هل درست في جامعة الخرطوم يا عمر عثمان عبد الوهاب؟

Quote: خواطر طبيب استشارى واستاذ جامعى عن جامعة الخرطوم وكلية الطب وبعض المستشفيات من خلال مسيرته العلمية والعملية مقتطفات من المسيرة كما وعدتكم إخوتي .....وللإخوة الأطباء الشباب وأبنائي طلاب وطالبات الطب بعض المقتطفات من المسيرة علها تنير لهم الطريق وتسهل لهم المسير في دروب العلم ..... الخامس من سبتمبر عام 1983 كان عاماً مشهوداً عند السودانيين وهو عام تطبيق الشريعة الإسلامية بواسطة نميري أو قوانين سبتمبر كما يحلو لبعض السودانيين تسميتها ......حيث أغلقت البارات والحانات و أهريقت الخمور في مياه النيل حتى ثملت الأسماك كما عرضها الكاريكاتيرست الظريف عزالدين . في هذا اليوم بالضبط 5\9\1982 تخرجنا من كلية الطب وهو نفس التاريخ المكتوب في شهادات التخرج ........ ثلاثون عاما ًعمر هذه الصورة ولكن ما زلت اذكر تفاصيل هذا اليوم ....كثير من الأشياء تنسى ولكن بعضها تنحت في الذاكرة نحتاً....... تخرجنا من كلية الطب , وبدأنا بالعمل كأطباء امتياز في مستشفى سوبا الجامعي وكان ما يزال يحافظ على مستوى رفيع من الخدمات , لا دخول للزوار إلا في وقت الزيارة, ولا دخول للأعمدة والقراريص لأن المستشفى كان يمد المرضى بالطعام ....... وهنا بدأت المسيرة ....كثير من الكليات ينتهي التحصيل فيها بالحصول على الشهادة الجامعية ثم البحث عن عمل ....أما في مجال الطب ..... فتبدأ المثابرة والتحصيل الجاد بعد التخرج... عملنا في مستشفى سوبا الجامعي وسكنا في ميز الأطباء في الخرطوم .....ذلك الصرح الجميل, بجوار مجلس الوزراء وخلف مستشفى الأسنان بشارع المك نمر, كان له الأثر الكبير في نجاح كثير من زملائي الأطباء وشخصي الضعيف , كان ميز الأطباء قريبا من المستشفيات – مستشفى الشعب – الخرطوم –الخرطوم القديمة – الذرة – حوادث الأطفال - ....... وكذلك قريب من كلية الطب .... حيث كان العمل صباحا في المستشفيات , والتحصيل مساءا في قاعات ومكتبة كلية الطب حتى أنصاف الليالي , ثم العودة سيراً على الأقدام إلى الميز , حتى في زمن حظر التجول كان مسموح للأطباء المرور من المستشفى للميز......... هذا الصرح كان من الأشياء الجميلة والمفيدة للأطباء الشباب التي قضت عليها السلطة ...لماذا؟ لست أدري؟!!......كنت في إجازة في السودان وذهبت الى الميز مخصوص للسلام على الحاجة شول التي كانت تعمل الطعام منذ زمن بعيد زمن ناس مستر سنهوري .. لم أجد حاجة شول , بل وجدت المعاول تعمل في جدران الميز فوقفت أتأمل ...... وتذكرت زملائي الشفيع وأحمد السنجك وأبو زيد الطريفي وعاصم سيد أحمد وعبدالرحمن و عيسى أزرق ومحمد الشيخ .......وآخرون .. كل هذه الكوكبة بدؤوا تخصصهم هنا وأنا منهم في هذا المكان الذي تعمل فيه المعاول لكي يطمسوا على مكان تجمع الأطباء كما قُضِيَّ على مكان تجمع الطلاب من قبل في جامعة الخرطوم و داخليات الطلاب ...وقهوة النشاط داخل الجامعة ......... وقضي على هذا الصرح دون إعتبار للشيء الكثير الذي كان يقدمه للأطباء الصغار ...!! تأملت للحظات وذرفت دمعتين و انصرفت !!! كما ذرفت دمعات من قبل عند زيارتي لجامعة الخرطوم وما آلت إليه .... قهوة النشاط التي كانت تعج بالجرايد الحائطية وأركان النقاش والندوات والمحاضرات ........ كان لهذا المكان الأثر الكبير في بناء وصقل شخصية الخريج من جامعة الخرطوم وأثره الكبير في حياته العملية ......... ولدينا أجمل الذكريات والمواقف عندما كنا (برالمة ) سنة أولى جامعة وهي مشتقة من preliminary year .....وأصبح كل هذا في خبر كان !!!لماذا لست أدري !!! هكذا إخوتي .... كان عاماً حافلاً ومع نهاية سنة الإمتياز قررت السفر لإمتحان الجزء الأول لزمالة الجراحين الملكية في بريطانيا العظمى ... لأنه كما ذكرت كان عاماً حافلاً بالعلم والعمل والتحصيل..... وهنا أود أن أنصح الشباب أن يبادروا بالتحصيل ... وبعد تحديد مجال التخصص مباشرةَ رغم أن الظروف تغيرت وليس هناك ميز أطباء.. وكلية طب قريبة وقاعات دراسة ومكتبة ومستشفى قريب ........ زادت المعاناة ولكن عليك السير قدماً في تحقيق ما تهدف إليه ..... وهكذا كان السفر إلى المملكة المتحدة ..... وأذكر إني كتبت خاطرة في كراستي والطائرة فوق المتوسط متجهة إلى مطار هيثرو ..... سمعت عن بريطانيا كثيراً .... الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس ..... وكانت هذه أول مرة تطأ فيها قدماي أرض تلك البلاد الساحرة في مخيلتي ........ نزلنا مطار هيثرو ثم أخذنا القطار إلى أدنبرة –اسكتلندا في الشمال ..... 6 ساعات بالقطار السريع من لندن إلى أدنبرة .... كنت أتخيل من الخريطة أن بريطانيا جزيرة صغيرة ...وكنت مخطط أن أقرا بعض ما تبقى في كتاب ال pathology ...ولكن صدقوني إخوتي لم أقرأ حرفا في هذه الست الساعات . أخذني المنظر الخلاب للريف الانجليزي على مد البصر ....... رغم انه كان فصل شتاء وبعض قطرات الجليد تتساقط من وقت لآخر والتي أراها لأول مرة ... يا لروعة الطبيعة هنا ..... ووصلنا أدنبرة .... وبدأنا كورس الجراحة قبل إمتحان الجزء الأول لزمالة الجراحين الملكية أنا وزملائي كمال الزاكي وصلاح بونا وأحمد السنجك وأحمد إبراهيم حيث وجدنا أخونا حذيفة هناك وأذكر جيداً عنوان المنزل حتى الآن 87 COMISTON ROOD والذي قيل أنه متداول بين السودانيين منذ زمن بعيد... ..... لا أود أن أدخل في التفاصيل ولكن ....... أدنبرة مدينة جميلة بكل ما تحمله الكلمة من معنى ..... وكان البرنامج اليومي ..... مكتبة كلية الطب والتي تقع بجوار كلية الجراحين من الصباح وحتى الخامسة ثم العودة للمنزل ومراجعة ومناقشة الأسئلة وبعض نماذج الإمتحانات القديمة ....عجبني النظام في كل شي ..... مواعيد البصات الدقيقة حيث الجدول المعلق في مظلة المحطة ....شدني نظافة وهدوء المدينة .... في يوم الإمتحان الشفهي (( oral ذهبنا للكلية مبكراً ووجدنا رجليين في استقبالنا بلبس رسمي جميل ( بدلة ) وأعتقدنا أنهم من الأساتذة الممتحنين وعلمنا فيما بعد أنهم مجرد porters يأخذونك الى لجنة الإمتحانات في ترهات طويلة داخل كلية الجراحين ويمر الممتحنين على ثلاث لجان .........وأذكر هنا موقف ظريف كنت أجلس أمام إثنين من الممتحنين في مادة ((علم وظائف الأعضاء )) physiology أحدهم شاب والآخر عجوز وأرسل النظر خلسةً ودون شعور من وقت لآخر أثناء إجابتي للأسئلة ومن خلال النافذة التي خلفهم ..... وأنظر الى الجليد الساقط بكثافة .....فلاحظ ذلك العجوز و سألني من أين قادم ؟ من السودان . في إفريقيا ؟ نعم . لأول مرة تأتي الى هذه البلاد ؟ نعم. ولأول مرة ترى تساقط الجليد ؟نعم فابتسم وواصل الأسئلة .... ربما تعاطف معي هذا البروفيسور لأني نجحت في هذا الإمتحان . في هذه الرحلة لإمتحان الجزء الأول في فبراير عام 1986 م تعلمت واستفدت الكثير غير شهادة الجزء الأول للجراحة تعلمت الكثير في الحياة .... تلاقينا مع كثير من الجنسيات من شتى أنحاء العالم ولأول مرة رأينا بلاد جديدة وجميلة و فصول من البرد والجليد لم نرها في إفريقيا كما قال صديقي العجوز .... ثقافات مختلفة نتلاقى ونتفارق ونتناقش في أشياء كثيرة خارج نطاق الإمتحان ((وللأسفار خمس فوائد ))!!! عدنا بعد رحلة جميلة وموفقة ...... عدنا الى السودان وفور وصولي من بريطانيا تم إرسالي من قبل وزارة الصحة إلى مستشفى الدويم – النيل الأبيض – فترة شدة حيث عملت بها لمدة 6 أشهر ...وعند ذهابي لأول مرة الى الدويم وقف البص للفطور في راكوبة وسط الطريق وكان الفطور فول وجقاجق .... في مكان متواضع مع كثير من الذباب يشاركونني في نفس الطاولة , ثم واصلنا الطريق فكانت معدية الدويم (البنطون) حيث الإندفاع الشديد فور وصول البنطون ....الجمال والثيران والحمير ..... وشوالات البصل والفحم وكثير من الحطب ...... وأنا احمل متاعي على كتفي وأحاول التدافع حيث يتدافع الجميع .......ورغم بعض المعاناة والصعوبة في الوصول الى ميز الأطباء في مستشفى الدويم .....حقيقة استمتعت كثيراً بهذه الرحلة ...هذا التنوع الهائل ....الحركة ......الحياة في كل مكان .....وكنت في طوال الرحلة أقارن بينها وبين رحلة أدنبرة – لندن بالقطار!!! وأنا ما زلت حديث عهد بتلك الرحلة التي ما زلت حتى الآن أذكرها بتفاصيلها الدقيقة.......تباين وإختلاف كبير في كل شيء... ليس في الطقس والطبيعة والهدوء فقط وإنما حتى في البشر وسحناتهم ولغاتهم (وجعلناكم شعوباً وقبائل ...) سبحان من خلق كل هذا التباين !!!!!! ثم عدنا إلى الخرطوم بعد إنقضاء المدة لكي ننخرط في برنامج التدريب للجراحين في كلية الطب –الدراسات العليا – وكان البرنامج من أقوى البرامج في منطقة الشرق الأوسط قاطبة بإشراف مباشر من كلية الجراحين الملكية ولا أنسى من الجراحين الذين تدربت على أيديهم الجراح البارع الخلوق مستر سنهوري وكذلك بروفيسور صلاح طه وبروفيسور عثمان طه في مدني وهو الآن رئيس المجلس الطبي السوداني ومستر الطيب عبدالرحمن و د.ابراهيم مصطفى رحمه الله كان من أشهر جراحي القلب في المنطقة ومستر الرشيد عبدالله وعبدالرحيم محمد أحمد رحمه الله ...... ولابد من وقفة هنا بعد ذكر مدني والجزيرة وبروفيسور عثمان طه الطبيب الجراح الحاذق ...... الإنسان ذو القلب الكبير ...... الذي تعلمت منه الكثير في الحياة ناهيك عن مهارات الجراحة التي لا تجدها في الكتب وقديماً قالوا ((خذ العلم من صدور الرجال وليست من بطون الكتب )) و كذلك ((ليس العلم ما حواه القمطر وإنما العلم ما حواه الصدر ))... ود مدني من المدن المميزة في السودان وكانت تجمع بين القرية والمدينة , القرية التي تنام مبكراً و بها ( الملجة ) سوق الخضار والبهائم بأرخص الأثمان وبجوار السكنات ...... وبالإضافة إلى مميزات المدينة من جامعات ومستشفيات .....إلخ . زرت مدني قريبا وتأسفت لما آلت إليه ,وسألت ماذا حدث ؟ قالوا الجزيرة بورد إنتهت بتراجع مشروع الجزيرة .!!! بالإضافة إلى هجرة كثير من كبار التجار والرأسمالية إلى العاصمة هكذا تراجعت مدني وفقدت رونقها المميز ...!!!! كان البرنامج قوي .....صدقوني إخوتي وهذه حقيقة أذكرها لأول مرة أن إمتحان الجراحة النهائي في الدراسات العليا في الخرطوم كان أصعب بكثير من الإمتحان النهائي في كلية الجراحين الملكية (للحصول على الزمالة ) ...لكي يعرف الأطباء الشباب قوة برنامج تدريب الجراحين آنذاك في السودان وللأسف عرفت من بعض الزملاء في كلية الطب –جامعة الخرطوم أن البرنامج تدنى كثيراً ولم يستطع أن يحافظ على ذلك المستوى الرفيع المعترف به عالمياً ..... صدقوني إخوتي من يحصل على هذه الشهادة من برنامج تدريب الجراحين في الخرطوم كان يجلس للإمتحان النهائي في كلية الجراحين الملكية مباشرةً دون أي متطلبات أخرى رغم إنه للإمتحان من أي دولة أخرى في العالم يتطلب إبراز شهادة إمتحان الجزء الأول وشهادات خبرة والعمل في مستشفيات معترف بها من قبل وكلية الجراحين لمدة 3سنوات على الأقل ..... تدنى المستوى ......ربما للعدد الكبير للأطباء ومستوى الأطباء المتقدمين من جامعات جديدة كثيرة , للأسف السودان تدنى كثيراً ليس في مجال الجراحة فقط ولكن في كثير من المجالات ( معليش يا شباب ) ..... أنا نفسى أقول ذلك وفي فمي مرارة ولكن هذا هو الحق فقلته رغم إنه كان مرا ......!!!!

(عدل بواسطة خالد حاكم on 03-14-2014, 08:31 PM)