علمتنا كل الحكومات المصرية بأنها دون استثناء كانت تنظر للسودان على أنه مستعمرة مصرية إضطرّت مصر للتخلى عنها و ستعمل على إعادتها حينما تسمِح الظروف و ذلك ما جعل حكومة حسنى مبارك تقدم دعم للمعارضة السودانية و فى نفس الوقت لم تسمح للمعارضة السودانية بإطلاق طلقة واحدة ضد الحكومة إنطلاقًا من الاراضي المصرية ، و الامر كان يختلف عن موقف ارتريا مثلًا إبان فترة دعمها للمعارضة السودانية التى قدمت لها الكثير ، و الواقع كان يشير إلى أنّ الحكومة المصرية تبنّت المعارضة السودانية بالقدر الذى يضغط لها الحكومة السودانية لحملها على تقديم المزيد من التنازلات التى تصب فى مصلحة الدولة المصرية الطامعة فى أراضي و مواررد السودان ، و لا أعتقد أنّ حكومة عساكر مصر الحالية ستكون استثناء من ذلك الفهم الإستراتيجى فى عقل الحكّام المصريين . مصر تعمل لأجل مصالحها و هى دولة مستعمِرَة و بأى حال لا تلتقى مصالحها و مصالح شعب السودان . مصر تدخّلت فى الشأن السودانى و ساهمت فى تغيير الخارطة السياسية السودانية و قد كان رئيسها الأسبق و حكومته اول من أيّد نظام البشير و دعمه ضد الديمقراطية . هكذا هى مصر التى نعرفها فلا مجال لنا لقبول مساعداتها المشروطة و التى بلا شك ستأتى على حساب أرض الوطن . نعم أقول أرض الوطن و شعبه لأن مساعدة مصر للمعارضة تعنى أن تصير هى الرّاعى و الموجه لهذه المعارضة حسب مصالحها التى تتضارب مع مصالحنا و أوّل هذه المصالح قضية حلايب و أبو رماد و شلاتين و مناطق أخرى تخطط مصر لضمها الى خارطتها إذ كيف يكون من حق المعارضة المطالبة بها و هى قد وصلت السلطة بدعم مصري . أن تقدّم الحكومة المصرية للمعارضة السودانية بعض الدعم السياسي كأن تتيح لها فرصة إقامة قناة تلفزيونية هذا قد يكون دعم فى حدود المقبول و لكن أن تتبني مصر إسقاط النظام نيابة عن الشعب السودانى فذلك أمر لا يقبله أحد و مصر فى السابق كانت تستضيف المعارضة السودانية و تطرح لجميع الدول العربية انها المسئول الأوحد عن الملف السودانى و حين تريد دولة كالمغرب أو دول الخليج تقديم دعم للمعارضة السودانية كان ذلك يصطدم بجهود مصر لفرض نفسها كراعى أوحد لشئون السودان و قد كانت الخلاصة أن استثمرت مصر صراع الحكومة و المعارضة و وجّهته ليصب فى صالحها و هذا ما سوف لن نقبل به أو نسسعى لتحقيقه من جديد ، فتلك أخطاء قاتلة تستدعى تصحيحها فى العقل السودانى المعارض إذ أنّ التجارب قد أثبتت أنه لا خير يرتجى من مصر التى تنظر للسودان كمسعمرة يجب إعادتها لبيت الطاعة المصرى . إذا صحّ و أنّ مصر تحدثت عن دعم للحركات المسلحة فباعتقادى أنّ ذلك لا يتعدّى أن يكون بالونة اختبار تطلقها الحكومة المصرية الحالية كما أطلقت الحكومة السابقة بالونة إختبار إمكانية ضرب سد النهضة الاثيوبي . مصر تعرف جيّدًا أن الجبهة الثورية تحمل برنامج لا يتّفق و فكرة عروبة السودان التى تسعى مصر لتأكيدها فى كل مرة و التى بدأها الرئيس المصرى الراحل جمال عبد الناصر و أكّدها مِن بعده السادات و تدخّل بسببها فى الشان السودانى مرّات عديدة و لذا فلا مجال للتفكير فى أنّ مصر ستعمل جادة لدعم الجبهة الثورية و حتى و إن دعمتها سوف لن يكون ذلك الدعم سوى دعم محدود ليتيح لمصر المجال للضغط على الحكومة السودانية لتقديم المزيد من التنازلات و فى هذه المرحلة قد يكون التنازل المطلوب هو حَمل الحكومة السودانية للإبتعاد عن دعم الإخوان لأن للحكومة السودانية موقع بين الحركات الإسلامية قد يؤهّلها لعب ددور كبير فى الملف المصرى إذا لم ترعوى و هذا باعتقادى ما يقلق مصر الآن لان بإمكان حكومة السودان أن تفتح الطريق أمام دخول السلاح و الرجال إلى مصر لدعم الاخوان بمقاتلين من ليبيا و دول المغرب العربي و بعض دول غرب و وسط أفريقيا أو حتى شرقها و تلك قضية ستحدث الكثير من الإرتباك فى صفوف حكومة عساكر مصر الحالية .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة