|
Re: من سيرة أبو القنعان (Re: مامون أحمد إبراهيم)
|
وفاطمة الزوجة لابد أن تكون مختلفة عن فاطمة الربيبة . أصبحت فاطمة شخصا آخر ، تنامت في داخلها بذرة عزة النفس ، وهي الآن تتوقع أن تعيش في بيتها محترمة مثلها مثل أي زوجة أخرى ، فهي امراة جميلة ، ناضجة ، تعرف كيف تدير بيتها ، تؤانس زوجها ، وتجذبه إليها بأنوثة كأنها تفجرت فجأة فتفوقت على بنات القرية من أندادها ومن سبقنها . لم يمر وقت طويل حتى نمت بذرة الغيرة في الزوجة العجوز ، فتنكّرت لكل إنسانيتها في التعامل مع فاطمة الغريبة بتاريخ طويل من البنوة والاحتضان حتى توجت ذلك بتزويجها لزوجها . أصبحت العجور تتعامل مع فاطمة وكأن زوجها لم يتزوجها إلا لتخدمهم ، فكانت ترفع صوتها بالأوامر والنواهي ، ومدت يدها بالعصا ، ورددت أمامها أنها امرأة هامل وأنهم التقطوها من أطراف الحقل . ظلت فاطمة تقابل كل ذلك بالصبر ، وهي لا ترى سببا لهذا التغيير المفاجيء في سلوك الزوجة الكبرى . ظلت فاطمة تحبس في داخلها الكثير من الأذى والحرج ، لكنها لم تبح بكلمة تجرح بها أحدا من هؤلاء الذين أحسنوا إليها وأعادوها إلى الحياة بعد أن كادت تفقدها . وحين بدأت بوادر الحمل على فاطمة ، جنّ جنون الزوجة العجوز حتى أنها حاولت مرة أن تدفعها لتسقط حملها ، لكن الله بالغ أمره ، وهو الذي حفظ فاطمة وأوصلها لهذه المرحلة ، وسخّر هؤلاء القوم ليحتضنوها ، وأدخل ذريتها ضمن ذريتهم . وهكذا تكونت الخليقة ، بعضها من بعض عبر التصاهر والتلاقي والتواصل الإنساني النبيل . والغيرة جزء من نكبة الإنسانية ، خاصة عندما تتحول لعمل انتقامي لا مبرر له ، فتصبح آلة تدمير تصعب السيطرة عليها . ولو أنّ الزوجة الكبرى سعت فأسكنت غيرتها لاتسع المجال لهم جميعا ليعيشوا عيشا هنيئا ، ولكانت فاطمة أفضل من يخدمها دون رفع الصوت بالأوامر ودون تخويف أو تهديد أو إكراه . لكنّا سنظل نردد كلمة لو هذه دون أن نهزم الشر في دواخلنا ، أو نسعى لاقتسام السعة بدلا عن الاقتتال على الضيق . ويظل الإنسان يحمل نفسه الأمارة بالسوء ، يسعى بها بين الناس دون تطهيرها مما علق بها من بذرة السوء ، ويبقى ظنه بنفسه أنه الأفضل والأحسن والأكرم وأنه ممن يحسنون صنعا . غريبٌ هذا الإنسان ، فقد أنزله الله في الجنة فسعى لإخراج نفسه منها . ثم هبط به ربه إلى الأرض ليعمرها ، لكنه يغتر بعمله وبما منحه له خالقه من سعة الأمر فيسعى في التدمبر بمنطق عليّ وعلى أعدائي . ولو شاءوا فعمدوا إلى دواخلهم يطهرونها من رجس الأنا لاتسعت الدنيا لهم وللأجيال المتعاقبة دون صراع ودون عنف ودون قتال . بدأت الزوجة الكبرى تحرض المزارع الطيب على زوجته الصغرى ، فأصبحت تنسج الحكايات حول تقصير فاطمة في خدمة البيت ، وجعلت من فاطمة خادمة تخدمها هي وتصلح لها شأنها ،وتقوم بتنظيف البيت ، وتطحن الذرة ، وتدير أمر المطبخ . وتناقص اهتمام فاطمة بنفسها وتفرغت لخدمة الزوجة الكبرى ، فغدت تنافسها وتقارن بين نظافة جسدها وجسد فاطمة ، وتسيء إليها أمام زوجها وتتهمها بالقذارة أمام الزوج والجيران . وحين وضعت فاطمة حملها - جنينا ذكرا - لم تتوفر لها ضرورات المرأة النفساء ، ولم يكن في مقدورها أن ترتاح قليلا من أعمال البيت وخدمة الزوجة الكبرى ، لدرجة انّ اللبن في ثديها كان شحيحا لا يكفي مولودها .
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
من سيرة أبو القنعان | ودقاسم | 09-28-15, 08:44 PM |
Re: من سيرة أبو القنعان | ودقاسم | 09-29-15, 06:27 PM |
Re: من سيرة أبو القنعان | ودقاسم | 09-30-15, 05:10 PM |
Re: من سيرة أبو القنعان | ودقاسم | 10-01-15, 05:51 PM |
Re: من سيرة أبو القنعان | يوسف السماني يوسف | 10-01-15, 06:12 PM |
Re: من سيرة أبو القنعان | ودقاسم | 10-13-15, 07:45 PM |
Re: من سيرة أبو القنعان | ودقاسم | 10-02-15, 03:34 PM |
Re: من سيرة أبو القنعان | ودقاسم | 10-03-15, 02:28 PM |
Re: من سيرة أبو القنعان | ودقاسم | 10-04-15, 05:15 PM |
Re: من سيرة أبو القنعان | مامون أحمد إبراهيم | 10-04-15, 09:07 PM |
Re: من سيرة أبو القنعان | ودقاسم | 10-05-15, 05:14 PM |
Re: من سيرة أبو القنعان | أحمد الشايقي | 10-06-15, 11:40 AM |
Re: من سيرة أبو القنعان | ودقاسم | 10-06-15, 05:55 PM |
Re: من سيرة أبو القنعان | ودقاسم | 10-07-15, 05:40 PM |
Re: من سيرة أبو القنعان | ودقاسم | 10-08-15, 06:00 PM |
Re: من سيرة أبو القنعان | ودقاسم | 10-10-15, 09:07 PM |
Re: من سيرة أبو القنعان | ودقاسم | 10-11-15, 06:17 PM |
Re: من سيرة أبو القنعان | ودقاسم | 10-12-15, 06:25 PM |
Re: من سيرة أبو القنعان | ودقاسم | 10-14-15, 08:42 PM |
|
|
|