رواية في حلقات - البعث ( الفصل الأول ) مهداة إلى روح الأستاذ محمود محمد طه

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-26-2024, 03:38 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة عماد البليك(emadblake)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
05-18-2004, 05:57 AM

emadblake
<aemadblake
تاريخ التسجيل: 05-26-2003
مجموع المشاركات: 791

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
رواية في حلقات - البعث ( الفصل الأول ) مهداة إلى روح الأستاذ محمود محمد طه


    البعث_________________________________
    لا يجد الإنسان نفسه في مطب حرج إلا ويشعر بأن الحياة بدأت حصارها المجنون، ذلك قدر لابد منه، كان على عبيد الله أن يواجهه ويحاول افتعال كافة السبل الممكنة لتجاوزه، وحده الجنون يكفي لمواجهة الجنون وتحويل الوقائع المفاجئة لفرص مفيدة، لكن الحياة أحيانا كثيرة لا تقبل القواعد المعروفة والمألوفة، الرحلة يا عبيد الله تحتاج الصبر، وأنت طائر الوجع، أنت سيد الحزن الذي لا يقاوم، أنت الذي صنع فرحته من العدم وحكم عليها بالموت سريعا، تذكر الليلة كالبارحة، كان الفصل خريفيا، والسماء لم تكتنز بعد بالوعود الصادقة، الأمطار لم تأتي بحنينها القديم، تعيد ذكريات الطفولة والحلم المثقوب، حلمك أنت وحدك لا غير، حلم أن تبني مجدك إنسانا عظيما، أعرف أنك سئمت الملل، ووجدت في العمر المتبقي فؤادا تعرف كيف تنبت فيه جنتك المفقودة، فؤادك أنت، وحدك، ودائما كنت وحدك لا رفيق لك في الدرب.
    مرت سنوات وسنوات قبل أن تكتشف حجم المفارقات التي تحفل بها الحياة، جنون المدن وصلافتها البدوية الفجة، الانتحار البطيء الذي يشهق في وجهك صباحا ومساء، العيون التي جرحتك بلا مبرر، كان كل شيء من حولك يمتد حبلا بلا نهاية، ذكريات موجعة ومؤلمة عذبتك قبل أن تلاقي العذاب مرتين، قلت لي : " العمر صخرة تنكسر بالخوف من المجهول "، صدقت الآن بعد أن تغيرت القوانين فجأة وصار عليك أن تفهم أن الآخرين يجب أن نضع لهم مقدارا ولو يسيرا من الحذر، أعرف أنك ستقول لا يستحقونه، الجرذان مثل الكلاب لا تحفظ الود، لكن الجرذان الميتة تعفن البيوت، أنت تبحث عن الراحة والسعادة وتريد أن تقضي باقي أيامك في السجن بلا قلق، سيمر بك القلق حتما، ستخاف، ستتوجع، ستحن إلى زمن لم تكن فيه أنت أنت، كنت تبحث عن ذاتك المفقودة بين وجع المدن، الآن وجدتها قل لي بربك ماذا حصدت غير حبل المشنقة، ينتظرك في الصباح الباكر، سيقابلك السجانون بالبنادق، سيهتفون في جسدك الهزيل، سيرمونك بأقذع الألفاظ، سيجرونك يسارا وأماما، يلعنون يوم ميلادك وفرحك، ويوم خرجت لتقول لا ، الذي يقول لا يجب أن يعرف العواقب، أنت معاند لن تفهمني أبدا، ستقول لي الحقيقة يجب أن تقال حتى ولو كان ثمنها الموت، هاأنت تحصد الموت الذي كنت تتمناه.
    الموت في سبيل المبادئ حرية جديدة يحيا بها ميت الأحياء، ذلك افتراء منك، من ما لا يحب الحياة حتى النخاع، يريد الحرية وهو حي يرزق، يخرج بها من دائرة العدم إلى الوجود، أن يكون إنسانا له مغزى، لكن الحرية ثمنها عسير، لا عليك، الآن ربما تحدث مفاجآت من نوع ما، نحن في بلد كثير التقلبات، صدقني قد نستيقظ في الصباح لنجد أن الشمس تشرق من مغربها، هؤلاء الساسة يجب أن نحترمهم مهما كانت فجاجاتهم القذرة، أنت لا قبيلة تشفع لك ولا مال، ولم تعش إلا بفؤادك اليتيم، الذي مثلك عليه أن ينسني للعواصف الهوجاء، هي تقتلع الجذور، فكيف ببائس مثلك، لم يثق في صخرة العمر، كان يود المجهول بافتراضات لم يحسن تقديرها، هذا هو المصير عليك أن تتحداه إذن بكل شجاعة، أعرف أن الشجاعة لا تنقصك، لكن الموت صعب، الموت للحر الذي يتلذذ بالحياة نوع من العبقرية التي يتأخر ميلادها، ولا يستفيد منها.
    أنت جربت سجن الذات وعذاباتها، لكنك لم تجرب السجن الحقيقي، الموت بحبل يلف حول رقبتك، أو بالرصاص الذي لا يدع لك فرصة أن تفكر في مرارة الهزيمة، هذه في حد ذاتها نعمة لا ينالها إلا الغرباء مثلك، ستقول لي أنك ضحيت من أجلهم، هؤلاء البؤساء الذين كانوا يحلمون بك مخلصا لهم، مسيحا منتظرا يقف على حافة النهر، يصنع الوطن الجديد، الذي فيه الناس مجردون عن الأنانية، رحماء بينهم، يصنعون الحب من وراء كل شقاء، لا يعرفون الكراهية والبغضاء، لكنك خذلتهم بموتك، بالحبل الذي التف حول رقبتك الصغيرة، وخذلتهم عندما صلوا في الليل ينتظرون نهاية العالم قبل الفجر، قبل أن ينال الجلاد مبتغاه ويحرق السفينة التي ظنوا أنهم سيركبون على ظهرها في الصباح محمولين إلى أرض الخلاص التي وعدتهم بها، ألم تقل لنا أن موتي يعني نهاية العالم وأن لا شجر ولا حجر سيبقى من بعدي، أنا الأول والأخر، ألم تقل أن رحيلك هو بداية عالم جديد، سيولد وراء ميلادك الموعود، كنا نقدسك، ما زلنا، وسنظل نؤمن بأنك رفعت إلى السماء، أنت لم تمت، باق فينا تحقق لنا معنى أن نكون، سنصلى لك طويلا، وستصلي لنا من سماواتك العلية، سننتظر عودتك عند ملتقى النهرين، في فجر يشبه فجر صعودك إلى السماء.
    تلك رحلة كان لابد لعبيد الله أن يعيش تفاصيلها المملة اللذيذة، شاء أو أبا، فالمرء في هذه الحياة عليه أن يركن للأقدار تسوقه أنى شاءت، وكيفما أرادت، كان عبيد الله يؤمن بذلك، لكنه لم يكن متأكدا من شكل النتائج والمفاجآت التي يحملها عالم لا يعرف السكون، ولا المودة، أفـكاره ربما سبقت الـزمن الذي عاش فيه، كان يقـول
    لنا : " هذه أكذوبة كبيرة، أن يكون زمن ما أصغر من الأفكار المطروحة فيه، الزمن هو الزمن، الناس هي التي تصغر عقولها وتكبر".
    بكينا بدموع غزيرة فاضت على النهرين، لم يدخل المساء سريعا مثلما تعودنا في السنوات الماضية، لقد تأخر كثيرا في هذا اليوم، ونحن ننتظر الرجل الذي غاب وراء النهر، إلى السماء، كانت رائحة الخرطوم لا تطاق، ثمة عساكر يتراصون على الطرقات عند الجسور تحسبا لأي طارئ يمكن أن يحدث، الجنرالات في الجيش تغلفوا بالخوف الذي لم يعلنوه جهرة، كانت ثكنات الجيش سوداء كالحة في الليل رغم الإضاءة الباهرة التي غمرت المكان دون سائر الأمكنة في المدينة، في ليل شتوي قاسي يشعر النفوس بالوحدة والعذاب القديمين، وأن نهاية العالم قد اقتربت حقيقة لا خيال.
    خرجت بسيارتي القديمة ماركة (الهانتر) من منزلي العتيق في وسط الخرطوم، لم أحدد هدفا ما، أخرجتني الوحدة والقرف الذاتي المرير، كان أولادي قد سافروا إلى عطبرة يقضون الإجازة مع الأهل، لم أسافر معهم، عشر سنوات كاملة لم أرى عطبرة ولم اشتم رائحة القطارات الصاعدة والهابطة لا تفتر، كأنها تئن وتصرخ بعد أن تشرد الآلاف العمال الذين كانوا يقومون على رعايتها وصيانتها، في تلك الليلة تذكرت سنوات طفولتي هناك، كم كنت معبأ بالجنون والرغبة في الانعتاق، لكنني لم أجد هذه الحرية الحلم ذات يوم، كانت حياتي مطبات في طريق صحراوي طويل من الرمل الذي تغوص فيه الإطارات ولا تخرج، حياة بدأت قبل أن تبدأ، وانتهت حتى لو أنها لم تنتهي في واقع الأمر، جرحي يزداد يوما بعد يوم، وفاجعتي كبرت اليوم بعد أن ضاع آخر خيوط الحقيقة التي تشبثت بها، يا رب هل سنجد يوما ما هذه المدوخة، أم سنظل غرباء، أكاد أجزم بأن هذه الغربة لن تغادرنا أبدا، ستظل ديدننا شئنا أم أبينا، سنسير في الطريق وسنلاقي الموت في لحظة من إخلاصنا الغريب للوجع والكبرياء فينا.
    أوقفني الجندي موجها البندقية نحوي، سألني :إلى أين ؟ لم أرد عليه، أعرف أن حظر التجوال لم يرفع عن البلد، وأن الحذر قد اتسعت دائرته بعد أحداث اليوم القاسية بالنسبة لي، قدمت له بطاقة هويتي، تأملها في ضوء السيارة، وأمرني بأن أظل واقفا في مكاني حتى الصبح، حاولت أن أتكلم، مانعني الكلام، لا مخرج إلا أن أنتظر أحد الجنرالات الذين يأتون لمراجعة الخارجين عن القانون مثلي، تسمرت بالصبر، وقفت ساعتين كاملتين رأسي إلى جدار الخيمة القائمة وراء النهر عند الجسر، كنت كأنني لست هنا، لم أولد يوما ما ولم أجرب الحياة، لعنت الوطن الذي أخرجني رجلا غبيا، لعنت المعرفة التي دوختني، لعنت كل الجنود الذين تراصوا في الطرقات، لكني قلت لا ذنب لهم الأزمة في رؤوس الجنرالات الوقحين، لا أدري كيف مضى الزمن وأنا واقف، لا حراك ولا بصق، لو بصقت لقالوا لي مما تتأفف أيها العجوز.
    هل كبرت فعلا، وتجاوزت الستين من عمري، ربما كان هذا واقعا، لكن الحياة في أحيان كثيرة تنعدم فيها التفاصيل ولا نحس بالزمن كيف يمضي قاربه بنا، لماذا أنا عجوز الآن في هذه اللحظة بالذات، عندما قال لي جنرال الدورية ذلك في هجاء قذع مغلف بالشتيمة، فكرت قليلا مع نفسي وسط هزيمة سياط الأغبياء من حولي، أكتشف لأول مرة أن الأمر حق وعليّ احتماله مهما كانت النتائج، العمر لم يبق فيه باق أذن، والحياة ذهبت أدراج الريح العاصفة في بلد لا يرحم.
    تأمل الجنرال وجهي بقسوة، لم يخاطبني بكلمة، تناثرت نظراته الغبية على وجهي، شعرت بمرارة أن تفقد حريتك في وطنك، لطمني في لحظة تلاشى فيها الزمن، قال لي : أنت من المأجورين، لم أرد عليه، أعرف أنه لا يفهم، ولن يسمعني، عليَ بالصمت، وليكن ما يكن، لا شيء سيكون جديدا، لقد تعودنا على هذه المرارة وهذا الغباء الفج، كان وجه الجنرال يسود في الظلام، ويبيض بكلاحة مع الأنوار الصاعدة والهابطة لسيارات الجيش، أجهزة اللاسلكي تعمل بشكل غريب، لا تفتر من هذه الأيدي الملوثة بدمنا وحلمنا، ظللت واقفا في مكاني بأمر الجنرال الشاب، يبدو في الثلاثين من عمره، كأنني رأيته من قبل، حاولت أن أتذكر وجهه المكور والمعلم بدائرة على الجبين تقول بأنه يكثر الصلاة، اعترفت دواخلي بأن إضاعة نعمة التفكير في تذكر مثل هذه الوجوه حرام، ألم نتعلم ذلك من عبيد الله، ألم يقتلوه فجر اليوم ببنادقهم الكافرة، بعد لحظات تذكرت أن الشاب كان يقابلنا في بوابة قاعة المحكمة حاملا أوراق القضية المزعومة، ممثلا للإدعاء العام، لا يدخل القاعة الصغيرة، يكتفي بتقديم الأوراق لرجل آخر تولي مهمة أن يكون كائل الاتهامات لعبيد الله.
    عندما بدأت في ترتيب خطوط هذه الرواية في ذهني كنت أود الكتابة عن سيف الدين السوداني الذي أغتاله المشير النعمان وأنا صبي في المدرسة المتوسطة، وقد بدأت الكتابة في غربتين، غربة ذات وغربة وطن، وأن كانت الأولى أقسى عليّ، عبيد الله إذن هو سيف الدين الذي ذهب ولم يرفع إلى السماء، وكان يوم ذهابه خذلانا مبينا لاتباعه الذين كانوا ينتظرون أن يتغير العالم في ذلك اليوم أن يحدث أمر عجيب مثلا أن تقصف السماء الأرض، أو يعلن أسرافيل ساعة البعث، وقد لا أكون دقيقا في التعبير الأخير، لأن سيف الدين كان يؤمن بأن البعث الحقيقي هو بعث العقول لا الأجساد .
    والرجل الذي خرج في الشارع كئيبا يوم قتل سيف الدين ليس من اتباعه، ولم يراه يوما في حياته، لكنه لم يستطيع أن يستوعب فكرة موت مفكر، مهما كان الأمر لا يمكن احتمال الفكرة، أن يقتل إنسان صاحب رسالة كان يرغب في أن يغير العالم، لان الذين يمتلكون رغبة قوية في تغيير العالم مدعمة بالأفكار السامية قليلون جدا، ولا أدري أي تصاريف يذهب الدهر نحوها، هل كانت حكمة ما تنتظر أهل السودان وراء مقتل سيف الدين وبقاء رجل مثل حمد النحلان، هذا ليس كلامي، هذا ما قاله أحد أصدقائي ونحن نعيد التفكير في الطريقة التي تسير بها الأقدار في هذه الدنيا، ولو تعاملنا مع الأمر بمنطق الأستاذ سيف الدين لفهمنا أن هناك حكمة ما وعلينا أن لا نستعجل الجواب، ففي يوم ما سوف تنكشف حجب الغيب ونفهم السبب لو بقينا على قيد الحياة. نفس الأقدار لم ترحم النحلان حين ضحكت له لساعة ثم عادت به إلى حصار السجن، كنت أضحك كما الأقدار عندما تمرد اتباع النحلان عليه وأقول الآن فهمت سببا لتفكيري القديم، فيما كنت أفكر سأقول لكم.
    قيل أن أغادر الوطن مغتربا، كانت تشغلني فكرة أن أكتب كتابا أقارن فيه بين سيف الدين السوداني، وحمد النحلان، قد تبدو للبعض أن المقارنة ستكون غريبة لكنها ممكنة، ولا أستطيع الآن تحديد مصدر منابعها، ربما جاءتني في ساعة حلم أو في اليقظة وأنا أدخن أو ربما في المرحاض، لا أعرف بالضبط، كنت أتخيل أن النحلان وسيف الدين توأمان عاشا برؤية واحدة لكن كل منهما سلك طريقا مختلفا عن الأخر، قد يقول البعض أن النحلان وأتباعه كانوا وراء مقتل سيف الدين، ولا أناقش هنا صحة ما يقال، وحتى لو كان ذلك صحيحا، فهو لن يمنع التشابه بين الرجلين، فالأفذاذ يدفع بعضهم بعضا.
    التشابه بين الرجلين كان الخروج على السائد والمألوف، جاء النحلان بمشروع لتجديد التراث الديني ولم يكمل المشروع لأنه انشغل بالسياسة وبناء الدولة فيما بعد، الدولة التي أصبحت طامة كبرى عليه، وجاء سيف الدين بمشروع الحكم الربانية وهو مشروع تجديدي في خلاصته، يريد أن يغير السائد في وعي الناس للدين، أجزم بأن حمد النحلان الذي قابلته مرة واحدة في حياتي وصافحني بقوة في عام 1993 في دار تجديد منهجية التراث الديني الواقعة بالخرطوم، كان له نفس أهداف سيف الدين، لن أقول أنه جبن في الطرح، لكنه أراد أن ينتصر بالمكر والحيلة فهزمه الله، ذلك لأن الله لا يغفر لمن يريد مدانته في سبل مكره، لقد خلقنا الله لكي نكون مثله، لكنه لا يرضى لمكرنا أن يتطاول عليه.
    هناك سيدة ترقد الأن في المستشفى العسكري بأمدرمان وهي تعرف الكثير عن تفاصيل هذه الرواية، ولا أدرى ماذا سيكون مصيرها، قد تموت أو تحيا، هذه السيدة ويفضل لي أن أسميها الآنسة رغم تجاوز عمرها الخامسة والأربعين، استفادت كثيرا من تجربة الصراع الديني في السودان، في أعمالها الفنية التشكيلية، وللأسف الشديد لم يتعرف عليها أحد كثيرا ليكتب عن تجربتها العميقة، أعنى أحد المهتمين السودانيين، وكنت في فترة ما أتوقع أن تكون هناك مبادرة للكتابة عنها من أحمد العركي الذي كتب كثيرا عن رموز الحركة التشكيلية السودانية وهو الذي ابتدع مصطلح التأصيل في التشكيل، لكنه لم يكتب عنها، ولا يمكنني أن أفهم سببا لعدم كتابته عن رمز هام وإستراتيجي في الحركة التشكيلية السودانية الحديثة.
    قبل أن يهاجمها المرض، أو داء اليأس على وجه التحديد، كانت سعاد نصر الدين معبأة بالحلم والطموح، ومثلت الحياة بالنسبة لها متعة كبيرة جدا، خاصة عندما تجلس في غرفتها المربعة ذات الطلاء الأزرق، تحاول أن تعيش تفاصيل حلمها الجميل للحياة في لوحة جديدة، تطلق عليها البعث، كان المساء نفس ليلة الإعدام المشؤومة لسيف الدين، وقد أحبت أن تأتي اللوحة لتحكي عن حركة الإنسان في التاريخ، أي كان هذا الإنسان وأين كان، الإنسان الذي رسمته أمس أو الذي ترسمه له اليوم. كان معنى الإنسان لسعاد نصر الدين يختلط في أحيان كثيرة رغم عمقها الفكري والمعرفي بالرجل الذي أحبته ذات يوم وهي طالبة في الجامعة وهرب منها دون أن تلحق به، أو ربما هربت هي منه، ليست متأكدة الأن بدرجة كبيرة كيف كانت الوقائع أو كيف سارت، حتى تحولت بعدها لآنسة عجوز، تزوجت الفن.
    منذ صغرها وهي طفلة تلعب بالطين، راودها حلم أن تصبح فنانة تشكيلية، عندما رأت مستر بيكر الرحال النمساوي عابرا بالرميلة بصحبة رسام يسجل له وقائع الحياة والناس، والتي ضمنها فيما بعد في كتاب ضخم عن رحلاته في وادي النيل، ربط فيه الصورة باللوحة بالذكريات والخواطر. نجد ان هناك فارقا زمنيا لا يمكن بعد معرفته استيعاب رؤية سعاد لمستر بيكر، لأن بيكر جاء في رحلته إلى السودان مع قبائل العبارين في عام 1816 م فيما ولدت سعاد بعد هذا التاريخ بأكثر من مائة وخمسين سنة، لكن نفهم هذا الأمر فأن ود ضيف الله صاحب كتاب الطبقات سوف يحل لنا هذه الإشكالية التي في نظره بسيطة جدا.
    كانت سعاد تصنع أشكالا من الطين أجمل من التي كان التيجاني يوسف بشير يصنعها في قصيدته الجميلة التي درستها سعاد في المدرسة الأولية، لكن التشابه بين سعاد والتيجاني في أن كل منهما كان يحطم الطين بعد أن يصنع منه جسدا جميلا، يكاد أن يكون معبودا صغيرا، أذن كان من النادر أن يعجبها الشكل الذي تصنعه، وقد ظلت هذه العادة تلازمها حتى بعد أن أصبحت فنانة محترفة، لا ترضى بمستوى اللوحة إلا بعد أن تعيد رسمها أكثر من عشر مرات، وفي لوحة البعث التي جسدت فيها يوم القيامة كانت المحاولات قد وصلت لخمس وثمانين محاولة غير مرضية، كانت ببساطة تبحث عن سر اللوحة، أو التميز وكان يحيرها معنى الغرابة والتفرد في العمل الفني، فكثير من لوحاتها التي بدأت لها غير ذات معنى وجدت حفاوة كبيرة في معارضها بنيروبي وباريس.
    إلى أن دخلت كلية الفنون الجميلة وتتلمذت على يد أحمد العركي كانت مشغولة بفكرة البناء والهدم، وبعد تخرجها بأربع سنوات استقرت على معايشة مفهوم البناء والهدم بأسلوب منطقي جدا عندما أفتتحت مكتبا للديكور الداخلي في الخرطوم، وكانت تشترط على عملائها أن لا يسـألوا عن موعد تسليم العـــمل، تقول لهم : " سأبني وأهدم وأغير حتى أصل للديكور المناسب ". لبعض العملاء من أثرياء الخرطوم الجدد لم يكن الأمر مقبولا، لكن الذين يفهمون في الفنون، ولهم رغبة صادقة في تشكيل ديكور عصري لمنازلهم ممتزج برائحة الحضارة النوبية القديمة وبعض الزخارف الأفريقية كانوا يلتزمون الصبر، ويدفعون مبالغ كبيرة لم تكن سعاد تطلبها منهم، أو تتوقعها، وهذا طبيعي لامرأة نشأت فقيرة .
    حياتها وبعد 45 سنة مليئة بالإنجازات المغيبة تبدو بالنسبة لها قصيرة، وهذا ما فكرت فيه الأن في المستشفى، وفكرت أكثر أنه لا جديد في حياتها بعد كل هذه السنوات والأموال الطائلة التي جمعتها، وسألت نفسها بخنق : " هل يرهن الفنان حياته للسـراب، لا يحقق حلمه ؟ " لكنها تداركت السؤال بعد تفكير بسيط " هل أنا متأكدة من حلمي تماما ؟". كانت صادقة مع نفسها، وهذه واحدة من الأزمات التي ورطتها في حياتها، وقد قلت لها قبل أن أكتب عنها في الرواية :
    - لن يصدق الناس وهم يقرؤون الرواية بأن هناك امرأة سودانية بهذا النبل والوعي العميق للحياة !
    - حتى لو لم تكن متأكدة من حلمها، ضحكت وهي تقول ذلك.
    - دعيني أقول أن حلمك ذلك الرجل الذي هرب منك ذات يوم.
    - لست متأكدة أنه هرب، ربما أنا الذي هربت.
    لم اقدر على مواصلة الحديث معها كانت تحس بالإعياء المبكر، وكانت إجازتي في الوطن على وشك النهاية، شهر واحد فقط، وقد لا أستطيع زيارتها مرة أخرى، عليّ بالسفر إلى الشمال، ومن ثم العودة إلى الخرطوم فالطيران إلى الخارج. فهمت بذكائها دون أن اشرح لها كثيرا مرادي، أنني أخطط لـنهاية الرواية قبل نهاية العام، فقـالت لي : " أخيرا وبعد رحلة من الإنجازات، لا أحس بثمرة لحياتي .. أكتب هذا، وأنا مسؤولة منه أمام الذين سيقرؤون الرواية".
    هأنذا أكتبه رغم مرارة كبيرة حاصرت روحي وجسدي في الطريق البري إلى الشمال، كان سببها أخر كلمات قالتها لي وهي تودعني على باب شركة الديكور في حي العمارات بالخرطوم : " الفن رسالة قذرة .. في دولنا علي البنت أن تكون ربة منزل أو عاهرة ".
    " أنت ترسمين لنفسك أم للناس يا سعاد لو أجبت على هذا السؤال سوف تتجاوزين يأسك؟ لماذا تصرين على أن كل شيء اصبح بالنسبة لك معاد ومكرر، وتحلمين في أحيان كثيرة لو عدت تلك البنت الريفية البسيطة التي تزوجت أبن عمها وأنجبت أولادا، لكن هل كنت ستحتملين الحياة بالشكل الروتيني ؟ أبدا لن تفكري بهذا الشكل الذي تفكرين به الأن في أن حياتك روتينية وثقيلة، لأنك تفكرين داخل تجربتك وواقعك الحالي، يجب عليك أن تخرجي من دائرة معاشك حتى تفكري بشكل جيد، تخيلي أنك بنت صغيرة، سعاد التي لم تكبر بعد، ولكن كيف ستتخلين ذلك وقد صار الواقع، عليك أن تواجهي جراحك الأن، الجراح التي تؤلمك فعلا وأنت في إعيائك الشديد، بعد الحادثة التي تعرضت لها بسبب الإرهاق والتفكير الدائم. ما الذي سيقوله الناس عنك خاصة بعد أن تورطي مع هذا الكاتب المتهور في أن يزجك في رواية، ليتسلى الناس بحكايتك، هل تهاتفينه الأن وتقولي له دع هذا المشروع، هذا جنون، لكنك كنت دوما تؤمنين بالفن ودور الأدب في حياة المجتمعات، وقد قلت له بالعبارة الواضحة : لقد قبلت عرضك دون مقابل لإيماني بأن تجربة حياتي ملك للجميع. تتردين الأن في مهاتفته، ولتفكري في الأمر بشكل جاد، كم أنت غبية رغم ذكائك، هل ترك لك رقم هاتفه أو بريده الإلكتروني، لم يترك لك عنوانا، ولا حتى من يكون اسمه، هل من الممكن أن يكون اسمه _____ حتى لو كان الاسم صحيحا أو مستعارا هل ستصلين أليه. ثم لتكوني موضوعية ألم تشترطي عليه بعد أن قص عليك فكرة الرواية ألا يحتل سيف الدين السوداني أو حمد النحلان أو خالد المسافر مساحة أكبر منك فيها، ووافق على هذا الشرط، ولكن هل لك أن تجزمين بأنه سيفِ بالوعد ".
    واصلت سعاد التفكير مع ذاتها على سرير المستشفى، واقتنعت بعد تفكير طويل أن تنسى موضوع الرواية، عادت للتفكير في علاقتها بالفن، هل حققت متعة من وراء رهن حياتها للريشة واللون، ثم انخرطت في البكاء العميق.
    بكاء الفنانين صادق، خاصة إذا ما كان الفنان صادقا في الحياة، ولهذا انهمرت دموع سعاد نصر الدين بقوة على اللحاف من تحتها، تراجعت بها الذاكرة ليومين مضيا كانت وفي مثل هذا الساعة تراقب وجهها في المرآة، وراء الستارة، بعد أن أزاحت الستارة جانبا، ثم عادت لتغطى المرأة حتى لا تواجه حقيقة عمرها الذي مضى، فبالنسبة للنساء إذا ما عبرن سن الـ 45 دون زواج، يكون كل شيء في الحياة لا قيمة له، ومن السخف أن تحاول تسلية روحها بقولها : " تزوجت اللون والريشة ".
    المفاجأة التي لم تكن تتوقعها بعد أن أزاحت الستارة للمرة الثانية، وراقبت وجهها في المرأة، أن ترى فتاة في مقتبل العمر جميلة جدا، ولو لم تكن تتعامل مع الجمال في حياتها بشكل يومي، بل هو مهنتها، لما وثقت من ما سره قلبها لها، لكن إدراكها للجمال ووفق معاييره الأكاديمية الصعبة جعلها تحس بالسعادة، وأنها ما زالت قادرة على اجتذاب الرجال، إذن لا مبرر لإهمالها المتواصل لنفسها وتصرفاتها الرجولية، عليها منذ اليوم أن تخلع بنطلون الجينز، وأن تبدل تسريحة الشعر اليائسة وأن تدخل في الحياة بعمق.
    ما أن دخلت الحمام وبدأ الماء يصب على جسدها حتى عادتها حالة القرف والإحساس بالشيخوخة المبكرة، ومن جديد عزت نفسها تحت الماء الدافئ بأن المال له سلطان مثل الجمال ولئن لم يرغب الرجال فيها لجمالها فسيرغبون في ثروتها، لكنه ستكون رغبة مزيفة، هل تبحث بعد هذا العمر عن حب مزيف.
    تحت الماء، سافرت إلى بلاد كثيرة، زارتها بالفعل في أزمنة متفاوتة، حاضرت في أمكنة مختلفة عن فنون النوبة وحضارة البركل، وعن رحلتها الفلسفية في علاقة الإنسان بالفن والجمال، وأن الإنسان الذي لا يتذوق اللوحة، كما يتذوق الأكل لا حياة فيه، جمعت ملايين الجنيهات من المعارض والمحاضرات، وقبل أن تغلق الدش تذكرت أنها وحيدة، بدأت في ترقية الصابون على جسدها وملامسة الفراغ المجهول ما بين فخذيها، حركت أصابعها في بطء في البداية، ثم زادت الحركة تدريجيا وهي تحاول تجميع شتات صورة الرجل الذي غاب منها ذات يوم. تهشمت الصورة في ذاكرتها وصعب عليها أن تجمع الخطوط والنقاط المتناثرة، تداخلت صورة الرجل مع صور ولوحات وأشياء أخرى في حياتها، وفي لحظة ذابت فيها في حالة أشبه بالغيبوبة، تقاطعت مع طفولتها وهي تلعب بالطين، تدحرجت على البانيو، لكنها تماسكت بصعوبة، وهي تبصق دما على بلاط الحمام.
    " الأن عليك أن تواجهين قدرا لابد منه، مصيرا كان قريبا منك وكنت تبعدينه عنك، اقترب الأن، ذلك هو طعم اليأس والحزن" قالت ذلك وهي ترش الماء على جسدها، تحس بتثاقله، لم تمتلك هذا الإحساس من قبل.أسرعت لارتداء البنطلون الجينز والقميص الأسود، رمت شعرها للوراء تعيد النظر إلى وجهها المثقل بالحزن، في بداية صيف غائظ في الخرطوم، مشت على السلم بتثاقل حتى أدركت نهايته، عانقها هواء الخرطوم الحار في شهر أبريل، أدارت السيارة البيجو تعافر الشوارع المرهقة بالحفر حتى وصلت المكتب.أغلقت الباب عليها، لم تسلم على أحد من الموظفين في الشركة، ولم تبتسم كعادتها، عاجلتها سناء بالكلام :
    - العقود جاهزة للتوقيع.
    - سنؤجل كل المواعيد، قالتها بصرامة وحزم شديدين.
    - لكن؟
    - قلت لكن سنؤجل، كغير عادتها صرخت فيها.
    شعرت سناء بشيء غريب في ذلك الصباح، لم تتعود أن ترى سعاد تتحدث بمثل هذه الطريقة، هل يتحول الفنان فجأة لثور بيكاسو، حاولت أن تتكلم معها من جديد، لكنها صرخت فيها بعصبية :من فضلك أغلقي الباب ورائك، لا أريد أحدا، لا أريد كلاما كثيرا.
    مضى ذلك النهار ثقيلا، أطول من كل نهارات حياتها، بدأ لها الفن مهنة قذرة لجمع المال والتجرد من معنى الإنسانية، كرهت يوم دخولها كلية الفنون الجميلة، ويوم بدأت تكتشف موهبتها في الرسم والتلوين، أحست بدوار وجنون خفي يطاردها، تأملت وجهها في الحمام الملاصق لمكتبها، كان ذلك يوم خصص لتأمل الوجه الغريب الذي حملته معها 45 سنة، وجدت أخاديد ومستنقعات استوائية تحاصر الوجه ولون غريب بدأ يكسو باقي أيامها في الدنيا، صرخت وحيدة، بكت وتنفست بصعوبة.
    ينقضي النهار على عجل وأمامها عشرات المواعيد، لن تف بواحد منها، سألت نفسها لماذا تحاصر ذاتها هل تريد المزيد من المال، أم تبحث عن الشهرة ولما ؟.
    " أنتِ في واقع الأمر لا تعرفين ماذا كان ينقصك بالضبط، لتقولين بصراحة أنني فقدت حنانا دافقا، صدرا يضمني، ويعيد إليّ أنوثتي الغائبة بين الألوان وفي السفر، وبين كتب الهرطقة التي عبأت رأسك باليأس، لماذا حكمت على حياتك بالموت، وكنت تفكرين دائما بأن هناك طرق أفضل للحياة، بإمكاننا أن نعيش بطرق مختلفة وأن نصنع حياتنا بأكثر من شكل، لكننا نختار طريقا واحدا لا نحيد عنه، هل هو القدر، إذا كان الأمر كذلك فهو نوع من العبث والسخرية القاسية، هل خلقنا الله ليعبث بنا ويستمتع بهذا العبث، أم تركنا لنواجه وحدتنا، نحن لا نقدر على العيش وحيدين مثله، وفي أحيان كثيرة تكون الحكمة والإدراك والوعي الكبير ضد الانتفاع بالحياة، أن يغالط المرء فطرته وتكوينه، يكون مكابرا، ليحصد النتائج الوقحة".
    تراجعت ذاكرتك للوراء ببطء.. " كم من الرجال حاولوا الاقتراب منك، كنت ترفضين، هل كنت تفهمين أنك أنثى جميلة أم كنت تتحدين المجهول فحسب، لم تكوني معروفة كما أنت اليوم، لم يكن لك مالا، أو أدركك اليأس، كنت فتاة يافعة أو شجرة نخيل باسقة في جدول الحياة تتهادين ذات اليمين وذات الشمال معجبة بفلسفتك تجاه وعي العالم وفحوى الإنسان الجديد الذي أنتجته الحضارة المادية، مغترة بعنفوانك المداري ورائحة اللوحات المباعة في جاليريهات نيروبي لفتاة قادمة من جنون الصحراء على ضفاف النهر القديم. لماذا رفضت الزواج من سعد الطيب، وقلت سأتزوج الفن، الفن والزواج لا يجتمعان في بيت واحد، كان سعد قد لاحقك، وتعترفين أنه أول من رد إليك اعتبارك ساعة أغفل الآخرون الاعتراف بموهبتك الفذة، عرف أنك تتمتعين بصفاء البال وأنت تتلمسين الطريق وسط خنادق الإحباط والملل المتلازمين مع خوفك من الغد، علمك بأن الغد جميل وراسخ عندما نتحلى باليقظة، يجب أن لا نغفل ولو لثالثة واحدة حتى لا يداهمنا الوجع. استمر في اعترافه بك، وبرؤيتك الثاقبة للفن الجديد في السودان، وتوظيف الرموز الدينية في الفنون التشكيلية، كان أول من كتب عنك في صحف الخرطوم وصفك بأنك تنتمين لجيل مغمور لم يجد الشفاعة من لدن الأجيال الجائرة، أخرج فيما بعد كتابه عن تجربة سعاد نصر الدين الفنية، كنت كمن يحلم، لكنه كان واقعا، لم تصدقِ أن الأحلام الصغيرة يمكن أن تكبر وتكون واقعا في بلد لا يشفع لمبدعيه، تحدث عنك بإخلاص الناقد الذي يفهم ويحترم عمله. كان بإمكان سعد الطيب أن يكتب عن أشياء أخرى لكنه كتب عنك، ولم تقدري ما قام به من أجلك أنت وحدك، اعتبرت كتابه مجرد محاولة للحاق بك، بالفتاة المدارية التي أدركت فيما بعد كيف تشق طريقها في وعر العالم وتحقق الشهرة ".
    في رحلة العودة إلى المنزل منتصف الظهيرة كان عليها أن تمر على السوبر ماركت في حي الرياض كما تعودت يوميا لتشتري أغراضها المنزلية، كانت تقود السيارة على عجل، على عكس ما تعودت، وفي دائرة الازدحام وبين أفكارها المتزاحمة المشتتة اصطدمت بالشاحنة الكبيرة القادمة من بورتسودان.
    لم تفتح عينيها إلا في المستشفى بعد يومين كاملين فاقدة للذاكرة تماما، كأنما ولدت طفلة من جديد، سألها الطبيب عن اسمها عن أبوها عن مهنتها عن... لم تعرف جوابا لأي سؤال كانت تهز رأسها كالطفل وتبكي، بعد أن غابت الذاكرة وتعثرت، كان الحادث في نهار منتصف أبريل، ولم تفق من الصدمة إلا بعد أربعة شهور، حيث استرجعت ذاكرتها تدريجيا، وخلال الشهور الماضية عرف الكثيرون بالخبر، كان الزوار يدخلون ويخرجون من فنانين تشكيليين وعملاء في شركة الديكور وأصدقاء وأهل، لم تحس بهم في دائرة غيبوبتها عن الوعي.
    زارها سعد الطيب بعد أن قرأ الخبر في زاوية صغيرة في الصفحة الأخيرة بإحدى الصحف المحلية، تألم وهو عائد من رحلة غياب طويلة في مصر أن يكون الخبر متواضعا، لكن ذلك رسخ يقينه بأن موضوع الفن لم يعد يشغل الدولة، في ظل الحرب الدائرة في الجنوب ومفاوضات السلام الدائرية، وفي الصباح الذي زارها فيه إلتمعت عيناها على وجه ألفته قبل عشرين عاما، غاب عنها فجأة في زحام الحياة، وجهه بدا لها كأنه قادم من وراء أحجار البركل، كان ذلك اسم أول معرض أقامته في هيلتون الخرطوم قبل أن تمتطي صهوة جواد الشهرة، كان سعد يرتب اللوحات ويعلقها في أماكنها، ويحاور مدير الفندق الإنجليزي عن سعر الإيجار للجاليري.
    عندما جلس بعمامته الضخمة وجدت نفسها تبتسم، تدخل في مغارات الذات الخفية، تخرج منها بفتاة ولدت للتو بعد غياب الذاكرة اسمها سعاد نصر الدين، شعرت بتراجع السنوات للوراء، قبل سنوات طويلة قررت أن لا تبتسم له بعد أن حدثت المعركة الفاصلة في صالة الفنون بوسط الخرطوم في إحدى الندوات الفنية، كان سعد الطيب قد تدخل وسط المناقشات ليقول أفكارا مغايرة للجميع عن تجربتها التشكيلية، قاطـعته بـقوة : " أنا أختلف معك، ولا أحب أن تتكلم عن أعمـالي بهذا المـدح المقذع ". استغرب الحضور، هل يرفض إنسان ما مهما أمتلك من الوعي أن يمدح وأن يقال عن تجربته بأنها متقدمة لم يستوعبها الناس بعد، لكن ذلك حصل، دون أن تفهم سعاد المبرر الحقيقي لفعلها، لكنها خرجت محفوفة بحالة من الألم والضيق والخوف المغلف بالحقد والغيرة، ضد من وفيما لا تدرك ؟!
    عندما نصطدم بوقائع كبيرة في حياتنا، ولكي نتخلص منها بوقاحة يجب أن نعود أطفالا، فكر سعد بمثل هذه الطريقة وهو يركل قدميه إلى المستشفى، قرر أن يمضي إلى هناك وأن يجرب بعد عشرين عاما من الغياب، هل ستطرده، لربما، كانت التوقع مجهولا، وفي ذلك اللقاء الذي تفتحت معه الذاكرة الغائبة لشهور اكتست سعاد بالحياة من جديد، كانت أخاديد في الوجه الذابل تردم في عفوية، وكان زمن غائب في السماوات العلية يتدلى، أو ربما جاء زمن آخر لا ينتمي لزمن الأرض، كان بعثا من نوع فريد، في تلك اللحظات أكتشفت سعاد أن المحاولة رقم 86 لإكمال لوحة البعث لم تكن هي نهاية اللوحة فقد كانت هناك نقطة غائبة في مكان ما من اللوحة، انتبتها حالة من الجنون أن تغادر المستشفى في الحال إلى غرفة الأستوديو بالبيت لتضيف النقطة الغائبة منذ 16 عاما، النقطة التي تقول بأن البعث كامن فينا وأن علينا أن نكتشفه من خلال التوقعات والصدف، لا يوجد شيء في هذه الحياة يسير بنظام، هي لوحة كبيرة من الفوضى، وعمق هذه الفوضى يكمن في إدراك أننا يجب أن نكون، رغم كل الظروف.
    كانت امرأة أخرى من زمن ثان ملونة برائحة الحزن والرغبة في التصالح مع الآخرين قد بعثت في ذهن سعد الطيب، في ذلك الصباح قالت له :لن أطلق الفن، صمت ظنها تفكر بنفس الطريقة القديمة، هل كان إحساسه الآني كاذبا.
                  

05-19-2004, 08:02 AM

أمير تاج السر

تاريخ التسجيل: 04-04-2004
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رواية في حلقات - البعث ( الفصل الأول ) مهداة إلى روح الأستاذ محمود محمد (Re: emadblake)

    واصل دفق هذا النشيد يا بليك
    أعود فيما بعد لأعلق .
                  

05-19-2004, 10:42 PM

emadblake
<aemadblake
تاريخ التسجيل: 05-26-2003
مجموع المشاركات: 791

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رواية في حلقات - البعث ( الفصل الأول ) مهداة إلى روح الأستاذ محمود محمد (Re: أمير تاج السر)



    أخي الدكتور أمير تاج السر

    أنا في انتظار تعليقك... ونقدك المفيد... من قامة سمقت ...
    ونجم عبر بنار زغاريده إلى عواء مهاجره ليرسم لنا طحين الفوضى
    ولوحة المرايا

    شكرا

    عماد
                  

05-21-2004, 08:23 PM

الحسن بكري

تاريخ التسجيل: 06-17-2003
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رواية في حلقات - البعث ( الفصل الأول ) مهداة إلى روح الأستاذ محمود محمد (Re: أمير تاج السر)

    عماد،

    ينساب السرد انسياباً. كما تعلم، يجري القاص مراجعات عديدة، عديدة جداً، للفصول التي ينجز من روايته. هل من إفادة بخصوص المرحلة التي بلغتها كتابة هذه الرواية؟
    واضح أنك تعتمد على تداع حر في السرد. هي تقنية سهلة وصعبة في وقت واحد. مثلاً، يلزمك الإلمام على نحو تفصيلي صارم بالوقائع التي تسرد، فلا تدعها تضيع أو تفلت في حمي توارد الأحداث والمشاهد المتدافعة.
    رغم أن اطلاعي على الجزء المنشور لا يؤهلني لإبداء ملاحظات موثوقة، إلا أننى اقترح عليك الفصل بين الجزء الذي يسبق سعاد نصر الدين وذلك الذي يليها ثم محاولة إثراء الأحداث و"مطها" إذا لزم حتى يتمكن القارئ من لملمتها بعقل بارد وروح مطمئنة!!
    لترعاك السماء ولتؤازر مسعاك. أظن أن كتابة رواية تستلزم قدراً كبيراً من التواطوء بين الأرض والسماء
    !
                  

05-19-2004, 10:53 AM

adil amin
<aadil amin
تاريخ التسجيل: 08-01-2002
مجموع المشاركات: 36923

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رواية في حلقات - البعث ( الفصل الأول ) مهداة إلى روح الأستاذ محمود محمد (Re: emadblake)

    الاخ عماد
    تحية طيبة
    نشكرك على السرد الفتوغرافى الجميل..ولكن يبدو ان الفصل الاول يحوى على اكثر من فصل انسابت مع السرد ..هذه الكتابة اشبه بالتداعيات الحرة..فى محاولة لادخال القارىء فى اجواءها الحزينة...الايقاع السريع عبر زمان ومكان الفصل الاول ..يعيق وجودهما...حيث تتحرك الاحداث فى فضاء مفتوح وتنقلك الى اكثر من زمان واكثر من مكان من تاريخ ذلك اليوم المشؤم18 يناير 1985
    ولنا عودة يا اخى عماد للخلفية السياسية للكاتب او الراوي الذي يروى بلسان الكاتب ..وهذا ابداع حر يمجد المواطن والديموقراطية..واضافة حية لثقافة السودان الجديد
    استمر...استمر نحن متابعين والتحية لامير تاج السر بعد غيبة طويلة
    *******************


    كلت مباني ما أقول عن الذي
    أرمى إلى معناه أو إثباته
    قلت المعاني في عظيم بنائها
    وكل يرى قولي على مرآته
    إن الذي يلقى الهناء بجيرتي
    ينجو وينجى أهله بنجاته
    وعلوم أرباب المعارف إن سمت
    في طي علمي خردل بفلاته
    ومراتب الأحوال عندي سرها
    هي مظهر المحمود في رقوا ته
    وحظائر الأقداس ملء حياضها
    نور لغيب الليل سر لباسه
    لما تراءى للعيون جمالها
    كد المحب بها نهار معاشه
    أنى إلى جدي فقير علمه
    يكفى جميع الكون بعض فتاته
    والمجتبى عندي يجافيه الردى
    أنى لديه الزيت في مشكاته
    لا ينطفي نور لمشكاة بها
    زيتي فزيتي تلك بعض صفاته
    لا تنثني همم تسير بهمتي
    فيها حياة الخل بعد مماته
    وخزائن الأسرار اعرف ما بها
    ما ذاق منها من أحس بذاته
    إن المريد إذا تزيا زينا
    أضحى الخفاء المحض بعض صفاته
    ومناقب الأحباب إن رمتم بها
    علما فعلم كنت بعض ثقاته
    البعض بالقرآن ضل وما اهتدى
    يا خيبة المسعى بطول سباته
    أنى لقرآن اللسان مرتلا
    مترنما ومفصلا آياته
    وكذا قرآن البيان مبينه
    وبه أقيل الخل من عثراته
    أنى بقرآن العلوم لعالم
    أنبئت عن معناه من كلماته
    أنى لقرآن العيان معاين
    في كل مرقى التقى بذواته
    أنى لقرآن المشاهد شاهد
    وبه رعيت الحب من إنباته
    وشواهد التوحيد فيه اكنة
    وشاهد التوحيد لب مواته
                  

05-19-2004, 02:44 PM

Napta king
<aNapta king
تاريخ التسجيل: 04-03-2003
مجموع المشاركات: 767

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رواية في حلقات - البعث ( الفصل الأول ) مهداة إلى روح الأستاذ محمود محمد (Re: adil amin)

    الاخ عمده ود البليك
    تحياتي
    سبق لك ان نشرت في هذا المنبر هذا الجزء ثم توقفت عن الكلام المباح وغير المباح
    ارجو نشر نبذه او ملخص لرويتك التي صدرت حديثا (الانهار العكره)
                  

05-20-2004, 00:19 AM

emadblake
<aemadblake
تاريخ التسجيل: 05-26-2003
مجموع المشاركات: 791

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رواية في حلقات - البعث ( الفصل الأول ) مهداة إلى روح الأستاذ محمود محمد (Re: Napta king)



    الصديق الهارب نبته كنج

    كيفك مع الأيام والدنيا الجديدة

    الأنهار العكرة ستوزع قريبا في السودان انشاء الله

    ولكن هناك فصل نشر منها في البورد وعنوان اللنك هو

    http://www.sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=...ard=2&msg=1057117948

    تحياتي للأخوان منتصر وعادل

    عماد
                  

05-20-2004, 00:12 AM

emadblake
<aemadblake
تاريخ التسجيل: 05-26-2003
مجموع المشاركات: 791

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رواية في حلقات - البعث ( الفصل الأول ) مهداة إلى روح الأستاذ محمود محمد (Re: adil amin)



    شكرا الأخ عادل أمين

    أود أن أعلق على بعض ما اشرت له على الرغم من أن الكاتب من المفترض ألا يعلق على النص ... لكن هناك اشارات مهمة في طي ما كتبت

    أولا :

    Quote: ولكن يبدو ان الفصل الاول يحوى على اكثر من فصل انسابت مع السرد


    ربما كان ما أشرت لك صحيحا فالفصل الأول يفتح بوابة الاسئلة تجاه النص كاملا والرواية في الأصل مكونة من سبعة فصول يعمل كل فصل منها لإضاءة مشهد من الفصل الافتتاحي - المركزي - المسمى البعث.

    وفي العمل بشكل عام حاولت البحث عن مفهوم أو مغزي أي أن الرواية لا تهتم كثيرا بالشخوص والأحداث والأزمنة، فهي تشتغل على تفكيك معنى كلمة البعث ...

    Quote: للكاتب او الراوي الذي يروى بلسان الكاتب


    عبارة الرواي يروي بلسان الكاتب أعتقد أنها دقيقة ... بعض الشيء .. فالأزمة في فهم بعض النصوص الروائية تقوم على أن القارئ يبحث عن بطل منفصل عن هوية الكاتب وويبدو لي انه أمر صعب جدا

    شكرا وانتظر عودتك

    عماد
                  

05-20-2004, 01:25 PM

adil amin
<aadil amin
تاريخ التسجيل: 08-01-2002
مجموع المشاركات: 36923

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رواية في حلقات - البعث ( الفصل الأول ) مهداة إلى روح الأستاذ محمود محمد (Re: emadblake)

    الاخ العزيز عماد
    ونواصل
    طبعا القصة من نوع الادب السياسى الذى يحمل فى طياته اشا رات لتشريح واقع كائن ومحبط الى عالم اجمل..ومن المضامين الهادفة فى هذا الفصل نلخصها فى كلمة التضحية والعبقرية..عبر تناول الشخوص هذه المرة
    1- الاستاذ الذى ضحى بنفسه من اجل شعب حتى هذه الحظة لم يقدر ثمنها ويدفع مراراتها كل يوم من نفس الافاكين
    2- سيف الدين البطل المجهول الذى صنع حلما لوطن جميل ولم يتحقق ووصل الى اخطر مراحل الاغتراب ..عندما يحس الانسان انه اضحى فى صراع مع القدر
    3- سعاد التى قاربت مقولة المبدع الراحل محمد عبد الحى..ان هناك فردوس مفقود فى الدنيا ولكنه موجود فى الفن..وايضا قولة شاعر مدينتنا حمزة محمد الحسن(مجهول ايضا)..ان المبدع الحقيقى هو طفل حكيم عارىwise nude child...حاولت سعاد ايضا مقاومة العبث الذي ينقلنا له الكاتب من من اول كلمة عن الفواجع التى حدثت فى ذلك التاريخ(العساكر) واشعرتها بعبثية الحياة..من خلال الرسم والذى استهدفت به وطن جميل لا وجود له.. ثم هربت الا هذا العالم السحرى الذى صنعته بنفسها تاركة كل ما يعرفه البشر العاديون من حب وزواج
    الاخ عماد يمتاز ابناء الشعب السودانى انهم يعيشون بموقف..ما عدا بعض السياسيين منهم
    المواقف الثلاثة فى الفصل الاول لمفكر ولمواطن ولفنانة..هى فى مجملها تحوى فكرة الاشادة بهذا الشعب
    الموقف النقيض الذى ياعانيه الرواى هو الذى يشرح لنا البيئة الرديئة والخالية من الاكسجين(نقاط التفتيش والعساكر) الذى يعيش فيها هذا الشعب العبقرى الحر المتمثل فى الشخوص الثلاث اعلاه ...عبقرية المواطن العادى التى امتدت منذ ايام المعرى الى ايام الاستاذ محمود والطيب صالح ..وقد هاجم الكاتب بلسان الرواى..الاوضاع التى تجعل الناس لا يهتمون برموزهم الوطنية والابداعية الحقيقية..حتى يغيبهم الموت(سعاد فى المستشفى)..واعتقد ان هذا التساؤل الاول الذي يطرحه الفصل الاول
    ************
    اخى عماد
    انى اقدر ما تكتب وانى ليس بناقد محترف ولكنى قارى جيد بين السطور
    *************
    نتعمد الاسراف كى
    نستر الفاقة
    الزاد خبز حاف
    والنفس افاقة

    (عدل بواسطة adil amin on 05-20-2004, 05:23 PM)

                  

05-20-2004, 06:09 PM

emadblake
<aemadblake
تاريخ التسجيل: 05-26-2003
مجموع المشاركات: 791

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رواية في حلقات - البعث ( الفصل الأول ) مهداة إلى روح الأستاذ محمود محمد (Re: adil amin)



    الأخ عادل

    أعود مجددا

    Quote: انى اقدر ما تكتب وانى ليس بناقد محترف ولكنى قارى جيد بين السطور


    إشارة لماقلت، يقول الكاتب البرازيلي باولو كويلهو أنه فهم ان يكتب بطريقة أفضل من خلال ملاحظات القراء ... النقد العلمي المؤسس
    له دور في إضاءة النص وإيصاله إلى القارئ وفتح بوابات غير مرئية..لا شك ... والقارئ له عين رابعة ترى الاشياء من منظور يقدر على فحص كيمياء النص ...

    اقدر لك ما كتبت من تشريح .. فالنصوص مهمتها أن تضيء العالم نحو
    أن نسبر الظلمة إلى آفاق رحبة.. وأتمنى أن اكون وفقت نوعا ما..

    عماد
                  

05-22-2004, 04:13 PM

adil amin
<aadil amin
تاريخ التسجيل: 08-01-2002
مجموع المشاركات: 36923

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رواية في حلقات - البعث ( الفصل الأول ) مهداة إلى روح الأستاذ محمود محمد (Re: emadblake)

    الاخ العزيز عماد
    تحية طيبة
    حبكة الرواية بالنسبة للزمن تتوقف عل نوع الرواية وهى ايضا اشبه بلافلام..دائما فى الافلام محزنة بكون تحرك الكاميرا بطى والضوء ايضا شاحب ..وفى الاكشن يكون ايقاع الزمن سريع والاضواء مبهرة ..ولكن في هذا الفصل رغم الاحداث المحزنة التى يضج بها الفصل...الا ان الانتقال السريع من حدث الى اخر دون فضاء زمانى اومكانى لا يعطى الجرعة المركزة من الصدمة التى تريد ان تحدثها فى نفس القارى..هناك تقنيةبسيطة وهى وصف المكان والطبيعة والزمن صباح او غروب..فى جمل اعتراضية بين النصوص تجعل القارىء يدخل جو الرواية..مثلا فى حالة يوم اعدام الاستاذ يمكنك ان تصف منطقة السجن كوبر وتقاطر الموطنين وشروق الشمس فى صباح ذلك اليوم..مثلا (نهضت شمس صباح ذلك اليوم فى تثاقل كانها تتوكا على عكازتين..وكان التراب العالق قد غلف المدينة بثوب رمادى يحمل لون الموت)..وبذلك يكون القاريء قد دخل فى حالةوجدانية تناسب الحدث..السرد لديك ممتاز..ولكن التقنية التى تكتب بها فيها روح القصة القصيرة..لان الرواية تسهب فى وصف التفاصيل..لذلك تجد الادب السوفيتى كتبه فى مجلدات ضخمة...اعتقد ان الكاتب الممتاز هو الفاريء الممتاز..وكلما قرات رويات متعددة خاصة ادب امريكا الجنوبية ستتمكن من الكتابة الغزيرة التنوع والاثراء..مع العلم انك فى كتاباتك تهتم باهم شيى يجعل الكاتب عظيم..المضمون..لقد قرات قصتك عن المقبور عدى وارسلتها للعراقيين اشادو بها..ولكن دهشت لتسمية هذه الرواية البعث..هذا عنوان مضلل(حزب البعث العربى)..لان علي ما يبدو العبث هو الاسم المناسب..حسب ما يراه الرواى فى القصة من فوضى الاحداث...وعدم اقتناعه بكل ما حدث ومايحدث حوله..اعتقد ان اخر شيء يجب ان يفكر فيه الكاتب هو اسم القصة حتى يفرغ منها بل هو اصعب شىء وانى متاكد ان هناك اكثر من عنوان يدور فى مخيلتك...ونواصل
    *************
    نتعمد الاسراف
    كى نستر الفاقة
    الزاد خبز حاف
    والنفس افاقة
                  

05-22-2004, 10:48 PM

emadblake
<aemadblake
تاريخ التسجيل: 05-26-2003
مجموع المشاركات: 791

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رواية في حلقات - البعث ( الفصل الأول ) مهداة إلى روح الأستاذ محمود محمد (Re: adil amin)



    الأخ عادل شكرا على تعليقك مجددا

    سأتناول ما ذكرته بهدوء جدا بهدف الحوار....

    1/ الزمن داخل الرواية :

    ما الذي يمكن أن يفهم من الزمن داخل الرواية ؟... في الرواية الكلاسيكية هناك إحساس واضح بالزمن داخل النص، لكن الزمن في النصوص الجديدة، تغير مفهومه كثيرا، فهو يكاد يكون غير موجود في الكثير من النصوص، ففي رواية مثل البطء لكونديرا لا يمكن أن نقول أن الزمن حاضر، لكن عدم حضور الزمن لا يعني غيابه الكلي.
    هناك نوعان من الزمن في الرواية الجديدة: زمن خاص بالكتابة، وهو الزمن المتقاطع مع فعل الكتابة، وزمن خارج الكتابة، هو الزمن الذي يتفاعل معه القارئ. في قراءتك للنص فإن الزمن لديك، هو زمنك أنت بكل خواص ذكرياتك وأحلامك، وهواجسك الإنسانية، وهو بالطبع قد لا ينتمي لزمن الكتابة، وهذا الذي من المفترض أن يكون وإلا سقط النص في المباشرة، وفعل الحكاية.
    لقد قلت أن النص لا يتنقل في فضاء زماني ومكاني محددين، هذا يعني بالنسبة لك غياب الزمان والمكان، لكن بالنسبة لي يعني حضورا للزمان والمكان، وهذا ليس من سبيل المغالطة، أي تعريف الشيء بنفيه، ولكن من سبيل أن اكتشاف الزمن أمر نسبي جدا، لقد كنت أكتب للدرجة التي أتخيل فيها أن المكان والزمان حاضرين بدرجة مبالغة فيها، وعندما انتهيت من الكتابة فهمت أن هذا الحضور قد يكون وهميا، لكنني اكتشفت أنني كنت اكتب عن زمن ومكان آخرين... دائما " الحياة في مكان آخر"، فما نتوهم أنه الحقيقة، لن يكون إلا مجرد شبح، سراب. وفي الرواية من الصعب القبض على الزمن كإيقاع متزن، متواصل، ولا المكان. ما نقبض عليه هو رغباتنا، ما نرغب فيه تجاه النص، وما نرفضه.
    هذا النص ليس رواية عن تاريخ مقتل الأستاذ محمود محمد طه، إنه يستدعي حالة عامة من خلال حدث ما، عبر ذات يوم، لازلنا نعيش أثره، لو كنت أريد أن أكتب عن سيرة الأستاذ فهذا أمر مختلف تماما، لهذا لا تجدني محتاجا لاستدعاء فضاءات سجن كوبر، أو ساحة الإعدام، فحياتنا كل سجون، وساحات مجهزة للموت، إننا سجناء داخل ذواتنا، ونمارس موتنا في كل لحظة من حياة ممهورة للغيب.

    2/ حكاية المجلدات الكبيرة التي كتب فيها الأدب الروسي والصورة:

    سيبدو فارقا وواضحا أن الرواية الكلاسيكية، كما في الأدب الروسي ، عبرت عن همّ إنساني في فترة كانت الفوتوغرافيا الكتابية فيها أمرا لابد منه، في زمن لم تكن فيه الصورة بارعة في ابتكار جاذبيتها، كما في زمننا هذا... الآن تتشكل الصورة على نحو آخر، ما يفعله الكاتب، إنه لا يصنع صورة جديدة، بل يكمل صورة في الزمن.. في قضية عدم استحضار مشهد السجن، تكون الصورة قائمة بمجرد أن الآخر قام باستحضارها، وإذا لم تتم هذه العملية – لنفترض لقارئ غير مدرك لتاريخ الحدث، فليس مهما، فهناك مئات بل ملايين الصور في الذاكرة التي يمكن أن تكمل المشهد بالنسبة له.
    أن تكتب يعني أن لا تبتكر صورة جديدة، فقط أن تكمل صور العالم أو أن تنفيها.

    3/ قصة عدي أو دنيا عدي = الرواية :

    في رواية دنيا عدي كنت أحاول أن أنجز مفردة إنسانية، قد توازي عدي صدام حسين وقد لا توازيه ولم يكن مهما بالنسبة لي أن أكتب عن عدي بقدر أن أكتب عن فكرة الخراب في الذات الإنسانية، فدنيا عدي هنا تكون عبارة عن الدنيا بمعناها العام، ولهذا في الرواية ستجد أن بعض الفصول مستوحاة من مناخات لا تنتمي للموضوع الأساسي، تبدو بعيدة عنه، لكنها في ذات الوقت قريبة بالمفهوم/ المغزى، الرواية، أن تخلق رؤيتك الشاعرية عن العالم بالنثر.
    وصف الشاعر والكاتب الفلسطيني غازي الذيبة في مقال له عن الرواية، دنيا عدي، بأنها تحوي ثلاث سير متوازية، سيرة عدي صدام حسن، سيرة الراوي، وسيرة الكاتب، وذهب إلى أن العمل أقرب للسيرة الذاتية عندما أراد تفكيكه من خلال مفهوم التداخل القائم بين سيرة الكاتب وسيرة عدي، ليحقق نتيجة مفاداها أن الرواية تقصد لفضح عالم من الدم والدمار.

    4/ لماذا البعث ؟...

    لقد تمّ ربط بين العنوانين، على أن (دنيا عدي) والبعث يكمل بعضهما الآخر، لكن كل عمل يختلف عن الآخر، ومفردة بعث هنا مستوحاة من مناخ العمل، البعث بمعنى حفز العقل نحو الحقيقة، وهو مفهوم لا يوافق ما ذهبت إليه ( مفردة عبث) فهما أمران مختلفان، قد تكون هناك قصدية أم لا ؟ لا أجد نفسي مشغولا بهذا الشيء، فلكل أن يقرر ما يراه، حتى أن علاقة الكاتب مع نصه لا تكون قائمة بمجرد الفراغ منه.
    بالنسبة لاختيار العنوان، ليس بالضروي أن يكون بعد الفراغ من العمل، قد يأتي في منتصف العمل، في بدايته، في أي ركن شاء، وهذا ليس بالأمر المهم كثيرا، فالقارئ يتعامل مع نص وعنوان، متى حدث ذلك ؟ لا أظنه سؤالا مهما !!!

    وليتواصل الحوار....

    عماد

    (عدل بواسطة emadblake on 05-22-2004, 11:01 PM)

                  

05-20-2004, 04:52 PM

Agab Alfaya
<aAgab Alfaya
تاريخ التسجيل: 02-11-2003
مجموع المشاركات: 5015

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رواية في حلقات - البعث ( الفصل الأول ) مهداة إلى روح الأستاذ محمود محمد (Re: emadblake)

    احيك علي هذا العمل الرائع اخي عماد
    والي الامام

    حصلت علي: روايتك المياه العكرة، من معرض ابو ظبي

    وهي الان في قائمة قراءاتي
                  

05-21-2004, 08:25 PM

الحسن بكري

تاريخ التسجيل: 06-17-2003
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رواية في حلقات - البعث ( الفصل الأول ) مهداة إلى روح الأستاذ محمود محمد (Re: Agab Alfaya)

    أعيد إنزال هذا التعليق في ترتيبه الصحيح فمعذرة.

    عماد،

    ينساب السرد انسياباً. كما تعلم، يجري القاص مراجعات عديدة، عديدة جداً، للفصول التي ينجز من روايته. هل من إفادة بخصوص المرحلة التي بلغتها كتابة هذه الرواية؟
    واضح أنك تعتمد على تداع حر في السرد. هي تقنية سهلة وصعبة في وقت واحد. مثلاً، يلزمك الإلمام على نحو تفصيلي صارم بالوقائع التي تسرد، فلا تدعها تضيع أو تفلت في حمي توارد الأحداث والمشاهد المتدافعة.
    رغم أن اطلاعي على الجزء المنشور لا يؤهلني لإبداء ملاحظات موثوقة، إلا أننى اقترح عليك الفصل بين الجزء الذي يسبق سعاد نصر الدين وذلك الذي يليها ثم محاولة إثراء الأحداث و"مطها" إذا لزم حتى يتمكن القارئ من لملمتها بعقل بارد وروح مطمئنة!!
    لترعاك السماء ولتؤازر مسعاك. أظن أن كتابة رواية تستلزم قدراً كبيراً من التواطوء بين الأرض والسماء!

    (عدل بواسطة الحسن بكري on 05-21-2004, 08:30 PM)

                  

05-22-2004, 00:05 AM

emadblake
<aemadblake
تاريخ التسجيل: 05-26-2003
مجموع المشاركات: 791

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رواية في حلقات - البعث ( الفصل الأول ) مهداة إلى روح الأستاذ محمود محمد (Re: الحسن بكري)

    الأستاذ الحسن بكري

    شكرا على تعليقك

    بالنسبة لحجم العمل فهو سبعة فصول أنجزتها تقريبا في مخططها العام، وكتبت جزءا كبيرا منها في تطور التعديل والتنقيح، وهذا الفصل الذي بين يديك أيضا خضع لتنقيحات عديدة، والهدف من إنزاله في البورد الاستفادة من الملاحظات التي يسردها العارفون والقراء.
    أتوقف قليلا معك عند قضيتين انسياب السرد، وإثراء الأحداث ولملمتها بهدف أن يتلقاها القارئ كما أشرت بعقل بارد وروح مطمئنة.. بالطبع فإن السرد لابد أن ينساب كنهر ولا يتوقف إلا بمعرفة الكاتب للحدود التي يتحرك فيها، في السابق كان الروائيون على غرار تولتستوي يقومون بإنجاز مخططات للعمل قبل البدء فيه، تماما كما يفعل المعماري عندما يخطط للبيت قبل بنائه، لكن هذا المخطط يتعرض للحذف والإضافة لاحقا...
    بخصوص النقطة الثانية، هناك سؤال: لماذا التفكير بأن القارئ دائما يحتاج للعصا، كمن هو أعمى.. القارئ الجديد وفي زماننا هذا يمثل قوة شريرة لا يمكن أن تتعاطف مع السهل، ولا مع البارد المطمئن، ولنا مثال في كتابات أمبرتو إيكو كما في روايته اسم الوردة، التي لم يتوقع أيكو أن يكون هناك إقبالا عليها، وذكر إيكو بعد نجاح عمله إنه فهم التالي : القارئ يحتاج إلى أن يصعد جبلا لا أن يمشي في بقاع هادئة.. وفي زمن لا يشعر فيه الفرد بالأمان داخل بيته، يكون الهدوء فكرة غير مقبولة... أم...؟؟؟؟؟!!!
    أعتقد أن الرواية الجديدة بقدر ما تعتمد على بناء هيكلي متماسك إلا أن قضية السرد في هذا البناء تصبح أمرا ثانويا، بمعنى أكثر دقة : لا يتخذ السرد مفهومه المعروف في الرواية الكلاسيكية، فالسرد هنا يعتمد على المفهوم، ويعمل على إعادة إنتاج المفهوم والتصاعد أو الهبوط به، أو إنتاجه عبر طريقة الموتيفات التي تشبه العمل الموسيقي كما يذهب كونديرا في كتابه خيانة الوصايا.
    يكون الكاتب ملتزما بالقيود التقليدية الأكاديمية للكتابة، لكن الكتابة الأكثر التزاما تجاه زمنها، والمعني هنا زمن الكتابة، لا الزمن بوصفه معاشا، هي كتابة لا تتقيد بالموروث في شروط الحكاية، فالحكاية هنا تحال إلى مغزى، بعيدا عن فكرة الحدث والشخصيات والمكان والزمان الخ... مما يمكن أن يفهم به العمل أو يصنف كرواية.
    في أعمال كونديرا، مثلا، في رواية الخلود، أو البطء، أو الجهل، لا يشتغل كونديرا على السرد بمفهومه المعروف، بل يعمل على إنتاج (خطاب) روائي، يقوم على تعريف الرواية بوصفها رؤية شاعرية للعالم عبر النثر، هذا التعريف قد ينسف الكثير من الملامح المعروفة لفن الرواية، ويقوم في ذات الوقت على إنجاز مهمة خيانة الوصايا التي يؤكدها كونديرا.
    تعني خيانة الوصايا الثورة على السائد، لكن هذه الثورة لابد أن تتم على قيمة جديدة، واستنادا على معرفة التجارب السابقة، وهذا أمر مدرك، لكن المهم جدا، أن تكون الخيانة بناء على حبّ لا كراهية، على إعادة تشكيل وبناء لا هدم.
    لا أدري ما المقصود بالتواطوء بين الأرض والسماء... هل هي مجرد عبارة شاعرية أم معنى مقصود محدد؟!!!

    وليتواصل الحوار .....

    عماد
                  

05-22-2004, 10:53 AM

الحسن بكري

تاريخ التسجيل: 06-17-2003
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رواية في حلقات - البعث ( الفصل الأول ) مهداة إلى روح الأستاذ محمود محمد (Re: emadblake)

    أتحدث عن "الانسياب" باعتباره حالة إيجابية. ليس أكيدا أن القراء المعاصرين بوجه عام لا يتعاطفون مع "السهل"، ليت الأمور واضحة على هذا النحو. في رأيي أننا نشهد بانتظام موتاً للقراء، للجمهور القارئ ، إن أردت الدقة، والأدب بأجناسه المختلفة في ظني يتجه إلى التحول إلي نظام (discipline) متخصص، يصنعه متخصصون ليستهلكه متخصصون.
    أمبرتو إيكو في "إسم الوردة" يقدم ملحمة كلاسيكية بمعنى الكلمة وكذا يفعل في روايتيه التاليتين (بندول فوكو) و (جزيرة اليوم السابق)، وهو يحقق كلاسيكيته هذه من خلال الإعتماد عل تقنيات سرد غاية في الإحكام بينما تتعقد أعماله بسبب المواضيع والتيمات التي تتضمنها. أما كونديرا فهو نموذج لكاتب متمرد بالفعل لكنه مولع بالسرد كقيمة لا يعلى عليها عندما يتعلق الأمر بكتابة رواية. ومع ذلك، فإن مشاق فك مغاليق الإعمال السردية قد واجهت القراء منذ عقود طويلة، فمن يستطيع أن يدعى أن "يقظة فنجن" أو حتى (أهل دبلن)، أعمال جيمس جويس العظيمة، هي قصص تأخذ قراءها في نزهة؟ ما عاد صائباً في رأيي الحديث عن وصف مدرسي لكتابة الرواية، إنها مشروع مفتوح للتجريب في حدود ما تتيحه - كما أشرت، عماد- القواعد العامة التي أسستها أجيال من مبدعيها العظماء. وحتى فتوح كتابها الأكثر توثباً وثوروية، ألن روب غرييه وناتالي ساروت، مثلاً، ليست طارئة ولا حادثة، ولا منبتة، إنها تنهل من "الكوثر" العذب ذاته. أظن إشارتي إلى "البارد المطمئن" هي محاولة للتذكير بذلك الإتافق المضمر بين مرسل النص ومتلقيه على ضرورة التواثق على الإلتزام بالحدود المتعارف عليها في الحكي: يمكنك أن تحكي ما تشاء شريطة أن تكمل الحكاية، من "طق طق للسلام عليكم"، كما يقال. طبعاً ليس بهذا الإبتذال، ولكن بابتذال حرفي متقن. لذا جاء اقتراحي "بمط" بعض الوقائع، خصوصاً، فيما يسبق "سعاد نصر الدين".

    لا أظن أن العبارة شاعرية جداً. لكنها إشارة عامة لهذا المزج بين تقنيات "الشيطنة" والقداسة الذي يترتب على الشروع في "الخلق" – تشييد الوجود "المغاير" كما ينبهنا التيجاني يوسف بشير. الإبداع، الخلق: البديع، الخالق.

    (عدل بواسطة الحسن بكري on 05-23-2004, 07:31 PM)

                  

05-23-2004, 11:55 AM

emadblake
<aemadblake
تاريخ التسجيل: 05-26-2003
مجموع المشاركات: 791

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رواية في حلقات - البعث ( الفصل الأول ) مهداة إلى روح الأستاذ محمود محمد (Re: الحسن بكري)



    الأستاذ االحسن بكري

    سأعود لاواصل الحوار لاحقا في الليل، بعد أن أعود من العمل في الصحيفة

    عماد
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de