحقِّ، ومن ثَمَّ تمفصُل الحقيقة على الأقانيم الثَّلاثة المتشظِّية، وهي الواقع واللّـغة والعقل. فتنزُّلُ الحقِّ الصَّمديِّ يتمُّ التَّعبير عنه في أكملِ وجهٍ في الآية الكريمة: "إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ" (سورة "النَّحل"؛ الآية رقم40)، حيث تنبهمُ المسافة وتضيعُ حدودُها المعروفة بين الإرادة والقول وانبثاقِ الشَّيءِ وتكوُّنِه في الواقع؛ أمَّا الحقيقة، فإنها تتمفصَل على الأقانيم الثَّلاثة (الواقع واللُّغة والعقل) وفق ترتيبٍ محدَّد، يتَّخذُ فيه الواقعُ أسبقيةً أنطولوجية؛ والعقلُ أسبقيةً منطقية؛ واللُّغةُ أسبقيةً بيانية. وما يوصِلُنا إلى برِّ الأمان في هذه السِّباحةِ الفكرية المضنية، هو إقامةُ تفرقةٍ ضرورية بين العلمِ والمعرفة؛ والكلامِ والقول؛ والمشيئةِ (الإلهية) وحريةِ الإرادةِ (الإنسانية). فالمعرفة مرتبطةٌ بمجالِ الحقيقة، وسلطتُها التي أسندناها في ثنايا الحلقةِ السَّابقة إلى "ذكاءِ المشاركين ورجاحةِ عقلهم" لا تزاحمُ سلطة العلم العليا، إذ إن العلمَ في جوهرِه مختصٌّ بالحقِّ: "إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ" (سورة "النَّحل"؛ الآية رقم 74). أما القول، فإن استخدامه يتمُّ في نقلِ الكلامِ ذاتِه، وفي التَّعبيرِ عن اختلافِ الآراء، لذلك يرى أبو الفتح عثمان بن جنِّي أنَّ أكبرَ دليلٍ على فرقٍ بين الكلام والقول إننا نقول إن القرآن كلام الله، ولا نقول القرآن قول الله، إذ إن القول، بخلاف نقله للكلام، كما جاء في الآية الكريمة المُشار إليها في الفقرة السَّابقة، يعبِّر عن تنُّوع الآراء، فنقول هذا قول الكوفيين، فنعني به رأيَّهم في مسألةٍ محدَّدة؛ هذا بخلاف الكلام، الذي يشير إلى اليقين الذي لا يرقي إليه شكٌّ. أمَّا حرية الإنسان، فإنها حادثةٌ بالفعل، وإلا لما كانت هناك مسئوليةٌ عن فعل، غير أنها مقيَّدةٌ بالمشيئة الإلهية: "وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ" (سورة "التَّكوير"؛ الآية رقم 29). لا نريد أن نفتحَ مجدَّداً حواراً عقيماً ومكلِّفاً حول الجبر والاختيار، فمن أجل ذلك حدَّدنا، بفضلِ الله، الحقيقةَ مجالاً واسعاً للحرية الإنسانية، بينما حرِصنا على التَّقيِّدِ طائعينَ بإسارِ الحقِّ. إلا أننا، مع ذلك، نشيرُ إلى أن هذه المسألة أخذت تكتسبُ زَخمَاً جديداً في مجال العلوم الطَّبيعية، بعد الاختبار الذي أجراه عالمُ النَّفسِ والأعصاب، بِنجامين ليبِت، في السَّبعيناتِ من القرن الماضي للبرهنةِ على أن هناك عملياتٍ كهربائية عصبية غير واعية تسبقُ القراراتِ الواعية، وتتسبَّبُ في العمليات الإرادية التي يتمُّ الشُّعور بها لاحقاً وكأنَّها صدرت بالفعل عن الذَّات الواعية؛ وقد حدَّد ليبِت المدَّة التي تسبق العمليات الإرادية بحوالي 200 ملِّي ثانية (الملِّي ثانية تساوي واحد على ألف من الثَّانية). ويقول ليبِت إن الوعي الإنساني لا يلعبُ دوراً في العمليات الكهربائية السَّابقة للقرار الواعي، غير أن بمقدورِ المرءِ أن يعترض أو يكبح جماح العمليات غير الواعية، إلا أن الوقت المُتاح له ضمن هذه الفترة المتناهية في قلَّتها يتراوح فقط بين 100 إلى 150 ملِّي ثانية، إذ إنَّ آخر 20 ملِّي ثانية يتمُّ شغلُها بصورةٍ رئيسية بواسطة الأعصاب الحركية داخل النِّخاع الشَّوكي؛ هذا إضافةً إلى اعتبارِ هامشٍ للخطأ لا يتعدَّى 50 ملِّي ثانية. لا نريد أيضاً أن نقتحمَ مجالَ العلماء الفطاحل، إلا أننا نتأمَّلُ في نتائجِ اختباراتهم، ونحاول أن نجِدَ، في مجالِ الحقيقة، تفسيراً ملائماً لهذه الظَّاهرة المذهلة، والتي تبدو من أولِ وهلةٍ –خصوصاً، إذا استبعدنا الملِّي ثوانٍ القليلة المتاحة للوعي- وكأنَّ الإنسانَ مجردُ آلةٍ، كما يحلو وصفُه لبعضِ العلماء، لا إرادةَ له أو لها. إلا أن الوقتَ في هذه الحالةِ كالماءِ تماماً، إذ يكفي جزيئٌ واحدٌ منه فقط لتعريفه (ذرَّة أوكسجين زائد ذرَّتين من الهايدروجين)، ولكن ليس بإمكاننا التَّعرُّف عليه إلا مع الكثرة، فنرى قطراتٍ من الطلِّ أو فيضاً على جدول؛ وكذلك الوقتُ، فإذا اعتبرنا أن الـ 200 ملِّي ثانية هي أصغرُ وحدةٍ زمنية سابقة للوعي، فإننا نحتاج إلى ما بين عشرِ إلى خمسَ عشرةَ وحدةً زمنية صُغرى، لنصِلَ إلى ما مجموعه في المتوسط ما بين ثانيتين إلى ثلاثِ ثوانٍ، وهو الزَّمنُ الذي اتُّفق للتعاملِ معه علمياً حتى الآن باعتبار أنه هو الزَّمنُ الحاضر. وإذا أخذنا في الاعتبار تراكمَ الوقتِ المُتاحِ للعمليات الواعية ضمن هذه المدَّة، فإن الوقتَ الحاضرَ يكون كافياً لتمكين الوعي، إذا شاءَ، من نقضِ الأفعال التي تبدأ أولاً في شكلِ عملياتٍ كهربائية عصبية غير واعية، سابقةً للقراراتِ الواعية.
نرجو أن نستأنفَ في حلقةٍ قادمة، وفي أسرعِ وقتٍ وبعونِ الله، الحديثَ عن "الشَّائعات"، ضمن الحلقة الموسومة: "انتخابات؛ شائعات؛ تكهُّنات؛ احتمالات، إلى آخر العنوان الطَّويل"، خصوصاً وأن الشَّائعة التي أُريد التَّحدُث عنها قد تتحوَّل بين عشيةٍ وضحاها إلى حقيقة أو يتمُّ دحضُها إلى حين؛ وهي اكتشافُ أمواجِ الجاذبية، التي تنبأ ألبرت آينشتاين بوجودها في عام 1915، ضمن ما صار يُعرف لاحقاً بالنَّظرية النِّسبية العامَّة.
محمد خلف
| |
|
|
|
|
|
|
Re: نوافذ مفتوحة ========= يحيي فضل الله ============= (Re: munswor almophtah)
|
انتخابات؛ إشاعات؛ تكهُّنات؛ احتمالات: مرحباً بالدُّخول إلى مجال الحقيقة
2. إشاعات: كنَّا نُريدُ أن نُسرِعَ في إكمالِ هذه المشاركة، فيما نحنُ نتأمَّلُ سوياً وضعيةَ إشاعةٍ رائجة، قبل أن تتحوَّلَ إلى حقيقةٍ ماثلة أو يتمَّ دحضُها مؤقَّتاً، ريثما ينشأُ مسوِّغٌ آخرُ إلى تجدُّدِها؛ إلَّا أن أنباءً في الأسبوع المنصرم قد حملت لنا خبراً، لا يمِتُّ بصلةٍ مباشرة إلى مشاركةِ "إشاعات"، التي نحنُ بصددِها الآن، وإنما يتعلَّق بمشاركةِ "انتخابات" السَّابقة. فقد قلنا في تلك المشاركة إن عدد الكواكب داخل مجموعتنا الشَّمسية كان لا يتعدَّى تسعةً، إلَّا أنه بعد اكتشافِ جِرمٍ جديد في عام 2005، هو "إيريس"، طُرِحت خياراتٌ على علماء الفلك المجتمعين في براغ في منتصف أغسطس عام 2006، في اجتماع الجمعية العمومية للاتِّحاد الفلكي الدُّولي، فتمَّ تخفيضُ رتبة "بلوتو" إلى "كوكبٍ قزم"، إلى جانب "سيريس"، و"هاوميا"، و"ماكيماكي"؛ وبذلك، أصبح عددُ الكواكب ثمانيةً، وليس تسعةً، كما عهِدنا أيام الطَّلب؛ ولكنَّ هذا النَّبأ، وهو نبأٌ صحيحٌ وليس إشاعةً، قد يقودُ إلى أن يُصبِحَ عددُ الكواكب مُجدَّداً تسعةً، وليس ثمانيةً، كما كان عليه الحال في عام 2006. فمرحباً، إذاً، بالدُّخولِ إلى عالمِ الحقيقة المتغيِّرة. ومفادُ هذا الخبر هو أن فريقاً من الفلكيين في معهد كاليفورنيا للتَّقنية "كالتيك" (هل تذكُر يا عزيزي الصَّادق حديثَنا عن كاليفورنيا، عندما قلنا إن فيها –ضمن ما فيها-"بيركلي" و"كالتيك")، يقوده دكتور مايك براون (وهو نفسُ الشَّخص الذي قاد اكتشافُه لجِرم "إيريس" إلى أنْ يتمَّ في الأساس طرحُ الخياراتِ الثَّلاثة على اجتماع براغ)، قد توصَّل إلى أن حركة الأجرام الجليدية في منطقة حزام كايبر تُشيرُ بشكلٍ قويٍّ إلى احتمال وجودِ كوكبٍ تاسع؛ لم يتم رؤيتُه بعدُ بأيٍّ من التِّلسكوبات المتوفِّرة، ولكنَّ حركة دورانِ ستةِ أجرامٍ –من ضمنها "سِدنا" المُكتشف في عام 2003- في مساراتٍ تنحرف بزاوية ميلان واحدة، تُعزِّزُ احتمالَ وجودِ هذا الكوكب التَّاسع، الذي تمَّ تسميتُه بشكلٍ مُوحٍ بـ"بلانيت ناين"، في إشارةٍ إلى العبارة الدَّارجة في اللُّغة الإنجليزية "كلاود ناين"، التي تعني غاية السَّعادة، تعبيراً عن فرح فريق الفلكيين باحتمال وجود هذا الكوكب التَّاسع، الذي تدورُ حوله كلُّ تلك الأجرام الجليدية، فيما هي تدورُ في نفسِ الوقت، ضمن حزام كايبر، حول الشَّمس. ولكن ما الذي يحوِّل "الجِرمَ السَّماويَّ"، في نظرِ علماءِ الفلكِ، إلى "كوكبٍ" في الأساس؟ بمعنًى آخرَ، ما هو تعريف "كوكب" المُتَّفق عليه بين العلماء؟ لن ندخلَ في تفاصيلَ تحرف بنا عن مسارِ الحُجَّة التي نحن بصددِها في هذه الحلقة -التي فرغنا فيها من مشاركة "انتخابات"، ونتهيأ بعد هذه المقدِّمة الاضطرارية إلى مواصلةِ مشاركة "إشاعات"- وهي التغيُّرُ المستمر في وضعية الحقيقة. إلا أن هناك فائدةً يمكن استحصالُها من إيرادِ تعريفٍ مُبَسَّط حول مفهوم "كوكب"، حتَّى يتمَّ، من جهةٍ، استيعابُ طرفٍ من الجدل العلمي الدَّائر حول عدد الكواكب؛ وحتى يتمَّ، من جهةٍ أخرى، دعمُ حُجَّتِنا المُضمَّنة في مشاركة "انتخابات"، خصوصاً وأنَّ التَّعريفَ نفسَه قد تمَّ حسمُه عن طريق التَّصويت في اجتماع براغ، بعد أنْ فشلت لجنةٌ مكوَّنة من 19 عضواً من الوصول إلى إجماعٍ في أكتوبر 2005. وقد خلُص اجتماع براغ في أغسطس 2006 إلى أن "الكوكب" هو جِرمٌ سماويٌّ، يشتملُ على ثلاثةِ ملامحَ أساسيةٍ هي: أ. دورانُه في مسارٍ حول الشَّمس؛ ب. تمتُّعُ جاذبيتِه بكتلةٍ كافية تُمكِّنه من التَّغلُّب على قوى الأجرام الصَّلبة، وبحيث يكتسبُ شكلُه توازناً هايدروستاتيكياً (أقرب إلى الاستدارة)؛ ج. تنظيفُه للمنطقة المجاورة لمساره. هذا في شأنِ المتابعة التَّحديثية لمشاركة "انتخابات"، أمَّا في شأنِ الـ"إشاعات"، موضوع هذه المشاركة، فقد انطلقت إشاعةٌ منذ ديسمبر 2015، تقول بأن جهاز قياس التَّداخل (ليغو) في "كالتيك"، وهو الجهازُ المتطوِّر الذي صُمِّم خصِّيصاً لمراقبه تداخل موجات الجاذبية توطئةً لاكتشافِ وجودِها، الذي تنبأت به النَّظرية النِّسبية العامَّة، قد قام بالفعل في سبتمبر من العام الماضي باكتشافِ تلك الموجاتِ المراوغة، صعبةِ المنالِ، والمتناهيةِ في الصِّغر. فماهي هذه الموجات التي تمَّ التَّنبؤ بوجودها منذ مائة عام، ولم يتم إرهاصٌ بالعثور عليها إلَّا في الشَّهرين الأخيرين (ديسمبر الماضي ويناير الجاري)؟ لكي نُجيبَ على هذا السُّؤال، لا بدَّ من إعطاءِ فكرةٍ مُبَسَّطة جداً عن مفهوم الجاذبية عند إسحق نيوتن، وما أتى به ألبرت آينشتاين من جديدٍ تجاوزَ به المفهومَ النِّيوتوني، من غير أن يُبطِلَ استخدامَه في المجالاتِ التَّقليديةِ المعروفة. يختصُّ مفهوم الجاذبية عند نيوتن بالقوة التي تنحصر بين الأجسام الفلكية؛ ولحسابِ مُحَصِّلةِ القوة على جسمٍ ما، يتعيَّن أن يُؤخذَ في الاعتبار مجموع قوى الجاذبية القائمة بين كلِّ تلك الأجسام. أمَّا الجاذبية عند آينشتاين، فإنها تأخذ شكلَ انحناءٍ، ليس في المواد بعينها، وإنما في نسيج الزَّمكان (المكان-الزَّمان) ذاتِه؛ وقد تمَّ في عام 1919 اختبارُ أثرِ هذا الانحناء بواسطة عالِم الفلك الإنجليزي، آرثر إدينجتون، عندما شهِدَ في 29 مايو من ذلك العام كسوفاً تامَّاً في جزيرةٍ صغيرة قبالة السَّاحل الغربي لأفريقيا، فأمكنه ذلك من رؤية انحناءِ شعاعِ نجمٍ من كوكبة الثَّور، عند مروره بالقرب من الشَّمس. إلَّا أن النَّظريات العلمية تكتسب أهميةً كبرى، ليس فقط باختبارِ صحَّتها، وإنما بما تأتي به من تنبؤاتٍ يُمكِنُ الكشفُ عنها في المستقبل؛ وقد تنبأتِ النَّظريةُ النِّسبية العامة منذ بداية صياغتها بوجودِ أمواجِ الجاذبية، وهي أمواجٌ متناهيةُ الصِّغر، لا يمكن رصدُها بأجهزةِ الرَّصد التَّقليدية؛ إلا أن لها قدرةً هائلة على الاختراق. فمن فوائدِ هذه الأشعة، إذا تمَّ اكتشافُها واستغلالُها، أنها تُساعدُ في اختراقِ أجسامٍ فلكية يصعُبُ اختراقُها، توطئةً لدراستها، مثل الأجرام الجليدية، والنُّجوم النِّيوترونية، والثُّقوب السَّوداء. ومن أجل ذلك، قام "كالتيك" في الولايات المتحدة بنصبِ جهاز قياس (ليغو)، وهو بشكلٍ أساسيٍّ عبارة عن شعاع ليزر (طوله 4 كيلومترات) مُرسلٍ من مرصدٍ إلى مرآةٍ عاكسة، بحيث يُمكِنه الكشفُ عن أمواجِ الجاذبية، التي وإنْ كانت لها سرعةُ الضَّوء، إلا أنها تختلفُ عنه في أنها عبارة عن تموُّجاتٍ في نسيج الزَّمكان ذاته. ومن أجل ذلك أيضاً، قامت خمسُ دولٍ أوروبية بنصبِ جهاز قياس (فيرغو) بالقرب من بيزا في إيطاليا، وهو عبارة عن ذراعين من أشعة اللِّيزر ينعكسان على مرآتين منصوبتين على بُعد 3 كيلومترات من المرصد المركزي. وقد ظلَّ هذان الجهازان (الأمريكي والأوروبي) يعملان منذ عدَّة سنوات، من دون تمكُّنِ أحدهما من الكشف عن تلك الأمواج البالغة الصِّغر (أصغر من نواةِ ذرَّةٍ يتمُّ البحثُ عنها فوق شعاعٍ طوله عدَّة كيلومترات). لذلك لا غرابة في عدم التَّصديق، وفي أن تأخذ هذه "الإشاعة" التي نحن بصددها وقتاً طويلاً (منذ ديسمبر من العام الماضي)، قبل أن يتمَّ ترقيتُها إلى حقيقةٍ بين الحقائق، أو ينتهي بها الأمرُ إلى دحضٍ مؤقت. وما يُعزِّزُ من احتمال أن تكتسبَ هذه المعلومة وضعيةَ "الإشاعة" لفترةٍ طويلة، هو ذلك التَّنافسُ القائم بين المرصدين الأمريكي والأوروبي من جهة، وحاجةُ كليهما إلى تدفُّقِ التَّمويل على مشروعيهما، من جهةٍ أخرى؛ هذا إضافةً إلى أن إدارة (ليغو) سبق أن أطلقت خدعةً، وهي عبارة عن "إشارةٍ" صادرة من تصادم مجموعتين شمسيتين زائلتين ليكوِّنان معاً ثقباً أسودَ؛ وكان الغرض من هذه الخدعة هو اختبارُ جهازِ القياس، واختبارُ قدرةِ العلماء أنفسِهم على الملاحظة الدَّقيقة لهذه الأمواج العجيبة؛ مما يذكِّر بقصَّة "النَّمِرَ النَّمِرَ" الشَّهيرة. إلا أنه إذا صحَّت هذه "الإشاعة"، فستقودُ نتيجتُها إلى تدعيمٍ قويٍّ للنَّظرية النَّسبية العامة، بعد مرورِ مائةِ عامٍ (في ديسمبر 2015) على صياغتِها في عام 1915. وهو أمرٌ يُعزِّزُ من مكانة آينشتاين، خصوصاً وأنَّ نبأ كسرِ النِّيوترينو (وهو أحدُ الجُسيمات الأولية) لسرعةِ الضَّوء، ربما يُهدِّدُ بعصفِ أحدِ المرتكزات الأساسية للنَّظرية النِّسبية الخاصة، التي تمَّ صياغتُها في عام 1905؛ إلا أن تلك قصَّةٌ أخرى، وربما تكون "إشاعةً" أخرى، إلى أن يتمَّ تأكيدُها من قبل جهةٍ مستقلة عن تلك التي أعلنتها، وهي معهد سيرن بسويسرا، في يوم الخميس 21 يناير 2016.
محمد خلف
| |
|
|
|
|
|
|
Re: نوافذ مفتوحة ========= يحيي فضل الله ============= (Re: munswor almophtah)
|
حكاية المربَّع والمكعَّب والمُشلعيب أو ثلاثةُ تصوُّراتٍ للدَّيمومة: المكان، والزَّمكان (مجال الحقيقة)؛ والدَّهر (مقام الحق)
عن أبي هريرة -رضي اللهُ عنه- قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: (قال اللهُ عزَّ وجلَّ: يؤذيني ابنُ آدمَ، يسبُّ الدَّهرَ، وأنا الدَّهرُ، بيديَ الأمرُ، أُقلِّبُ اللَّيلَ والنَّهار). رواهُ البخاري.
حكاية المربَّع: أسرَّ إليَّ أحدُ الأصدقاء، من ذوي الخبرةِ الطَّويلة والمعرفةِ اللَّصيقة بأمزجةِ القُرَّاء داخل الفضاءِ الإلكتروني، أن الكثيرَ منهم يستريبُ من استخداماتِ النَّماذج والرُّسومات التَّوضيحية، إنْ لم يكن لا يستسيغُها أداةً للتَّفسير (كما يزعُمُ صديقٌ آخرُ هو مسعود محمد علي)؛ فقلتُ أُخفِّفُ قليلاً من ضغط قدمي على بدَّال السُّرعة، خصوصاً عندما تذكَّرتُ أن عالِمَ الفيزياء النَّظرية البريطاني، ستيفن هوكينغ، قد قال ساخراً إنه عمل بنصيحة النَّاشر بشأنِ المعادلات، فأسقطها جميعاً، ما عدا معادلة آينشتاين الشَّهيرة، التي تقيمُ تكافؤاً ليس واضحاً من أولِ وهلةٍ بين الطَّاقة والكتلة (ويمكن الرُّجوع إليها في متنِ الرِّسالة). إلا أنني أحتاجُ إلى تقنياتٍ تُعينني على توصيل فكرتي، فقلتُ أُمهِّدُ لعودةِ النَّماذج بهذه الحكاية، خصوصاً وأننا ما زلنا نستكشِفُ عالمَ السَّردِ الذي أضاءه لنا، بفضلِ الله، الصَّديق القاص عادل القصَّاص؛ فلا يفوتني تهنئتُه بالرُّوَية المصاحبة للشَّهادة، وأقول له عُقبال الرُّواية، على أن يَّتروَّى ولا يُديرُ ظهرَهُ تماماً للكائنات السَّردية الصَّغيرة أو المتناهية في صغرها (أين أنتِ يا فاطمة السَّنوسي؟ أبالحصاحيصا أم بدروبٍ ومسالِكَ لا يُمكن إحصاؤها؟ وإلى أيِّ الحصاحيصاتِ أنتِ الآن أقربُ؟ أحصاحيصةُ أزهري محمد علي وهاشم كرار وعبدالمنعم رحمة أم حصاحيصةُ عبد المنعم حسيب ومصطفى سيدأحمد وسُميَّة حسن؟ أم عبرتِ الأزرقَ صُبحاً -بنطوناً كان العبورُ أو جسراً- إلى رفاعةِ أبي سنٍّ وبابكر بدري ومحمود محمد طه؟ هبَّت عليه نسمةٌ عَطِرَةٌ من أربَجي، لتصرفَ عنه، رغم توسُّعِه في القول، اشتطاط الذين ضرَّجوا الطَّريقَ إلى الدَّهرِ بحُمرةِ الدِّماء، وأمطروها بوابلٍ من رصاصاتِ الكلاشِن وقاذفاتِ الآر بي جي). أنا أعلمُ أن صورةَ هذا المكانِ، ذي الاسمِ المميَّزِ قد تغيَّرت، وربما لم يتبقَ منها سوى صوتُ الحصى الذي يخرجُ مُصَلصِلاً من ثنايا الدَّالِ الغريبِ؛ إلا أن صوتاً ندياً، فتياً ووريفاً (كما يعبِّر القصَّاص) يخرجُ الآن منها طازجاً كمالرغيفِ البلديِّ، وحادقاً كالسَّبانخِ، وحامضاً مثل عصيرِ اللَّيمون، وهو صوتُ حرم النُّور (عليها نور). تلك هي المسألة، بعيداً عن الأحكام الفنية والقيمية؛ وهي أن المكان، أيَّ مكانٍ (ركنٌ أو غرفةٌ أو مدينة)، عرضةٌ للتغيُّرِ المستمر في كلِّ لحظة. ومن هنا أهمية تسجيل تلك اللَّحظات الزَّائلة؛ ومن هنا ذلك الإحساسُ بالأسى واللَّوعة، المشوبُ أحياناً بالحبورِ، ورقرقةِ الدُّموعِ التي لا نعرفُ أيَّ الإحساسَيْنِ المتناقضَيْنِ كان مصدرُها، عندما نُقلِّبُ ألبوماً عائلياً أو يُطلِعُنا صديقٌ على طَرَفٍ من تاريخِه الشَّخصي (وربما يُفسِّر هذا جانباً واحداً من ولعِ النَّاسِ بهذا الرُّكن). ومن مزايا المربَّع أنه قابِلٌ للتَّسجيل بِرُمَّتِه، في لحظةٍ واحدة، بواسطة كاميرا فوتوغرافية صغيرة (اُنظُر عن يمينك ويسارك إلى حَمَلَةِ الموبايل وهم يسعون بِهِمَّةٍ وعلى عَجَلٍ لاصطيادِ هذه اللَّحظاتِ المؤاتية). إلا أنه كغيرِه من الأشكال الهندسية، مثل الدَّائرة والمثلث والمستطيل، لا تُوجدُ بذاتِها في الطَّبيعة، التي تكتظُّ بالأشكال غير المنتظمة؛ وإنما تُوجدُ في أخيلتِنا، فنقومُ برَسمِها، بدءاً من النُّقطة، ومروراً بالخطِّ (وكلاهما من ذوي البُعدِ الواحد)، وانتهاءً بالأشكال الهندسية المعروفة، ومن ضمنها المربَّع (وكلُّها ذاتُ بُعدين، بخلاف الأشكال المُجَسَّمَة، ويُمكن رسمها على سطحٍ مستوٍ، سبورةً كانت أم ورقةً بيضاء). لذلك، فإن أيَّاً منها يصلُحُ أن يكونَ ابناً أو ابنةً مُدلَّلة لعلماءِ الهندسة والفيزياء النَّظرية، إذ لا يتطلَّبُ التَّعاملُ معها وجوداً متعيِّناً في الطَّبيعة. ومن أجل ذلك، اخترنا المربَّع مناطاً للمكانِ القابلِ لأن تُصطادَ أنحاؤه في لحظةٍ واحدة؛ وحرصنا لأن تكونَ هذه اللَّحظةُ مُمَثِلَةً لكلِّ الوجود، قبل انتقاله إلى لحظةٍ أخرى تُشكِّل في تعاقبها المستمر نسيجَ الزَّمكان، الذي سنتحدثُ عنه في المشاركة التَّالية ضمن هذه الحلقة الثُّلاثية. وقد شحنَّا هذا المكان المربَّع، مستعيرين شملةً من الصَّديق القدَّال، بثلاثةِ أقانيمَ، هي الواقعُ والعقلُ واللُّغة. إلا أن الكاميراتِ الحالية مهما تطوَّرت تقنياتُها لا تستطيعُ أن تطالَ اتِّساعَ هذا الكون، لأننا ببساطة محكومون بسرعة الضَّوء (300 ألف كيلومتر في الثَّانية، وهو رقمٌ مستديرٌ للتَّقريب وسهولة التَّذكُّر)؛ وهي فيما يبدو سرعةٌ فائقة، إلا أنها سلحفائيةٌ، بالنَّظر إلى اتِّساعِ الكون، وتمدُّدِه الذي لم ينقطع منذ الانفجار العظيم؛ فضوءُ نجمٍ نراهُ في سماءِ الحصاحيصا الصَّافية، قد يكونُ قد استغرق بلايينَ السِّنين ليصلنا في تلك اللَّيلة. وحتى لو تمَّ كسرُ سرعةِ الضَّوء، كما زعم سيرن منذ أسبوعين، فإن النيوتريتو، الذي سيفوقُ سرعة الضَّوء بـ 60 نانوثانيةً، سيكون هو الحدُّ الأقصى الجديد للسُّرعة؛ فربما يُصابُ آينشتاين إذاً برشاشٍ قليلٍ في سمعته العلمية، ولكنَّ محبسَنا الضَّوئيَّ لن يَّتأثَّرَ كثيراً. ومن مزايا المربَّع أيضاً أنه قابِلٌ للإسقاط على أيِّ سطحٍ مستوٍ، مثل شاشاتِ الكمبيوتر والآيباد والموبايل. إلَّا أنه بحسب نظرية الجِشطالت، لا يوجد شكلٌ من دون خلفيةٍ تدعمُه؛ لذلك، فإننا يا عزيزي القارئ مطالبونَ باستخدامِ الخيال في التَّعامل مع هذه الأشكال التي لا وجودَ لها في الطَّبيعة، وأن نمسحَ بجرَّةِ قلمٍ أو بمسحةٍ من الخيال أيَّ خلفيةٍ تُشوِّشُ نقاءَ المربَّع، إلى أن نلتقيَ في مشاركةٍ لاحقة نستجلي فيها، عبر حكايةٍ أخرى، أمرَ المكعَّب، توطئةً للتَّمسُّكِ بِعُرَى المُشلعيب (أفتونا يا علماءَ اللِّسانياتِ والإتيمولوجيا: هل تُوجدُ صِلةٌ بينه وبين عبارة "مُش لِعِب" الدَّارجة؟). وفي كلِّ الأحوال، فإنه سيشيرُ، ضمن أشياءَ أخرى سنذكرُها في حينها، إلى الآيةِ الكريمة: "وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ" (سورة "الأنبياء"؛ الآية رقم 16).
محمد خلف
| |
|
|
|
|
|
|
Re: نوافذ مفتوحة ========= يحيي فضل الله ============= (Re: munswor almophtah)
|
الحق والحقيقة: من القطع المعرفي إلى مفهوم المراوحة وثلاثة تصوُّراتٍ للعقلانية
شرعتُ في يوم 29 فبراير في كتابةِ رسالةٍ ثانية إلى الصَّديق القاص عادل القصَّاص، وقد حرصتُ أن أبدأها في ذلك اليوم الذي لا يتكرَّر، إلا كلَّ أربعةِ أعوام، لنتذكَّرَ به عام 1916، عام المربَّع بامتياز؛ ولنبدأ به ليس فقط الانتقال من المربَّع إلى المكعَّب، أو من المكان إلى الزَّمان، بل أيضاً الانتقال من علم الأحياء إلى علم الكيمياء، على ألَّا نُغادر فضاءَ السَّردِ الذي هيَّأه لنا القاص المبدع؛ وفي البالِ، رسالةٌ ثالثة تنقلُنا إلى علم الفيزياء، ورابعةٌ أخيرة تُرجِعُنا إلى حظيرة الدِّين بمعناه الشَّامل، وهو الدِّينُ الحقُّ، الذي لا يكتفي بتجاوز أديان السِّجل الأنثروبولوجي، بل يُفسِّرُ ويُتوِّجُ كافَّة الأديان الكتابية. وإذا كان الانتقال من وضعٍ معرفيٍّ إلى آخرَ يتمُّ عبر آلية القطع الباشلاري (نسبةً إلى الفيلسوف الفرنسي غاستون باشلار)، فإن الانتقال بين المعرفة والعلم يتمُّ عبر التَّراوحِ الذي لا ينقطعُ تموُّجُهُ ما بين الحقِّ إلى الحقيقة، وما بين الحقيقةِ إلى الحق. قد يستغرقُ كتابة الرِّسالة بعضَ الوقت، إذ إن جزءاً منه سيُنفقُ في رفقةِ دمتري مندلييف والجدول الدَّوري للعناصر الكيميائية، وجزءاً آخرَ منه سيُنفقُ في الاستمتاعِ والتأمُّلِ فيما يُرسِلُهُ لي الصَّديق عبد الواحد ورَّاق من تسجيلاتٍ وحواراتٍ نادرة مع دمتري البازار (خصوصاً وأن بين الدِّمتريَيْن صلةٌ مدهشة لا يمكنُ إدراكُها بسهولةٍ من أولِ وهلة)؛ هذا غيرُ الوقتِ الذي سأُقضيه مع ابنتي ماريا برفقةِ العائلة في تايلاند، مكان إقامتها المؤقَّت منذ ما يقرب من عامٍ واحد، وهو طولُ المدَّة التي ستقضيها هناك، قبل أن تستأنفَ دراستها الجامعية مع بداية العام الأكاديمي الجديد. إلا أنني ارتأيتُ أن أُمهِّدَ لهذا الانتقال المُزمع من الأحياءِ إلى الكيمياء، ومن المكانِ إلى الزَّمان، ومن المربَّعِ إلى المكعَّب، ومن القطعِ إلى المراوحة، بثلاثةِ تصوُّراتٍ للعقلانية، لتُعينُنا في رحلةٍ فكريةٍ لم نُرِدْ لها أن تخرُجَ قط من مسار العقلانية؛ ولكن قبل ذلك، يتعيَّن علينا أن نُميِّزَ بين مفاهيمَ متضاربةٍ بإزائها، وأن نُوضِّحَ بالتَّفصيل إلى أيِّ العقلانياتِ نُشير، عندما نُحدِّدُ خيارَنا العقلاني. وبشكلٍ عام، فإن التَّصوُّرات الثَّلاثة المقصودة هي التَّصوُّرُ الضَّيِّق الذي يربطها برينيه ديكارت على وجه الخصوص، والفكر القاري (الأوروبي) على وجه العموم؛ والتَّصوُّر الواسع الذي يضعها في مقابل السُّلطة الكنسية على وجه الخصوص، والتَّوجُّهات السُّلطوية على وجه العموم؛ والتَّصوُّر الأكثر اتِّساعاً وهو الذي نقصده، الذي يربطها بالحق، في مقابل النَّزعات الإلحادية التي لا تقبلُ خالقاً لهذا الكون، حتى ولو جاء على الوجه الاستعاري، الذي ربما قصده كلٌّ من ألبرت آينتشتاين وستيفن هوكينغ، اللَّذان صرَّحا في مناسباتٍ عديدة أنهما يريدانِ من خلالِ أبحاثهما النَّظرية في مجال الفيزياء الحديثة استكشافَ عقلِ الإله. ارتبط التَّصوُّر الضَّيِّق للعقلانية بديكارت، لأنه اعتقد أن بإمكانه الوصول إلى أفكارٍ واضحة ومتميِّزة، فقط من خلال فحصِه الصَّبور والممنهج للمحتوى الفكري لعقله البشري الخاص، من دون حاجةٍ إلى إعانةٍ من معطيات الحواس. في مقابل تلك النَّظرة الفلسفية، التي تبنَّاها كثيرٌ من فلاسفة القارة الأوروبية، من أمثال باروخ إسبينوزا وغوتفريد لايبنيتس، ومن ضمنهم إدموند هوسرل الذي أرجأنا الحديثَ عنه إلى حين بزوغِ سياقٍ مناسب، وتبنَّتها أيضاً بدرجاتٍ مختلفة حركاتٌ ومدارسُ فلسفية، مثل المثالية الألمانية، والظَّاهراتية، والوجودية، والبنيوية، وما بعد البنيوية، والتَّحليل النَّفسي، والماركسية الأوروبية – في مقابل كلِّ ذلك، تُوجد التَّجريبية البريطانية التي افترعها فرانسيس بيكون، وتبعه جون لوك وجورج باركلي وديفيد هيوم وجون ستيوارت مِل، وتبنَّتها بدرجاتٍ مختلفة حركاتٌ ومدارسُ فلسفية، مثل الفلسفة التَّحليلية، والوضعية المنطقية، والبراغماتية؛ وهي كلُّها تُقيمُ وزناً للحواس، وتضعُ معطياتِها أساساً لاكتسابِ المعرفة في جميع حقولها المعروفة. وبعد هذا العرض المُختصر، يُصبحُ أمراً نافلاً القولُ إن اللَّاعقلانية، بالفهم السَّائد لها، لا تُغطي كلَّ ما هو مقابلٌ لفكرِ ديكارت على وجه الخصوص، أو الفكر القاري الأوروبي على وجه العموم. أمَّا التَّصور الواسع، فقد جمع كلَّاً من عقلانية رينيه ديكارت وتجريبية ديفيد هيوم، أو حتى تركيبية إيمانويل كانت، في سلَّةٍ واحدة، في مقابل الثَّوابت التي استقرَّت إمَّا عبر التَّأطير الأرسطي (نسبةً إلى الفيلسوف اليوناني أرسطوطاليس) للمعارف البشرية المُكتسبة أو، بشكلٍ كسبيٍّ مزعوم، من خلال هيمنة السُّلطات الكنسية التي وقفت عائقاً أمام حركة التَّنوير، فكان لابدَّ من التَّمرُّد عليها والإطاحة بها، وتأسيس الحداثة الأوروبية على أنقاضها. فاللَّاعقلانية بهذا المعنى هي تعبيرٌ عن تلك الحركة الرَّجعية التي وقفت ضد الحداثة باعتبارها صِنواً للفوضى، وتأسيساً لسلطة العقل البشري، في مقابل الحقِّ الإلهي، الذي ظلَّت ترعاه الكنيسة، ولم تكن ترغب في التَّخلِّي عنه، إلا تحت ضغط الثَّورات الأوروبية العنيفة. بمعنًى آخر، أن الحداثة الأوروبية كانت نتاجاً جديداً شارك في انبثاقه كلُّ تيارات الفكر الأوروبي الحديث، سواءً كان عقلانياً أو تجريبياً أو تركيبياً. أمَّا الوجهُ الآخر لِلَّاعقلانية، فقد كان يتمثَّل في إنكار إمكانية حدوث المعرفة في الأساس، وإنكار قدرة العقل البشري على الإتيان بها وتطويرها، مثل الدَّعوات النِّسبوية والتوجُّهات اللَّاأدرية. هذا يقودنا إلى التَّصوُّر الأكثر اتِّساعاً الذي ندعو إليه، والذي من أجله أقمنا، ضمن أسبابٍ أخرى، تفرقةً ضرورية بين الحقيقة التي في متناولِ العقلِ البشري، والحقِّ الذي يعلو ولا يُعلى عليه. فقد لَحَظنا أن الإنتاج الفكري السَّائد يتمُّ تناوله من خلال العلوم الاجتماعية التي تُكثِرُ من استخدامِ ’الخطاباتِ‘ التي تُصبِحُ وسيلةً متاحة لتسريب الرَّغبات الشَّخصية والأمنيات الجماعية والأحلام المستحيلةِ ’التحقُّق‘، لذلك فقد حاولنا إدخالَ العلومِ الطَّبيعية بأقسامها الثَّلاثة الرَّئيسية لتوسيع مجال ’الحقيقة‘، وتقليص حجم ’الخطابات‘. أمَّا ’الحقُّ‘، فهو الملاذُ الذي نلجأ إليه في غدونا ورواحنا، حينما يطلُّ العجزُ، ويعزُّ المطلبُ، وتُستنفدُ إجاباتُ لِمَ ولماذا؛ "فالنِّهاياتُ البعيدةُ لا تُحَدُّ" (عزيزي إلدوس الإريتيري، المعروف بمحمَّد مدني أو محمَّد محمود الشِّيخ: هل لقِيَ مشروع توتيل رواجاً "استثنائياً" في إسطنبول، أم أنه اكتفى بتقدير "مقبول"؛ وماذا فعلتْ أحداثُ السَّاحةِ بتوتيل الأصل: هل لقِيَ تسريحاً يستحِقُّه، أم ما زال قابعاً في معتقلٍ لا يليقُ بقامته؟). وما يأتي من الحقِّ أو يُعطى بالحقِّ، فإن له على أقلِّ تقديرٍ مكاناً لائقاً ضمن خياراتنا المنطقية إزاء كلِّ ما يستعصي أمرُه أو يستحيلُ الإجابةُ عليه. في هذا الخصوص، سمعتُ عالم الفيزياء الأمريكي ستيفن واينبيرج، وهو لا يُخفي عادةً إلحادَه، يقولُ في تعليلِ الطَّاقةِ المُظلمة، وهي شكلٌ غير معروف من أشكال الطَّاقة (وتمثِّل حوالي 68% من الكون المرئي حالياً، علماً بأن المادَّة المُعتِمة، والتي لا يمكن رؤيتها هي الأخرى وإنما يتمُّ افتراضُها لتفسيرِ جزءٍ من كتلة الكون، تمثِّل حوالي 27%، بينما تمثِّل المادَّة المعروفة حوالي 5% فقط)، وتُعرف أحياناً بالثَّابتِ الكوني، وقد افترضه آينشتاين ليُفسِّرَ به القوة المعاكسة للجاذبية، ويلقى افتراضُه حالياً قبولاً واسعاً باعتبار أنه عاملٌ مهم في تمدُّدِ الكون – يقول واينبيرج في تعليل الطَّاقة المظلمة ودقَّةِ معدَّلِ تمدُّدِ الكون إن هناك احتمالين لا غير: إما وجودُ مُصمِّمٍ مجبولٍ على الخير (أي خالقٍ لهذا الكون) أو الكونُ المتعدِّد (باعتبار أن حالة هذا الكون هي حالةٌ خاصَّة لا يُعوَّلُ عليها في صياغةِ قانونٍ كونيٍّ شامل للبديل المُتعدِّد)، فما كان من عالِمِ الأحياءِ البريطاني ريتشارد دوكنز، الذي يشتطُّ عادةً في إلحادِه، إلَّا أنِ استبعدَ من غيرِ إبطاءٍ الاحتمالَ الأول (باعتبار أن المُصمِّمَ لا بدَّ أن ينطوي على درجةٍ أكبرَ من تعقيدِ هذا الكون حتى يستحقَّ صفة الخالق، وأن تشارلز دارون قد قدَّم من قبلُ إجابةً شافية حول موضوع التَّعقيد، وإنْ خصَّ بها تعقيدَ ظاهرةِ الحياة، إذ من الممكن تعميم الإجابة لتشملَ الكونَ برُمَّتِه). من جانبٍ آخر، فإن حركة ما بعد الحداثة تُوهِمُ الغافلَ بتقديرِها الإيجابيِّ لموضوع الدِّين، إلا أنها تفعلُ ذلك من موقع الاستعلاء بدافع التَّفضُّل على الفئات الثَّقافية والاجتماعية المقهورة، فتضعُ الأديانَ الكتابية في سلَّةٍ واحدة مع أديان السِّجل الأنثروبولوجي، جنباً إلى جنب مع المثليين والأقليات العرقية واللَّونية؛ هذا، بينما هي في واقع الأمر لا تُقيمُ وزناً للحقيقة، ناهيك عن الحق، وتعتبرهما إنشاءً بشرياً ليس إلا؛ وترى، وعلى الأخصِّ بعضُ تياراتها الفالته، أن أيَّ صياغةٍ تتبنَّاها مجموعةٌ بشرية يمكن أنْ تقومَ مقامَ الحقيقة (المُصاغةُ نظائرُها أصلاً من قبل البشر). فهذه النِّسبوية التي تتباهى بها الحركة بوصفها امتداداً طبيعياً للحداثة الأوروبية، هي نظرةٌ معادية للعلم والدِّين معاً (العلم باعتباره مُنتِجاً للحقيقة، والدِّين بوصفه دعوةً للحق). علاوةً على ذلك، فإن الخيار الاستبعادي المُتعجِّل الذي يتَّبعه دعاةُ الدَّاروينية المتشدِّدين، هو نهجٌ معادٍ للعلم والدِّين معاً (العلم باعتباره تقليباً متأنِّياً للخيارات، والدِّين بوصفه داعياً للتَّفكُّر؛ "أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ؛ سورة "الرُّوم"، الآية رقم 8). وفقاً لذلك، يمكن اعتبار هذين النَّهجين (النِّسبوية والاستبعاد المتعجِّل) أساساً للَّاعقلانية، إذ إن الأخيرةَ تنهضُ نقيضاً واضحاً للعقلانية في إطار التَّصور الأكثر اتِّساعاً لها؛ فالنِّسبوية تُنكرُ في الأساس إمكانَ الوصولِ إلى الحقيقة أو الاقتراب من أنصعِ مداراتها، بينما يُخفي الاستبعادُ المتعجِّل في باطنه رغبةً في الاستحواذِ على الحقيقة عن طريق الضَّربة القاضية. وفي معاداةِ هذه اللَّاعقلانية ضمن هذا التَّصوُّر الأكثر اتِّساعاً، يمكن إنشاءُ أساسٍ راسخٍ للتَّعاونٍ بين العلم والدِّين، خصوصاً وأن العلماء، متديِّنين منهم وملحدين، يعملون معاً في إطارِ المظلَّةِ الواسعة للعلوم الطَّبيعية؛ وليس هنالك أدلُّ على ذلك من تلك الصَّداقة التي كانت قائمةً بين عبد السَّلام المُسلم (حتى وقت وفاته في عام 1996) وواينبيرج المُلحد، اللَّذين تقاسما معاً جائزة نوبل للفيزياء في عام 1979، لتطويرهما نظريةً لتوحيدِ قوَّتين من القوى الرَّئيسية في الكون، هما القوَّة النَّووية الضَّعيفة والقوة الكهرومغنطيسية؛ وهذه الأخيرة هي التي وَحَّدَها من قبلُ عالمُ الفيزياء الإسكتلندي جيمس كلارك ماكسويل بجهودٍ نظرية، استند فيها إلى تجاربَ عمليةٍ قام بها بنجاح عالمُ الكيمياء والفيزياء الإنجليزي مايكل فاراداي.
محمد خلف
| |
|
|
|
|
|
|
Re: نوافذ مفتوحة ========= يحيي فضل الله ============= (Re: munswor almophtah)
|
عزيزى محمد خلف .. لك جزيل الشكر على هذا الدَّفق المعرفى العميق والشيِّق الذى أفادنى وأمتعنى أيُّما إفادة وإمتاع. أتداخل هنا لا لأنحرِفَ بخط إسترسالك المُحكم الحَـذِق، وإنما ليأتى توضيحك على إستفسارىَّ التاليين ضمن مسيرة رسائلك: جاء فى الفقرة الأولى من رسالتك الأخيرة: (.. حظيرة الدِّين بمعناه الشَّامل، وهو الدِّينُ الحقُّ، الذي لا يكتفي بتجاوز أديان السِّجل الأنثروبولوجي، بل يُفسِّرُ ويُتوِّجُ كافَّة الأديان الكتابية.) ومادمنا نسعى لخلق "تصوُّرٍ أكثر اتِّساعاً، يمكن به إنشاءُ أساسٍ راسخٍ للتَّعاونٍ بين العلم والدِّين"؛ فما هو موقع "أديان السِّجل الأنثروبولوجي" من معنى "الدين الشامل" ومفهوم "الدين الحق" ؟ .. إذ أن صياغة الجملة أعلاه، تعطى إنطباعاً بأن "الدين الحق" " يتجاوز" هذه الأديان، بإعتبارها فى درجةٍ أدنى، إلى ما هو أهم، وهو تفسير وتتويج كافة الأديان الكتابية ! وجاء فى الفقرة الأخيرة من الرِّسالة: (.. حركة ما بعد الحداثة تُوهِمُ الغافلَ بتقديرِها الإيجابيِّ لموضوع الدِّين، إلا أنها تفعلُ ذلك من موقع الاستعلاء بدافع التَّفضُّل على الفئات الثَّقافية والاجتماعية المقهورة، فتضعُ الأديانَ الكتابية في سلَّةٍ واحدة مع أديان السِّجل الأنثروبولوجي.). أفهمُ من ذلك؛ أنه عند تناول معنى "الدين الشامل"، فليس من اللائق الجمع بين "الأديانَ الكتابية وأديان السِّجل الأنثروبولوجي"، من حيث كونهم "دين"، فى سلّةٍ واحدة. وبالتالى؛ إذا كان يتحتّم الفصل بينهما، فكيف إذن يمكن الحديث عنهما فى معنى "الدين الشامل"، ومفهوم "الدين الحق" ؟ وإستطراداً، هل "أديان السجل الأنثروبولوجى" هذه مشمولة فى معنى "الدين كله" الذى سيُظهَـر عليه "دين الحق"، فى الآية: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [سورة التوبة 33]، أم أن هذا الإظهار يقتصر فقط على "الأديان الكتابية" ؟ فإن كانت مشمولة؛ ما الضَـيْر من وضعها مع الأديانَ الكتابية في سلَّةٍ واحدة ؟ .. وإن لم تكن كذلك؛ كيف إذن يمكن لنا الحديث عن معنى "الدين كله"، وقد جعلناها، بعدم إستصحابها فى سلَّةٍ واحدة، خارج "حظيرة الدين الشامل" ؟ أقول ذلك من واقع أن "أديان السجل الأنثروبولوجى" لديها الكثير لتقدِّمه فى عملية التَّعاون بين العلم والدِّين. فقد كانت، ولازالت، "العلم" الذى به طوّرَ الإنسان مقدراته، وبه نظّم مجتمعاته وتجاوز تحدِّيات الطبيعة ومحن الحياة .. وبه إستطاع الصمود والبقاء. وأقبل منى عامر المودّة والتقدير
ياسر عبيدي
| |
|
|
|
|
|
|
Re: نوافذ مفتوحة ========= يحيي فضل الله ============= (Re: munswor almophtah)
|
فراس السوّاح في كتابه "مغامرة العقل الأولى" أعتبر ديانات السجل الأنثربولجي هي المحاولات الأولى للعقل لتفسير الظواهر حوله. وهناك الكثير من الأساطير ظهرت في الديانات الكتابية بنفس التفاصيل. والذين لم يؤمنوا بالإسلام كانوا يصفون كلامه بأنه أساطير الأولين، مما يدل على معرفتهم بها ومما يشي بوجود صلة بين هذه الأديان والاديان السماوية.
الصادق إسماعيل
| |
|
|
|
|
|
|
Re: نوافذ مفتوحة ========= يحيي فضل الله ============= (Re: munswor almophtah)
|
حلقةٌ مُكمِّلةٌ لِما قبلها ومخصَّصة في غالبها إلى إسداء الشُّكر لثلاثِ مجموعاتٍ مُنتِجة لهذا الرُّكن
ما كان يمكن لهذا الرُّكن، الذي يُسمِّيه عادل القصَّاص (متصرِّفاً في التَّرجمةِ) خيطاً وعثمان حامد (متوخِّياً للتَّعريبِ) بوستاً، أن ينجحَ في توصيلِ رسالته، لولا جهودٌ متَّصِلة لثلاثِ مجموعاتٍ نخصُّها هنا بالشُّكر، وربما غَفَلنا عن غيرها؛ فيُرجى التَّنبيهُ، قبل فواتِ الأوان. وما كان يُمكنُ، من جانبي، أن أصرَّ على تسميته بالرُّكن، لولا اعتقادٌ راسخٌ بأنه في الأساسِ مكانٌ افتراضيٌّ لحوارٍ جماعيٍّ مُطَّرد؛ وكان لهذه المجموعاتِ الثَّلاثةِ دورُها الرَّائدُ في تحبيرِ أسطرٍ مضيئة أو كتابةِ أخرى بمِدادِ صمتٍ عاليِّ الضَّجيج (في إشارةٍ مزدوجة إلى ديوانٍ بعنوان "مِداد الصَّمت"، وقصَّةٍ قصيرة بعنوان "عالياً كان ضجيجُ صمتِها"؛ فشُكراً لعبد اللَّطيف علي الفكي، صاحب الدِّيوان، مهنئين له بصدور "اللُّغة الخفية في السَّرد"، وليتَه يُتحِفُ هذا الرُّكنَ بطائفةٍ من معارفه السَّردية؛ وأسفاً دائماً ومُوجِعاً على رحيلِ عبد السَّلام حسن عبد السَّلام، صاحب القصَّة القصيرة، فلو كان يسعي بيننا في هذه السَّاعاتِ المباركةِ بإذنِ الله، لملأ ركنَ هذا الحوارِ بضجيجِه المُحبَّب، قبل أن يُضمِّخَ أجواءه باستبصاراتِه الفكريةِ العميقة). أولُ هذه المجموعات هي مجموعةٌ مُنتِجةٌ بامتياز، يقف على رأسِها الصَّديق القاص عادل القصَّاص، فهو صاحب الرُّكن، وهو الذي هيَّأ لنا في الأساس هذا الفضاء السَّرديَّ العامر بقصصِه الشَّيِّقة، وردودِه القوية، وسياستِه التَّحريرية الصَّارمة، وتعاونِه النُّموذجي في تصحيح المعلومات، وتنقيحِه للمشاركات، وتقييمه للمواد، وتعليقه عليها -شفاهةً أو كتابةً- قبل أو بعد نشرها؛ وهذه سمةٌ أخرى من جماعيةِ هذا الحوار، فقد كان القصَّاصُ يترك أحياناً لعثمانَ (الشَّخصِ الثَّاني في هذه المجموعة) مهمةَ نشرِ المواد، لانشغالِه بجهدٍ أكاديميٍّ -أثمر بنَيلِه شهادة الدُّكتوراة- ولاختلافِ التَّوقيتِ على جانبي الكرةِ الأرضية (فهو إنْ كان نائماً في ميلبورن، فعثمانُ صاحٍ في وولفرهامبتون لإنزالِ المشاركات)، إلا أنه يقوم بمراجعتها في اليوم التَّالي بأدبٍ جمٍّ وهمَّةٍ لا تعرفُ التَّراخي. وقد ذكرنا من قبل في أولِ الرِّسالةِ أن وكزَ عثمان حامد المستمر هو الذي عجَّل في المقام الأول بكتابتِها، كما ذكرنا في ذيلِها أنه "منذ بدءِ كتابتها، راجع معي عثمانُ فقراتِها، فقرةً على إثرِ فقرة؛ يصحِّحُ معلوماتٍ بها تارَّةً، أو يُقيِّمُ محتوياتِها تارَّةً أخرى. فقد كنَّا نعتبرها رسالةً تهمُّ كلَّ الأصدقاء، إنْ لم نقل كلَّ القراء". وقد حرصنا منذ البدء على أن نحافظ في هذه الرِّسالة على روحِ غرفةِ الحارةِ السَّابعة، التي يمكن تلخيصُها في احتدامِ الخلافِ الأخويِّ الدَّاخلي بيننا ومواجهة العالم الخارجي بالحدِّ الأدنى من الاتِّفاقاتِ التي نصلُ إليها بعد جهدٍ جهيد، من غير التَّمسُّك بشكلٍ دوغمائي (أي عقائديٍّ) بما نصِلُ إليه من نتائجَ أو خلاصات. فكنا نسلِّط الضُّوء على المكتوب ونُلهِبُ ظهره بسياطِ النَّقد حتى يصِلَ إلى القارئ في أفضلِ شكلٍ ممكن. وعلى الجانب الآخر من الأطلنطي، أُسعفنا وسَعِدنا بوجودِ منصور المفتاح في كالجري، وكنا نُطلعه بما يجري، فيُلهِبُ القارئَ حماساً بمقدِّماته النَّارية للمشاركات، ومحاوراته الذَّكية، ولغته الأدبية الرَّفيعة، والمتميِّزة في ذاتِ الوقت (فأرجو أن يُعطيناً قليلاً من السِّياسةِ، كثيراً من الأدب؛ فقد لحِظنا جُمهورَ "تجاوزَ"، في منتصف الثَّمانينات، وعلى اختلافِ مشاربهم السِّياسية، يتحدَّثون، قُبيل الانتفاضةِ، بلغةٍ مشتركة؛ وعند نجاحِها، تفرَّقت بهمُ السُّبلُ، فكان الوطنُ هو الخاسرُ الأكبر: إذ يحتاجُ المشتغلون بقضايا الفكرِ والثَّقافةِ وقتاً أكبرَ للاتِّفاقِ على شيءٍ بينهم، فيما ينشغلُ السَّاسةُ باليوميِّ، ويتخطَّفون في استعجالِهم المُبرَّرِ –بصِدقٍ أو بمزاعمَ كاذبةٍ- ما هو جاهزٌ، وإنْ لم يستوِ عودُه أو ينضجْ ثمارُه). وكنا نُرسِلُ في نفسِ الوقت، أي قُبيل إنزالِ المشاركاتِ، إيميلاً مُشترَكاً لصديقينِ عزيزين، هما الصَّحفيُّ التَّشكيلي عبد الواحد ورَّاق والشَّاعر الرَّقيقُ الطَّبعِ سيد أحمد علي بلال؛ وإيميلاً آخرَ لأخوين عزيزين، هما النَّاقد والنَّاشط الثَّقافي السِّر السَّيِّد والشَّاعر العميقُ الغورِ بابكر الوسيلة سر الختم. وكانت تصِلُنا ملاحظاتِهم بشكلٍ فوري؛ وأحياناً، حين يتعذَّر وجودُ عثمانَ لانشغالِه بقضايا أسرتِه الصَّغيرة أو الممتدَّة، مما يستوجبُ أحياناً قيامُه بجولاتٍ ماكوكية ما بين وولفرهامبتون وأم تريبات، ينبري بلالٌ أو ورَّاقٌ لسدِّ خانته، فيما يقفُ ضَعفُ خدماتِ الإنترنت عائقاً أمام تلقِّي نجدةٍ فوريةٍ من السِّر أو بابكر، وإنْ كانت تعليقاتُهما تصِلُ إلينا عبر الهاتف أو البريد الإلكتروني. تلك هي مجموعةُ السَّبعة المُنتجة بامتياز؛ وقد حرصنا، استجابةً لمقتضياتٍ سردية، على وَصفِ مساهماتِ أفرادِها بصيغةِ الماضي، عِلماً بأن إنتاجَها لم ينقطع، كما نرجو له أن يستمرَّ، كما كان، في سلاسةٍ ويُسر. أمَّا المجموعة الثَّانية، فإنها تنقسمُ إلى فرعين رئيسيين: الأول، يُبدي مساهماتِه القوية عبر الرَّسائل الهاتفية المباشرة التي تتَّصف بالفرحةِ تارةً، وبالاندهاش تارةً أخرى، وبالتَّشجيع الذي لم ينقطع، حتى كتابةِ هذه السُّطور؛ والثَّاني، يتململُ في جلسته، ويعِدُ بمغالبةِ المشافهة، ويتحرَّقُ للإمساكِ بالقلم، ثم يُرحِّلُ في نهايةِ الجلسةِ تأمُّلَ يومِه ليومِ عملٍ آخرَ أكثرَ نَماءً وخصوبة. ولهؤلاء، وهمُ الأغلبيةُ الغالبة من قراءِ هذا الرُّكن، أقولُ لهم إنني أكادُ أسمعُ سريانَ الأفكارِ في خلاياهم العصبية، هذا إنْ لم أقلْ حفيفَ مِدادِ الصَّمت في جلساتِهم اليومية؛ فلأجلهم، قد خُصِّص هذا الرُّكن؛ ولتوقُّعِ مساهماتِهم والرَّدِ على مداخلاتِهم المُحتملة واعتراضاتِهم المُتخيَّلة، قد أُنجزت معظمُ الأفكارِ المبثوثةِ في ثنايا هذا الفضاءِ الافتراضي. استنكفنا عنوةً عن التَّصريحِ بأسماءِ الأشخاصِ المنضوين تحت لواءِ الفرعين الرَّئيسين للممجموعة الثَّانية، فهُمُ كُثرُ (وشكراً للنَّصري على إرسالِ أغنية "لو تصدِّق"، من كلمات عبد العزيز جمال الدِّين؛ فقد ذكَّرتني الكلمةُ الأخيرة بأغنية "شذى زهرٍ" للكابلي أيضاً، وهي من كلمات عبَّاس محمود العقَّاد، التي يقول في آخرِها: "خذوا دنياكم هذي فدنياواتنا كُثرُ)، وإغفالُ شخصٍ منهم أو السَّهوُ عن ذكره قد يُسبِّبُ حرجاً نحن في غنًى عنه، هذا غيرُ أننا ما زلنا نأملُ في أن ترى كلماتِهم النُّورَ قريباً، "فمهما هم تأخَّروا فإنهم يأتون". وهذا ما لا يمكن أن نقوله عن المجموعة الثَّالثة، التي استحضرنا من أجلها كلَّ ما جاء ذكره فيما سبق من فقرات؛ فهي أولاً مجموعةٌ صغيرة، وهي ثانياً تتميِّز بإنتاجٍ فوريٍّ وقوي، ثم هي أيضاً مجموعةٌ قد تابعتِ الرُّكنَ منذ إنشائه. إلا أننا نودُّ أن نتحدَّث هنا عن ثلاثةِ أشخاصٍ منهم فقط، لقُربِ عهدِ مشاركاتهم، ولصلتِها اللَّصيقة بموضوع الحلقةِ السَّابقة، وهم: ياسر عبيدي، والصَّادق إسماعيل، وعلي العجب. لم أكن عند خروجي من عُزلتِي الطَّوعيَّةِ قادراً على التَّمييزِ الواضحِ بين الياسرين (ياسر عبيدي وياسر زمراوي؛ ولو كان للأخيرِ صلةٌ بفاطمة زمراوي، فإنَّ ذلك سيُعدُّ مكسباً ولا شكَّ كبيراً؛ وإنْ لم يكن، فيكفيه أنه يتقاسمُ اسماً مع الأول، الذي تقرَّبتُ إليه من خلال عادل، فلمِستُ فيه تقارباً مع ما يصِفُه الشَّاعرُ والمفكِّرُ المغربي عبد اللَّطيف اللُّعبي بأنه "نوعٌ بشريٌّ جديد"؛ ومن سماتِه، من منظورِي الخاص، قبولُ رأيِّ الآخرِ في كتاباته، واحتفاؤه بكتاباتِ الآخرين، وتقديره لآراءِ المختلفين معه، وتهذيبه في طرح آرائه؛ ونحن ما زلنا نتحرَّك في مجال الفكرِ والإنتاجِ الكتابي، وإني لأجزمُ بأنني إنْ لقيته وجهاً لوجه، لألقينَّ منه لطافةً ورهافةً وعذوبةً ورقَّةَ روح. فيكفيه لاستحقاقِ ما ذكرت أنه بدأ مداخلته بمخاطبتي بما لم نعهده منذ زمنٍ طويلٍ، قائلاً: "لك جزيلُ الشُّكرِ على هذا الدَّفقِ المعرفيِّ العميق والشَّيِّق الذى أفادني وأمتعني أيُّما إفادة وإمتاع. أتداخل هنا لا لأنحرِفَ بخطِّ استرسالك المُحكم الحَـذِق، وإنما ليأتي توضيحك على استفساريَّ التَّاليين" (وقد تعمَّدتُ في هذا الاقتباس تصحيحَ اللَّام الشَّمسية، وياءِ المفرد الغائب، وهمزةِ الوصل، وياءِ النَّسب، لقناعتي التَّامَّة بأنه سيقبلُ تدخُّلي بصدرٍ رحب؛ وهذا عينُ ما أقصده حينما أشرتُ -جرياً على قولِ اللُّعبي- إلى بزوغِ إنسانٍ حديث، أو بتعبيرِ الشَّاعرِ المغربي: انبثاقِ "نوعٍ بشريٍّ جديد")؛ فأرجو أن أكون قد شرعتُ في الحلقةِ السَّابقةِ في بعضٍ من التَّوضيح. تحدَّثنا ضمن مشاركاتٍ عديدة عن الصَّادق إسماعيل، وقلنا إن هذا الرُّكنَ يتنفسُ برئتِه؛ ولو توقَّف عن أسئلته الفورية ومشاركاته التِّلقائية، لأُصيب هذا الرُّكن بالسَّكتةِ القلبية. وما نعنيه بهذا القول إننا لا نأتي إلى الحوارِ بصياغاتٍ فكرية مكتملة أو أجندةٍ مخبأةٍ عن المتحاورين، وإنما نطرحُ آراءَ، إنْ لم تلقَ أُذُناً صاغية، أو تفاعلاً تلقائياً، أو ردوداً مُحكمة، لماتتْ موتاً سريرياً. ومن أجل ذلك كله، يأتي تقريظُنا لجهودِ ابنِ إسماعيلَ، وتثمينُنا لمشاركاته. صحيحٌ أننا نطلب منه الإبطاءَ أحياناً، لكنه لو توقَّف تماماً، أو آثر انضماماً للمجموعة الثَّاثية، لتوقَّفَ الرَّكنُ تماماً، إلى أن ينهضَ، كما العنقاءُ، حينما تأتي مساهماتُ مَنْ طال انتظارهم، ومَنْ نسمعُ منذ الآن وقعَ أقدامهم في الفلواتِ، وعبر الجسرِ، وتحت النَّوافذ. وثالثُ ثلاثةٍ من هذه المجموعةِ الثَّالثة لم يعطنا سوى ثلاثةِ أسطرٍ، ولكنها كافيةٌ لانضمامه لهذه المجموعة المُنتِجة. فقد كنا نقول منذ تأسيس اتِّحاد الكتاب إن الكتابة ليست كَمَّاً فقط، وإنْ كان ذلك يكفي أحياناً، ولكنها في المقامِ الأول تميُّزٌ نوعي؛ فماذا يقول علي العجب في هذه الثَّلاثةِ أسطر. في السَّطرِ الأول، يقولُ العجبُ إن صديقاً أخطره بالبحثِ عن هذا البوست (متوخِّياً مثل عثمانَ للتَّعريب، ومحتفياً مثله، وربما دوماً مثله كذلك، بالأصدقاء)؛ وهل يتبقَّى لنا شيءٌ يُذكر، إذا أسقطنا من تكويننا الفكري كلَّ ما أضافه لنا عبر مسيرتنا الطَّويلة رهطٌ من الأصدقاء؟ في السَّطرِ الثَّاني، يصفُ العجبُ هذا الرُّكنَ بأنه "سياحةٌ تستحقُّ الاحتفاء"، فهذا إطراءٌ يُثلجُ الصَّدرَ ويدفع المرءَ نحو مزيدٍ من الإسهامِ الكتابي؛ فهل يتبقَّى لنا شيءٌ يُذكر، إذا أسقطنا من مزاجنا النَّفسي كلَّ كلماتِ الإطراءِ التي حفَّزت تدافعَنا عبر الحقب؟ وفي السَّطرِ الثَّالث، يُغدقُ العجبُ "التَّحيَّةَ والاحترامَ لكلِّ من ساهم في هذه الحوارات". أجل، قد جاء العجبُ أخيراً، ولكنه فطِنَ بذكائِه الفطريِّ إلى أن هذا الرُّكنَ في حقيقته سلسلةٌ من حواراتٍ، ساهم فيها عددٌ قسَّمناه إلى ثلاثِ مجموعات، إلا أننا نُدرِكُ أن الرَّقم الحقيقي يتجاوزُ ذلك العددَ بكثير؛ فمنهم من ساق حُجَّته إلى حجراتِ الدَّرس، وقاعاتِ المؤتمرات، وصفحاتِ الجرائد، والإذاعةِ المسموعة، وأركانِ النِّقاش، والحواراتِ اليوميةِ التِّلقائية؛ فالتَّحيَّةُ والاحترامُ لهم جميعاً، وشكراً عليٌّ على هذه الأسطرِ المضيئة؛ فهل يتبقَّى من نسيجِنا الأخلاقيِّ خيطٌ يُذكر، إذا أسقطنا منه ما تبادلناه من تحايا، وما تواضعنا عليه من احترامٍ متبادل؟
انتهينا من إسداءِ شكرٍ مؤقَّت، وما زال في الحلقِ بقيةٌ من قول؛ غير أنه لطولِ المشاركةِ لا بدَّ من تأجيل السَّفر، وكنا قد أعددنا للقرَّاءِ رحلةً إلى إسبانيا وأخرى إلى جنوبِ مصرَ، مع وعدٍ باستئنافِ القولِ حول خلطٍ بين علمٍ وعلم؛ فإلى لقاءٍ في حلقةٍ قادمة، نرجو أن تكونَ بالفعلِ مُكمِّلةً لما تمَّ استهلالُه من قولٍ بشأنِ التَّعدُّدِ وتعاملِ دينِ الحقِّ مع هذه الظَّاهرة العامَّة.
محمد خلف
| |
|
|
|
|
|
|
Re: نوافذ مفتوحة ========= يحيي فضل الله ============= (Re: munswor almophtah)
|
أود أن أستهل هذه المداخله بالآتى إن هذه الكتابه إذا عُرضت على دون معرفة كاتبها لحسبت كاتبها مالك بن نبى كتاب ألمّ صاحبها بعلوم الشرق والغرب وألم بوحدانية الرساله وإتساعها لمستجدات الواقع الكونى وقدرة كل رسولٍ بتنزيل ما يناله من إبتلاء بصبرٍ وجلد. نعم إنها كتابة معجزه لتناولها للعادى بقدرات غير عاديه وأسلوب المتمكن الراسخ الواقف على الآداب والفنون والعلوم واللاهوت والناسوت كتناول آيات الله للأشياء من كل الجوانب لتتراقص تفاصيل كلياته لعين خيال الفنان عبدالواحد وراق ليجسدها لعينى أذنى عرائس من جمال خرافىٍ هلامى، فبقدر ما أستوقفتنى فقد إستوقفت محمد عبدالرحمن شقل وطواها صحائفاً من إبداع يطوف بها فى المجالس الأدبيه والمنابر المعرفيه يظن متلقيها إنها من خفايا حميد فيجدها من يماثله فى الصدق والإلتزام والحس الإنسانى الكبير والفتح الرحمانى الذى يخص به الله أهل السعة والقدره على توصيله للناس وكيف لا وهذا الفتح المعرفى المتسلسل أى عقادٍ قعده كما ينبغى كما ظل يقدمه خلف للقراء كوجبةٍ كاملة الأركان لتشبع قو متلقيها وتسنده حتى موعد الأخرى التى تتشابى أرجل غرائز الشوق المعرفى إليها وتطول الأعناق لذا يبين التطواف فى توصيف مذاقاتها والأسئله الجريئه عن أنواع البهار فيها وعن طرائق تحضيرها وبإندهاش لا يغيب عن فطنة المتابع، أقول وقد أخذتنى ثلاثة أشهر عن حوضها ولكن لم تأخذها عن الذاكره بل ظلت حاضرة فى كل مرفق وقفت عنده وتزداد وهجاً عندما ألتقى ببعض من إرتبط بها كلقائى بشقل وبابكر الوسيله والسر السيد والجندريه وبعض الأماكن وبعض الأجواء والأحوال وبعض الناس فكان لقائى بطاهره الخليفه تطواف أبان عمق العباره التى بذلها مسعود والثوره وبكار والأهليه ومحمد حسين لا بل البكرى وشرفى جميعها أشعلت وهج تلك الكتابه ورسختها فى الذات الوثابه، فيا خلف يا ذلك المخلص الوفى فإنك عند تقديمك للثناء تقدم المعرفه والجمال والأدب وتقدم الفكر والعلوم ويا بخت من يتابع هذه الكتابه التى يزداد وهجها كلما إزدادت وازداد وقوفنا عليها فيا خلف والقراء أتمنى أن تجدوا لنا العذر فى الغياب القسرى وأتمنى أن يثمر حضورنا فى ايراقها ويناعتها.
منصور
| |
|
|
|
|
|
|
Re: نوافذ مفتوحة ========= يحيي فضل الله ============= (Re: munswor almophtah)
|
ول ابا منصور..حبابك يا صديقي والتحية من عبرك لأستاذنا محمد خلف.. واذكر جيدا اني كتبت تخاطرات منذ سنة وتزيد ..وتاهت مني في جخانين الكمبيوتر..!! وهي مطايبات لأستاذنا الجميل محمد خلف.. وهو رجل سمعنا عنه في فيافي قد لا تخطر له ببال قط..في الضاحية الشرقية من مدينة الدلنج ، والتي منها ، ايام الشباب ، نجرنا اسم تجربتنا الخاصة في الشعر والفلسفة والطنقعة ، واسميناها (غرفة شرق المدينة)..وقتها كانت مثل هذه الأسماء..محمد خلف ومحمد خلف ومحمد المهدي ومحمد المهدي ..وغيرهم من الأسماء كانت تناوش اسماعنا بالمحبة والفضول..و نحن نشيل ونكتب في مذكراتنا الصغيرة المجوبكة: هذا مثقف يجب أن نقرأ له ونعرفه اكثر..! والسبة التي جمعتنا بهم ، هي احد خريجي معهد الموسيقى والمسرح ، استاذنا الجميل دكتور فرح حمد من اهالي تمبول.. وكان وقتها يعمل بمعهد التربية الدلنج ، وكان يعرف فضولنا المعرفي المتحيز: يا استاذ دايرين نعرف عن ناس امسودان يااااااخ.. وفرح يشيل ويشرح لينا ويقدم الأسماء.. ويا سبحان الله بنفس وفائية محمد خلف هنا.. يذكرون الأسماء ويحقون الحقوق دون من أو اذى..!! بيد ان الأمر لم يتوقف عند فرح حمد ، وانما صديقنا وعمنا حامد جاجا ، هو الآخر كان يذكر تلك الأسامي المضيئة ونحن في قعر الجبل في مدينة الدلنج..!! بسبب هذا الخيط يا منصور ، مشيت مكتبة.. Chapter واشتريت لي نسخة ، رخيصة طبعا بتاعة ام سبع دولار وكده..من كتاب.. عمنا روبرت.. ( الزين وتصليح العجلات)..واعفي لينا يا استاذنا محمد.. نحن شعوب بتحب تسودن الحاجات للأخر يااااااااااااااخ.. عشان تعرف كيف تتواصل معاها..!! نحن من نقتل المثقف وبتشفي كمان..!! هذا المنبر ، حام فيهو مسعود محمد علي ، عبد اللطيف علي الفكي ، اسامة الخواض ، مصطفى ادم ، عبد الله بولا..ايمان شقاق ، احمد المرضي.. والنصري امين..!! وما وريتك بدع النصري يا منصور..ياخي حايم ليهو في غرفة واتساب ، بتاعة ولاد وبنات حلتهم..والغريبة طلعوا بنعرفهم بطريقة او باخرى..!! غايتو النصري لو عرف ..ح يقع من طولو..!! اخر فيديو تبعنا ، نشرناه هنا ، وكتر خير بعض المناتلين فحطوا بيهو زي السلام عليكم ، فيديو ضائع مننا لسنوات ، وقام النصري (وهو من سجله ، وقد وثق لنا اشياء جميلة ، كلما نشوفها نقول كتر خير النصري ياااااخ) ، يدري أو لا يدري ، نشروا في غرفة الواتساب الخاصة بعيال حلتهم ، فيذهب الفيديو الى الخرطوم عشان يرجعوهو لينا هنا في كندا ، ونقوم ننشروا تاني..!! ياخي دنيا ضيقة بشكل..!! عطاشى يا صاحب ، ويا صبايا دولوني على السبيل يااااااااااااااخ..! ليت عادل القصاص ، او بقية الميامين ، يبرونا بنص (زنكوغرافيا)..!! فلقد تقطعت سفنجانتنا ونحن نختبر المعنى والمقاربة في زنك الجزارة بالسوق الشعبي امدرمان ، لأن الزنك الأصلي لم نستطع اليه سبيلا..!!
عييييييييييييييك يا منصور..! ده حالتو لسع ما جات سيرة جعفر اسماعين ، العظيم عاصم حنفي ..ازهري شرشاب..يوسف الحبوب ، محمد علي نجيب..!! ياخي نحن جابونا من وين يا عمك..!!!!
نشعر اننا الأجمل ، والأجمل كثيرا ، حينما نقرأ لمحمد خلف..!!
التحية لأستاذنا محمد خلف..
كبر
| |
|
|
|
|
|
|
Re: نوافذ مفتوحة ========= يحيي فضل الله ============= (Re: munswor almophtah)
|
القبسُ السَّاطعُ من جبلِ النُّور والطَّبيعةُ المزدوجة للضُّوء
كان حتماً مقضِيَّاً على النُّورِ الذي سَطَعَ على غار حراء أن يسري، بعونِ الله، في الأرض؛ إلَّا أنه عند اصطدامِه بعقباتٍ مكتوبةٍ في الطَّريق، تتكشَّفُ للعيانِ الطَّبيعةُ المزدوجة للضُّوء؛ فما تنزَّلَ على محمَّدٍ خلال نَيفٍ وعشرين عاماً هو الحق؛ أمَّا ما اتَّخذه أصحابُه من قراراتٍ، فهي تخضعُ لمنطقِ الحقيقة وتشظِّيها في هذه الدَّارِ الآدميةِ الدُّنيا. وإنَّ أسطَعَ دليلٍ على ذلك هو نشوبُ معاركَ حول قضايا بعينها انقسمَ فيها الصَّحابةُ الخيِّرون إلى معسكرَيْنِ مُتناحِرَيْن، يعتقدُ كلُّ معسكرٍ منهما صادقاً أنه حاملٌ للحق، مما دفع آخرون لا يقلُّون عنهم في ميزانِ الخير والعدل إلى التزامِ جانبِ الحياد، ولا نقولُ الإرجاء، خشيةً من تضميناتٍ سلبية، وإعادةِ تدويرٍ لمفاهيمَ أكلَ عليها الدَّهرُ وشرِب.
اعتقد القائدُ الذي قاد الفرقة التي اتَّجهت غرباً نحو بلاد المغرب أن الحدود الطَّبيعية التي انتصبت أمامَه بحراً متلاطمَ الأمواجِ لم تكن في واقعِ الأمرِ عائقاً يُثنيه عن إكمالِ مهمته التَّبشيرية، فحَمَلَ مع جُندِه مشاعلَ النُّورِ إلى "أندلسٍ خِصب"، وإلى مشارفِ حدودٍ جبلية، تقبع خلفها تخومٌ تقودُ مباشرةً إلى أرجاءِ أوروبا "المُظلِمة". وتكثيفاً لاستعارةِ "إظلامِها" المعرفيِّ، سبق أن أشرنا في أحدِ المشاركاتِ إلى قولِ عالِمِ الفيزياء الأمريكي إستيفن واينبرج، نقلاً عن كتاب فيليب خوري هيتي "تاريخ العرب"، بأنه "بينما كان هارون الرَّشيد والمأمون في الشَّرق يعكفون على دراسةِ الفلسفتين الإغريقية والفارسية"، فيستقبلونَ في بلاطِ بغدادَ رَهطَاً من الفلاسفة والعلماء ويُنشئون لهم داراً للحكمة، "كان معاصروهم في الغرب، شارلمان -ملك الفرنجة- وبطانته، هواةً ينشغلون بحِرفةِ كتابةِ أسمائهم".
أمَّا القائدُ الذي اتَّجه جنوباً صوبَ بلادِ 'المريس'، فقد اعتقد أنه وجد عائقاً انتصب أمامَه كالطَّود، متمثِّلاً في مقاتلي النُّوبة شديدي المِراس، حتى لكأنَّ بلادَهم سُمِّيت ببلادِ 'المريسِ' لهذه الخاصِّية بالذَّات، وليس لارتباطها الفعليِّ بكلمتَيْ "مُوْر" الإنجليزية ذاتِ الأصلِ الإغريقي، و"مُوريسي" اليونانية؛ وتُطلقانِ على سكانِ موريتانيا، والمغرب والجزائر، والعرب الذين اختلطوا بالبربر. وقد حرصنا منذ البداية بتنبيهٍ حاذقٍ ولبِقٍ من الصَّديق الشَّاعر سيدأحمد علي بلال، ولمعرفتِه اللَّصيقةِ والحميمة باللُّغةِ اليونانية، على استخدامِ علامتَيْ الاقتباس التَّخويفيتين عند الإشارة إلى كلمة 'مريس'، خصوصاً وأن آراءَ غيرَ مستنيرةٍ تُحَمِّلُ الكَلِمَةَ بِدَلالاتٍ ازدرائية، فتصِفُ النُّوبة بالبرابرة، مثلما يصِفُ الأوروبيون العربَ بعد خروجهم من غَرناطة بالبربر.
من الخواص التي أصبحت معروفةً لدينا عن الضُّوء أنه ذو طبيعةٍ مزدوجة، فهو من جانبٍ جُسيمٌ، وهو من جانبٍ آخرَ موجة؛ فمن ناحيةٍ يُمكِنُ النَّظرُ إليه باعتباره جُسيماً، كما يُمكِنُ من ناحيةٍ أخرى النَّظرُ إليه باعتباره موجة؛ كما يُمكِنُ أيضاً، وهو الأمرُ المحيِّرُ بالفعل، اعتبارُه جُسيماً وموجةً في نفسِ الاَن. وقد أثبتتِ التَّجاربُ منذ القرن التَّاسع عشر أن الضُّوء عبارة عن موجة، إذ إنه يُحدِثُ تداخلاً عندما يعترض طريقه عائق (حاجزٌ أو طود، كما في استخدامِنا الاستعاري، وهو الجبلُ العالي المرتفع). إلَّا أن تجربة الثُّقب المزدوج قد أثبتت أن الضُّوء عبارة عن جُسيم، إذ إنه يدخل في الثُّقبين كلٍّ على حدة، فوتوناً على إثرِ آخر (والفوتون هو أصغرُ جُسيمٍ للضُّوء)، ولا يدخلُ إلى الثُّقبينِ معاً، كما يُتوقَّعُ لو كان الضُّوءُ موجة؛ غير أنَّ التَّجربة أثبتت أيضاً، وهذا هو مربطُ الفرسِ الذي سنستخدمه في توغُّلِنا عبر التُّخوم، أن الفوتوناتِ التي تمرُّ عبر الثُّقبين، تُشكِّلُ إذا ما اصطدمت بحاجزٍ خلفهما تداخُلاً (إنترفيرنس)، لا يستبينُ من أولِ وهلة؛ ولكن، عندما تتراكمُ الجُسيماتُ عبر الثُّقبين، فوتوناً على إثرِ آخر، يبدو التَّداخلُ واضحاً على سطحِ الحاجزِ الخلفي.
لا نُريدُ أن ندخلَ في تفاصيلِ التَّفسيراتِ المتعدِّدةِ ضمن الميكانيكا الكُوانتية، التي تنظرُ للضُّوءِ تارَةً كُجسيم، وتارَةً كموجة، وتارَةً أخرى بوصفِه الاثنين معاً في ذاتِ الآن؛ لكننا ننشدُ استخداماً سَردِيَّاً، نُشبِّهُ فيه الحاجزَ النُّوبيَّ الذي أُقيمَ في أعقابِ معاهدة البقط بالسَّدِ أو الطَّودِ أو الجبلِ الشَّامخ، كِنايةً عن كفاحٍ باسلٍ "لأهلِ مَدَرَةٍ سوداءَ سُحمٍ جِعاد"؛ ونُشبِّهُ التَّواضعَ على اتِّفاقٍ بين قائدٍ إسلاميٍّ وعظيمٍ مسيحيٍّ لمملكةٍ نوبيَّةٍ بالثُّقبين؛ ثم نُشبِّهُ أخيراً، كما فطِن الأستاذ النَّابه محمد المكي إبراهيم، في كتابه الموسوم "الفكر السُّوداني - أُصُوله وتطوُّره"، دخولَ الإسلامِ إلى السُّودان، أو على حدِّ تعبيره الموفَّق تسرُّب الثَّقافة الإسلامية "مع قوافل الحجيج؛ وفي أخراجِ التِّجار، وحقائب الدُّعاة والمسافرين" – نُشبِّهُ كلَّ ذلك بتراكمِ الفوتونات المُنسربة من خلال الثُّقبين (اتِّفاق القائدين)، فوتوناً واحداً على إثرِ آخرَ، خلف الحواجزِ القائمة فيما وراء التُّخوم المتراجعة دوماً في اتِّجاه الصَّعيد (أعلى النَّهر - جنوباً في حالة نهر النِّيل).
إلا أننا نرغبُ الآنَ في إجراءِ رحلةٍ سريعةٍ إلى ألمانيا؛ لا لنشهدَ محمد المكي والنُّور عثمان أبَّكر في صباهما الباكرِ وهُما "يتسلَّقانِ في ظُلمةِ التَّابو نُحاسَ البوق"، وإنما لنصحبَ صديقاً من جبلِ النُّورِ إلى قمَّةِ تسوغشبيتسه، أعلى قمَّةٍ في ألمانيا على جبال الألب البافارية؛ ولنُطَمئِنَ ثانيةً مفكرينَ ألماناً، تركناهم في حلقاتٍ سابقاتٍ على مقاعدِ الانتظار، بأننا سنعودُ إليهم بعد أن نقضي هُنَيهَةً بوطنٍ نحلمُ مع غيرنا ببنائه وهُنيهةً أخرى بـ"أندلسٍ مفقودٍ" لا أملَ في استعادته، إلا ببناءِ عالمٍ تذوبُ فيه إلى الأبد هذه الفوارقُ القائمة رَدَحَاً من الدَّهرِ بين الأنا والغير. ووفقاً لما أشرنا إليه في متن "الرِّسالة"، فإن للدِّبلوماسيَّةِ سحرُها الذي لا تُخطئه العينُ الفاحِصة؛ فربما نسِيَ محمد المكي أو تناسَى تحت أضواءِ المهنة وبريقِها الآسرِ أصواتَ بوقٍ خافتةٍ قادمةً من قبوٍ قريب، غير أن النُّورَ في مهنةِ المتاعبِ بمدرسة وادي سيدنا الثَّانوية، قبل ترحيلِها لتُصبحَ قاعدةً جوية، كان يصدحُ بالبوقِ النُّحاسيِّ (السَّكسفون) - والعُهدةُ في هذه الرِّواية على أنور محمد علي، الذي كان يعمل فنيَّاً بمعامل الكيمياء بالمدرسة – في هدأةِ اللَّيلِ البهيم، فيُحدِثُ بعزفِه المنفردِ تمازجاً و"تداخلاً" مُدهِشاً لأصواتٍ وأضواءٍ بعيدة، فيما تتهادى أمواجٌ من النِّيلِ القريبِ أسفلَ النَّهرِ، صوبَ الصَّعيد.
محمد خلف
| |
|
|
|
|
|
|
Re: نوافذ مفتوحة ========= يحيي فضل الله ============= (Re: munswor almophtah)
|
الأخ خلف
عندما تحمل هواتف الرحمن لعباد الرحمن قولاَ ثقيلاَ يكون هنالك الرهق للتهيؤ والإستقبال، ويكون ذلك عند الأنبياء أقوى وأشد فقد كان سيد الأولين والآخرين يتزمل ويتدثر وذلك هو السقف الأعلى المفارق، وإن قول الله فى الحديث القدسى( أقول للشئ كن فيكون ويقول عبدى للشئ كن فيكون) أو كما قال فتلك الخاصيه باقية ما بقى الإنسان وسوف لا ولن تنقطع الفتوحات الربانية أبداَ بل لا تزداد كلما إزداد الظلام المعرفى لتضئ دروباَ فيه نافذة ناقله إلى الخيرات أو خير الإنسان، وما نحسبه من باب الصدف إذا ما تمعنا فيه أدركنا معنى قوله تعالى " وما رميت اذ رميت ولكن الله رمى " فالرهق خير يا خلف ودعاء المولى لقيام الليل يحققه ويحقق جلوته فأبشر به وأحمد ولك السلام.
منصور
| |
|
|
|
|
|
|
|