عباس عزت رابط مختصرالحلقة السادسة مدينة الكوة .. مملكة أليس واصل الشيخ كابوس حديثه عن تاريخ الكوة بقوله:كانت هناك جزيرتين من اكبر الجزر الواقعة على النيل الابيض،(نابرة واللكداوية) وكانت تزرع بالبقوليات والقطن والكركدي وكانت تحت حراسة مفتش غابات انجليزي ولكنها اختفت بعد انشاء خزان جبل اولياء الذي غمر اراضي زراعية واسعة وكذلك غمر منطقة الآثار (مملكة أليس)، شهدت مدينة الكوة في عهد الانجليز نموا وازداهارا ،وعاشت نشاطا زراعيا وتجاريا واقتصاديا موسميا كبيرا لتسويق المحاصيل الزراعية محليا وعالميا واقبل عليها التجار من كل حدب وصوب، من داخل وخارج السودان، وذكر من التجار الاجانب: (خواجة سليم وخواجة ألياس)، ومن السودانيين ذكر منهم: ( عبدالمنعم محمد ، أبو العلا،عثمان صالح وخلف الله حاج حامد، وأقام السكان علاقات تجارية مع جنوب السودان حيث قاموا بإنشاء مرافئ لتبادل التجارة في حقول المحاصيل والمواشي، مما جعل من الكوة مركزا تجاريا مرموقا، ومحطة لتزود البواخر النيلية العابرة الى الجنوب بالاخشاب التي كانت تستخدم كوقود للبواخر التي كانت تذهب للجنوب محملة بالمحاصيل وتعود محملة كذلك بالمواشي في ذلك الزمن، ثم ختم بحسرة:الآن كل شيئ انتهى بإنفصال الجنوب،الذي كان بمثابة الضربة القاضية للتجارة بالكوة، وذكر ان بداية العد التنازلي نحو الاضمحلال كانت برحيل كبار المزارعين عن الدنيا امثال: عبدالمنعم محمد وابو العلا وعثمان صالح واهمال ورثتهم للزراعة كما كان يفعل آباؤهم، الذين يشرفون بأنفسهم على زراعتهم في زمن الانجليز الذي شهد طفرة زراعية كبرى في المنطقة وكانت المشاريع مزدهرة والترع نظيفة وكان الانضباط يسود الجميع حيث يقوم كل موظف ومسئول بأداء واجبه على الوجه الاكمل، وكانت البلد عامرة بوجود الاجانب والموظفين، والآن معظم الناس نزحوا من البلد، وقال أن الهجرة طالت معظم الأسر الكبيرة وتزايدت في السنوات الأخيرة بشكل ملحوظ ،ثم استدرك قائلا: كان أبناء الكوة منذ عهود بعيدة قد عرفوا بامتهان حرفة التجارة والتي كانت تفرض عليهم السفر بعيداً عن ديارهم والبقاء لسنوات طويلة ولكنهم كانوا يحتفظون بمساكنهم بالكوة، حيث يطلون على اهلهم بالكوة من وقت لآخر ولا يقطعون صلتهم بوطنهم الصغير، ولكن شهدنا في السنوات الأخيرة أن أخذت الهجرة طابعاً جديدا فقد أصبحت تهاجر الأسر بكاملها وتعرض املاكها للبيع لتبقى الكوة مجرد ذكرى للاجيال القادمة.. بعد ان استمعت لحديث الذكريات الذي أثار شجون محدثي الشيخ محمد احمد كابوس، طلبت من ابنه (الفاتح) الذي كان يجالسنا ان يتجول بي في المدينة ، اكثر ما شدني في الكوة هو جمال الشاطئ التي تقع علية و الذي كان خالي من الزوار ، كان غريب ان لا يكون في الشاطئ من يسبح و يلهو فيه عصرا، رغم جماله الساحر ، لكن استغرابي هذا لم يدم طويل عندما لاحظت انتشار اشجار المسكيت التي اطاحت بأجزاء واسعة من الرصيف و تقف على صخور الشاطئ المتناثرة،فقد اصابه الدمار الشامل جراء الاهمال بعد خروج الانجليز من السودان،وبعد ذلك أخذني مرافقي الي سوق الكوة القديم، وعندها تذكرت بعض ابيات الشعر التي نظمها الشاعر العراقي بدر شاكر السياب في السوق القديم وتقول كلماتها: وخطى .. الغريب وما تبثّ الريح من نغم حزين في ذلك الليل البهيم الليل ، والسوق القديم ، وغمغمات العابرين والنور تعصره المصابيح الحزانى في شحوب مثل الضباب على الطريق من كل حانوت عتيق بين الوجوه الشاحبات كأنّه نغم يذوب في ذلك السوق القديم فقد بدت الشوارع خالية من المارة، وانتشرت النفايات في ارجاء السوق وبدأ تأثرالحركة التجارية واضحا في أطلال السوق القديم الذي شهد كل تلك الطفرة التى تحدث عنها الشيخ كابوس، واضحى السوق عبارة عن أطلال محلات قديمة مبنية من الطين وقد أزيلت أغلب معالمه وتهدمت، ومن يشاهد سوق الكوة القديم وأبنيته يتأكد له أنها أصبحت أطلال مدينة لن تعود.. وبعد نهاية جولتنا في السوق طلبت من مرافقي أن يأخذني الى الاستاذ صلاح الرشيد ليحدثني عن الجوانب التي لم يتطرق إليها الشيخ كابوس، وفي طريقنا الي وسط المدينة ممرنا بمنطقة آثار أليس وحاولنا مرة اخرى الحصول علي اي اثر يدلنا علي وجود هذه الحضارة التي يتحدث عنها سكان المنطقة ولكننا لم نجد سوي لافتة منزوية تحت جدار المنزل الذي ولد فيها الممثل المصري فريد شوقي، كتب عليها موقع أثري محمي بقانون الآثار ولكني لم أشاهد أي حماية، فالمكان مستباح للمارة،وكل من يبحث عن قطع اثرية او مشغولات ذهبية.. وبعدها توجهنا الى منزل الاستاذ صلاح، وجدته جالسا في كرسيه المتحرك تحت ظل شجرة امام منزله يداعب طفلة بجانبه ويستمع الى المزياع، وبعد ان عرفته بهويتي اجابني ممازحا: (نحنا ما بنشتري الجرايد لأن الجريدة ب4 جنيه وبنجيب بيها 2كيس عيش)، ثم حدثني عن الكوة قائلا: إختلفت الآراء في معنى الكلمة، فمعظم السكان بديرية دهمشية قادمين من منطقة الكوة شمال دنقلا، والرأي الثاني يقول انه صوت الفأس عند قطع الاشجار(كو،كو)،ويقال ايضا ان الكوة كلمة نوبية تعني انحناء النيل،وقال ان التعليم دخل الكوة مبكرا 1903م وكان قد سبق المدرسة عدة خلاوى، وخصوصا تعليم البنات فقد بدأ مبكرا جدا، وفي فترة من الزمن كانت معظم معلمات السودان من الكوة،وأولهن الاستاذة سكينة بشير وهي من أوائل خريجات كلية معلمات ام درمان (1922)، وغيرها، وقال ان اول من لحن السلام الجمهور(احمد مرجان) من ابناء الكوة، وان التجاني الماحي اول عالم نفسي واول من ترجم اللغة الهيروغلوفية وهو من الكوة ايضا، وان العالم عثمان نور هو اول من اكتشف جبل عليه كتابة فرعونية بمنطقة غرب الاستوائية مما يؤكد ان الحضارة الفرعونية قد وصلت هذه المنطقة وحتى غرب الاستوائية، وذكر ان مدينة الكوة رفدت الخدمة العامة بالعديد من الشخصيات البارزة منهم التجاني الماحي ، عمر الحاج موسى، عبدالرحمن سالم ومنصور محجوب وزير خزانة سابق في حكومة مايو وهو اول وزير سوداني يزور الصين ويقنع الصينيين بالاستثمار في السودان،ثم اكتفى بهذا الحديث وطلب مني الرجوع الى كتاب(الكوة.. التاريخ والرجال) لمؤلفه عثمان نور.. وقبل ان اغادره طلب مني الاستاذ محمد الوكيل محمد صالح الذي حضر جزءا من الحوار، ان انقل شكاوى مواطنين الكوة التي تفتقر لاصحاح البيئة وعدم صلاحية مياه الشرب التي ترفدهم بها شبكة المياه المتهالكة والتي تم تمديدها منذ عهد الانجليز، وذكر ان مدينة الكوة وريفها يرفدان محلية ربك بالاموال الضخمة دون ادني خدمة تقدمها المحلية للمنطقة، وختم قائلا: ان اجهزة الرقابة غائبة تماما عن سوق المدينة إذ تباع اسطوانة الغاز بمدينة الكوة مقابل 100 جنيه، في حين ان سعرها بمدينة ربك 35 جنيه فقط.. الحلقات القادمة عن مدينة الدرادر الريفية..
(عدل بواسطة عرفات حسين on 11-16-2015, 10:49 AM) (عدل بواسطة عرفات حسين on 11-16-2015, 10:49 AM) (عدل بواسطة عرفات حسين on 11-16-2015, 11:11 AM)
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة