|
Re: قبل النطق بالحكم (Re: عبدالدين سلامه)
|
مكسب تاريخي كبير ربّ ضارة نافعة كما يقول المثل، فالإمارات التي تضررت بالفعل من إستهداف التنظيم الإخواني المدعوم بخفايا دولية أخرى كما أوضح بعض صابئيه المطّلعين على خفاياه، لم تفقد بعض الفوائد، ومنها أن الإعلام الوطني قد بدأ يمارس دوره الرئيسي في كتابة التاريخ، وكسب الإعلامي الإماراتي خبرة توثيقية عالية، وأثبت مقدرة متميزة وصبراً كبيراً على البحث للخروج بالمعلومة التاريخية الصحيحة، وهي خاصية مهنية معطلة عند معظم صحفيي المنطقة عموماً، فقد تناولت الكتابات الصحفية وكتابات الانترنت والمدونات وغيرها من منافذ الكتابة السياسية والاجتماعية بالتقصّي والبحث في جذور المشكلة وطرحها للقارئ بتسلسل مريح مكّنه من الحكم بكل قناعة ودون أدنى لبس أو تردد، فقد أنتج مركز المزماة للدراسات والبحوث وحده على سبيل المثال، أربعة أجزاء تحت مسمى جذور التآمر على الإمارات، كما تم إصدار أكثر من عشرين كتاب يتحدث عن ذات الموضوع، والملاحظ أيضاً أن هذه الحملة التاريخية لم تكن استراتيجية مرسومة من الدولة بقدرما هي جهود وطنية فردية نظّمتها الحاجة، وساعد على انتشارها تفاعل الشارع العام الإماراتي معها، وهي المرّة الأولى التي ينظّم فيها مزاج القارئ التوجه الصحفي ويؤّطره في إطار محدد، وهي نقطة مكّنت الإعلام الإماراتي عموماً من دحض التهمة الموجهة لعموم إعلام المنطقة بأنه إعلام سلطوي لا شعوبي، بل على العكس من ذلك أبرز ذلك الإعلام قضية هامة يجب أن تكون موضوعاً للباحثين، وهو وحدة القاعدة والقيادة وتطابقهما في معظم الأمور، وهي واحدة من فصول مناهج مدرسة زايد التي لا تؤمن بأية فجوة بين القيادة والقاعدة، وتؤمن ببناء الإنسان قبل بناء المكان، والأهم أنها تؤمن بالعمل في صمت وترك النتائج تتحدث تجسيداً على أرض الواقع، فقد أسهبت الكتابات الإعلامية الإماراتية وحتى تغريدات التويتر وكتابات الفيس بوك ومختلف مواقع التفاعل الاجتماعي في العديد من الحقائق التي تمّ تجميع وتدوين الكثير منها، وآخر لم يطاله التدوين بعد، وقد ساهم هذا التدوين التاريخي في إنهاء كثير من مظاهر الجدل الفكري المحتدم في قناعات الشارع العام، حينما حاول منسوبي التنظيم الإخواني المقبوض على قادته استدرار عطف الرأي العام بالمداخل العقائدية، خاصة وأن التنظيم يرفع الشعارات الدينية ويتمظهر منتسبوه بكل مظاهر التدين ويرتدون في ظاهر الأمر عباءته، فكانوا يحاولون ترويج عبارات من قبيل (كيف يتم القبض على هذا الزاهد الورع الذي يصلي الخمس في المسجد ؟؟؟)، غير أن الشفافية التي تعاملت بها الدولة صادفت ما يوازيها من الوعي العام، لتتضح الصورة على غير هذه الشاكلة، فالدولة لم تقبض عليهم لأنهم يذهبون إلى المساجد للصلاة، بل على العكس من ذلك، فالدولة تبني وتشرف بنفسها على الإنفاق على المساجد، وتستجلب إليها خيرة المقرئين والمتحدثين والأئمة والدعاة، ولكن المصلي إذا سرق على سبيل المثال لا يُحاسب لأنه يصلي الخمس في المسجد ؟؟؟ إذاً فإيقاف الموقوفين تمّ على أساس جرائم ارتكبوها لاعلاقة لها بالدين والعقيدة، فالدين والعقيدة فهمته هذه المجموعة على أساس الإصلاح الذي يعني في قاموس جماعات الإسلام السياسي التغيير، من ناحية أخرى، أليس إطلاق مصطلح الإصلاح والترويج له من جانب جماعة تطرح نفسها على أساس ديني هو انتقاد صريح وغير مباشر لدولة أقامت جوائز سنوية ضخمة للقرآن الكريم، وتحتضن سنوياً آلاف الأئمة والمقرئين والدعاة، وتكرّم أبرز الشخصيات الإسلامية، وبين كل مسجد ومسجد فيها مسجد، وتنتشر فيها المدارس الدينية، ويعيش أهلها في تسامح وتآخي ورضا وأمان، وحكومة تفكّر في مواطنيها، وتجتهد لتحقيق مزيد من الرفاهية لهم بعدما تخطّت حاجز الاكتفاء والكفاية، بينما العديد من شعوب المنطقة حولها يعيشون تحت حافة الفقر والتخلف والجهل والمرض والمؤمرات والدسائس والقلاقل والحروب والانقسامات والتشريد وتيتم الأوطان ؟؟ وما إلى ذلك من مظاهر عدم الاستقرار، فما الذي يحتاج إصلاحاً؟؟؟ هل هي النهضة التي أكسبت الدولة ومجتمعها أكثر من لقب عالمي في كل شهر أم هي الخضرة التي كست صحراء جرداء وجسّدت إرادة الانسان فحوّلت منطقة الصحراء والغوص المهملة إلى حلم يسكن أذهان كل من عرفوه أو سمعوا عنه في أي بقعة من بقاع العالم، وهو فصل آخر من فصول مناهج مدرسة زايد .
وتجلّت فوائد اهتمام الإعلام الوطني بالتأريخ، لتنعكس اهتماماً إقليمياً وعالمياً بذلك، وهو ما يعكس مدى تأثير الإمارات وإعلامها، وهو ما أكسب الدولة ترويجاً مجانياً كبيراً جعل ميزان السياحة والاستثمار والاقتصاد فيها متوازناً، رغم ما طالها من رذاذ الكوارث العالمية من أزمات وحروب وصراعات وتقلبات مختلفة، وقد قمنا باختيار بعض النماذج التي آثرنا أن نأخذها كمقاطع توضيحية لطريقة تناول الإعلام المكتوب للقضية فقد كتب الأكاديمي والإعلامي السعودي عبدالله الرشيد في مجلة المجلة (اللندنية) بتاريخ الأحد، 10 فبراير، 2013 الإخوان المسلمون في الإمارات.. جذور الفكر والتنظيم القصة الكاملة
في البدء.. إضاءة شاملة
في شهر مايو (أيار) 2012 كتب الناشط والمدون الإماراتي الشاب خليفة النعيمي مقالاً في مدونته الشخصية بعنوان “خمس أسئلة متكررة حول دعوة الإصلاح”، تساءل فيه قائلاً: هل لدعوة الإصلاح تنظيم؟ وأجاب عن سؤاله: “دعوة الإصلاح لا بد لها أن تكون منظمة، لأنها تواجه فساداً منظماً ومتنوعاً، ألا ترون المناهج التعليمية التي فُرّغت من محتواها؟ ألا ترون تزايد عدد الملاهي الليلة والبارات؟ ألا ترون شواطئنا كيف تحولت لأشباه العراه؟ ألا يستحق هذا الإفساد المنظم إصلاحاً منظماً منا وتكاتفاً لمواجهته؟ بلى، بل هو واجب علينا.. فدعوة الإصلاح ماضية في طريقها بثبات رغم الهجمة الأمنية والاعتقالات، مشاريعها الإصلاحية مستمرة، ومطالبها السلمية مستمرة”. ويضيف النعيمي في ذات المقال موضحاً منهج وفكر “دعوة الإصلاح” – التي تُوصف بأنها الممثل لجماعة الإخوان المسلمين في الإمارات-: “أبناء دعوة الإصلاح هم من حملة الشهادات الجامعية العليا.. درس بعضهم في مصر فتأثر بفكر الإمام حسن البنا، والبعض الآخر تأثر بكتب الشيخ أبو الأعلى المودودي”.
في جانب آخر.. كتب المدون الإماراتي الشاب محمد المرزوقي في مدونته الشخصية، وكأنه يرد على أفكار النعيمي مقالاً في أغسطس (آب) 2012 قائلاً: “لنتكلم بصراحة، الكل يعلم بأن التنظيمات مهما كانت بريئة وذات أسماء ودلالات خيرة فهي ممنوعة وبحكم القانون إن لم تكن تحت إشراف رسمي، فما الغرابة إذن إن تم اعتقال بعض منسوبيها؟ أنا أعرف بأن الدولة وكبار مسؤوليها قد نبهوا قادة هذه الجمعية (جمعية الإصلاح والتوجيه الاجتماعي) بأن ما يقومون به هو مخالف لأنظمة الدولة، وهذه الحقيقة قيلت على لسان منتسبي الجمعية أنفسهم، ولكنهم أصروا على الاستمرار بعملهم في تحد غريب للدولة، وكأنهم كانوا يعتقدون بأن الدولة ستوفر لهم بالمقابل معاملة خاصة ومميزة، ونسوا بأن عصا القانون ثقيلة، وبأن التحذير الذي قد وصلهم مراراً وتكراراً وعبر كافة الطرق، كان جاداً، وخصوصاً وأنه قد وصلهم من أعلى الجهات الرسمية وأكثرها نفوذاً”.
توجز هاتان المدونتان، الكثير مما يمكن أن يقال حول قصة الإخوان المسلمين في الإمارات، الرأي من طرفيه، خصوصاً إذا علمنا أن مواقع التواصل الاجتماعي (تويتر/ فيسبوك) والمدونات والمنتديات كانت أحد أهم حقول هذه القصة وأبطالها.
لكن واحدة من المنعطفات الرئيسة في هذه الحكاية، هي حين أصدر ناشطون وأكاديميون إماراتيون ـ ينتمي غالبيتهم لفكر الإخوان المسلمين ـ بالتزامن مع أحداث “الربيع العربي” عريضة (تعرف بعريضة الثالث من مارس/آذار- 2011) يطالبون فيها بإجراء انتخابات حرة لأعضاء المجلس الوطني الاتحادي، وبتعديل دستوري يكفل له الصلاحيات التشريعية والرقابية الكاملة.
نتيجة لهذه التحركات.. جاء موقف السلطات الإماراتية حازماً ومباشراً، فتم سحب الجنسية من عدد من “الإماراتيين المجنسين” المنتمين لجماعة الإخوان في ديسمبر(كانون الأول) 2011، واتهمتهم السلطات بالتورط في “أعمال تهدد الأمن الوطني، والارتباط بمنظمات وشخصيات مدرجة في قوائم الإرهاب”.
ظهر بعد ذلك الخطاب الصريح من الفريق ضاحي خلفان ـ القائد العام لشرطة دبي ـ في مؤتمر “الأمن الوطني والأمن الإقليمي لمجلس التعاون لدول الخليج العربية.. رؤية من الداخل”، والذي نظمه مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة في 17- 18 يناير(كانون الثاني) 2012، وقال فيه خلفان: “اسمحوا لي أن أنأى بعيداً عن الدبلوماسية، أنا رجل أمن.. الإخوان المسلمون هم أحد مهددات الأمن في الخليج، ولا يقلون خطراً عن إيران”.
بعدها أعلنت الإمارات عن توقيف 60 عضواً من أعضاء تنظيم الإخوان المسلمين في الإمارات، ووجّهت لهم النيابة العامة في سبتمبر (أيلول) 2012 تهماً تتعلق بـ”إنشاء وإدارة تنظيم سرّي يمسّ الأمن ومبادئ قيام الدولة، والارتباط بجهات خارجية وتلقّي تعليمات وأموال منها، والتعرّض للقيادة السياسية “.
وغداً نواصل ....
إعداد: عبد الدين سلامة
|
|
|
|
|
|
|
|
|