|
Re: دعوة للأخوة الكتّاب.. لنكتب هذا النص سويا (Re: emadblake)
|
.. ..
( وهذا قد يكون خارج النص )
هوس المدائن
أوقفا محرك السيارة منهك القوى ، بعد رحلة قطعاها على صهوة شريطٍ نفطي يتعرج كحية تتأهب للدغة غادرة .. خيط مائي يحتاج لزانة وبعض مهارة لتنفذ الي الجانب الشرقي ، توكأ على كتف مرافقه كي يتشبث بحافة عبًارة فارسية عتيقة كأنها صندوق قمامة ، لم تستغرق الرحلة سوى لحظة حتى ابتلعتهما فوضى الشارع ..
كيف يتوأم سكونه مع ضجيج تلك المدينة ماجنة الأطراف ، وهي تلفظ سرب خطاياها بعين مغمضة وأخرى تتحرى العفاف ، حين خطت خطاه مثقلة على جوانح هوسها المخل بالأمزجة ، كان يغالب ثمرة رطوبتها التي تنيًخ على إبطيه ، فيشتمّهما بين خطوة وتالية خشية إندلاع رائحتهما التي رافقته في صيفها الغائظ ، تحسس قارورة عطره المبتذل ، وقد ابتاعه من إحدى المحال المكتظة بالمعوذين أمثاله ، كتب على زجاجه الخارجي ( كل شئ بريال ) منحتنه القارورة المستنسخة بعض الإطمئنان ..
مرافقه لا يكترث لهذه الشكليات ، أعلنها صراحة ضمن جملة من التناقضات التي تتناسل بينهما ، يجد في الإزدحام متعة لا تُضاها ، يتفرًس في وجوه المارة ببالغ نهمٍ كأنه فنان تشكيلي عثر لتوه على لوحة سريالية أوشك سبر غور مكنوناتها التي تتوارى بين تقاطع خطوطها المبهمة ..
أول بنود الرحلة كان البحث عن متكأ يدفنا فيه أمتعتهما .. لم تكن المفاصلة مضنية فهو أحد ( فنادق ) الدرجة العاشرة .. تقاسما غرفة تتكون من سريرين ، حمالة ملابس ، طالوة صغيرة تحمل بعناءٍ هاتف إختفت بعض أرقامه .. نافذة تطل على بناية قيد الإنشاء يتعلق في أرجائها عمال آسيويون يتقافزون من مكانٍ لآخر بمهارة ودون هلعٍ كأنهم قردة تلهو على أشجار غابة إستوائية .. أبواق السيارات لا تشكل لحناً مستطاباً .. بضاعة مكدسة على طرف الشارع تحرسها سيدة تعتمر ثوباً إفريقياً مزركشاً وآسع الأكمـام تتصبب عرقاً ، لابد أن رائحتهما ترغم بوضع الأكف على مداخل الإسـتنشاق ..
لا يوجد في ( طابقهما ) سوى حمامٍ واحدٍ يرتاده النزلاء تلصصاً ، أغتنم هدأت المكان الإستثنائية ، تردد كثيراً في الولوج .. من ذا الذي أطلق على هذا المخبأ ( مسبحا ) لم يكن أمامه سوى خيار الدخول الي متونه .. مغمض العينين أدار محبس الماء فأنهمر بإندفاع دون تريث غامراً جسده دفعة واحدة ، فاجتز بذلك أول مآذقه ..
الوقت يمر كالسحاب المرسل الي بلدٍ يتكور مضجعاً للمعوذين ، يتشاغل بهامش الصمت الذي يوشوش مخيلته ، رنين الهاتف الملحاح كمطرقةٍ حنوقة على طبل نحاس .. لماذا يتدافع الألم الآن الي ضرسه المنخور .. هل كل ما أودعه طبيبه في جوفه نقطة في بحرٍ هلامي المدى ..
إقاع طرقٍ هامسٍ تكرر بطريقة كربونية دون نشاز ، وضع يديه على ( أُكرة ) الباب مستفهماً .. فاندفع الباب نحوه كسيلٍ تحدر من جبال تناطح السحاب ، ( زائرة دون موعدٍ ) – هكذا دشنت حضورها .. إستدارت بطريقةٍ إحترافية لتبدي مؤخرة نُحتت ببراعة وتأنٍ .. تمّركز في موقع يتيح له الدفاع ( عنه ) إذا لزم الأمر ، بينما كان في حالة اللاتماسك تلك إذا بمرافقه يستغرق في ضحكٍ ماكرٍ ، فأدرك حينها أن فخاً مريباً قد نصب له ..
تبدًل فيهً الخوف والروع الي غضبٍ عاصفٍ ، تلك إذاً بضاعة كاسدة ، دائرة من الدهشة تنغلق حوله ، كيف يصبح الشئ نقيض نفسه ، إقتلعته إعاصير الأسئلة التي تناكف كل مبررات الأجوبة المنمقة .. كيف تتبدل ( حميمة اللحظة ) التي تصاهر الرجل بالأنثى الي نفور واستهجان .. أدار وجهه بعصبية ظاهرة الي النافذة .. كان الأزدحام قد بلغ ذروته والشارع ينهمر ويموج بالمارة كنهر يلفظ أسماكه .. وبشرود في الأفق اللامتناهي تمتم بحسرة .. ما أرخص الجسد حين يُمتهن ..!!
رحمابي
|
|
|
|
|
|