|
Re: وعماد عبد الله تاني... (Re: بله محمد الفاضل)
|
ياخي .. ده مقلب كبير خلاص عماد عبدالله ____________________________
( محمد وشك ) لم يكن درويشا أو معتوه .. كان به مسٌ من الرب عظيم .. تسكنه عاليات الأطياف من هناك .. من لدن الكُنه البعيد للعوالم الغامضات . و ( يقوم ) مع البحر .. ما أن ترعد في مرتفعات الحبشة و ينتصب عِرقُ النيل هناك , و يُنذر قذفاً , حتى يمس محمد وشك ما يمسه من ذات حال الدميرة , و يعوده الطيف الغريب الآسر . ( ما للمدو الجزر بأحوال القمر ؟؟ و ما للنيل و طمي محمد وشك الخصيب ؟ ) . .... ذات شتاء , و كلية الفنون تعج و تمور كبحر , و العام الأكاديمي على أواخره , و قد سرقتني ما يسرق البني آدم منا في عشرينيات عمره . فما رسمت إلا بالمزاج الذي هو في تلتلة و كرٍ و فرّ .. و ما كنت لونتُ إلا ما لا يتجاوز القطع الثلاث زيتية .. و مثلها بألوان الماء و بعض الشخبطات بالباستيل و القواش .. ذاك ما كان من أمر الرسم و الإستيفاءات الأكاديمية .. و قد انقضى العام الدراسي و ما زلت أكابد البحث في مادة الدراسات العامة .. أطارد الطيب محمد الطيب و دكتور عبدالله الطيب و المكتبات المحشورة في لفائف الخرطوم بكتبها الصفراء القديمة , ثم حبوبة ناس فلان و جد ناس علان .. علني أظفر بما يعينني على رصد مفهوم البطولة في الحكاية الشعبية . ثم ما يزيد استعصاءً على عصيه .. هو أمر الداخليات و " قعداتها " الصبّاحية بالعود و الغناء متين الوجع و نقرشات الونسة و كواريك السياسة و ذكريات القبلات الاولى و الثانية .. و الحبيب الذي هو أخا البدر سناءً و سنا و الذي - في النهايةِ - قد غدر , و الآخر الذي ما يزال في رحم المنى , و ذاك الجميل الذي ماسألناه .. و كثير لغطٍ حول الركوكو و قيم فينوس الجمالية .. و القيامة الكنيسة و غوغان الذي شاخ ليرسم و غويا و الشمس التي تطلع لعيون الحبيبات ليلاً .. و .. و .. داخلية المقرن لطلاب الفنون ( الكنيسة ) و صرير جنادب الليلة يعلو و يتحد في الشملة الكبيرة لأشجار الحديقة النباتية خلف الداخلية . الكون في الحديقة النباتية عجيبٌ أمره في الليل , و قد كانت تقلقني " الكشكشات " تمرق من بين يوابس الأغصان و الشجيرات هناك و تنسرب صخّابة إلى أذني .. و الدنيا ليلٌ هُسٌ أصمَتُ من قبر . من عجبٍ أن تلك الكائنات تصن لأيّما صوتٍ لا ينتمي لها بوشيجة الدبيب الصامت و الظلمة !! فتتوقف الجنادب حين يكشكش شيءٌ ما .. بغتة تكفّ عن الصرير .. و الضفادع تقطع الحركة , تماريها الأشجار و أغصانها عن الهفيف .. و طيور الليل و الخفافيش تربض في الهواء مترقبة .. حتى الأسد في حديقة الحيوان القريبة يكف عن الزئير و القَنَتي .. لا يتبقى من صوتٍ ضالٌ غريب .. إلا تلك الكشكشة المريبة .. فأعرف أن ثمة ود ابن آدم يأتي بشيء تأباه الدنيا و ناموس الكائنات الآمنة تلك ( كشخصٌ يقضي حاجته الدنيئة .. حرامي يتحامى بشجرة .. عاشقان يذوبان قبلا .. شرطيٌ يتلبد ) . طاحونة رأسي لا تكف عن الرحي , و رائحة التربنتاين و الألوان و تماويه الظلال النعسَىَ , و عبق ( الحلو مر ) تنبعث من درفة الدولاب مكسورة المفاصل .. ثم لاشيء . غادرني ليلتها سيف اللعوتة .. تحدثنا و دخنّا , حاضرني – كعادته – عن الرفق بالقوارير و محمود محمد طه و صلاح محمد عيسى و السمندل و ما هو باين في العيون .. و .. و .. و ما توقفنا كلاماً حتى كسر الليل صندلَهُ .. و سكن . كنت ألون بمسام جنوني .. قطعة من طبيعةٍ صامتة ( ستيل لايف ) . و قد أغوتني لوحتي من بعد كل ذاك الحديث مع " سيف " و الذي ندبني حضاً على فتح بوابات الروح على قصوى مشارعها .. فنويتها فتحاً لليلتي تلك .. ارتميتُ أرسم .. وعلى الجدار القديم و بلونٍ أزرق لفرشاةٍ عجفاء , بقى وشمٌ قديم خطه أحدهم ( مِنْ أين .. يا امرأةً بُحّتْ لها حَنجُرة الغناءِ الجميلْ ) .. فانتصب شيطاني .. و النوايا .. و آليتُ الليلة غزوةً ترقص على حمى إيقاعها بنات دمي . رأيتُ برتقالتي تتدحرج - و الغرفة الزنزانة تخذت شكل الدماغ الكبير - ما كان دماغي .. لكنه كونٌ من أدمغةٍ ذواكرَ عبرنني .. و هواجس و مُنىٍ من ضبابٍ و إحَنْ . وحدي كنت أمام لوحةٍ يتوجبُ الخلاص منها .. و ملزمٌ على محاحاتها لساعة متأخرة من ليلتي الجن تلك . بابكر دينق كان يلح في أن أكمل مجموعتي لامتحان التخرج في قسم التلوين . بابكر دينق هذا له مزاجه الذي يميل به - إن مال - إلى أن يقول لك و عن يقين : شُغُل ده سوي ليهو شوية أحمر هني , و هو العامل الجميل بقسم التلوين . فتنتابك وساوس اللون , لتعيد قراءتها توجساً بصرياً - و الشوف شوف دينق - .. لتعرف حينها كم أن هنري روسو كان مدهشاً , و أنك فقط فأرٌ أكاديمي مشروط بالتنظير العنكبوت و أطلاله . تلك اللوحة في بهمة ليلتي تلك , و الشباك خلفي بحديقته و هوامه و أصوات مساءه .. يوسوس فاتحاً كوة في مؤخر رأسي .. الشباك الحديدي أب سيخ , يطل على الحديقة النباتية في حي المقرن , و الدنيا شتاء . .... ( محمد وشك ) لم يكُ مجنونا .. كنت و إياه نرتاد الخلاء ( فوق ) , عند أطراف البلد : حفير مشو .. أو نلوذ بمقابرها و السور القديم للقبة هناك .. مستغرقٌ يكون هو في تأمل المقابر أو الصحراء العميقة تنسحب إلى جوف الأفق , و يغمغم : ياخي ده مقلب كبير خلاص . ثم .. لا يزيد . ظللتُ أصحو لأجده قابعا طرف فراشي في الديوان الكبير , ساهما في ملكوت الله بوجهٍ خلوٍ من التعبير , هو وجهٌ فقط ( و انا مفتونٌ بالأوجه الإنسان ) . ينظر في عيني مباشرة دو ن أن يطرف - و ما لحظتُ عيناه تطرفان مُذ عرفته , أبدا - يقول بعدها : الشاي كيف ؟؟ نخرج أنا و إياه مصطحبين الأعشاب الخضراء اليابسة ملفوفة بعنايته .. و نقصد إلى النيل .. يسبح ( محمد وشك ) إلى الجزيرة البعيدة ببطء .. و كأن لا حواس في جلده تتلمس يرودة ماء النهر اللازوردي الساكن في صفوه المرآة .. و غبشة الصباح الشمالي شديد القرس . أتامل جسده الجذع العظيم لشجرةٍ عملاقة .. و هو يمعن سباحةً في قهر النهر و يبتعد في أناةٍ و بطء , فكأنما النهر منه و هو له .. و أنا أمج اللفافات , و يأكلني قلقٌ لذيذ . يعود صاحبي بودعاتٍ صغيراتٍ بيض , لا يكف عن تقليبها في يده .. و يردد : ياخي ده مقلب كبير خلاص . ثم يكوم ( طين البحر ) عندي .. تحت القيفة المبتلة قبالة النيل الشمالي , طميٌ متماسك طيب الرائحة , لزجٌ و نقي , يقول : كده بالله يا معلم أعمل لي دبتشي بيتشن . ذلك فقط ما يتذكره من أسماء علقت بذاكرته بعد زياراته للخرطوم , و سينما كلوزيوم .. هذا الكاوبوي الـ ( دبتشي بيتشن ) و كان يعني روبرت ميتشوم . فأظل أخلق له من الطين ما شاء من الدبتشي بتشنات , و نسوة عارياتٍ و خيل و لواري و تماسيح .. هو يقلبها و يبتسم لها و للدميرة الكبيرة داخل دماغه : سبحان الله .. ياخي ده مقلب كبير خلاص . .... أتراجع كنت إلى أبعد نقطة من تلك اللوحة , أسحب أنفاسا ثقيلة من أعقاب البرنجي المتناثرة على أرضية الغرفة العارية , و أعود إليها لوحتي .. تلك المتاهة . يطن ويلسون .. و غارودي و كانط و إليوت , و موسيقى ترتكبني فأرتكب فيها شبقاً يتواطأ و اللون البرتقالي الفاحش الحار على اللوحة و حامل اللون .. مندغماً فيما لا كنه له . تطن دنيا الحديقة النباتية , يفغر الشباك مزيدا من الكوى في مؤخر رأسي .. تتصاعد وتيرة حُمايَ .. فأوقن أكثر فأكثر بقدرية غوصي الآتية . برتقالتان كانتا , و زجاجة خضراء ( بيرة ) .. تتماسكان على قطعة دلقان لا لون لها , ذاك كان كل الفخ اللازم .. و أنا الطريدة . كنت أرسم بسكين اللون .. و طيّعةً كانت كأنني ما كنت من يحركها .. لطعاتٍ لونية سميكة تتراكم فوق بعضٍ مع كل نصل يقعي على سطح اللوحة .. و الحياة تدب في الشرك الذي أهيئ حباله لي . رائحة زيت التربنتاين تزكم خيالاتي , و كهربية دماغي في أطيب أعالي مدها الكيلواطي , و الإستدعاءات في الذاكرة تطلق صافراتها . ضجيجٌ متجانس من كل ذاك .. فلا الإنسان حواس خمس ورطتئذٍ .. بل كنتٌ ملايين الحواس الكونية مكتملة العدة للطفرة القادمة قفزاً في الزمان الطليق . متحدٌ كنت و هذا الطوفان الراعف بيني و الوجود الذي فتح مغارة سِرّهُ القُدس لي . ثم .. تدحرجَت - البرتقالة الشيطان اللون - أقسم أني رأيتها تتدحرج , البرتقالة تدحرجت أماماً و التمع تكور كتلتها و هي تفعل .. ساحبة معها ألوانها المبتلة بطيئاً .. تزمع سقوطاً من اللوحة , ارتعشت عضلة يدي بلا إرادة كمن يهم بمحاولةٍ لالتقاط برتقالتي و ألوانها المندلقات من السقوط . في الثانية التي أخذتني فيها شهقة الرعب و الدهشة و محاولة تحديد المعادلة الحيرى بين التوهم و الحقيقة , بين ميتافيزيقا الوجود و اليقين فيه .. في تلك الطرفة من الزمان تماما .. توقفت البرتقالة الشرك / اللون عن الحراك .. فاجَأتْها ( عقلنتيَ ) الخرقاء و هي تتخلق في عُري هويتها الطـازجة .. و هي مضغةٌ تقطع المسافة بين الفكرة المحضة و اليقين الوجودي .. فاستحَتْ و غضِبَتْ .. وأمسَكَتْ , فسَكَنَتْ . من يومها .. ساكنةٌ هي الأشياء عندي , من بعد أن أضِعتُ روحها في غيبوبة الظل المنعكس .. و شرخ مرايايَ الغبشاء .. وعتمة روحي المتهالكة . .... ( محمد وشك ) لم يكن مجنونا .. كان فقط .. بصيراً .
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
وعماد عبد الله تاني... | بله محمد الفاضل | 05-10-14, 08:01 AM |
Re: وعماد عبد الله تاني... | بله محمد الفاضل | 05-10-14, 08:06 AM |
Re: وعماد عبد الله تاني... | بله محمد الفاضل | 05-10-14, 08:10 AM |
Re: وعماد عبد الله تاني... | بله محمد الفاضل | 05-10-14, 08:12 AM |
Re: وعماد عبد الله تاني... | عاطف احمد عثمان | 05-10-14, 09:30 AM |
Re: وعماد عبد الله تاني... | بله محمد الفاضل | 05-10-14, 09:44 AM |
Re: وعماد عبد الله تاني... | بله محمد الفاضل | 05-10-14, 09:48 AM |
Re: وعماد عبد الله تاني... | عاطف احمد عثمان | 05-10-14, 09:52 AM |
Re: وعماد عبد الله تاني... | بله محمد الفاضل | 05-10-14, 10:04 AM |
Re: وعماد عبد الله تاني... | عاطف احمد عثمان | 05-10-14, 10:35 AM |
Re: وعماد عبد الله تاني... | بله محمد الفاضل | 05-10-14, 10:43 AM |
Re: وعماد عبد الله تاني... | بله محمد الفاضل | 05-14-14, 07:44 AM |
Re: وعماد عبد الله تاني... | ناصر احمد الامين | 05-14-14, 08:42 AM |
Re: وعماد عبد الله تاني... | بله محمد الفاضل | 05-14-14, 09:21 AM |
Re: وعماد عبد الله تاني... | ناصر احمد الامين | 05-14-14, 09:42 AM |
Re: وعماد عبد الله تاني... | بله محمد الفاضل | 05-17-14, 08:53 AM |
Re: وعماد عبد الله تاني... | ناصر احمد الامين | 05-14-14, 08:58 AM |
Re: وعماد عبد الله تاني... | طارق جبريل | 05-15-14, 08:33 AM |
Re: وعماد عبد الله تاني... | ibrahim fadlalla | 05-15-14, 11:44 AM |
Re: وعماد عبد الله تاني... | بله محمد الفاضل | 05-17-14, 09:44 AM |
Re: وعماد عبد الله تاني... | بله محمد الفاضل | 05-18-14, 08:23 AM |
Re: وعماد عبد الله تاني... | بله محمد الفاضل | 05-31-14, 11:12 AM |
Re: ويا عماد عبد الله، يا عماد عبد الله يا اخي... | بله محمد الفاضل | 06-15-14, 09:38 AM |
Re: ويا عماد عبد الله، يا عماد عبد الله يا اخي... | بله محمد الفاضل | 06-15-14, 09:41 AM |
Re: ويا عماد عبد الله، يا عماد عبد الله يا اخي... | علي عبدالوهاب عثمان | 06-15-14, 04:07 PM |
Re: ويا عماد عبد الله، يا عماد عبد الله يا اخي... | بله محمد الفاضل | 06-18-14, 09:30 AM |
Re: وعماد عبد الله تاني... | بله محمد الفاضل | 06-18-14, 09:08 AM |
Re: وعماد عبد الله تاني... | بله محمد الفاضل | 06-16-14, 09:17 AM |
Re: وعماد عبد الله تاني... | بله محمد الفاضل | 06-21-14, 01:58 PM |
Re: وعماد عبد الله تاني... | بله محمد الفاضل | 06-24-14, 09:34 AM |
Re: وعماد عبد الله تاني... | بله محمد الفاضل | 08-02-14, 10:37 AM |
Re: وعماد عبد الله تاني... | بله محمد الفاضل | 08-04-14, 05:36 PM |
Re: وعماد عبد الله تاني... | mustafa mudathir | 08-04-14, 08:42 PM |
Re: وعماد عبد الله تاني... | الصادق اسماعيل | 08-04-14, 09:42 PM |
Re: وعماد عبد الله تاني... | بله محمد الفاضل | 08-05-14, 11:19 AM |
Re: وعماد عبد الله تاني... | بله محمد الفاضل | 08-06-14, 03:51 PM |
Re: وعماد عبد الله تاني... | Osman Musa | 08-06-14, 04:56 PM |
Re: وعماد عبد الله تاني... | بله محمد الفاضل | 08-07-14, 09:37 AM |
Re: وعماد عبد الله تاني... | الطيب مصطفى | 08-07-14, 01:49 PM |
Re: وعماد عبد الله تاني... | علي محمد الفكي | 08-07-14, 06:36 PM |
Re: وعماد عبد الله تاني... | بله محمد الفاضل | 08-09-14, 10:33 AM |
Re: وعماد عبد الله تاني... | بله محمد الفاضل | 08-12-14, 05:11 PM |
Re: وعماد عبد الله تاني... | بله محمد الفاضل | 08-12-14, 05:08 PM |
Re: وعماد عبد الله تاني... | بله محمد الفاضل | 08-31-14, 08:00 AM |
Re: وعماد عبد الله تاني... | بله محمد الفاضل | 09-24-14, 07:32 AM |
Re: وعماد عبد الله تاني... | محمود بكر | 09-24-14, 11:20 AM |
Re: وعماد عبد الله تاني... | عماد ساتي | 09-24-14, 01:03 PM |
Re: وعماد عبد الله تاني... | بله محمد الفاضل | 09-27-14, 08:48 AM |
Re: وعماد عبد الله تاني... | بله محمد الفاضل | 09-27-14, 08:32 AM |
Re: وعماد عبد الله تاني... | ودقاسم | 09-24-14, 01:31 PM |
Re: وعماد عبد الله تاني... | بله محمد الفاضل | 09-27-14, 09:31 AM |
Re: وعماد عبد الله تاني... | علي محمد الفكي | 10-07-14, 09:43 AM |
|
|
|