يحدث في زريبة الفحم

كتب الكاتب الفاتح جبرا المتوفرة بمعرض الدوحة
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-11-2024, 03:58 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة عماد البليك(emadblake)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
05-29-2003, 01:51 AM

emadblake
<aemadblake
تاريخ التسجيل: 05-26-2003
مجموع المشاركات: 791

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
يحدث في زريبة الفحم

    يحدث في زريبة الفحم

    دقائق وينتهي مسلسل الخوف .. تباعدت الساعات المرحة في حياة عبد المنتصر، رأي نفسه يشبه الببغاء، ويحب طائر البوم، لم يكن في حياته يوما ما منزعجا، أو كان يحس بالاستياء والقلق الذي يبدأ فجأة بلا مقدمات، معتصرا الذات، محولا إياها إلى جحيم لا يطاق.

    كانت حياة عبد المنتصر غريبة لكنها تشبه حياة الآخرين، غرابتها مكتسبة من طريقته في التعامل مع الأشياء من حوله، بما فيها البشر، الذين تشيئوا بمرور الزمن، وأصبحوا مجردين عن الحس والضمير، وأدرك الرجل أن طريق الوحدة هو أفضل الطرق لبناء المجد الإنساني عندما لا يوجد سواه من طرق لتحريك الحياة الجامدة الغير مستقرة.

    لماذا أحب طائر البوم ؟ لسببين لأن البوم عند كثير من الناس ينبئ بالشؤم، وهو يحب أن يخالف ما اعتاده البشر من طرق الوعي، وثانيا لأن البوم في نهاية الأمر مجرد طائر لا حول له ولا قوة يمكن القضاء عليه ببساطة، وهو متعاطف معه فالناس تكره ما هو خير، في عالمها الملوث بالأنانية والأكاذيب.

    قبل عامين سافر عبد المنتصر من بلده الريفي إلى العاصمة بحثا عن عمل يفتح له آفاق السعادة، ويوسع له أبواب الرزق الحلال، لكن سفره كان بداية لمتاعبه وكرهه لحياة الآخرين وحياته، فالذين تعرف عليهم في أغلب الأحوال منافقون ومزيفون لا يعترفون بالأخطاء ولا يملكون ضمائر الرجال، والنساء كن يبحثن عن الدراهم بمتعة مؤقتة، بعن شرفهن القديم في طرق المدينة الوعرة.

    كان له صديق واحد تعرف عليه في السوق، لكن الصداقة لم تستمر لأن الرجل تمرد عليه في لحظة صفاء كما ظنها عبد المنتصر، كانت في حقيقة الأمر لحظة انتصار للقوي وانهزام للضعيف البائس وهو عبد المنتصر، جلسا في ليلة بلا قمر وراء سور سوق الفحم حيث يعملان سويا، وحكى عبد المنتصر لصديقه واسمه الوزان معانته، أباح له بما في صدره من غيظ وتوجس من الأيام المقبلة، " الريس رفض أن أحمل جوالين على ظهري " .. قال لي : " أنت تريد أن تغير قوانين سوق الفحم ".. " يا سيدي الريس .. أنا أريد أن اكسب الوقت .. أليس الوقت من ذهب .. أليست هذه الطريقة جيدة لأن نكسب أموالا أكثر للسوق .. بدلا من أن نرفع مائة جوال في اليوم.. سنرفع مائتين على الشاحنات "..

    سمع صديقه القصة وتظاهر بمجاملته، ثرثر معه عن الظلم وعن حب بعض الناس ، خاصة إذا ما كانوا رؤساء على الآخرين، في قتل جهود المخلصين، قال له : " لو كان الريس قد برر الأمر بقلقه على صحتك وخوفه عليك .. لصدقت .. ولكن كان سببه واهيا ... ماذا يعني أن تتغير قوانين سوق الفحم .. وهل هي منزلة من السماء".

    عندما أصبح الصباح، تحول صفاء المساء لجنون من نوع فريد، لكنه ليس غريبا على سوق الفحم أبدا، كان الوزان قد دخل على مكتب الريس القائم تحت الشجرة، وأخبره بالأمر، وكان كلام الليل قد محاه النهار، ولأن الريس ذكي ويعرف كيف يدير الحيلة، فقد سكت، لم يحدث عبد المنتصر بالأمر، ولم يقل له أنت قلت وقلت ، لكنه غير طريقته معه في التعامل، أصبح لا يهتم بشأنه كثيرا، وصار يشعره أمام الآخرين بأنه عديم الفائدة.

    شعر عبد المنتصر بالأمر، فكر في أشياء كثيرة منها أن يغادر سوق الفحم لسوق أخر، وقال لنفسه في ساعة وجع :" هل هو سوق الفحم الوحيد الذي خلقه الله في المدينة .. حتى أظل رابطا نفسي لجذع شجرته "... تحرك خفية هنا وهناك، زار أسواق المدينة، سأل عن أجر الحمالين، كل الأجور بائسة، قال له ريس سوق الفحم الجديد القائم قريبا من نهاية المدينة غــــربا : " تعال معنا ... سأعطيك ضعف ما يعطيك له سوق الفحم القديم "، كان قد سمع بمواهبه الفذة في حمل الجوالات دون كلل أو ملل، ومقدرته على السير في الليالي المظلمة دون أن يعثر أو يقع الجوال من على ظهره أبدا ، وهذه ميزة مهمة في تهريب بعض البضائع من سوق الفحم وإليه، فليست كل أسواق الفحم تبيع وتشتري الفحم، هناك أشياء أخرى تباع وتشتري.

    وافق أن يكون تحت لواء الريس الجديد، لا أوراق ولا عقود، الاتفاق بين الرجل بالكلمة، والرجل لا يغير كلمته، وهذا أول خطأ ارتكبه عبد المنتصر، فعندما حل أخر الشهر قبض نصف ما كان يقبضه في السوق القديم، قال له ريسه الجــديد : " أنت تعرف الأحوال ... ألم يكن هذا الشهر سيئ الربح .. الشهر القادم سوف تنال الخير الكثير.. لا تخاف وأنت إلى جواري "..

    كان ريسه الجديد ممتلئ الجثة، يمتلك عشرات الفدانات من عقارات المدينة، يبيع ويشتري في كل شيء، حتى ضمائر الناس، وقبل عام تزوج وقبل شهرين تزوج وطلق ، وهو الآن مقبل على الزواج من جديد، يدخل السوق فترتجف الأفئدة، وتهتز رموش الرجال، ويبول البعض واقفين على سراويلهم الوسخة، ينتفض كالنسر ويقلق كل من يعمل معه لحظة دخوله لسوق الفحم، " أين كانت هذه الأمور، لماذا لم تعرفها منذ البداية ".. هكذا كلم عبد المنتصر نفسه وهو يمشي، ويجلس، ويقف، بعد أن بدا ظهره في الانثناء وهو لا يدري، وفي ليلة داهمه الوجع، فسقط على الأرض مغميا عليه، حتى دخل عليه أحد رفاقه في السوق، " ما فعل الله بك يا عبده " .. لم يسمع عبد المنتصر له، وقد سمعه، لم يتكلم، ولم يحرك جفنه، تظاهر بالغيبوبة، عاشر الصمت للحظات طالت، رشه الرجل بالماء، لم يقم، بدأ يراجع من تحت العينين المغمضتين أحلامه المؤجلة، وماضيه الملئ بالتفاؤل، كانت أمه تريده أن يكون طبيبا ماهرا يداوي جراح الآخرين، وحمد الله في سره أن ذلك لم يكن لأن الآخرين لا ستحقون على أية حال، فلتمتد جراهم طوالا وعرضا،.. رأي أبيه الذي مات وهو يحمل الماء بعربته التي يجرها الحمار في الحي، كانت لحيته قد ابيضت، وعيونه قد احمرت، قال له : " قم يا بني ولا تلتفت للوراء ... ستصل إلى مرادك "..

    لم يكمل تعليمه، لأن الفقر حاصره أسرته وأقلق مستقبله، احترف مهنة الحمال، فقد منحه الله ظهرا يحسد عليه في قوة التحمل، وبعد أن ضاق الحال، ذهب إلى العاصمة، لكن الأمور سارت لما كان..

    استيقظ في الصباح الأول لوقعته الأولى في حياته، كانت العين قد أصابته وحسد الآخرين قد حاصره، وفق وحيدا وسط الساحة في سوق الفحم، لم يأتي الحمالون بعد، والريس لا يأتي قبل منتصف النهار، تأمل جوالات الفحم المرصوصة، وفي أركان من الزريبة كانت أكياس صغيرة قد خُبأت، ماذا فيها " الله أعلم "، لكن رفقاء الريس ومن حوله يعلمون، فقد ارتفعت عماراتهم في سماء الخرطوم، حمالو الفحم صاروا ملوك الزمن الجديد، تمطى يمينا وشمالا، بحث عن عود الثقاب في جيبه وجده، أخرج علبة الثقاب، قدح العود، كانت الزريبة قد اشتعلت، وبدأ يوم جديد مات خسر فيه الريس ملايين الجنيهات، وهرب عبد المنتصر إلى مدينة جديدة، باحثا عن العدل.
                  

العنوان الكاتب Date
يحدث في زريبة الفحم emadblake05-29-03, 01:51 AM
  Re: يحدث في زريبة الفحم ودرملية05-29-03, 03:08 AM
  Re: يحدث في زريبة الفحم emadblake05-29-03, 03:21 AM
  Re: يحدث في زريبة الفحم Elmosley05-29-03, 04:18 AM
  Re: يحدث في زريبة الفحم MOHDY05-29-03, 05:41 AM
  Re: يحدث في زريبة الفحم قليبى المهضلم05-29-03, 08:50 AM
  Re: يحدث في زريبة الفحم emadblake05-29-03, 11:08 PM
    Re: يحدث في زريبة الفحم ودرملية05-30-03, 00:02 AM
  Re: يحدث في زريبة الفحم ahmad almalik05-30-03, 12:24 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de