دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
|
Re: فى العصب الحى.... (Re: nour tawir)
|
حولت تودد تفكيرها نحو صديقتها نادية.. تلك الانسانة الرقيقة الحالمة كما الفراش.. حتى ملامحها شديدة الرقة والدقة.. وقد عرف عنها شدة الحساسية والهدوء.. لذلك تأثرت بحال زوجها تماما....
كانت نادية واخلاص اقرب صديقاتها فى المرحلة الجامعية.. وبما أن لاخلاص شخصية منفتحة شديدة الصخب.. فقد كانت نادية عكس ذلك تماما.. ولا يكاد المرء يشعر بوجودها.. تزوجت احمد بعد التخرج مباشرة.. وبلا أى تعقيدات فى الزواج.. وبعد عام لحقت به فى تلك القرية من ضواحى لندن..
أحست تودد بأن هناك تشابها شديدا... بين نادية.. وكاثرين معشوقة هيثكليف فى رواية القمم المتهالكة.. فبرغم من رقة نادية... الا ان احمد صارخ الملامح.. شديد السمرة.. عنيف الوسامة.. له صوت جهورى.. ووجود طآغى.. تعجبت تودد من ذلك التشابه بين الاسرتين.. يعيشان فى نفس المنطقة الجغرافية.. ولكن فى فترات زمنية مختلفة.. وينتميان الى أعراق مختلفة.. ثم تضيف.. عجيب امر هذه الحياة.. يبدو ان دوران الارض امرا حقيقيا..
ولكن يظل السؤال.. كيف يمكن أن تساعد صديقتها فى الخروج من تلك الازمة ؟ فقد خشيت عليها من مصير اخلاص.. رغم ان احمد يبدو منسجما تماما مع نادية.. ولا يعانى من وساوس زوجته.. فقط يستغرق فى الحزن الدفين.. الذى ارجعته تودد للحروب الاهلية فى السودان... ثم طمأنت نفسها بان تلك اسباب قوية تعجل بوفاة المرء... ناهيك عن الحرب..
وتضيف.. أن زوج اخلاص لا يعطى انطباعا بالثقة مثل احمد.. ويضع دائما حاجزا تلقائيا مع الاخرين.. وله نظرة ماكرة.. فيها شئ من السخرية.. كما وانه يعطى انطباعا بارتفاع الانا.. ولكن تودد عادت فغيرت من رايها بأن قالت... احتمال ان لا اكون على حق.. وان كل تلك الانطباعات لا تنبنى على حق..
وصلت تودد الى لندن.. وحالما دخلت الى الشقة.. ابلغتها شقيقتها الصغرى بأن والد معاذ قد اعيد من مكتب الشرطة.. قبل يومين.. وأن السودانيين فى العمارة.. يذهبون لتقديم الكّفارة.. نزلت تودد الى تلك الشقة.. وضربت الجرس..
| |
|
|
|
|
|
|
Re: فى العصب الحى.... (Re: nour tawir)
|
عادت تودد الى شقة اختها... وقد أتخذت قرارها بالعودة الى حيث أتت.. فقد أحست بأنها تختنق... وأن لا حيلة لها فى أى امر يخصها أو يحيط بها..
أبلغتها اختها بانها سوف تترك المولودة مع والدها.. وتتجول معها فى السوق.. لعلها تحتاج شيئا... ولكن تودد رفضت قائلة أن لا شئ فى اسواق لندن يجذب انتباهها.. ثم انها لا تشعر بالرغبة فى شراء أى شئ..
استقلت الطائرة مساء اليوم التالى... وهى لا تشعر باى حزن على فراق لندن.. حتى فراق شقيقتها وزوجها.. كانت شديدة الغضب.. دون أن تحدد المصدر الرئيسى للغضب... فقط سيطرت على ذهنها قصة دكتور أمام وأسرته..
ثم وصلت بتفكيرها الى الاسر السودانية التى تربى اطفالها فى الغربة.. والاطفال كما قال دكتور امام لا يستطيع الابوان السيطرة على تربيتهم.. فينغمسون فى المهجر بكل تفاصيله.. حتى لا تربطهم بالسودان أى صلة.. أذا..كما حدثت تودد نفسها.. أن الاجيال الحالية والقادمة من ابناء السودانيين.. سوف لن يعودوا.. وسوف لن تربطهم بالسودان أى صلة تذكر.. فهم لا يشعرون بالاغتراب الذى قد يدفع المر ء بالعودة ذات يوم.. وواضح أن لا علاقة لهم بالسودان من الاساس..
وتلك خسارة فادحة...
| |
|
|
|
|
|
|
Re: فى العصب الحى.... (Re: nour tawir)
|
صبيحة يوم عيد رمضان... ذهبت تودد الى المسجد كعادتها من كل عام.. لاداء صلاة العيد.. كأن أغلب الحضور صوماليين.. ولكنها لم تتفاجأ حينما حضر الامام ليؤم الناس... فقد كان سودانيا.. تذكرت نفس هذه الحادثة فى ايطاليا ولندن وبعض ضواحيها وبعض دول اوربا الشرقية.. حيث يكون امام المسجد سودانيا.... بل ويقوم بعمل اجتماعى للمسليمن فى مسجده.. وكذلك دعوة الاجانب بالدخول فى الاسلام.. تذكرت تودد اسلام الحكومة.. الذى حينما استغلوه وفّصلوه لمآربهم الخاصة.. دمروا البلد.. والشباب على السواء..
بعد صلاة العيد اتجهت الى السيدة التى تعرض بيتها لغارة من الشرطة... بسبب اتجار صديق ابنتها فى المخدرات.. كان الجو سودانيا خالص.. كعك عيد.. والابناء والبنات بملابس جديدة.. والوالدة فى قمة أناقتها..
سعدت حينما رات تودد.. وبدأت تمطرها بالاسئلة عن حالها.. وكيف تغيبت عنها طوال تلك الفترة؟ و أن لولا ظروفها لكانت زارتها..
على العموم أحضر الافطار.. عصيدة بملاح النعيمية.. شعيرية وسكسكانية وفطير.. حتى خيل لتودد أنها فى السودان حقيقة..
بعد الافطار أتجهت تودد الى شقتها.. لتحتمى بها من تلك الانفعالات المختلطة.. فى مثل ذاك اليوم.. حينما يكون السودانى بعيدا عن أهله...
| |
|
|
|
|
|
|
Re: فى العصب الحى.... (Re: nour tawir)
|
عادت تودد الى عملها.. وقررت أنها سوف لن تتفاعل مع احداث السودانيين فى دول المهجر.. بتلك الطريقة الشاقة.. وعادت معها رتابة الحياة.. البيت العمل.. العمل البيت.. ولكن بعد فترة شهر تقريبا.. بدأ الملل يسيطر عليها مرة اخرى.. وبدأت الوساوس والاحلام المزعجة تغض مضجعها.. حتى امتدت يدها لرقم تلفون مايكل.. وبعد السؤال عن الحال والاحوال.. دعت مايكل الى تناول طعام الغداء السودانى... فى منزلها.. حيث سوف تقوم هى بعملية الطبخ..
حضر مايكل.. بكل نقاء وصدق الاجانب.. حينما يحبون شخصا ما.. ويولونه ثقتهم.. تصرف كما لو أن البيت بيته.. بل وساعد تودد فى نقل الاوانى والطعام الى السفرة..
بعد انتهاء فترة الغداء.. وشرب الشاى.. عاد مايكل وعرض الزواج على تودد مرة أخرى.. ولآول مرة ردت قائلة.. ولكنك لست مسلما.. ودينى يمنعنى من مثل هذه الزيجة... رد قائلا... لقد بدأت فى دراسة الاسلام منذ ان ألتقينا.. وآمنت به.. وأعلم أننى يجب ان أذهب الى المسجد لاعلانه.. ويمكنك أن تأتى معى..
اسقط فى يدها.. فقد اتخذت اختلاف الدين حجة لتنجو بها من الزواج.. فأذا بمايكل قد اصبح مسلما وجاهزا للزواج... وقد حاصرها بتلك المعلومة عن اسلامه... فكانت المفاجأة الكبرى..
| |
|
|
|
|
|
|
Re: فى العصب الحى.... (Re: nour tawir)
|
قبل اكمال اجراءات دخول مايكل فى الاسلام.. أتصلت تودد فى والدتها وابلغتها بالآمر... أنتفضت والدتها وهى تقول.. ياهو دا الانا كنت خايفة منه؟ وعللت رفضها التام لتلك الزواجة... بأن الزواج الناجح هو الذى يجمع اسرتين... وليس شخصين فقط... كما وان زواج تودد من اجنبى هو تأكيد لبقائها فى الغربة الى ماشاء الله..
زادت والدتها قائلة.. القروش البترسليها لينا كل شهر.. ما قاعدين نصرفها كلها.. أشترينا ليك بيت وعملنا ليه صيانه كاملة.. وزرعنا فيه شدر كمان.. وفى الركن فتحنا بقالة .. عشان لما ترجعى السودان.. بظروفه دى.. تقدرى تدبرى حالك.. ثم طلبت من ابنتها العودة الى السودان... أن لم يكن حالا فعلى الاقل ان يكون برنامجا تعمل على تنفيذه..
لم يؤثر رفض توود للزواج على اسلام مايكل... وقال.. كنت فعلا قد فكرت فى دخول الاسلام حتى يمكن ان اتزوجك... ولكننى فى نهاية الامر آمنت به واقتنعت به تماما... وسوف اعمل فى دارفور مع احدى المنظمات الحقوقية.. مما يقربنى اكثر من هذا الدين.. فهناك ما يشدنى اليه بقوة.. ولا ادرى ما هو؟ أو لماذا؟
| |
|
|
|
|
|
|
Re: فى العصب الحى.... (Re: nour tawir)
|
لو أن تودد تعلم معنى ان يعيش السودانى فى مصر نازحا .. مشردا.. وأشعث أغبر... لما وافقت على تلك الوظيفة التى حددت مدة اقامتها فى القاهرة بعام كامل دون نقصان.. خاصة بعد أن وصلت الى قناعة تامة بأن أمر السودان والسودانيين يجرى فى دمها.. ولا فكاك لها من ذاك المصير..
تسلمت مهامها فى مكتبها الجديد بالمعادى.. وبدأت بالتعرف على المرأة المصرية التى تعمل معها فى نفس المجال. ورغم نسبة الوعى المصرى العالية.. والحريات الممنوحة للمرأة المصرية.. ألا أن حياتها لا تنقصها المتاعب ولا تفارقها الكآبة.. مثل بقية نساء دول العالم النامية..
فى المقابل كان وضع السودانيين فى القاهرة يشد تودد شدا.. وقد كانت فى اشد اللهفة للقائهم.. والاستماع اليهم.. مثلما تفعل فى اى دولة تزورها.. ولكن الآمر استفرق بضعة اسابيع.. نسبة لزحمة العمل.. فى نهاية الامر اتصلت بها احدى السودانيات... لتبلغها بحضورها من السودان.. وأنها تحمل لها بعض الامانات من الاهل.. وابلغتها بـتأخير الوالدة عن الزيارة الى مصر..
خرجت تودد لا تلوى على شئ.. وقد أنتهزت تلك الفرصة كمدخل الى السودانيين فى القاهرة.. اعطت العنوان للسائق.. ثم سرحت خلف النافذة لتتعرف على ملامح البلد وشوارعها ونوع سكانها..
حتى وصل السائق الى شقة فى مدينة نصر.. أوقف السيارة.. نزلت تودد واطرقت الجرس... وانتظرت الآذن بالدخول...
| |
|
|
|
|
|
|
Re: فى العصب الحى.... (Re: nour tawir)
|
أعتذر للقارئ\ة العزيز\ة عن هذا الانقطاع غير المقصود.. فقد أستعصى على القلم.. وألمت بى واحدة من حالات الغربة والاغتراب التى تأتى فجأة.. وتذهب فجأة كذلك..
| |
|
|
|
|
|
|
Re: فى العصب الحى.... (Re: nour tawir)
|
تأرجحت انفعالات تودد بين أن تكون داخل السودان.. بهذا الكم الهائل من السودانيين فى القاهرة.. أو لآ تكون بحساب المسافة الوجدانية بينها و بينهم كذلك.. والتى رسمت ذلك الحاجز الصلب بينها وبين بنى جلدتها.. منذ قديم الزمان وسالف العصر والآوان..
فقد تعرفت على بعض قصص النجاحات السودانية فى الخارج.. وبعض ابداعاتهم التى تخرج تلقائيا من رحم المعاناه... ولكنها بالمقابل تعرفت على أبشع انواع العيش بالنسبة للسودانيين فى مصر.. من كل مدن العالم التى زارتها..
وحينما أسّرت لاحدى زميلاتها بأنها تريد أن تذهب الى حيث يعيش السودانيين... أوضاعا مأساوية.. لم تتردد زميلتها كما لو أنها كانت تتوقع ذاك الطلب.. وأبلغتها بأن سيارة الآمم المتحدة سوف لن تسّهل لها تلك الزيارة.. وبالتالى أستقلتا تاكسيا وذهبا الى العتبة.. وفى ثقة تامة ومثابرة.. توجهت زميلتها الى احد الفنادق فى وسط ميدان العتبة.. وهمست لموظف الاستقبال الذى قام بدوره من مقعده.. وقادهم فى جوله داخل الفندق..
كان معظم النزلاء سودانيين.. وقد خيل لتودد أنها فى زيارة لمستشفى الامراض العصبية وليس فندقا للنزلاء.. فقد كانوا جميعا من الشباب ... يلبسون ملابسا متسخة الى أقصى حد.. بعضهم ينتعل (سفنجه).. تبدو عليهم الكآبة والتوهان.. وقد كانوا جميعا وبلا استثناء.. فى حالة trance لا يكادون يميزون بين ما يجرى حولهم..
أحست تودد بالرعب حقيقة.. وطلبت من زميلتها مغادرة الفندق فى الحال.. نزلتا الى السوق.. حيث يختلط الحابل بالنابل.. وراع تودد عدد الشباب السودانى الذى يفترش بضاعة لا قيمة لها.. ولا تسمن ولا تغنى من جوع.. والكل فى حالة لا تنبئ بمتى سوف تنتهى تلك الملهاة..
خرجت تودد من ميدان العتبة.. وأتجهت الى مقر سكنها.. وطلبت من زميلتها ان تطلب لها اذنا بالغياب لمدة ثلاثة ايام.. وتناولت قرصين اسبرين.. وجلست فى كرسى هزاز وسط الصالة.. وهى تهتز كمن مّسه الجان..
| |
|
|
|
|
|
|
Re: فى العصب الحى.... (Re: nour tawir)
|
صبيحة اليوم التالى زارتها زميلتها فى السكن.. وقد هالها الحالة التى وجدت عليها تودد.. فقد خيل لزميلتها أنها لم تذق طعما للنوم.. كما وأنها اطلقت العنان لشعرها.. وقد غاصت فى جلباب واسع....
فتحت تودد الباب وهى تجرجر رجليها.. ودخلت الى المطبخ لتصنع فنجانين من القهوة.. تم كل ذلك وهى فى حالة شرود تام.. بل وقد أختفى من قاموسها اليومى أى طعم لآى شئ.. حتىى الآكل..
وحينما سألتها زميلتها متى تناولت آخر طعامها ؟ لم تستطع تودد الرد.. دخلت زميلتها الى المطبخ.. وصنعت شوربة قدمتها وهى دافئة لتودد.. ثم دخلت وقامت بصنع بعض الساندويتشات.. وجاءت وجلست بالقرب من تودد قائلة.. سوف لن اذهب الى أى مكان حتى تتناولين كل الآكل الذى أمامك وواصلت..
أتفهم تماما الحالة النفسية التى تمرين بها.. وأتفهم تماما حالة الضيق والحزن.. بل والاصعب من ذلك.. قلة الحيلة وعدم القدرة على تقديم شئ للشباب الذى رأيتيه.. ولآكون صريحة معك.. هناك آلاف من السودانيين فى مختلف انحاء مصر.. منهم من يعتمد على تحويلات من أهلهم فى دول العالم الختلفة.. ومنهم من يعمل فى الاعمال البسيطة.. حتى يتسنى لهم السفر الى دول العالم الاول عن طريق برنامج الآمم المتحدة الذى يستغرق اربعة سنوات على أقل تقدير.. بل وألاصعب هو وبعد توقيع اتفاقية نيفاشا.. تاثر برنامج الآمم المتحدة بالنسبة للسودانيين.. وهم لا يدرون أن مجرد التوقيع على ورق لا يعنى حل جميع المشاكل.. وعلى العموم هذا وآقع يجب ان تتعايشى معه.. كما واقبلى نصيحتى بالسيطرة على انفعالاتك.. لانها لن تحل المشكلة.. ولآنها سوف تنتهى بك الى حيث يقف الشباب الذى رأيتيه فى العتبة.. كشكول مرض.. وأنهزام تام فى الحياة.. فكرى جيدا..
أخيرا جدا وجدت تودد صوتها فقالت لصديقتها.. هل يمكن أن تأخذينى الى السيدة زينب.. أحتاج أن اصلى ركعتين هناك.. خرجت الاثنتان واتجهتا صوب السيدة زينب..
| |
|
|
|
|
|
|
|