|
Re: من سيرة أبو القنعان (Re: ودقاسم)
|
ثم أشرقت الشمس ، تسوق معها الخير للناس . جاءت أشعتها هذا الصباح كرسل سلام ومحبة . ابتسم الوقوف في وجوه بعضهم البعض ، لم يصبح بينهم خائفا أو مهموما أو مغموما . كلهم يحملون الأمل ويطرحون خلفهم الفقر والحزن والتشاحن . يسلّمون ويهنئون بعضهم البعض ويتعارفون . كانوا كأنهم ولدوا من جديد لتوهم فانفتحت أمامهم أبواب الأمل والرخاء وتحققت الأحلام السعيدة ، وانقشعت الأحزان والألام . وانفتح باب المستقبل مبتسما لكل من كان ينظر من كوة الأمل بقلب مفتوح . وخرجت فاطمة إلى القوم وقد وضعت تاجها فوق رأسها ، وابنها محمول على كتفها . كانت تحيط بها هالة الملكية، وتحفها هيبة السلطة . هاهي عادت إليهم سليمة لم يمسسها سوء ، وعاد ابنها في رفقتها لم يصبه أذى . وهم يشدون أبصارهم إليها بدا لهم أن المال يتدفق بين يديها فيعمهم الغنى أجمعين . ألقت عليهم التحية ، ونادت على زوجها فاوقفته إلى جوارها . ثم رفعا الطفل إلى ما فوق أكتافهما ، فرفع الطفل كلتا يديه بالتحية للوقوف أمامه ، وأرسل إليهم ابتسامة الفرح والانتصار حتى عدّوا ذلك معجزة أو كرامة اختص الله بها هذا الطفل. ثم أشارت فاطمة إلى القوم أن ابقوا في أماكنكم ، لا يتحركن منكم أحد ، ولا يبرحن أحد مكانه حتى نأذن له . من أرادنا فليبق معنا ، ومن لم يردنا يمكنه الانصراف بسلام ، ومن أتانا مشاركا قبلناه بيننا ولن نمنع أحدا من الاستمتاع بنعم الله . سنصلي على موتانا وندعو لهم ، ثم نودّعهم ونسترهم كما يليق بهم ، ونواريهم الثرى ، ثم نعود في الغد ننظف البلدة ، ونطهرها من جثث الحيوانات ، وسندفنها هي الأخرى في حفرة عميقة ، لترتاح البلدة من روائحها . ثم ننطلق إلى أعمالنا المعتادة ، كل في مجال عمله شريكا في الثروة والحاضر والمستقبل ، لا نستعجل الغنى ، ولا نستوضع مهنة ، ولا نحتقر عملا ، ولا نعلي أحدا فوق أحد ، ولا دونية لأحد من أحد . هؤلاء الأموات بشر مثلكم كانوا ملء السمع والبصر ، عاشوا في الغنى والترف ، لكنهم ماتوا جميعا بسبب هذا الغنى . فليس غنيا من امتلك المال وأهمل إنتاج الغذاء ، أو اعتمد في انتاج غذائه على غيره مهما بلغ من درجات الغنى ، وليس شريفا من نظر إلى غيره ليمده بالمال . انظروا إلى هذه البلدة كيف جفت حدائقها وأشجارها ، ونفقت حيواناتها، ومات أهلها دون أن يغني عنهم الذهب شيئا ، حتى وصلوا درجة اقتناعهم بانتظار الموت جالسين حين أعيتهم الحيل في الحصول على لقمة العيش . وقد عرضوا على جيرانهم من الزراع أن يبيعوهم مكيالا من الغذاء مقابل مكيال من الذهب ، فرفض الزراع عرضهم لقلة الانتاج الزراعي وضعفه في تلك الفترة ، فكانوا يحتاطون به لأسرهم ولا يبيعونه مهما عُرض عليهم من ثمن . وهكذا جاءهم زمن كان فيه الغذاء أغلى من الذهب، بل لم يكن أحد يشغل نفسه بالذهب أو يفكر فيه . ومن جانبهم رفض ملاك الذهب التسول والاستجداء ، وتكفُف الناس ، ورضوا بالموت في عزة نفس وكبرياء ، قانعين مقتنعين بما قسمه الله لهم ، فأطلق عليهم من حولهم ومن عاصروهم اسم ( أبو القنعان ) . وبعد ثلاثة أيام من العمل المتواصل كانت البلدة قد جعلت أمواتها تحت الثرى ، واكتمل تطهيرها من كل البقايا والنفايات التي كانت تجعل منها مدينة أشباح . وأصبح دخول الناس إليها أمرا عاديا فلا تثور في وجوههم الرياح ولا تنبعث من حولهم أصوات غريبة . لكنهم كانوا مطالبين بالأمانة والطهر حتى لا تنقلب الأمور فتعود إلى ما كانت عليه فيحرمون من الثروة أو الغذاء أو الاثنين معا . وذاعت أخبار المملكة الوليدة وبلغت أطرافاً بعيدة ، وعلم بها أهل زوج فاطمة ، فجاء منهم رهط انضم إلى مملكة الخير والجمال ، فمنحوا الأراضي الزراعية ، وتم تيسير أرزاقهم بما يناسب كلا منهم . وأمرت الملكة المتوجة بحفر الآبار على امتداد المملكة ، آبارا تكفي سقيا الإنسان والحيوان وأخرى للزراعة . وقامت الملكة بنفسها بغرس أول شتلة خضراء في شوارع العاصمة الصفراء ، وتبعها شعبها في مشروع التشجير الضخم لتعم الخضرة أطراف المملكة كلها . وتعاهد الناس على دعم الملكة في توجهاتها الخيرة ، وأن يقفوا خلفها يدعمونها ويؤازرونها في صدق وإخلاص حتى تصبح مملكتهم مضرب الأمثال . وتوافد إلى البلاد الكثير من العمال ، والصنّاع ، وأصحاب الحرف ، والمعلمين ، والأطباء ، جاءوا من كل فج يسهمون بخبراتهم ومعارفهم ، كلٌ بما علم من عمل أو علم أو فكر أو أدب ، منخرطين جميعا فيما تراضى عليه الناس في تحقيق الوحدة الانسانية ، والتكامل ، والاقتسام العادل لكل مخرجات الحياة ، والدفع بكل ما يستطيعون ، يستمتعون بطيبها ويدفعون شرورها . فازدهرت الحياة ، وطابت الزروع ، وتعاظم الانتاج ، وذاع الصيت ، وعاش الناس يعمهم الخير والجمال غائرا في الدواخل متعمقا في أنسنة الحياة والطهر والنقاء .
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
من سيرة أبو القنعان | ودقاسم | 09-28-15, 08:44 PM |
Re: من سيرة أبو القنعان | ودقاسم | 09-29-15, 06:27 PM |
Re: من سيرة أبو القنعان | ودقاسم | 09-30-15, 05:10 PM |
Re: من سيرة أبو القنعان | ودقاسم | 10-01-15, 05:51 PM |
Re: من سيرة أبو القنعان | يوسف السماني يوسف | 10-01-15, 06:12 PM |
Re: من سيرة أبو القنعان | ودقاسم | 10-13-15, 07:45 PM |
Re: من سيرة أبو القنعان | ودقاسم | 10-02-15, 03:34 PM |
Re: من سيرة أبو القنعان | ودقاسم | 10-03-15, 02:28 PM |
Re: من سيرة أبو القنعان | ودقاسم | 10-04-15, 05:15 PM |
Re: من سيرة أبو القنعان | مامون أحمد إبراهيم | 10-04-15, 09:07 PM |
Re: من سيرة أبو القنعان | ودقاسم | 10-05-15, 05:14 PM |
Re: من سيرة أبو القنعان | أحمد الشايقي | 10-06-15, 11:40 AM |
Re: من سيرة أبو القنعان | ودقاسم | 10-06-15, 05:55 PM |
Re: من سيرة أبو القنعان | ودقاسم | 10-07-15, 05:40 PM |
Re: من سيرة أبو القنعان | ودقاسم | 10-08-15, 06:00 PM |
Re: من سيرة أبو القنعان | ودقاسم | 10-10-15, 09:07 PM |
Re: من سيرة أبو القنعان | ودقاسم | 10-11-15, 06:17 PM |
Re: من سيرة أبو القنعان | ودقاسم | 10-12-15, 06:25 PM |
Re: من سيرة أبو القنعان | ودقاسم | 10-14-15, 08:42 PM |
|
|
|