|
Re: فصول من رواية جديدة: (عند سفح وانغو وانغو) (Re: اشرف السر)
|
-3-
لكن مهلاً، لم أحدثكم عن جدي مازيمو، الكباكا العظيم، الذي تروي عنه ماما اوزي، لا أذكر أنا شيئاً عنه فقد انتقل لأرض الأجداد قبل ولادتي بفصول مطيرة كثيرة. وما سمعته عنه حكايات أقرب للأساطير؛ من فم ماما اوزي ومن أمي وبقية الكبار من أهل القرية؛ الذين يوقرون الكباكا كإبن أرضي ارتضاه الإله الذي هو في السماء ليقوم مقامها. تكثُر الآلهة عندنا للأرض آلهة أم، ولحماية المزروعات آلهة، وكذلك للمطر وللصيد، ولكل شيء إلهه الصغير الخاص به، لكن يبقى التقديس الأعظم لإله السماء بوصفه الخالق والمسيطر على بقية الآلهة الصغيرة ومقدساتنا في الأرض. أُفضِل حكايات ماما اوزي لأنها تخصني بالأشياء الجميلة، ولحكاياتها نكهة التفاصيل التي يغفلها الآخرون. ماما اوزي زوجة مازيمو الأولى، والوحيدة، وكان هذا غريباً في أعراف قريتنا، فالرجال يتزوجون أعداداً لا نهائية من الزوجات، حسب ثراءهم في المجتمع المحلي وحجم أرضهم الزراعية وحيواناتهم، رغم تعدد الزوجات يبقى الاحترام والتوقير دوماً للزوجة الأولى من بقية الزوجات الأصغر منها. تبتسم ماما اوزي وهي تواصل سردها لحكاية مازيمو داخل الكهف الكبير. أنزلني الوالبا "تُبا" بعد ستة من الداكونجا داخل الكهف الكبير عبر المدخل السري للكهف في الغابة، فككتُ الحبل من وسطي وأنا لا أرى شيئاً أمامي، فالظلام دامس، تلمستُ حائط الكهف، فعثرت يدي على جذور ملتصقة بحواف حائط الكهف الداخلية، أخذتُ بسرعة فائقة أقطع كمية منها بيدي الاثنين وألُفها حول عُنقي لأحمي عنقي من عضات الخفافيش الجائعة. تبعتُ أصوات أقدام رفاقي الذين سبقوني بالنزول. اجتمعنا في مجموعة واحدة، واصلنا السير لساعات طويلة في ممرات الكهف المظلم. لا نعرف الاتجاه. ولا ندري هل الوقت ليل أم نهار. التوتر هواء نتنفسه، والحذر حادي مسرتنا. نصيخ السمع لأي نأمة، لكن لا شيء يحدث طيلة هذه الساعات الطوال، فداخلنا اطمئنان مراوغ، وازداد الإحساس بالاطمئنان عندما صارت ستارة الظلام أخف قليلاً مع تسرب بعض أشعة الشمس المتكسرة من السقف. أخذنا نحس برطوبة الأرض شيئاً فشيئاً تحت أقدامنا الحافية. ومع تقدمنا. تحولت الرطوبة لوحول. ثم وحول تغطيها المياه. إنه المستنقع، حيث التماسيح الضخمة. انزوى الاطمئنان المراوغ. وصلت المياه أعلى منتصف أفخاذنا قليلاً، عندما قال أحدنا "كيف نعبر المستنقع".. ولم يكمل كلامه إلا بصرخة رعب عظيم، إذ أطبق تمساح ضخم فكيه على نصفه الأسفل وسحبه في غمضة عين إلى تحت الماء. عمت الفوضى المكان؛ صراخ؛ أصوات الخطوات تجري في كل اتجاه؛ صراخ مرعب؛ وأصوات ارتطامات داوية. أسرعت أجري بخطوات واسعة للأمام، وصل الماء خصري، لم أكترث إلا للسرعة، قطعت المستنقع وخرجت للطرف الآخر الموحل. ولم أتوقف عن الجري حتى أحسست بالأرض جافة تماماً تحت قدميَّ. عندها توقفت عن الجري لاهثاً. عندها ارتطم بي أحد رفاقي الناجين من تماسيح المستنقع، وسقطنا معاً على الأرض.
.
.
.
يتبع قريباً بإذن الله...............
|
|
|
|
|
|
|
|
|