|
Re: تقديمات وملامح من كتابي: النظرية الروحية � (Re: مصطفى الجيلي)
|
تقديم المؤلف
هذا الكتاب يقدم نظرية البيئة الروحية، أو فهم البيئة كحقيقة روحية، إن صحت تسميتها بالنظرية، كلفظ متعارف عليه في لغة الأكاديميات.. وهي نظرية قديمة وجديدة، في آن معا.. هي قديمة لأنها بدأت مع نشأة الإنسان، بداية ساذجة وغريزية بعبادة مظاهر الطبيعة، ثم تطورت لتبلغ مستويات رفيعة، تعبر عنها وسائل وغايات ديانات التوحيد.. ولكن لطبيعة الخطاب العقائدي، تجيء تفسيرات الأديان للمظاهر والأحداث تقريرية، وجامدة، لا تجيب بشكل متسق مع منطق العلوم، ومناهج البحث، فظلت تؤخذ منفصلة عن العلوم، وتفهم عبر سلطة فوقية، ومن ثم بقيت حبيسة دور العبادة، والمؤسسات الدينية..
أما أنها جديدة، فالنظرية لم تقدم، بصورتها العلمية المتناسقة، التي تتحدى الفلسفات والنظريات المعاصرة، وتقدم حلولا لمشاكل الإنسانية الراهنة، قبل طرح مؤسسها الأستاذ محمود محمد طه.. هذا الكتاب يعرضها بلغة أكاديمية، متسقة مع التراكم المعرفي، في دراسات البيئة والتنمية.. بعض تلاميذه تناول شرح وتفصيل هذه النظرة؛ الأستاذ خالد الحاج عبدالمحمود في كتابه "المعرفة وطبيعة الوجود" تناولها بالشرح والتفصيل، وناقش الروح، والمادة، وطبيعة الإنسان، مع شرح للماهية، والكيفية، في تفاعل المعرفة الروحية..
الجديد في هذا الكتاب، أنه يقدم النظرية من زاوية تخصص دراسات البيئة والتنمية، متقيدا باسلوب، وضوابط، ومصطلحات، المناهج الأكاديمية، ورابطا مادتها بالمصادر التي تدرس، وتعتبر مرجعية، في المؤسسات العلمية.. أيضا يقدم الكتاب نهجا، قد يغري آخرين بتقديم النظرية الروحية بما ينطبق على تخصصات أخرى، حيث إن الفكرة الروحية شمولية بنيوية، تفسر كل مظاهر الوجود، وتعالج أصول المعرفة في مختلف التخصصات..
هذه الظاهرة الفريدة، في كتابات الأستاذ محمود، التي لم يتعرف عليها الكثيرون، هي أن فكرته تطرق مختلف أبواب المعرفة، وتتوغل فيها بأسلوب المتخصص المدرك لبواطن التخصص، والخبير بجذوره ومتعلقاته، كما سيبين الكتاب.. ولقد تأخر الكثيرون، حتى القريبين من فكره، عن التعرف على أن مؤلفاته ليست فقط طرحا في مسائل الدين، كما هو الفهم العام وتصور غالبية قرائه، ولكن محتويات كتبه، بسبب أنها قائمة على التوحيد، تتقاطع مع مرتكزات أصول المعارف، خاصة الأنسانية منها.. ذلك أنها تلتقي معها في مقام الجمع، فتضعها موضعها من جسم المعرفة، دون اضطراب أو تعارض.. ولعل أفضل تعبير عن هذا الوضع، الملفت للانتباه، هو ما ورد في مقدمة أحد كتب الأستاذ محمود: "هذه ظاهرة ملازمة للدعوة الإسلامية الجديدة.. فإنها، لما كانت تستمد من نور التوحيد، لم يحدث فيها تعارض، ولا تناقض، وإنما هو الإتساق، والإنسجام، في ظل التوحيد الضابط، وتحت راية الوحدة المهيمنة.. وذلك من فضل الله علينا وعلى الناس..".. وسيرد على متن الكتاب شرح مفصل لهذه الظاهرة المدهشة..
ورد في كتاب الأستاذ عبدالله الفكي البشير: "فقد برز الأستاذ محمود في كل مواقفه وفي كتاباته رجل قانون برغم دراسته الهندسة. بل إن جل الكتب التي كتبها الأستاذ محمود لا تخلو من حديث عن القانون، ليس حديث العارف المتخصص في القانون فحسب، وإنما حديث المنظر وفيلسوف القانون والدارس للقانون بمداخل تاريخية وثقافية واجتماعية وفكرية ودينية منذ نشأة المجتمع والعرف وقانون الغابة وقانون الإنسان، والعلاقة بين الفرد والمجتمع والكون، وقد ورد ذلك بتوسع في جل كتبه.".. ذلك ينطبق أيضا، على كتاباته عن البيئة والتنمية، فإن كتبه تقدم تعريفات للبيئة والتنمية، وتطرح تطور المجتمع البشري، طرحا غير مسبوق في المصادر الأكاديمية.. وتماما، كما في حالة القانون، فحديثه عن البيئة والتنمية، كما سيبين الكتاب، ليس حديث العارف الخبير المتخصص فيها فحسب، وإنما حديث المنظر وصاحب كرسي الأستاذية، المتمكن بمداخل تاريخية، وثقافية، واجتماعية، وفكرية، عن طبيعة البيئة وعلاقات التنمية، ونشأة المجتمع، والعلاقة بين الفرد والمجتمع والبيئة..
ما يحاول أن يبسطه هذا الكتاب، هو أن يربط بين التراكم المعرفي في الأدبيات، بالفكرة الروحية.. يقدم الكتاب المادة في فصلين، الأول يستعرض التراكم المعرفي لفهم علاقة الإنسان بالبيئة، كما وردت في دراسات البيئة والتنمية، موجزا أشد الإيجاز، بينما يشرح الفصل الثاني، وهو الأكبر والمقصود بالأصالة، النظرية الروحية على الأسس التي طرحها الأستاذ محمود محمد طه في مؤلفاته.. ومع اتباع الكتاب هذا الترتيب للفصلين، فيمكن أن يبدأ القارئ بالفصل الثاني ثم يرجع للأول دون أن يزعج ذلك المعني أو يعكره.. أي من الفصلين مقسم لثلاثة مباحث، الأول عن البيئة، والثاني عن التنمية، والثالث عن تطبيق الحالة على السودان..
الكتاب يقدم للدارسين والطلاب في مجالات العلوم الإنسانية، نظرية شمولية، غير مسبوقة، عن البيئة والتنمية، مبنية على التراكم المعرفي، ومتممة له.. وفي نفس الوقت، الكتاب مصاغ ليخاطب المثقف غير المتخصص، مراعيا في ذلك حدود حاجته، ومبلغ فائدتها له، ليكون مواطنا إيجابيا في تعامله مع بيئته.. الحاجة لمخاطبة المتخصص وغير المتخصص، أوجبتها عدة عوامل..
أولا، صحيح أن الفصل الأول يرصد نظريات الإنسان والبيئة، ويوثق لأهم الكتّاب في كل مدرسة، ولكنه يقتصر على المدارس الرئيسة، التي تشترك فيها كل العلوم الإنسانية.. مدرسة الحتمية البيئية، ومدرسة الاجتماع، والإيكولوجيا، والماركسية، ثم أفكار ما بعد الحداثة تعتبر المرتكزات الأساسية لمفاهيم علاقة الإنسان بالبيئة، في علم الإجتماع، والاقتصاد، والجغرافيا، والتاريخ، وعلم النفس والتربية، ومعظم العلوم الإنسانية.. بتعبير آخر، المادة تصلح لدارسي وطلاب كل تلك التخصصات..
ثانيا، مناهج البيئة والتنمية والتخطيط، أصلا تطبيقية متعددة التخصصات، فمثلا لدى تخطيط أي مشروع، يكون هنالك السياسي، والمهندس، والزراعي، وخبير الصحة، والجغرافي، وكافة التخصصات، التي هي في الواقع أجزاء من منظومة التخطيط، تعمل مجتمعة.. كل هذه التخصصات نشأت متفرقة، كجزر مفصولة في أذهاننا، في حين أنها جميعا احتياجات الإنسان ووسائل تأقلمه مع بيئته الواحدة، ولن يستقيم لنا امر فهم البيئة والتنمية، والتعامل معهما بصورة متوازنة، إلا بإعادة جمع تلك المتفرقات والنظر للصورة الكلية..
ثالثا، نحن نعيش منقسمين بين التقليدي والحديث، بين الموروث والمكتسب، وبين العقدي والعلماني.. وبسبب من ذلك، قد تأخذ البيئة صورا وتعريفات غير مترابطة، فمثلا البيئة في العلوم الانسانية، قد تتبع فلسفات معرفة ليست هي المتعارف عليها في العلوم المعملية، كالفيزياء والكيمياء والأحياء، ثم تأخذ أنماطا مغايرة في الدراسات التطبيقية، كالهندسة والتخطيط.. وهكذا، لضرورة خلق جسر تواصل وتقريب أساليب التعبير، فالكتاب يقدم محاولة لتجميع متفرقات متنافرة في المفاهيم، تخاطب كل أطياف المثقفين والمتخصصين..
رابعا، أن التخطيط الحديث بقوالبه الأكثر معاصرة، مبني على إشراك السكان المستهدفين بالمشروع، وبالتالي يتوجب تعريف عامة الناس، والمثقفين منهم خاصة، بقدر من المعلومات يدركون معه علاقة الإنسان بالبيئة، وأغراض التنمية بصورة تمكنهم، على الأقل، من اتخاذ قرارات مسئولة..
خامسا، أن تداخل المعارف، وتلاشي الحواجز بينها، أصبح سمة عصر المعلومات.. أصبح بمقدور أي شخص، في أي مكان، من أي تخصص، الإطلاع على الجديد في أي جزئية من شعاب المعرفة، اطلاعا دقيقا، ومفصلا، وحيا، ومن مصادره الأساسية، بنقرة أصابع على الإنترنت.. وقد رافقت هذه السيولة في المعلومات، مناهج ما بعد الحداثة، والتي يمكن أن نسميها "سيولة الآيدولوجيات"، إذ خضعت كل ثوابت الأفكار والنظريات، للمساءلة، ولتمحيص جدواها، ومدى فاعليتها، كما سيبين الكتاب..
سادسا، أن الهدف الأساسي من الكتاب هو تقديم نظرية جديدة في التعامل مع البيئة، بصفة غير مسبوقة، ولوضع نهج ومعايير جديدة لبرامج ومشاريع التخطيط.. وهو كشف يتوجب أن يعرفه الناس، جميع الناس، لمصلحتهم الشخصية، كحاجة مواءمة مع البيئة، ثم كحاجة تخطيط وتنمية..
وأخيرا، ليكتمل عرض النظرية الروحية، وتفهم أبعادها النظرية والعملية، فقد أرفق ملحق يعطي تعريفا بالأستاذ محمود محمد طه وحركته، أخذا عن عدد من المصادر، على رأسها التجميع المنشور في موقع الفكرة الجمهورية (http://http://www.alfikra.org)،www.alfikra.org)، ثم كتيب "لمحات من حياة الأستاذ محمود محمد طه" الصادر عن مركز الأستاذ محمود محمد طه الثقافي (بامدرمان-السودان)، بالإضافة إلى ما ورد في "كلمة المترجم" د. عبدالله النعيم، في مقدمة كتاب "الرسالة الثانية من الإسلام"، المترجم للغة الإنجليزية(Taha, 1987) ..
سيجد القارئ أن قائمة المصادر تضم ثلاث فئات من المصادر: مصادر باللغة العربية، ومصادر باللغة الإنجليزية، ومصادر ألكترونية متنوعة.. وتجدر الإشارة، أنه، وكما هو متبع في طرق التوثيق، فإن بعض المصادر قد تم توثيقها كما وردت، ضمن مصادر أخرى..
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
تقديمات وملامح من كتاب: النظرية الروحية للبيئة والتنمية... | مصطفى الجيلي | 03-13-15, 06:59 PM |
Re: تقديمات وملامح من كتابي: النظرية الروحية � | محمد الأمين موسى | 03-13-15, 07:42 PM |
Re: تقديمات وملامح من كتابي: النظرية الروحية � | مصطفى الجيلي | 03-13-15, 09:56 PM |
Re: تقديمات وملامح من كتابي: النظرية الروحية � | مصطفى الجيلي | 03-14-15, 00:04 AM |
Re: تقديمات وملامح من كتابي: النظرية الروحية � | مصطفى الجيلي | 03-14-15, 00:05 AM |
Re: تقديمات وملامح من كتابي: النظرية الروحية � | مصطفى الجيلي | 03-14-15, 00:07 AM |
Re: مهرجان تكريم الفنان يوسف الموصلي - واشنطون USA- 2/28/2015 (فيديوهات) | محمد الأمين موسى | 03-14-15, 01:56 PM |
Re: مهرجان تكريم الفنان يوسف الموصلي - واشنطو� | مصطفى الجيلي | 03-14-15, 10:56 PM |
Re: مهرجان تكريم الفنان يوسف الموصلي - واشنطو� | مصطفى الجيلي | 03-14-15, 11:01 PM |
Re: مهرجان تكريم الفنان يوسف الموصلي - واشنطو� | مصطفى الجيلي | 03-15-15, 04:31 AM |
Re: مهرجان تكريم الفنان يوسف الموصلي - واشنطو� | مصطفى الجيلي | 03-15-15, 05:57 PM |
Re: مهرجان تكريم الفنان يوسف الموصلي - واشنطو� | صلاح أبو زيد | 03-16-15, 04:05 AM |
Re: مهرجان تكريم الفنان يوسف الموصلي - واشنطو� | مصطفى الجيلي | 03-16-15, 03:46 PM |
Re: تقديمات وملامح من كتابي: النظرية الروحية � | محمد الأمين موسى | 03-16-15, 09:57 AM |
Re: تقديمات وملامح من كتابي: النظرية الروحية � | مصطفى الجيلي | 03-16-15, 03:54 PM |
Re: تقديمات وملامح من كتابي: النظرية الروحية � | Abureesh | 03-16-15, 04:11 PM |
Re: تقديمات وملامح من كتابي: النظرية الروحية � | درديري كباشي | 03-16-15, 04:50 PM |
Re: تقديمات وملامح من كتابي: النظرية الروحية � | مصطفى الجيلي | 03-17-15, 06:44 PM |
Re: تقديمات وملامح من كتابي: النظرية الروحية � | مصطفى الجيلي | 03-16-15, 04:53 PM |
Re: تقديمات وملامح من كتابي: النظرية الروحية � | مصطفى الجيلي | 03-17-15, 03:58 PM |
Re: تقديمات وملامح من كتابي: النظرية الروحية � | مصطفى الجيلي | 03-19-15, 03:56 AM |
Re: تقديمات وملامح من كتابي: النظرية الروحية � | مصطفى الجيلي | 03-21-15, 09:05 AM |
Re: تقديمات وملامح من كتابي: النظرية الروحية � | مصطفى الجيلي | 03-22-15, 06:05 PM |
Re: تقديمات وملامح من كتابي: النظرية الروحية � | مصطفى الجيلي | 03-26-15, 07:46 PM |
Re: تقديمات وملامح من كتابي: النظرية الروحية � | مصطفى الجيلي | 03-29-15, 02:47 AM |
Re: تقديمات وملامح من كتابي: النظرية الروحية � | مصطفى الجيلي | 03-30-15, 04:19 PM |
Re: تقديمات وملامح من كتابي: النظرية الروحية � | مصطفى الجيلي | 03-31-15, 11:02 PM |
Re: تقديمات وملامح من كتابي: النظرية الروحية � | مصطفى الجيلي | 04-02-15, 05:20 PM |
Re: تقديمات وملامح من كتابي: النظرية الروحية � | مصطفى الجيلي | 04-04-15, 04:22 AM |
|
|
|