|
Re: من سيرة أبو القنعان (Re: ودقاسم)
|
كانت فاطمة دليل القافلة وحاديها ، وكان زوجها لا يمل من السؤال عن أهلها ، وأين هي ديارهم ، وما هي طبيعة أعمالهم ؟ لكن فاطمة كانت ترد ردودا مقتضبة، وظلت تقود القافلة دون تردد كأنها كانت تسافر عشرات المرات عبر هذا الطريق . والطريق متعرج يصعد ويهبط بهم ، وهم يواصلون الليل بالنهار ، لا يتوقفون إلا إذا أحسوا بتعب الدواب أو ضرورة إطعامها. وفاطمة تتذكر تفاصيل رحلتها تلك التي قطعتها مشيا على الأقدام وهي ما تزال طفلة يافعة ، لم تلتق فيها بشرا ،ولم يعترض طريقها سبع أو هوام . كانت رعاية الله تكلؤها ليل نهار ، وكأن شيئا ما يمدها بطاقة جبارة تدفعها إلي الأمام . لم تكن تحمل معها زادا ، كانت تقتات من ورق أشجار الصحراء ولحاها فتجد منها الطعام والشراب .بدا لها وكان الطريق قد أصابه المطر في السنوات السابقة ، فقد كبرت الشجيرات وتطاولت ، وبدأت تمد الظل ، وتخرج الأزهار وبعض الثمر . وتحت الشجيرات نما بعض العشب ، حتى أن دوابهم كانت تأكل منه بين الحين والآخر فوفرت عليهم الكثير من العلف الذي كانوا يحملونه لها فوق ظهورها . وفاطمة لا تمل الطريق ، وهي تعلم أن المسافة بعيدة وأنها أطول كثيرا من صبر زوجها ، لكن هو الآخر بدا مستسلما لأمر ربه وكأنه يقوم بمهمة مقدسة اصطفاه الله لها ولن يكون اقلّ عزما من أن ينفّذها حتى آخرها أو يموت دونها .وبدا مقتنعا أن السؤال الذي ظل يسأله عن ما تبقى من المسافة أو اتجاهات الرحلة ، سؤال لا داعي له ولن يجد له إجابة ، وما عليه إلا مد حبال الصبر حتى يبلغ الأمر محله . نامت القافلة تحت سفح جبل يمتد امتدادا رهيبا من الشمال إلى الجنوب . وبقوا هنالك حتى طلع عليهم الفجر . رأوا الطيور وسمعوا أصواتها . والأشجار هنا أكثر كثافةً وأطول ظلالاً . وفاطمة تمد بصرها بعيداً ، وترتفع عند سفح الجبل ، لكنها لا تقوى على صعوده ، فالجبل شاهقٌ ولا يبدو أنّ أحداً قد تسلقه أبداً . عادت فاطمة إلى راحلتها وحملت ابنها فوق حجر ، وقالت لزوجها بصوت بما يشبه الهمس أن البلدة قريبة من هنا ، إنها خلف هذا الجبل ، لكن للوصول إليها لابد من الدوران حول الجبل ، وهي مسافة يمكن أن تقطعها الدواب في نصف نهار إن سارت الأمور دون مصاعب ودون ما يستدعي التوقف . ولاحظت فاطمة تغييرا كبيرا حول الجبل ، البيئة كلها تغيرت إلى الأفضل وأصبحت الأشجار الضخمة كأنها تتسابق لتبلغ قمة الجبل . لابد أن المناخ قد تغير لكنّ ذلك قد حدث بعد فوات الأوان ، إذ قضى القوم نحبهم ، ولم يبق منهم غير فاطمة وهي الآن تصارع الذل الذي فضّل أهلها الموت عليه . ياترى كم من السنين مرت دون أن تنزل قطرة ماء واحدة على هذه البلدة؟ ثم أعقب ذلك خير كثير جادت فيه السماء بالماء والخضرة وخرج الحي من الميت بحول الله . لكن من يعيش هنا ليستمتع بهذا الجمال ؟ من يستفيد من هذا العشب الأخضر الممتد تحت الجبل ؟ من يحصد ثمار الأشجار ويجلس في ظلالها ؟ نعم هناك طيور وفراشات وقوارض ، لكن أين الإنسان ؟ هل انقرضوا جميعا أم بقي من ذريتهم من يعيد تعمير البلدة ، ويعيد الحياة إليها ، ويتحمل مسئولية التكاثر وإقامة المجتمع الإنساني المطالب بإعمار الأرض؟ وإعمار الأرض يبدا بالعمل على وجه الأرض ، لا في باطنها . ربما أنّ بداخل الأرض ثروات ضخمة ، لكن الثروة الحقيقية هي الجمال المتدفق فوق وجه الأرض . الثروة الحقيقية هي الخضرة والماء وإنتاج الغذاء . الثروة الحقيقية هي الإنسان يعيش في جو نقي معافى ويتعذى غذاء طبيعيا نظيفا أنتجته يده .
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
من سيرة أبو القنعان | ودقاسم | 09-28-15, 08:44 PM |
Re: من سيرة أبو القنعان | ودقاسم | 09-29-15, 06:27 PM |
Re: من سيرة أبو القنعان | ودقاسم | 09-30-15, 05:10 PM |
Re: من سيرة أبو القنعان | ودقاسم | 10-01-15, 05:51 PM |
Re: من سيرة أبو القنعان | يوسف السماني يوسف | 10-01-15, 06:12 PM |
Re: من سيرة أبو القنعان | ودقاسم | 10-13-15, 07:45 PM |
Re: من سيرة أبو القنعان | ودقاسم | 10-02-15, 03:34 PM |
Re: من سيرة أبو القنعان | ودقاسم | 10-03-15, 02:28 PM |
Re: من سيرة أبو القنعان | ودقاسم | 10-04-15, 05:15 PM |
Re: من سيرة أبو القنعان | مامون أحمد إبراهيم | 10-04-15, 09:07 PM |
Re: من سيرة أبو القنعان | ودقاسم | 10-05-15, 05:14 PM |
Re: من سيرة أبو القنعان | أحمد الشايقي | 10-06-15, 11:40 AM |
Re: من سيرة أبو القنعان | ودقاسم | 10-06-15, 05:55 PM |
Re: من سيرة أبو القنعان | ودقاسم | 10-07-15, 05:40 PM |
Re: من سيرة أبو القنعان | ودقاسم | 10-08-15, 06:00 PM |
Re: من سيرة أبو القنعان | ودقاسم | 10-10-15, 09:07 PM |
Re: من سيرة أبو القنعان | ودقاسم | 10-11-15, 06:17 PM |
Re: من سيرة أبو القنعان | ودقاسم | 10-12-15, 06:25 PM |
Re: من سيرة أبو القنعان | ودقاسم | 10-14-15, 08:42 PM |
|
|
|