هل يؤيد القرآن الكريم نظرية التطور

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-03-2024, 05:30 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف للعام 2015م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
02-22-2015, 06:01 PM

عبد الوهاب السناري
<aعبد الوهاب السناري
تاريخ التسجيل: 11-16-2014
مجموع المشاركات: 229

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: هل يؤيد القرآن الكريم نظرية التطور (Re: عبد الوهاب السناري)

    هل يؤيد القرآن الكريم نظرية التطور: خَلَقُكم من نفس واحدة
    إجتمع رأي المفسرين على أن النفس الواحدة التي خُلِق منهما جميع الناس، كما وردت في الآيات 189 – 191 من سورة الأعراف والآية 72 من سورة النحل والآية 11 من سورة فاطر، تشير لآدم، عليه السلام، وأن زوجها الذي خلق منها تشير إلى حواء. وقد طعن المفكر البارز الدكتور عدنان إبراهيم (1) في صحة هذا التفسير، فقال أن النفس الواحدة تشير إلى حواء وأن زوجها الذي خلق منها هو آدم. بيد أن آدم، على حد رأي الدكتور عدنان، لم يُخَلق من حواء، أي أنه لم يكن بعضاً منها. وقال أن خلق الزوج من النفس كما ورد في القرآن الكريم يدل على خلق ذلك الزوج من جنس الزوجة، أي من النوع الإنساني الذي ينتمي إليه كلاً منهما، وليس من تلك النفس بالذات أو من أي نوع آخر من المخلوقات.
    وقد إتفقتُ في الباب الثالث من بحثي بعنوان: هل خُلِق آدم في الأرحام: حقيقة خلق الإنسان في القرآن الكريم (2)، وفي بعض مقالتي المنشورة في مجموعة خلق الإنسان في القرآن الكريم (3) مع الدكتور عدنان إبراهيم على أن النفس التي خُلق منها جميع الناس كانت أنثى وأن زوجها كان ذكراً. وعلى الرغم من أني أستنتجت خطأً أن تلك النفس وزوجها كانا أول من خُلِق من البشر، إلا أني أوضحتُ حينها أن هذين الزوجين ليسا آدم وحواء. وكان إستنتاجي يستند على ما ورد في هذه النصوص من أن النفس التي خُلق منها جميع الناس كانت أنثى وأن زوجها كان ذكراً، وكذلك من أن هذين الزوجين أشركا بربهما، بينما برأ القرآن الكريم آدم من الشرك. ويعنى ذلك بالضرورة وجود ناس قبلهم إنحدرت تلك النفس وزوجها منهم فانقرض هؤلاء الناس وانقرضت ذرياتهم أيضاً، ولم تبقى منهم إلا ذرية تلك النفس وزوجها لتعمر الأرض. فما هي الأدلة القرآنية التي تؤيد هذا الرأي؟
    لنبدأ بحثنا هذا بالتأمل فيما ورد في النصوص التالية عن خلق الرسول (ص) من أنفس المؤمنين:
    لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ (164): سورة آل عمران (3).
    لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ (128): سورة التوبة (9).
    قد لا يختلف معي القارئ الكريم أن قوله تعالى: "مِّنْ أَنفُسِهِمْ" في سورة آل عمران وقوله تعالى: "مِّنْ أَنفُسِكُمْ" في سورة التوبة ربما ورد من باب المجاز اللغوي لأننا نعلم حق العلم أن الرسول (ص) لم يولد من أنفس المؤمنين، بل من نفسين محددين هما أباه وأمه والذين ينتميان إلى هذه أو تلك المجموعة. وتم هنا التعبير بالكل (أنفس المؤمنين) ولكن قُصِد منه الجزء (أبوا الرسول (ص))، على سبيل المجاز المرسل المبني على الكلية.
    كما أن النصوص السالفة يمكن تفسيرها تفسيراً يستند على علم الوراثة. فكل طفل يرث نصف جيناته من أبيه ويرث النصف الآخر من أمه، ويرث كل من الأب والأم جيناتهما مناصفةً من أبويهما ودواليك. كما أن الغالبية العظمى من الجينات التي يحملها كل فرد منا اليوم تعود إلى عهد أوائل الناس الذين تكونت منهم السلالة الإنسانية. يقدر عدد الجينات التي يحملها كل إنسان والتي يتم توارثها بين الأجيال حوالي 19 ألف جين. وفي المتوسط تقدر نسبة التشابة بين الجينات بين أي بشريين 99%، أي أن نسبة الإختلاف في التركيبة الجينية بين أي شخصين تبلغ فقط نسبة 1%. ويعزى هذا التشابه الكبير في جينات البشر إلى ما يسمى بالجينات المُثَّبَتة، وهي الجينات التي لا تختلف بين إنسان وآخر، والتي تمثل نسبة 99% من الجينات التي يحملها كل إنسان والتي يتشارك في حملها جميع الناس.
    تتحكم هذه الجينات المُثَّبَتة في بناء وعمل الأعضاء والوظائف الحيوية التي يتسبب أي خلل فيها في عواقب كارثية تؤدي لموت حاملها مبكراً. فأي خلل خلقي رئيس في القلب أو الكبد أو الرئتين، أو أي خلل وظيفي كبير في عمل الدورة الدموية أو الجهاز العصبي أو الهضمي، على سبيل المثال، سيؤدي في الغالب الأعم إلى الوفاة المبكرة، مما يحرم حاملها من نعمة الإنجاب. وإن لم ينجب الإنسان فسوف تنقرض الجينات التي يحملها، بما في ذلك الصفات المميتة التي تحملها تلك الجينات والتي يمكن أن تورث للأجيال القادمة.
    وكلما إزدادت الأهمية الوظيفية لأي جين كلما إزداد مستوي الإنتخاب الطبيعي الذي يتعرض له ذلك الجين وكلما تم التخلص منه وأيضاً من الخلل العضوي أو الوظيفي الذي يتسبب فيه بسرعة أكبر. ولذا فإن نسبة كبيرة نسبياً من الناس قد تحمل الجين الذي يتسبب في خلق ستة أصابع في الكف لأن ذلك لا يؤدي إلى خلل عضوي أو وظيفي كبير. وبالتالي فإن هذا الجين لا يخضع لنسبة عالية من الإنتخاب الطبيعي لأن وجود ستة أصابع في اليد لا يؤثر بصورة كبيرة في أداء تلك اليد. وبالمقابل، يستحيل أن نجد إنساناً يحمل قلبين في جوفه (ما عدا المرأة الحامل) لأن الإنتخاب الطبيعي سيتسبب حتماً في موته مبكراً، مما يؤدي لإنقراض ذلك الجين. وهذا ما يفسر وجود هذا العديد الكبير من الجينات المثبتة التي تتشارك الإنسانية فيها. وعليه فإن أوجه الإختلاف بين أي فردين تتمثل فقط في نسبة الجينات غير المُثَّبتة التي يرثها كلٌ منهما، بينما يشترك جميع الناس في الجينات المثبتة التي يحملها كل إنسان.
    وحتى إذا قارنا الجينات التي نحملها نحن اليوم بتلك التي كان يحملها أوائل الناس الذين خلقوا قبل أكثر من مائة ألف عام لتبين لنا أننا نشترك معهم فيما يقارب ال 99% من الجينات التي كانوا يحملونها. فكل منا يحمل جميع الجينات التي تميزنا كبشر وتتحكم في خلق أعضائنا الداخلية والخارجية وتنظيم الوظائف الحيوية في أبداننا. وقد إختفت بعض الجينات التي كان يحملها أجدادنا الأولون وظهرت في الأجيال الحديثة جينات أخرى جديدة بفعل الأخطاء الجينية التراكمية (mutation)، والتي تم ترجمتها خطأً بالطفرة.
    تقوم آلية متخصصة بنسخ التركيبة الجينية لأي إنسان في الخلايا التي تتكون حديثاً طيلة حياته. وفي بعض الأحيان تحدث أخطاء في نسخ تلك التركيبة الجينية في بعض هذه الخلايا حديثة التكوين. ويتراوح عدد الأخطاء النسخية التي تحدث في التركيبة الجينية لأي إنسان طيلة حياته، والتي يمكن توريثها لأبنائه، بين 100 و 200 خطأً. وعلى الرغم من ضخامة هذا العدد إلا أنه تقريباً يمثل نسبة واحد على ثلاثين مليون من المادة الجينية التي يتم إستنساخها. كما أن الغالبية العظمى من هذه الأخطاء النسخية ليس لديها أي تأثير ملموس على عمل الجين التي تسببت في تغيير تركيبته. أما القلة الباقية من هذه الأخطاء النسخية فقد تنجم عنها أضرار أو فوائد تؤثر في عمل الجين المستهدف بنسب متفاوتة. وقد تكون بعض هذه الأخطاء النسخية مميته كما هو الحال في بعض الأمراض السرطانية. وقد تكون أحياناً أخرى مفيدةً لتضفي تنوعاً جديداً في تركيبتنا الجينية قد يساعدنا مستقبلاً في سلم التطور.
    وبما أن الجينات تمثل الشفرة التي يتم خلق كل إنسان منها في رحم أمه، وبما أنها تتحكم في جميع الوظائف الحيوية فيه، فعليه يمكننا القول أن جميع الناس خلقوا من أنفس بعضهم البعض لأنهم جميعاً يشتركون في تركيبتهم الجينية التي توارثوها منذ بداية خلقنا وسوف يتوارثوها إلى يوم القيامة. وبما أن الرسول (ص) لا يختلف عن بقية الناس في تكوينه الجيني فإنه ينتمي إنتماءً جينياً إلى أنفس المؤمنين، بل وإلى جميع الأنفس الإنسانية. ولذك وصف القرآن الكريم الرسول (ص) بأنه خُلِق من أنفس المؤمنين.
    وإذا تأملنا في النصوص التالية:
    وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ (72): سورة النحل (16).
    وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21): سورة الروم (30).
    وَاللَّهُ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلَا يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (11): سورة فاطر (35).
    سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ (36): سورة يس (36).
    فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ (11): سورة الشورى (42).
    لتبين لنا إستحالة خلق أو جعل الزوج من نفس زوجه أو خلق الزوجين من جميع أنفس المجموعة التي يعيشان بينها كما يدل على ذلك المعنى الظاهر لهذه النصوص. فكما هو الحال في خلق الرسول من أنفس المؤمنين، فإن كل زوج من الزوجين يولد نتيجة تناسل زوجين آخرين، هما أمه وأباه. وعندما يكبر ذلك الفرد، فإنه يتزوج بزوج آخر، لينتج من ذلك التزاوج أطفال يصبحون أزوجاً مستقبلاً وينتجون أفراداً أُخر، ودواليك. وبالتالي، لا يمكننا تفسير خلق أو جعل الأزواج من أنفس بعضها البعض كما ورد في القرآن الكريم إلا على أساس أنه ورد على سبيل البيان البلاغي أو من خلال التفسير العلمي الذي يرتكز على مبدأ مشاركة جميع الأنفس للتركيبة الجينية التي تمثل الشفرة التي يتم من خلالها خلق كل إنسان. النتيجة المهمة التي يمكن إستنتاجها من ذلك هو أن خلق أو جعل الأزواج يتطلب وجود ناس آخرين من بينهم أم وأب كلا من الزوجين المشار إليهما. أما أهمية هذا الإستنتاج فتكمن في كونه سيعيننا على فهم بداية خلق الإنسان كما وردت في الآيات التالية:
    يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1): سورة الأنعام (6).
    هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَت دَّعَوَا اللّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (189): سورة الأعراف (7).
    خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنزَلَ لَكُم مِّنْ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِن بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (6) سورة الزمر: (39).
    فإذا اغتدينا بالتفاسير التي أوردناها في هذا البحث وإذا اهتدينا بمنهج تفسير القرآن الكريم بالبحث فيه فلا مفر من تفسير خلق الزوج من النفس الواحدة إلا على قرار خلق الرسول (ص) من أنفس المؤمنين وعلى قرار خلق الأزواج من أنفسهم. وإلا فلابد لنا من توضيح الأسباب المنطقية التي جعلتنا نعتمد تفسيراً مختلفاً عن تفسيرنا لجميع النصوص التي وردت في هذا الشأن. قد لا يخفى على القارئ الكريم أن هذا التفسير بالضرورة يعني وجود أنفس أخرى خُِلقت قبل هذه النفس الواحدة التي خُلِق منها جميع الناس الذين تخاطبهم هذه النصوص. ولذا فإنه يبرز إشكالاً لكونه يتعارض مع الفهم المتادول حتى اليوم من أن النفس الواحدة وزوجها هما أول من خُلِق من الناس. فإذا تم تفسير هذه النصوص على أساس أن تلك النفس وزوجها يمثلان أول ناس خُلِقا فسوف يتعارض هذا التفسير مع تفسيرنا لخلق الأزواح من أنفسهم، والذي بالضرورة يتطلب وجود ناس قبل تلك النفس وزوجهما تسببا في إنجاب كلٍ منهما.
    لقد ظن رواد التفسير أن قوله تعالى: "خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ" يدل أن هذه النفس وزوجها هما أول من خُلِق من الناس. لكن هذا ما لم تصرح به هذه النصوص، بل كان مجرد إفتراض إفترضوه. ولم يفطن هؤلاء المفسرون إلى الإحتمال الثاني الذي يمكن أن تُفسر هذه النصوص إستناداً عليه من أن تلك النفس لم تكن أول نفس إنسانية خُلِقت، بل أن الناس المخاطبين في هذه النصوص إنحدروا من تلك النفس الواحدة وزوجها، وأن ذريات بقية الأنفس الأخرى التي إنحدرت منها تلك النفس الأولى وزوجها قد إنقرضت. وبذا يمكننا فهم أن النفس الواحدة وزوجها لم يكونا أول من خُلِق من الناس، بل كانا ضمن مجموعة من الناس إنقرضت دون أن تخلف وراءها ذريةً. ولكن يحق للقارئ أن يتسائل عن مدى تأييد القرآن الكريم لإفتراض تقسيم الناس إلى مجموعتين، مجموعة إنقرضت ذريتها ومجموعة أخرى ما زالت ذريتها تعمر الأرض.
    وردت العديد من النصوص التي تشير إلى وجود ناس قبل عهد آدم وحواء. ولكن لم يتمكن المفسرون من تفسيرها تفسيراً يتسق مع قصة خلق آدم وحواء. وقد أوضحتُ في مقال سابق بعنوان: "هل كان آدم أول من خُلِق من البشر" أن تفسير جميع هذه النصوص يتسق تماماً مع فكرة أن آدم وحواء لم يكونا أول من خُلِق من البشر (2). ولكن لا ضير من عرض بعض هذه الأدلة هنا لدعم الرأي المطروح في هذا المقال. وصفت الآية 173 من سورة الأعراف آباء بني آدم بالشرك: "أَوْ تَقُولُواْ إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ":
    وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (172) أَوْ تَقُولُواْ إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ (173) وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (174): سورة الأعراف (7).
    من أهم النقاط التي يمكن أن نقترب من خلالها من فهم هذه الآيات فهماً دقيقاً يكمن في مقدرتنا على تحديد هوية: "بَنِي آدَمَ" الذين تشير إليهم هذه الآيات. للإجابة على هذا السؤال، لابد لنا من الوقوف أولاً على العلة من وراء مخاطبة المولى، جل شأنه، لبني آدم في الآيتين 172 و 173 من سورة الأعراف خطاباً مباشراً، تجلى في قوله تعالى: "أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ"، وفي قوله تعالى: "أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"، وفي قوله تعالى: "أَوْ تَقُولُواْ إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ"، ثم عودته بعد ذلك، للإشارة إليهم بضمير الغائب: "وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ". فإنْ أشارت الآية الكريمة إلى بني آدم من جميع البشر، لقال: "لعلكم ترجعون". فقد وردت: "لعلهم" 44 مرة في القرآن الكريم، أشارت في 42 موضع منهاً إلى الجماعة التي لم تتم مخاطبتهم خطاباً مباشراً، ولم ترد: "لعلهم" إلا في الآية 174 من سورة الأعراف، وفي الآية 26 من نفس السورة للإشارة إلى الجمع الذين خوطبوا خطاباً مباشراً:
    يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (26) يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ (27) وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءنَا وَاللّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء أَتَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (28): سورة الأعراف (7).
    ففي الآية 26 من سورة الأعراف، خاطب المولى، جل شأنه، بني آدم بقوله تعالى: "أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ"، وقوله تعالى: "يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ". ولكن، بدلاً من ورود: "لعلكم تذكرون"، وهو الأسلوب الأمثل لغويا والمتبع دوماً في القرآن الكريم للإشارة إلى من يخاطبون بصورة مباشرة، قال: "لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ". فإن كان الخطاب هنا موجهاً إلى جميع الناس من بني آدم، لقال: "لعلكم تذكرون"، أسوةً بال 68 مرة التي وردت فيها: "لعلكم" في القرآن الكريم للإشارة إلى الجماعة التي تُخَاطب خطاباً مباشراً، سواء أن كان هؤلاء المخاطبون أحياءً أو أمواتاً. فهل تمثل الإشارة إلى بني آدم المباشرين بضمير الغائب في قوله تعالى: "وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ"، وفي قوله تعالى: "لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ"، خرقاً لقاعدتي: "لعلكم" و: "لعلهم" كما وردت في القرآن الكريم؟
    الإجابة بالطبع لا، لأن هذه الإشارة وردت لتبين لنا أن بني آدم المشار إليهم في هذين الموضعين كانوا أبناءه من صلبه مباشرةً أو الجيل الأول من بنيه. وقد أُشير إليهم بضمير الغائب، رغم مخاطبتهم خطاباً مباشراً، للتأكيد على أنهم ماتوا منذ زمن بعيد. أما إذا إفترضنا أن الإشارة في هذين الموضعين كانت إلى بني آدم من عامة البشر ومن جميع الأجيال، والذين ما زال بعضهم على قيد الحياة، فلابد من أن يُشار إليهم بالضمير الحاضر: "لعلكم" عندما يخاطبون خطاباً مباشراً، وإلا لكان في ذلك خرق لقاعدتي: "لعلكم" و: "لعلهم". إذاً، يمكننا القول أن بني آدم المشار إليهم في الآيات 26، 27، و 172 من سورة الأعراف، كانوا بنوه من صلبه مباشرةً، وأنهم ليسوا بنو آدم من جميع البشر.
    لابد لنا أيضاً من وقفة لتعريف آباء بني آدم الذين وصفهم القرآن الكريم بالشرك. وصفت الآية 27 من سورة الأعراف آدم وحواء بأبوي بني آدم: "يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ". ولكن الآية التي تلتها، والتي تشير إلى نفس بني آدم المخاطبين في الآية 27، وصفت آباء بني آدم بفعل الفواحش: "وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءنَا". فإذا علمنا أن بني آدم المشار إليهم في الآيات 27 و 28 و 172 من سورة الأعراف، كانوا أبناء آدم وحواء المباشرين، وإذا وصف القرآن الكريم آدم وحواء بأنهم أبوي بني آدم، فلابد أن يكون من وُصِفوا بآباء بني آدم، في الآية 28 وفي الآية 173 من سورة الأعراف، سابقين لعصر آدم وحواء، لأن الأشارة إلى هؤلاء الآباء الذين أشركوا وردت على لسان بني آدم المباشرين، ولأن القرآن الكريم وصف هؤلاء الآباء بالشرك الذي بُرئ منه آدم. فهنا لا يستقيم معنى النص إلا إذا فسر على أساس أن آدم حواء لم يكونا أول من خلق من البشر لأنه لا يمكن أن يكون آدم وحواء أبوي بني آدم في الآية 27 وآبائهما في الآية التي تليها، خاصةً وأن القرآن الكريم لم يخلط قط بين إفراد وتثنية وجمع الآباء. كما أن فعل الفواحش والشرك الذين وصف بنو آدم به آباءهما ما في هذه النصوص ليس من شمية آدم وحواء.
    كما أن النص التالي يلصق أيضاً تهمة الشرك بآدم إذا فسر على أساس قصة الهيكل الطيني:
    هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَت دَّعَوَا اللّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (189) فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (190) أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ (191): سورة الأعراف: (7).
    قال رواد التفسير أن هذه الآيات نزلت في آدم وحواء لكونهما أول من خلق من البشر. ولكن هذه التفاسير تلصق أيضاً تهمة الشرك بهما: "جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ"، "أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ". وحاول المفسرون دون جدوى إبعاد تلك التهمة عنهما، فقال بعضهم أن الحديث في الجزء المتعلق بالشرك لم يكن عن آدم وحواء، لأن الله تعالى برأهما من الشرك. بينما حاول البعض الآخر تبرير ذلك الوصف فقالوا أنه لم يكن شرك عبادة لإبليس. ووصفوه بشرك الطاعة أو شرك في الأسماء، لأنهما سميا إبنهما: "عبد الحرث"، بدلاً من: "عبد الله" أو: "عبد الرحمن" أو غيره من أسماء الله تعالى. لكن الشرك هو الشرك، ولم يميز القرآن الكريم بين شرك الأسماء وبين شرك الأفعال. ولابد لمن يحاول إلصاق تهمة الشرك بآدم، عليه السلام، والذي وصفه المولى، جل شأنه بقوله تعالى: "فَتَعَالَى اللّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ" أن يقارن ذلك الشرك بالشرك الذي وصفه القرآن في مواقع أخرى بقوله تعالى: "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ" وبقوله تعالى: "فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ" وبقوله تعالى: "سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ" في النصوص التالية:
    وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَـؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (18): سورة يونس (10).
    مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (91) عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (92): سورة المؤمنون (23).
    أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (43): سورة الطور (52).
    ولابد لنا من التروي في فهم النصوص فهماً صحيحاً بدلاً محاولة الإستدلال بأحاديث وصفت بأنها باطلة وبدلاً عن إقحام محاولات التميز بين شرك الأسماء وشرك الأفعال لتبرير شرك آدم، عليه السلام. كما أن الأيات السالفة لم تذكر أن آدم وحواء هما أول زوجين خلقهما الله تعالى، ولكن المفسرون أولوها على هذا الأساس إستناداً على قصة الهيكل الطيني.
    وكذلك يمكننا تفسير خلق الزوج من النفس الواحدة وخلق الناس من تلك النفس وزوجها في النصوص التالية على أساس تفسير الآية 189 من سورة الأعراف لأنها جميعاً تشير لذات النفس الواحدة وزوجها الذي خُلِق منها:
    يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1): سورة الأنعام (6).
    خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنزَلَ لَكُم مِّنْ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِن بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (6) سورة الزمر: (39).
    يمكننا تلخيص نتائج هذا البحث على النحو التالي: أولاً، لا يؤيد القرآن الكريم الفكرة السائدة اليوم بين المفسرين من أن الله تعالى بدأ خلق الناس بخلق نفس واحدة، والتي يرجح معظم المفسرين أنها آدم. ثانياً، ينحدر جميع الناس الذين ما زالت ذريتهم تعمر الأرض من تلك النفس الواحدة وزوجها. ثالثاً، إنحدرت تلك النفس الواحدة من ناس عاشوا قبلهما فانقرضوا وانقرضت ذرياتهم، ولم يبقى منهم اليوم إلا ذرية تلك النفس وزوجها. وربما كان إنقراض هؤلاء الناس بسبب شركهم كما تدل على ذلك الآيات 28، 172 – 174 و 189 – 191 من سورة الأعراف. أخيراً، لم يكن آدم وذريته أول من خلق من البشر، بل كانوا خلفاء لهؤلاء الناس الذين أفسدوا في الأرض وسفكوا فيها الدماء على حد قول الملائكة (راجع مقالي عن خلافة آدم (2)).
    ويجب التأكيد هنا أن التفسير الذي أوردناه في هذا البحث يجعل فهمنا لجميع نصوص خلق الرسول من أنفس المؤمنين وخلق الأزواج من أنفسها وخلق الناس من نفس واحدة متسقاً مع بعضه البعض. كما أنه ينفي تهمة الشرك عن آدم وحواء، بل ويحل معضلة قول المفسرين أن آدم وحواء هما أبوا وآباء بني آدم في نفس الوقت. لا يقتصر الأمر على هذه النصوص فقط، بل أن التفاسير التقليدية لنصوص خلق الإنسان كلها تواجه عقبات كأداء أقر بها رواد التفسير أنفسهم، بيد أنهم أو المحدثين من المفسرين لم يستطيعوا تخطيها. فإن لم تكن المعارف التي تمكننا من فهم نصوص الخلق فهماً صحيحاً متاحةً لرواد التفسير فلماذا يتمسك اليوم المحدثون بهذه التفاسير البالية؟ ألا يحق لنا أن نقف إجلالاً لهذا الكتاب العظيم والذي تكشف لنا العلوم الحديثة كل يوم سراً جديداً من أسراره؟ أليس من واجبنا أن نطور فهمنا لكتاب الله المنزه عن الباطل بتطور العلوم والمعارف التي يتناولها؟ ولكن، ما علاقة التفسير الذي أوردناه في هذا البحث بالمعارف الحديثة؟
    يتم خلق نوع جديد بالتطور عندما لم يتمكن أفراد ذلك النوع الجديد من التكاثر مع بقية أفراد النوع القديم الذي كانوا ينتمون إليه. ولنأخذ المثال التالي لشرح هذه الفكرة: تخيل أن مجموعة من الأرانب تعيش في منطقة ما. تخيل أيضاً أنه على الرغم من بعض الإختلافات في ألوان أفرادها إلا أن اللون الأبيض يغلب عليها لأن التربة في ذلك المكان تميل إلى البياض. تخيل حدوث بركان في المنطقة أو أي كارثة طبيعية أخرى أدت إلى الفصل بين أفراد تلك المجموعة، إذ عاش بعضها في المنطقة البركانية والتي أصبحت تربتها سوداء بفعل البركان بينما واصل البعض الآخر عيشه في المنطقة ذات التربة البيضاء والتي لم يصلها البركان. بالطبع سيكون لون الأرانب في التربة البركانية في بادئ الأمر شبيها بلون مثيلاتها في التربة البيضاء. تخيل أن هناك صقراً يفترس هذه الأرانب في المكانين. سيجد هذا الصقر أن صيد الأرانب في التربة البركانية أصبح أكثر سهولةً لأن لونها الأبيض لا يمكنها من التخفي. وسوف يستمر الصقر في صيد أكبر عدد من الأرانب ذات اللون الأبيض في هذه التربة بينما يصعب عليه صيد الأرانب ذات اللون الداكن لكونها أكثر تمكناً من التخفي لأن لون بشرتها يتسق مع لون التربة.
    مع مرور الزمن (بعد حوالي عشرين جيلاً أو أكثر) يمكننا ملاحظة أن لون الأرانب في هذه المنطقة صار مختلفاً تماماً عن لونها في المنطقة الأخرى نسبةً للنقصان الذي حدث في عدد الأرانب البيضاء ونسبة لتكيفها مع البيئة الجديدة. وإذا إستمرت العزلة بين الأرانب في المنطقتين فسوف تتواءم كل مجموعة مع بيئتها ويتم توريث الصفات التي إكتسبتها كل منهما نتيحة ذلك التلاؤم لأطفالها. وتبدأ التركيبة الجينية والصفات الموروثة بينهما في الإختلاف شيئاً فشيئا (اللون، الحجم، طرق تخفيها من الحيوانات المفترسة، الصوت، حجم المجموعة الأسرية، الغذاء، ودواليك). وسوف يأتي اليوم الذي لو رأى فيه أحد الأرانب الذي ينتمي إلى إحدى هاتين المجموعتين أرنباً ينتمي إلى المجموعة الأخرى فلن يخطر بباله أنهما ينتميان إلى نفس النوع. وعندما تختلف التركيبة الجينية لكل مجموعة (بعد مئات أوآلاف الأجيال) بحيث لا يتمكن أفراد أيٍ من المجموعتين من التكاثر مع أفراد المجموعة الأخرى نقول أن نوعاً جديداً قد تطور من ذلك النوع القديم.
    وعلى الرغم من وجود العديد من أوجه الإختلاف الظاهرية بين هذين النوعين إلا أن النوع الذي تطور حديثاً سوف يشبه في تركيبته الجينية النوع القديم في بادئ الأمر، حيث يقترب التشابه بين جيناتهما في ذلك الوقت من نسبة ال 99%. فسوف يورث هذا النوع الجديد ذو اللون الداكن من النوع الأصل جميع الصفات ذات الصلة بشكل ووظيفة الأجهزة الداخلية (الهيكل العضمي الجهاز العصبي والهضمي والدورة الدموية)، بل وجميع الأعضاء الداخلية (القلب، الرئتين، الكبد وغيرها من الأعضاء). كما سوف يورث هذا النوع الجديد الشكل العام والأعضاء الخارجية، مثل الأطراف والمظهر العام، من النوع الأصل، وذلك بسبب الجينات المثَّيتة التي ورثها ذلك النوع الجديد من أسلافه. ومع مرور الزمن سوف تتراكم الإختلافات الجينية بين النوعين وتتطور أنواع جديدة من كلٍ منهما أو ينقرض أحدهما أو كليهما بعد بعض ملايين السنوات. ولكن ما علاقة التطور بتفسير نصوص خلق الأزواج من أنفسها وبخلق الإنسان من النفس الواحدة وزوجها؟
    قد لا يخفى على القارئ الكريم أن التفسير الذي أوردنا في هذا المقال عن خلق الأزواج من أنفسها وعن خلق الإنسان من النفس الواحدة وزوجها يتسق تماماً مع ما ورد في نظرية التطور عن خلق الأنواع. فالنفس الواحدة وزوجها كانا ضمن مجموعة إنسانية تطورت من حيوانات أخرى كانت كثيرة الشبه بالإنسان، بنفس الطريقة التي تتطورت بها الأرانب في المثال الذي سقناه سابقاً في هذا المقال، لتكون أول مجموعة إنسانية ظهرت على حيز الوجود. وقد كانت هذه المجوعة الإنسانية صغيرة العدد نسبياً، ولم تتمكن ذرياتهم من الإستمرار ما عدا ذرية تلك النفس الواحدة وزوجها. وهذا ما يدل عليه قوله تعالى: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا" في سورة الأنعام، وفي قوله تعالى: "هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا" في سورة الأعراف، وفي قوله تعالى: "خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا" في سورة الزمر. ويدل خلق جميع الناس من النفس الواحدة على الإنقراض الكامل لذريات الأنفس التي عاشت مع وقبل تلك النفس وزوجها. وبذا يتضح لنا أيها القارئ الكريم أن الفهم الصحيح للقرآن الكريم يتفق تماماً مع ما ورد في العلوم الحديثة عن خلق الإنسان. ولا يتأتى مثل هذا الفهم إلا إذا استنرنا بمنهج تفسير القرآن الكريم بالبحث فيه ونبذنا منهج تفسيره بأحاديث إختلطت بالإسرائيليات.
    المراجع:
    https://http://http://www.youtube.com/watch?v=yHvPygp5YdYwww.youtube.com/watch?v=yHvPygp5YdYhttp://http://www.youtube.com/watch?v=yHvPygp5YdYwww.youtube.../watch?v=yHvPygp5YdY
    https://docs.google.com/viewer?a=vandpid=sitesandsrcid=ZGVmYXVsdGRvbWFpbnxhYmRlbHdhaGFic2lubmFyeXxneDoyYmJmZGNjNDg4N2MyMTZj
    https://http://http://www.facebook.com/groups/mankindinquranwww.facebook.com/groups/mankindinquranhttp://http://www.facebook.com/groups/mankindinquranwww.face...roups/mankindinquran
    https://http://http://www.facebook.com/sinnaryabdelwahabwww.facebook.com/sinnaryabdelwahabhttp://http://www.facebook.com/sinnaryabdelwahabwww.facebook...om/sinnaryabdelwahab
    http://abdelwahabsinnary.blogspot.com/http://abdelwahabsinnary.blogspot.com/http://abdelwahabsinnary.blogspot.com/http://abdelwahabsinnary.blogspot.com/

    (عدل بواسطة عبد الوهاب السناري on 02-22-2015, 06:02 PM)

                  

العنوان الكاتب Date
هل يؤيد القرآن الكريم نظرية التطور عبد الوهاب السناري02-22-15, 05:58 PM
  Re: هل يؤيد القرآن الكريم نظرية التطور عبد الوهاب السناري02-22-15, 06:01 PM
    Re: هل يؤيد القرآن الكريم نظرية التطور سيف ود الخواجة02-22-15, 08:17 PM
      Re: هل يؤيد القرآن الكريم نظرية التطور عبد الوهاب السناري02-22-15, 10:20 PM
        Re: هل يؤيد القرآن الكريم نظرية التطور عبد الوهاب السناري02-23-15, 04:23 PM
  Re: هل يؤيد القرآن الكريم نظرية التطور Salah Habib02-23-15, 04:29 PM
    Re: هل يؤيد القرآن الكريم نظرية التطور عبد الوهاب السناري02-23-15, 06:27 PM
      Re: هل يؤيد القرآن الكريم نظرية التطور مصطفى الجيلي02-23-15, 08:24 PM
      Re: هل يؤيد القرآن الكريم نظرية التطور محمد عثمان الحاج02-23-15, 08:26 PM
        Re: هل يؤيد القرآن الكريم نظرية التطور محمد عثمان الحاج02-23-15, 08:31 PM
          Re: هل يؤيد القرآن الكريم نظرية التطور محمد عثمان الحاج02-23-15, 08:38 PM
            Re: هل يؤيد القرآن الكريم نظرية التطور عبد الوهاب السناري02-24-15, 12:39 PM
  Re: هل يؤيد القرآن الكريم نظرية التطور منتصر عبد الباسط02-24-15, 01:03 PM
    Re: هل يؤيد القرآن الكريم نظرية التطور عبد الوهاب السناري02-24-15, 02:24 PM
      Re: هل يؤيد القرآن الكريم نظرية التطور HAIDER ALZAIN02-24-15, 03:10 PM
        Re: هل يؤيد القرآن الكريم نظرية التطور عبد الوهاب السناري02-24-15, 03:34 PM
          Re: هل يؤيد القرآن الكريم نظرية التطور عبد الوهاب السناري02-24-15, 04:51 PM
          Re: هل يؤيد القرآن الكريم نظرية التطور سيف اليزل برعي البدوي02-24-15, 04:54 PM
            Re: هل يؤيد القرآن الكريم نظرية التطور سيف اليزل برعي البدوي02-24-15, 04:55 PM
              Re: هل يؤيد القرآن الكريم نظرية التطور عبد الوهاب السناري02-24-15, 06:01 PM
                Re: هل يؤيد القرآن الكريم نظرية التطور هشام آدم02-24-15, 07:32 PM
                  Re: هل يؤيد القرآن الكريم نظرية التطور عبد الوهاب السناري02-24-15, 08:32 PM
                    Re: هل يؤيد القرآن الكريم نظرية التطور هشام آدم02-25-15, 11:45 AM
                      Re: هل يؤيد القرآن الكريم نظرية التطور سيف اليزل برعي البدوي02-25-15, 02:35 PM
                        Re: هل يؤيد القرآن الكريم نظرية التطور سيف اليزل برعي البدوي02-25-15, 02:54 PM
                      Re: هل يؤيد القرآن الكريم نظرية التطور عبد الوهاب السناري02-25-15, 07:17 PM
                        Re: هل يؤيد القرآن الكريم نظرية التطور عبد الوهاب السناري02-25-15, 07:20 PM
  Re: هل يؤيد القرآن الكريم نظرية التطور Badreldin02-25-15, 06:48 PM
    Re: هل يؤيد القرآن الكريم نظرية التطور هشام آدم02-25-15, 09:13 PM
      Re: هل يؤيد القرآن الكريم نظرية التطور علاء سيداحمد02-25-15, 10:33 PM
  Re: هل يؤيد القرآن الكريم نظرية التطور منتصر عبد الباسط02-25-15, 10:56 PM
  Re: هل يؤيد القرآن الكريم نظرية التطور منتصر عبد الباسط02-25-15, 11:11 PM
    Re: هل يؤيد القرآن الكريم نظرية التطور هشام آدم02-26-15, 00:16 AM
      Re: هل يؤيد القرآن الكريم نظرية التطور سيف اليزل برعي البدوي02-26-15, 00:47 AM
        Re: هل يؤيد القرآن الكريم نظرية التطور سيف اليزل برعي البدوي02-26-15, 00:48 AM
          Re: هل يؤيد القرآن الكريم نظرية التطور سيف اليزل برعي البدوي02-26-15, 00:49 AM
            Re: هل يؤيد القرآن الكريم نظرية التطور سيف اليزل برعي البدوي02-26-15, 00:50 AM
              Re: هل يؤيد القرآن الكريم نظرية التطور سيف اليزل برعي البدوي02-26-15, 01:11 AM
                Re: هل يؤيد القرآن الكريم نظرية التطور سيف اليزل برعي البدوي02-26-15, 01:20 AM
                  Re: هل يؤيد القرآن الكريم نظرية التطور عبد الوهاب السناري02-26-15, 03:02 AM
                    Re: هل يؤيد القرآن الكريم نظرية التطور عبد الوهاب السناري02-26-15, 02:24 PM
                      Re: هل يؤيد القرآن الكريم نظرية التطور عبد الوهاب السناري02-27-15, 03:02 PM
  Re: هل يؤيد القرآن الكريم نظرية التطور منتصر عبد الباسط02-26-15, 03:38 PM
    Re: هل يؤيد القرآن الكريم نظرية التطور سيف اليزل برعي البدوي02-26-15, 04:05 PM
      Re: هل يؤيد القرآن الكريم نظرية التطور سيف اليزل برعي البدوي02-26-15, 04:07 PM
  Re: هل يؤيد القرآن الكريم نظرية التطور منتصر عبد الباسط02-26-15, 05:26 PM
    Re: هل يؤيد القرآن الكريم نظرية التطور سيف اليزل برعي البدوي02-26-15, 08:10 PM
      Re: هل يؤيد القرآن الكريم نظرية التطور علاء سيداحمد02-26-15, 11:33 PM
        Re: هل يؤيد القرآن الكريم نظرية التطور عبد الوهاب السناري02-27-15, 09:35 AM
          Re: هل يؤيد القرآن الكريم نظرية التطور عبد الوهاب السناري02-27-15, 04:00 PM
            Re: هل يؤيد القرآن الكريم نظرية التطور عبد الوهاب السناري02-28-15, 07:44 AM
              Re: هل يؤيد القرآن الكريم نظرية التطور عبد الوهاب السناري03-01-15, 02:03 PM
                Re: هل يؤيد القرآن الكريم نظرية التطور عبد الوهاب السناري03-04-15, 09:36 AM
                  Re: هل يؤيد القرآن الكريم نظرية التطور سيف اليزل برعي البدوي03-18-15, 02:17 PM
                    Re: هل يؤيد القرآن الكريم نظرية التطور سيف اليزل برعي البدوي03-18-15, 02:20 PM
                    Re: هل يؤيد القرآن الكريم نظرية التطور سيف اليزل برعي البدوي03-18-15, 02:20 PM
                      Re: هل يؤيد القرآن الكريم نظرية التطور سيف اليزل برعي البدوي03-18-15, 05:00 PM
                        Re: هل يؤيد القرآن الكريم نظرية التطور عبد الوهاب السناري03-23-15, 02:15 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de