عادة ما كانوا يسألونني كيف استطاعت تلك الصداقة أن تنجح في هذا الزمن "البائس"

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-06-2024, 03:25 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثانى للعام 2014م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
06-04-2014, 01:11 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عادة ما كانوا يسألونني كيف استطاعت تلك الصداقة أن تنجح في هذا الزمن andquot;البائسandquot; (Re: عبد الحميد البرنس)

    كان ثمة اتفاق, ما بين ماركيز والفارو موتيس, على ألا يكتب أحدهما عن الآخر, ولكننا ندرك جيدا أن الصديقين لا يصلحان لعمل شيء آخر في هذا العالم سوى الكتابة, والمأزق هنا أن يمتنع أحدهما عن الكتابة طوعا عن أمر من أمور هذا العالم, أمر حميم كالصداقة, فهذا يعني بداية المعناة من دبيب صراصير نشطة أعلى الغدة الدرقية. هكذا, بلا اتفاق تم تحطيم ذلك الاتفاق بينهما, حيث كتب الفارو موتيس نص "ما أعرفه عن غابريال", بينما قدم ماركيز نص "صديقي موتيس":


    Quote: توصلت أنا وألفارو موتيس إلى الاتفاق على عدم تحدث أحدنا عن الآخر في العلن، سواء بالخير أو الشر، كلقاح ضد حصبة المديح المتبادل. ومع ذلك، ومنذ عشر سنوات بالضبط، وفي هذا المكان بالذات، خرق هو اتفاق السلامة الاجتماعية ذاك، لمجرد أن الحلاق الذي أوصيته بالتعامل معه لم يعجبه. وقد انتظرت منذ ذلك الحين الفرصة لآكل طبق الانتقام بارداً، وأظن انه ليست هناك مناسبة أكثر ملاءمة من هذه. لقد روى ألفارو يومذاك كيف عرّف غونثالو مايّارينو أحدنا على الآخر في مدينة كارتاخينا الحالمة سنة 1949 وكان يبدو أن ذلك اللقاء هو الأول بيننا بالفعل، إلى أن سمعته في مساء أحد الأيام، قبل ثلاث أو أربع سنوات، يقول بصورة عرضية شيئاً ما عن فيلكس مينديلسون. فكان ذلك وحياً أعادني فجأة إلى سنواتي كطالب جامعي، في قاعة الموسيقى المقفرة في مكتبة بوغوتا الوطنية التي كنا نلوذ بها نحن من لا نملك خمسة سنتات لندرس في المقهى. وبين زبائن المساء القليلين في قاعة الموسيقى، كنت أكره واحداً له أنف هائل، وحا######## تركيان، وجسد ضخم، ينتعل حذاء صغيراً مثل حذاء بوفالو بيل. يدخل في الساعة الرابعة مساء بالضبط ودون تخلف، ويطلب عزف كونشيرتو الكمان لمينديلسون. وكان لابد من مرور أربعين سنة، حتى ذلك اليوم في بيتي في مكسيكو، لكي أتعرف فجأة على الصوت المتحشرج، وعلى قدمي الطفل يسوع، وعلى اليدين المرتجفتين غير القادرتين على إدخال إبرة في عين جمل. فقلت له مهزوماً «يا للعنة. لقد كنتَ أنت إذن». الشيء الوحيد الذي أسفت له هو أنني لا أستطيع أن أجعله يدفع ثمن الحقد المؤجل، لأننا كنا قد ابتلعنا معاً كميات كبيرة من الموسيقى، بحيث لم يعد أمامنا سبل للتراجع. وهكذا بقينا صديقين، على الرغم من الهوة العميقة المفتوحة في وسط ثقافته الواسعة، والتي ستفصل بيننا إلى الأبد: متمثلة في عدم حبه لموسيقى البوليرو الشعبية. لقد عانى ألفارو مخاطر كثيرة في مهنه الغريبة التي لا حصر لها. ففي الثامنة عشرة، من عمره، عندما كان يعمل مذيعاً في إذاعة «راديو ناسيونال»، انتظره رجل غيور مسلح عند الناصية، معتقداً أنه ضبط رسائل مشفرة موجهة إلى زوجته في التقديم الذي يرتجله ألفارو في برامجه. وفي مناسبة أخرى، خلال حفل رسمي مهيب في هذا القصر الرئاسي بالذات، خلط بين سياسيين كبار يحملان اللقب نفسه وقلبهما رأساً على عقب. ثم أخطأ في ما بعد، أثناء عمله كخبير علاقات عامة، في الفيلم الذي سيعرضه في اجتماع خيري. فبدلاً من أن يعرض فيلماً وثائقياً عن أطفال أيتام، عرض على سيدات المجتمع الطيبات فيلماً كوميديا بورنوغرافية عن راهبات وجنود، مُقَنع بالعنوان البريء الزائف: «زراعة البرتقال». وقد عمل أيضاً مسؤول علاقات عامة في شركة طيران انتهت إلى الإغلاق عندما سقطت طائرتها الأخيرة. وكان وقت ألفارو يضيع في تحديد هوية الجثث، لكي ينقل الخبر إلى ذوي الضحايا قبل أن تنقله إليهم الصحف. فكان الأقارب الغافلون يفتحون الباب معتقدين أن السعادة هي التي تطرقه، وبمجرد أن يتعرفوا على وجه القادم ينهارون مصعوقين وهم يطلقون صرخة حزن. وفي وظيفة أخرى أكثر لطفاً، كان عليه أن يُخرج من فندق في بارانكيا الجثة البديعة لأغنى رجل في العالم. أنزله بوضع عمودي في مصعد الخدمة داخل تابوت اشتري على عجل من محل مأتمي عند الناصية. وقد قال للنادل الذي سأله عمن في التابوت: «إنه السيد المطرانس». وفي مطعم في مكسيكو، حيث كان يتكلم صارخاً، حاول زبون على طاولة مجاورة أن يعتدي عليه، ظناً منه أنه هو بالفعل والتر وينتشل، الشخصية الشريرة في مسلسل «الأبرياء» الذي كان ألفارو يشارك في دبلجته للتلفزيون. وطوال ثلاث وعشرين سنة من عمله كبائع أفلام معلبة لأميركا اللاتينية، دار حول العالم سبع عشرة مرة دون أن يغير أسلوبه في الحياة. ما قدرته فيه منذ الأزل هو أريحيته كمعلم مدرسة، وتمتعه بميل طبيعي ضارٍ إلى هذه المهنة التي لم يستطع ممارستها بسبب رذيلة البلياردو اللعينة. ليس هناك كاتب ممن أعرفهم يهتم قدر اهتمامه بالآخرين، وخصوصاً اليافعين منهم. فهو يحثهم على التعلق بالشعر رغم أنف آبائهم، ويفسدهم بكتب سرية، وينومهم مغناطيسياً بطلاوة لسانه، ثم يلقي بهم ليتدحرجوا في العالم، مقتنعين بأنه يمكن للمرء أن يصبح شاعراً دون الوقوع في التجربة. ليس هناك من استفاد من فضيلته ضئيلة القيمة هذه أكثر مني. لقد رويت في مناسبة سابقة أن ألفارو هو من قدم إلي أول نسخة من رواية « بيدرو بارامو» قائلاً لي: «خذ، لكي تتعلم». ولم يتصور قط أين حشر نفسه. فبقراءتي لرواية خوان رولفو لم أتعلم الكتابة بطريقة أخرى وحسب، وإنما تعلمت كذلك أن تكون لدي على الدوام قصة أخرى مختلفة لكي أروي ما أكون منكباً على كتابته. وضحيتي المطلقة في نظام النجاة ذاك كان ألفارو موتيس نفسه منذ أن كتبت «مئة عام من العزلة». ففي كل ليلة تقريباً كان يأتي إلى بيتي طوال ثمانية عشر شهراً، لكي أروي له الفصول الناجزة من الرواية، وبهذه الطريقة كنت أرصد ردود فعله، مع أن القصة التي أرويها له ليست هي نفسها التي أكتبها. وكان هو يستمع بحماس شديد ويواصل رواية ما رويته له أينما ذهب، مضيفاً إليه تصحيحات وزيادات من عنده. وكنت استحوذ في أحيان كثيرة على إضافاته تلك عندما يروي لي أصدقاؤه في ما بعد القصة مثلما رواها لهم ألفارو. وحين أنهيت مسودة الكتاب الأولى أرسلتها إليه في بيته. وفي اليوم التالي اتصل بي حانقاً وصرخ بي: «لقد جعلتني أبدو مثل ###### أمام أصدقائي. فهذا الشيء المكتوب لا علاقة له بما رويته ليس.» لقد صار منذ ذلك الحين أول قارئ لمخطوطات رواياتي. أحكامه شديدة الفجاجة، ولكنها شديدة العقلانية أيضاً. وأنا نفسي لا أستطيع أن أقدر كم يوجد منه في كتبي كلها تقريباً، ولكنني أقول إن هناك الكثير. كثيراً ما يسألوني كيف أمكن لهذه الصداقة أن تزدهر في أزمنة الخراب هذه. والجواب بسيط: فأنا وألفارو لا نلتقي إلا قليلاً جداً، ومن أجل أن نكون صديقين فقط. فمع أننا عشنا في مكسيكو أكثر من ثلاثين سنة، وكنا جارين تقريباً، فإن لقاءاتنا هناك كانت أقل من أي مكان آخر. فعندما أريد رؤيته، أو يريد هو رؤيتي، نتصل هاتفياً للتأكد من أن كل منا يريد رؤية الآخر. ولم أخرق قاعدة الصداقة الأساسية هذه سوى مرة واحدة، وقدم لي ألفارو آنذاك دليلاً بالغاً على نوعية الصديق الذي يمكن له أن يكونه. وقد حدث ذلك كما يلي: كنت مشبعاً بخمرة التيكيلا عندما طرقت مع صديق عزيز جداً، في الساعة الرابعة فجراً، باب الشقة التي كان يتحمل فيها ألفارو حياته الحزينة كعازب متقيد بالسلوك القويم. ودون أن نقدم له أي تفسير، وأمام عينيه اللتين مازالتا غائمتين بالنعاس، انتزعنا لوحة مائية بديعة لبوتيرو، طولها متر وعشرون سنتيمتراً وعرضها متر، وأخذناها دون تقديم تفسيرات، وفعلنا بها ما شئناه. لم يقل لي ألفارو كلمة واحدة حول ذلك الاعتداء، ولم يحرك إصبعاً ليعرف ما الذي جرى للوحة، وكان علي أن أنتظر حتى هذه الليلة التي نحتفل فيها بسنواته السبعين الأولى لكي أعرب له عن ندمي. عامل آخر دعم هذه الصداقة هو أن معظم المرات التي كنا فيها معاً، جرت ونحن على سفر. فكان ذلك يتيح لنا الاهتمام بالآخرين وبأشياء أخرى في معظم الوقت، دون أن يهتم أحدنا بالآخر إلا عندما يكون هناك ما هو جدير بذلك فعلاً. لقد كانت دروب أوروبا اللانهائية بالنسبة لي هي جامعة الفنون والآداب التي لم أدرس فيها قط، فمن برشلونة إلى إكس ـ آن ـ بروفانس تعلمت أكثر من ثلاثمئة كيلومتر عن هراطقة القرنين الحادي والثاني عشر وبابوات افينيون. وكذلك الأمر في الإسكندرية كما في فلورنسا، وفي نابولي كما في بيروت، وفي مصر كما في باريس. ومع ذلك، فإن أكثر الدروس التي تعلمتها منه غموضاً في رحلاتنا الجنونية، كانت عبر الريف البلجيكي المخلخل بضباب أكتوبر ورائحة البراز البشري المنثور في الأراضي المستريحة التي هُجرت لتوها. كان ألفارو قد قاد السيارة طوال أكثر من ثلاث ساعات، بصمت مطبق، وإن كان لا أحد يصدق ذلك. ثم قال فجأة: «بلاد دراجين وصيادين عظماء». ولم يوضح لنا قط ما الذي عناه بقوله، ولكنه اعترف لنا بأنه يحمل في داخله مخبولاً عملاقاً، كثيف الشعر وسائل اللعاب، يفلت في لحظات سهوه عبارات مثل تلك، ولا يتورع عن عمل ذلك في أشد الزيارات خصوصية، وحتى في القصور الرئاسية، وأنه يتوجب عليه أن يوقفه عند حده وهو يكتب، لأنه يصاب بمس من الجنون، ويأخذ بالتخبط والرفس متلهفاً ليصحح له ما يكتب. على الرغم من ذلك كله، فإن أفضل الذكريات عن تلك المدرسة الجوالة لم تكن دروسها، وإنما فُسح الراحة بين الدروس. ففي باريس، وبينما نحن ننتظر انتهاء زوجتينا من الشراء، جلس ألفارو على درجات مدخل كافيتريا كثيرة الرواد، ولوى رأسه نحو السماء، وأظهر بياض عينيه، ومد يده المرتعشة كمتسول، فقال له رجل متأنق بتأنق الفرنسيين التقليدي: «من الوقاحة أن تطلب صدقة وأنت ترتدي مثل هذه الكنزة الكشميرية»، ولكنه منحه فرنكاً. وخلال أقل من خمس عشرة دقيقة جمع أربعين فرنكاً. وفي روما، في بيت فرانسيسكو روسي، نوّم كلاً من فيلليني، ومونيكا فيتي، وأليدا فاللي، وألبيرتو مورافيا، صفوة وجوه السينما والأدب الإيطاليين، وأبقاهم معلقين في ترقب طوال ساعات، وهو يروي لهم قصصه المريعة عن مقاطعة كينيرو الكولومبية بلغة إيطالية ابتدعها هو نفسه، لا وجود فيها لكلمة إيطالية واحدة. وفي أحد بارات برشلونة، ألقى قصيدة بصوت نيرودا وخموده، وكان هناك شخص سمع يوماً إلقاء نيرودا شخصياً، فطلب منه أن يوقع له أوتوغرافاً معتقداً أنه نيرودا نفسه. وهناك سطر من شعره أثار في نفسي القلق مذ قرأته: «الآن أعرف أنني لن أعرف اسطنبول أبداً». إنه بيت شعر غريب لدى شخص يؤمن بالنظام الملكي إيماناً لا خلاص منه، ولم ينطق في حياته قط اسم اسطنبول وإنما بيزنطة، مثلما لم يقل قط لينينجراد، بل سان بطرسبورج، قبل وقت طويل من أن يبين التاريخ أنه كان على حق. ولست أدري لماذا راودني التكهن بأنه علينا أن نعزم على بيت الشعر ذاك بالتعرف على اسطنبول. وهكذا أقنعته بأن نذهب في سفينة بطيئة، مثلما هو الحال عندما يريد المرء أن يتحدى القدر. ولكنني لم أجد مع ذلك لحظة واحدة من الطمأنينة طوال الأيام الثلاثة التي أمضيناها هناك، إذ كنت مذعوراً من القدرة المنذرة للشعر. واليوم فقط، عندما صار ألفارو شيخاً في السبعين وصرت أنا طفلاً في السادسة والستين، أتجرأ على القول إنني لم أقم بتلك الرحلة لكي أهزم بيتاً من الشعر، وإنما لأعارض الموت. والمرة الوحيدة على أي حال، التي اعتقدت فيها حقاً أنني على وشك الموت، كنت فيها مع ألفارو أيضاً. كنا نمضي في السيارة عبر إقليم بروفانس المنير، عندما انقض علينا فجأة سائق مجنون آت من الاتجاه المعاكس. لم أجد مفراً من تدوير المقود بسرعة إلى اليمين، ولا وقت لأنظر أين سنسقط. وراودني للحظة الإحساس بأن المقود لا يستجيب لي في الفراغ. كانت كارمن وميرثيديس في المقعد الخلفي كالعادة، وقد انقطعت أنفاسهما إلى أن استقرت السيارة مثل طفل على منحدر حقل كرمة ربيعي. الشيء الوحيد الذي أتذكره من تلك اللحظة هو وجه ألفارو في المقعد المجاور، وهو ينظر إلي قبل ثانية واحدة من لحظة الموت بملامح مشفقة كمن يريد أن يقول: «ما الذي يفعله هذا النذل!». تعابير ألفارو الفظة هذه لا تفاجئنا كثيراً نحن الذين عرفنا أمه كارولينا خارامييو وعانينا منها، إنها امرأة جميلة مهووسة لم تنظر إلى مرآة منذ بلوغها العشرين، لأنها بدأت ترى بأنها تبدو مختلفة عما تشعر بأنها عليه. وحين صارت جدة متقدمة في السن، واصلت التنقل على دراجة وهي ترتدي ملابس صياد، لتزرق الحقن مجاناً في مزارع السهب الكولومبي. وفي إحدى الليالي في نيويورك، طلبتُ منها أن تبقى للسهر على ابني ذي الأربعة عشر شهراً ريثما نذهب إلى السينما. فنبهتنا هي بكل جدية إلى أن نكون حذرين، لأنها أقدمت على معروف مماثل في مانيثاليس بالبقاء مع طفل لا يكف عن البكاء، فاضطرت إلى إسكاته بحلوى توت مسممة. ومع ذلك، عهدنا إليها بالطفل في يوم آخر في مخازن ماسيس، وعندما رجعنا وجدناها وحيدة. وبينما كان رجال الأمن يبحثون عن الطفل، حاولت هي مواساتنا بالجدية الضبابية نفسها التي يبديها ابنها: «لا تقلقوا. لقد ضاع مني ألفارو في بروكسل عندما كان في السابعة، وها أنتم ترون الآن كيف أنه على ما يرام». إنه على ما يرام بالطبع، ما دام نسخة مثقفة ومضخمة عنها، ومعروف في نصف الكوكب، ليس بفضل شعره بقدر ما هو بفضل كونه أكثر الرجال لطفاً في العالم. فأينما حل يخلف أثراً لا يُنسى من مبالغته الجنونية، وولائمه الانتحارية، عباراته الفجة العبقرية. ونحن فقط، من نعرفه ونحبه أكثر من الجميع، نعرف أنها ليست أكثر من حركات متصنعة لإفزاع أشباحه. ولا يمكن لأحد أن يتصور ما هو الثمن الباهظ الذي دفعه ألفارو موتيس من أجل نكبة أن يكون لطيفاً. لقد رأيته مستلقياً على صوفا، في عتمة بيته الصغير، مع كآبة ضمير لا يمكن أن يحسده عليها أي واحد من مستمعي شعره في الليلة السابقة. لحسن الحظ أن هذه الوحدة التي لا شفاء منها هي الأم الثانية التي يدين لها بحكمته الهائلة، وقدرته غير العادية على القراءة، وفضوله الطفولي، وروعة مخيلته، والأسى غير المحدود في شعره. لقد رأيته متوارياً عن العالم في سمفونيات بروكنر سميكة الجلد كما لو أنها مقطوعات سكارلاتي الخفيفة المسلية. رأيته في ركن منعزل في حديقة كويرنافاكا، خلال إجازة طويلة، هارباً من الواقع إلى الغابة السحرية لأعمال بلزاك الكاملة. وبين فترة وأخرى، مثل من يذهب لرؤية فيلم رعاة بقر، يعيد دفعة واحدة قراءة «البحث عن الزمن المفقود». ذلك أن الجيد في قراءة كتاب في نظره هو أن يكون الكتاب مؤلفاً من ألف ومئتي صفحة على الأقل. وفي السجن في مكسيكو، حيث أُدخل بسبب جرم استفاد منه عدد كبير منا نحن الكتّاب والفنانين، ودفع هو وحده الثمن، بقي حبيساً ستة عشر شهراً يعتبرها أسعد فترة في حياته. لقد فكرت على الدوام بأن السبب في قلة عمله الإبداعي هو تعدد مهنه الطاغية. وفكرت كذلك بأن الأمر يتفاقم بسبب سوء خطه الكارثي الذي يبدو وكأنه مكتوب بريشة إوزة، كتبته الإوزة نفسها، بخربشة مصاص دماء تبعث الكلاب على النباح في ضباب ترانسيلفانيا. وقد قال لي عندما أخبرته بذلك، منذ سنوات طويلة، إنه عندما سيتقاعد من أعماله العبودية، سوف ينجز كتبه المؤجلة. وكان ذلك هو ما حدث بالفعل، فقد قفز دون مظلة من طائراته الأبدية إلى الأرض اليابسة لمجد وافر وحري بالجدارة، محققاً إحدى المعجزات في آدابنا: ثماني روايات خلال ست سنوات. ويكفي قراءة صفحة واحدة من أي كتاب منها لفهمه كاملاً: فأعمال ألفارو موتيس الكاملة، وحياته نفسها، هي أعمال وحياة متنبئ يعلم علم اليقين أننا لن نتمكن من العثور ثانية على الفردوس المفقود. هذا يعني أنه ليس هو وحده «ماكرول» (الشخصية الرئيسية في جميع أعمال ألفارو موتيس الأدبية)، مثلما يقال باستسهال. وإنما ماكرول هو نحن جميعنا. فلنتوقف عند هذه النتيجة التعيسة، نحن من جئنا هذه الليلة لنحتفل مع ألفارو بهذه السبعين سنة من الحياة كلها. ولنقل له لأول مرة، دون الحياء الزائف، ودون المبادرة إلى شتم الأمهات خوفاً من الانخراط في البكاء: كم نقدرك، يا للعنة، وكم نحبك.



    http://www.albayan.ae/five-senses/2002-05-20-1.1296537
                  

العنوان الكاتب Date
عادة ما كانوا يسألونني كيف استطاعت تلك الصداقة أن تنجح في هذا الزمن "البائس" عبد الحميد البرنس05-31-14, 04:15 PM
  Re: عادة ما كانوا يسألونني كيف استطاعت تلك الصداقة أن تنجح في هذا الزمن الحقير عبد الحميد البرنس05-31-14, 08:56 PM
    Re: عادة ما كانوا يسألونني كيف استطاعت تلك الصداقة أن تنجح في هذا الزمن الحقير عبد الحميد البرنس06-01-14, 11:51 AM
      Re: عادة ما كانوا يسألونني كيف استطاعت تلك الصداقة أن تنجح في هذا الزمن الحقير عبد الحميد البرنس06-01-14, 01:41 PM
        Re: عادة ما كانوا يسألونني كيف استطاعت تلك الصداقة أن تنجح في هذا الزمن الحقير عبد الحميد البرنس06-01-14, 03:10 PM
          Re: عادة ما كانوا يسألونني كيف استطاعت تلك الصداقة أن تنجح في هذا الزمن الحقير عبد الحميد البرنس06-01-14, 03:56 PM
            Re: عادة ما كانوا يسألونني كيف استطاعت تلك الصداقة أن تنجح في هذا الزمن الحقير عبد الحميد البرنس06-02-14, 05:28 PM
  Re: عادة ما كانوا يسألونني كيف استطاعت تلك الصداقة أن تنجح في هذا الزمن andquot;البائسandquot; نعمات عماد06-02-14, 07:45 PM
    Re: عادة ما كانوا يسألونني كيف استطاعت تلك الصداقة أن تنجح في هذا الزمن andquot;البائسandquot; ibrahim fadlalla06-03-14, 02:20 PM
    Re: عادة ما كانوا يسألونني كيف استطاعت تلك الصداقة أن تنجح في هذا الزمن andquot;البائسandquot; عبد الحميد البرنس06-03-14, 09:55 PM
      Re: عادة ما كانوا يسألونني كيف استطاعت تلك الصداقة أن تنجح في هذا الزمن andquot;البائسandquot; عبد الحميد البرنس06-04-14, 01:52 AM
        Re: عادة ما كانوا يسألونني كيف استطاعت تلك الصداقة أن تنجح في هذا الزمن andquot;البائسandquot; عبد الحميد البرنس06-04-14, 10:55 AM
          Re: عادة ما كانوا يسألونني كيف استطاعت تلك الصداقة أن تنجح في هذا الزمن andquot;البائسandquot; عبد الحميد البرنس06-04-14, 01:11 PM
            Re: عادة ما كانوا يسألونني كيف استطاعت تلك الصداقة أن تنجح في هذا الزمن andquot;البائسandquot; عبد الحميد البرنس06-04-14, 01:25 PM
              Re: عادة ما كانوا يسألونني كيف استطاعت تلك الصداقة أن تنجح في هذا الزمن andquot;البائسandquot; عبد الحميد البرنس06-04-14, 01:49 PM
                Re: عادة ما كانوا يسألونني كيف استطاعت تلك الصداقة أن تنجح في هذا الزمن andquot;البائسandquot; ibrahim fadlalla06-05-14, 09:07 AM
                  Re: عادة ما كانوا يسألونني كيف استطاعت تلك الصداقة أن تنجح في هذا الزمن andquot;البائسandquot; عبد الحميد البرنس06-05-14, 10:15 AM
                    Re: عادة ما كانوا يسألونني كيف استطاعت تلك الصداقة أن تنجح في هذا الزمن andquot;البائسandquot; عبد الحميد البرنس06-05-14, 11:38 AM
                      Re: عادة ما كانوا يسألونني كيف استطاعت تلك الصداقة أن تنجح في هذا الزمن andquot;البائسandquot; عبد الحميد البرنس06-05-14, 12:24 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de