يوميات الثورة السودانية - الجزء الثالث

Quote: اوردنا بهذه الصحيفة قبل خمسة ايام خبرا عن ازدياد مطرد لمرض الفشل الكلوي وسط الأطفال، حيث كشف مسؤول طبي بمستشفى الجزيرة لأمراض وجراحة الكلى بود مدني عن أن المترددين من الأطفال للغسيل الكلوي بشقيه الدموي والبروتيني ثلاثون طفلاً يومياً! وأرجع سبب المرض لتلوث المياه إضافة الالتهابات المتكررة التي يتعرض لها الأطفال وتناول الوجبات السريعة. هذا الخبر من الأخبار الفاجعة التي تؤكد أننا نحصد الثمار المرة، بل المميتة للإهمال المزمن في توفير أساسيات الحياة للمواطن السوداني وعلى رأسها (الماء الصالح للشرب) رغم ما يتميز به السودان من وفرة في الموارد المائية، فإنه من أكثر دول العالم تخلفا في مجال كفالة (الحق في الحصول على المياه النظيفة الصالحة للشرب)، وفشل السودان في تحقيق هذا الهدف مزمن، وهو فشل مركب، حيث تعاني مناطق كثيرة في السودان مثل دارفور وشمال كردفان وبورسودان من ندرة الماء في حد ذاته بصرف النظر عن كونه نظيفا او ملوثا،صالحا او غير صالح للشرب، وفي المناطق التي يتوفر فيها الماء فإنه ملوث وغير مطابق للمواصفات العلمية للماء الصالح للشرب، وهذا التلوث حتى في الأحياء السكنية الراقية في العاصمة الخرطوم وغيرها من حواضر البلاد يمكن رؤيته بالعين المجردة! وهذا أكبر وأخطر مظهر من مظاهر تخلف التنمية البشرية في السودان وأكبر دليل على الاستخفاف بصحة الإنسان، وعلى الخلل المريع في ترتيب اولويات الإنفاق العام في البلاد. ان هدف توفير الماء الصحي للمواطن في كل مكان من أرض الوطن يجب ان يكون من الأهداف الاستراتيجية التي تحظى بأولوية قصوى في اية خطة تنموية، ويجب ان يحظى باهتمام نوعي في توفير الخبرات العلمية والفنية ورصد الموارد المالية اللازمة لتحقيقه بصورة منهجية، فقضية الماء النظيف الصالح للشرب من القضايا التي تمس كل المواطنين السودانيين بلا استثناء،وتقريبا هي القضية الوحيدة التي نستطيع القول بارتياح أنها تؤثر على 100% من المواطنين دون اية كسور او بواقي! ولكن كارثة السودان الكبرى هى انزواء مثل هذه القضايا الحيوية عن دائرة الاهتمام الإعلامي، وعن مساجلات السياسيين الساخنة، وعن اجندة العمل المطلبي اليومي، والسبب هو حالة الحروب الاهلية المزمنة وحالة الدكتاتورية الفاسدة المزمنة التي يعيشها السودان لعقود طويلة وما زال! فهاتان الآفتان تفرضان على ساحة العمل العام اجندة الصراع السياسي والعسكري مع النظام الحاكم، هذا الصراع لا بد ان يحسم يوما ما ، ويجب ان تسعى القوى الحية في الشعب السوداني الى حسمه لصالح إقامة نظام جديد علماني ديمقراطي فدرالي قادرعلى تحقيق السلام والاستقرار، ولكن يجب على كل المتصارعين في الساحة السياسية لإقامة مثل هذا النظام ان يدركوا أن التغيير السياسي لن يكون مجديا الا اذا استعدوا لمرحلة ما بعد التغيير السياسي بخطط علمية مدروسة لمعالجة المشاكل البنيوية والهيكلية في الدولة السودانية، لا بد ان يستعدوا ببرامج مفصلة قابلة للتطبيق العملي لحل(مشاكل الحياة اليومية) وفي مقدمتها ان يشرب المواطن السوداني (الموية الزرقا) ويسقيها لأطفاله دون ان يرعبه شبح الفشل الكلوي أو السرطان المتخفي بين جزيئات الماء المتسخ.