|
Re: الكوزمولوجيا الدينية (Re: هشام آدم)
|
حسنًا، لماذا يدعي رجال الدين هذا الادعاء؟ إنَّ فكرة ثبوت الأرض وعدم دورانها يُمهد تمامًا لفكرة مركزية الأرض كخطوة تالية، وهي من الأفكار ذات النتائج الفلسفية التي تجد دعمًا وسندًا دينيًا، فمركزية الأرض هي النواة الأساسية التي تنشأ منها فكرة أخرى أكثر خطورة وهي مركزية الإنسان وسيادته على الكون، وهو ما يجد دعمًا وتأييدًا عظيمين في الفكر الديني الذي يُعلي من شأن الإنسان، ويزعم أنَّ هذا الكون بكل ما فيه من مجرات وكواكب وشموس إنما "خُلقت" من أجله هو، وأنَّ الأرض تم إنشاؤها خصيصًا لتتناسب مع متطلبات بقائه؛ وبالتالي فإنَّ كل ما في الكون وكل ما في الأرض إنما هو "مُسخَّر" من أجله هو، ومن أجل راحته وبقائه، فالإنسان في الفكر الديني هو الكائن المكرَّم والأكثر أهمية، وهو المُتسلَّط على كل الكائنات برًا وبحرًا، وهو سيِّد هذا العالم وخليفة الله على الأرض من واقع النصوص الدينية المقدسة لدى أصحابها، فنقرأ في العهد القديم على سبيل المثال: "فخلق الله الإنسان على صورته. على صورة الله خلقه. ذكرًا وأنثى خلقهم. وباركهم الله وقال لهم أثمروا وأكثروا واملأوا الأرض وأخضعوها وتسلطوا على سمك البحر وعلى طير السماء وعلى كل حيوان يدب على الأرض. وقال الله إني قد أعطيتكم كل بقل يبزر بزرًا على وجه كل الأرض وكل شجر فيه ثمر شجر يبزر بزرًا. لكم يكون طعامًا"[التكوين 27:1-29] وفي القرآن نقرأ أيضًا: {وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعًا منه إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون}(الجاثية:13) وكذلك قوله: {ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلًا}(الإسراء:70) وكذلك: {وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة}(البقرة:30) فالنصوص الدينية في مجملها تكرَّس لهذا التصور النرجسي الذي يجعل الإنسان مؤمنًا بأنه كائن متميِّز ومختلف عن بقية الكائنات، ويجعله يعتقد أنَّ هذه الكائنات لم توجد إلا لخدمته فقط.
|
|
|
|
|
|
|
|
|