ترى متى التقيا ؟ وأيهما حل بهذه الديار قبل قرينه ؟ لا يهم فهما الآن قرينان حميمان، يتكئ أحدهما على كتف الآخر فى حميمية سافرة، تمتزج فى لهاة كل منهما أغنيات بطعم الطين ونكهة الشمس الصبية التى تفتح فى كل صباح نافذتها الذهبية وتومئ بعينيها لتعلن افتتاح سيمفونية الضياء، أهى غواية ام هداية، تلك التى تخرج من بين القلب والروح لتسيح فى الطرقات غير آبهة بهتاف الطير وبسملة العابرين. يهمس الأزرق وهو مبتسم فى سعادة مشرعة، أن الإله وفى لحظة تجل خضراء، اهدى الأرض طفلة خضراء الدم واسعة العينين، وتخير لحظة ذلك القرآن الأبدى المقدس لتكون باحة لرقصها، وبعد أسبوع من تلك اللحظة المعطرة، عقدت العزم على أن تسمى ذاتها "توتى" ربما استشرافا لمقدم اولئك القوم بعد حين من الشوق، انصاف آلهة لا يأبهون كثيرا بنبوءات الوقت قدرما يعشقون خضرة الأرض، ويقال فى اساطير العاشقين، أن كل واحد منهم، يحمل نهره الخاص داخل جيب روحه تحسبا لمواسم الجفاف المحفوظة عمدا فى كتب الوجل ومراسيل اليباس، قررت أن تسمى نفسها ذلك الإسم وكان القرينان شاهدى مسرة لا يملان النظر الى عينيها، وكأنهما مستودعان لأسرار الملائكة، كأنهما مأوى القادمين العاشقين، يهمس الأزرق فى كل أمسية بتلك الحكاية، ولا يمل الأبيض سماعها بل ينتظر بفارغ الحب أن تنتهى ليبدأ هو فى سرد اسفار السنين البيضاء التى لا تعشق سوى اللون الأسود، سيد الألوان وإمامها الوقور. ترى متى التقيا؟ يقال أنهما وحين حانت ساعة اللقاء، ارتديا حللا مزينة بأسماء "الجروف" الحسنى كناية عن بطر المحبة فيهما وتعطرا بما تبقى من رائحة الطين السماوى، ذلك الذى أتى فى رفقة الأسماء حين هبوطها من عروشها البعيدة. استحالت العروق شوارعا نبتت فيها أشجار المودة وتمايلت على جنباتها سنابل الحب تشهر تقاويم السنين وتؤسس ممالك الحياة، الحياة فى نسختها التى نقحتها ريشة الخالق ذات لقيا، ذات قران. جاء القوم واندغموا مع حراس العرس يمينا وشمالا، ونادى مناد أن حى على البقاء، حى على المحبة والنماء، حضروا جميعا ليباركو ذلك القران البهيج، زرعوا الصلوات فى جسد الإبتهال وغرسوا الأغنيات عميقا فى مهجة المكان ومثل حبات مسبحة لا تمل من الصعود وهى تتأبط سامق الدعاء، ومن النزول وهى تدندن ببذخ وعلة الأسماء، كرت السنون وتسابقت الأيام صوب مشرق الأرواح ومقاعد القلوب المحتشدة بماء لا يظمأ بعده شهيق الأرض وزفير السماء. ثم جاء من قلب الجزيرة نور يسعى، جلس ما بين القرينين وبدأ فى تلاوة اوراد الحضور وأناشيد الحبور المضيئ، جلست الأشجار مثل "حيران" تحتضن "ليحان" اخضرارها المكين، وبدأت تهتف: مدد مدد مدد يا خشن، مدد مدد مدد يا ارباب، وبدأ الأرباب يؤذن فى العالمين، فأتوه من كل فج عميق، من كل موئل رحيب، وتشكل جنين المحبة فى رحم الأرض، ليخرج بعد حين يكلم الناس فى الأرض، وضحك القرينان حتى ظهرت نواجذ موجهما، وتعانقا فى وصل ينهض من الأرض ليلامس بوابات السماء، يخبر العابرين ويمد لهم نارهم، دفئا وضياء.
ثم نمت واستطالت غرسة الشغف الصبية وتفتحت فيها وردة اللقاء تداعبها الشمس فى كل صباح وتكتب على خديها تذكارا صباحيا بهيا تصحو الشارع والدروب ثم تحلق عاليا لتهمس أسرار العابرين فى اذن الغيمة، وتقفل عائدة من جديد لتمضى عميقاً فى خبايا الموئل الجديد بدت أقدام الخلق مثل أجنحة تلغى تماما لهف الخطوات لتتحول إلى احتضان الهواء وهى على يقين بأن الخطوات لا تقنع بما ييسره التراب من مواطئ حياة. ما الذى يجرى هناك إذا؟ فى قلب التيه المسيطر وفى ما يسيل من فم الوقت من تزاحمت الأكتاف لتغمر عجلة الزمان وتروض وحشة المكان. تفتحت وردة النداء انداحت مياه القرينين تعمد الأرض وتصادق السماء وسرت فى اوردة القادمين العابدين العابرين والعاشقين
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة