حبوبة الروضة ..بقلم: محمد سليمان الشاذلي كاتب وقاص سوداني

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-05-2024, 06:57 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثانى للعام 2013م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
04-05-2013, 11:53 PM

Ridhaa
<aRidhaa
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 10057

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حبوبة الروضة ..بقلم: محمد سليمان الشاذلي كاتب وقاص سوداني (Re: Ridhaa)


    وأيقظه صوت أخته أم الخير:
    - أنا جاهزة.
    وأطلقت تنهيدة طويلة:
    - والله مشوار يقطع النفس.
    وبدا الامتعاض على وجهها الشاحب المفتقر أبداً إلى السوائل المرطبة.
    همست في غموض:
    - الله يستر.
    وقال السر:
    - الله يستر علينا ويرحمنا برحمته الواسعة.
    وصمت، ثم أردف:
    - يا رب.
    واستقلا البص الفيات إلى سوق أمدرمان ومن هناك أخذا أوستن أبيض ضميرك إلى شارع الجميعاب في أمبدة شمال.
    زلا عند محطة الفرن الذهبي للخبز البلدي. ولما مضيا يشقان سبيلهما في شارع الجميعاب طالعتهما بيوت الجالوص بجدران تساقط عنها روث البهائم المخلوط بتراب الرقيطا. كانت ثمة جماعات من المارة وكاروهات صغيرة تجرها الحمير وأخرى كبيرة تجرها خيول عليلة. في صمت ذكرا معاً سنوات طفولتهما وأيام الصبا الباكر. وتذكر السر المرة الأولى التي لعب فيها البلي في الزقاق الشمالي والكرة الشراب في ميدان النسر الذي تحول الآن إلى مدرسة متوسطة. وتذكرت أم الخير لعبة عريس وعروس على نحو غامض. كل الموجودات بدت حية وقريبة من القلب.
    ووصلا البيت فوجدا باب السنط الهائل مشرعاً كدأبه لأن سكان الوحدات الثماني لا ينقطعون في أي لحظة عن ممارسة الدخول والخروج.
    عشرات الأطفال والقطط والكلاب قامت أو رقدت في هذا الركن أو ذاك. وتناثرت في الحوش الداخلي طشاتة وجرادل وبنابر منسوجة بالحبل وأخرى منسوجة بالبلاستيك، وتناثرت مناضط وطبليات خشبية مكسرة. وضربا غرباً في الزقاق الداخلي للبيت حتى بلغا نهايته فانحرفا يمينا حيث بدت أحواض الملوخية والبامية والطماطم والرجلة والعجور والفجل والبصل الأخضر فالحبوبة الروضة كانت تحقق اكتفاءً خضرياً بنسبة مائة في المائة. كانت تبتاع فقط كيلو لحم واحد في الأسبوع مع القليل جداً من الملح والسكر والشاي وزيت السمسم وزيت الفهد. المستأجرون منها كانوا يصفونها بالبخل والتقتير والغلظة وهي كانت تؤمن يقينا بأنها إنما هي إمرأة مدبرة وحازمة.
    ؛؛؛
    الزيارات كانت منتظمة بين أمبدة والمهدية ثم ما لبثت أن فترت فيما عدا زيارات الحبوبة الروضه لهم من حين إلى حين محملة بقصب السكر والتمر للأولاد وحبات البصل لعائشة
    ؛؛؛
    ورأى السر كوماً من الزجاجات الفارغة الشفافة البيضاء والملونة مكومة في أحد الأركان قريباً من الحنفية واحد بوصة فعرف أنها تخص المرحوم محمد الشايقي ولدها الوحيد الذي قضى منذ حقب وحقب. إنها لا ترمي شيئاً أبداً ولا تستغني عن شيء! حتى زجاجات العرقي العتيدة بقيت تحت وهج الشمس وبرودة الظل وعمي الظلام. بقيت طيلة الفصول وطيلة الحقب حتى بدا وكأنها ستبقى للأبد. وكان حبل الغسيل المضفور من الزعف البني الغامق مرخياً وعليه فردة قديمة وملابس داخلية باهتة. سارا تسع خطوات ثم دلفا إلى البرندة المرملة دونما جير فرأيا الزير الفخاري يتكئ على حمالته الحديد وينقط برتابة وانتظام على طاسة صدئة، كانت رقبته مغطاة بشاش أبيض رهيف التم فرفع حتى غطى فتحته التي وضعت فوقها صينية ألمنيوم من فوقها كوز من الألمنيوم أيضاً.
    من البرنده دلفا إلى داخل الحجرة الوحيدة التي بنى العنكبوت على أركانها وفي سقفها المنسوج من القنا والتمام وجذوع النخل.
    لون الحجرة الأخضر كان باهتاً جداً لكن أرضيتها الرملية بدت نظيفة.
    وهتفت أم الخير بحنق:
    - ولا واحدة من المستأجرات ولا الجارات تجئ وتقعد مع خالتي!
    فهمس السر مغمغماً:
    - إنت عارفة حبوبة الروضة وطبعها.
    ووقفا قريباً من العنقريب العالي والضخم جداً والذي ضم جسدها الدقيق.
    كان شعرها الأشيب مكشوفاً،وجبينها المخددبعشرات التجاعيد والخطوط ينضح بالعرق. عيناها كانتا مطفأتين فأجفانها مسدلة. أنفها الديق المستقيم بدا وكأنه يصدر صريراً رقيقاً وخافتاً. وفي تلك اللحظة تكاثفت ظلمة الغيوم وانفلق دوي رعد شديد يهز بقية العصر الذي تقدّم. شعر السر بقشعريرة تتسرب إلى قلبه. تحركت الحبوبة الروضة قليلاً في رقدتها ثم فتحت عينيها وبدا كأنها تحاول أن تقول شيئاً فانحنت أم الخير عليها واضعة أذنها اليسرى قريباً من الشفتين المدقوقتين بالكحل، وسمعتها تقول بنبرة خافتة لكن حازمة:
    - الكفن في السحارة الكبيرة..
    وصمتت ثم أردفت بنبرة مرهقة للغاية:
    - موية البرود مخلوطة بموية زمزم الجبتها من الحجاز برضها جوة السحارة والدفن في البلد مو هنا.
    وهمست بتضرع:
    أدفنوني تحت النخلات.
    وصمتت.
    أمعن العصر في التقدم وانهمر المطر مشوشاً كالأفكار.
    اضطربت السماء ثم اصطخبت بدوي الرعود كرة أخرى. واشتد الإحساس بالقلق فجلسا على العنقريب عند قدميها المختبئتين تحت توب البنغالي الخفيف. وانتبها لقط يجوس في النملية بين صحون الطلس والباشري والكزرونات القديمة . كانت هناك زجاجة سمن لا بد أنها جلبت من البلد، وكيس مفتوح تدفق منه الجُرُمْ. وكان هناك الزيت وكيس الملح وكيس السكر وعلبة الشاي. وتحت النملية كانت هناك طبلية خضراء عليها بابور جاز أبو إبرة، وقرب الطبلية جثم بنبر كبير منسوج بحبل مهترئ.
    ارتعشت شفتا الحبوبة المدقوقتان بالكحل الأخضر رعشات خفيفة ثم نبض ذقنها على نحو غير إرادي وتلاحقت أنفاسها ثم ما لبثت أن تباطأت. انتفخ وريد رقبتها ثم انحرف على نحو يثير الجزع. وامتلأ قلباهما باضطراب مفعم بالخيالات. ساد الصمت وبدت الحجرة أضيق مما هي عليه. وحركت ريح المطر حبل الفانوس غير الموقد والمعلق على حلق الباب. وتطلعا معاً إلى حجر البركة المجلوب من ضريح سيدي الحسن في كسلا. وارتفعت في الجو رائحة الأرض المشققة الظمأى وهي تستقبل أولى زخات المطر الذي أخذ ينهمر بغلظة. ومن حجرات المستأجرين فاحت روائح المطبوخ والمفروك ممتزجة مع رائحة العرق والبول وصنان الأطفال.
    وتخللت المطرة عاصفة مباغتة صفعت الحجرة الخائفة من كل جانب.
    واشتد ظلام الغيم متداخلاً مع ظلام أول العشي. برقت عشرات البروق، وبدا أن صاعقة قد وقعت في القريب، ودبت الرطوبة في الأطراف. تحركت شفتا الحبوبة المدقوقتان كرة أخرى فدنت منها أم الخير ووضعت عليهما أذنها اليسرى. حاولت أن تتكلّم لكن الإعياء أخذ منها جداً. الحروف خرجت متقطعة غير واضحة تصحبها حشرجة مزعجة، لم تفهم منها سوسى كلمتي: "حوض الملوخية.. حوض الملوخية.." وفي سرعة وجلبة دخل إلى البرندة ومنها إلى الحجرة الأسطى الكيك الأحمر ومعه محمود المساعد الطبي في الشفخانة القريبة.
    قال الأسطى بصوت بدا غاضباً:
    - مطر غير مسبوق! السيول في لحظات أخذت في جرف الشوارع!
    واتجه محمود إلى العنقريب فوضع عليه صندوقه المعدني اللامع وأخذ رسغ الحبوبة. صرّ وجهه بعد برهة ثم مد يده اليمنى ففتح جفنيها وأغلقهما. أخرج سماعته الطبية العتيقة، علقها على أذنيه ثم وضع ميكرفونها على صدر الحبوبة. أصغى باهتمام وهو يحرك السماعة كأنه يبحث عن القلب العجوز. والتفت على نحو درامي وهو يقول بحيادك
    - البركة فيكم. ماتت للتو الله يرحمها كانت إمرأة مكافحة.
    دوّت رعدة جفل منها الجميع، وبدا أن جدران الحجرة قد أخذت في الاهتزاز. ثم سمعوا جدران بيوت المستأجرين تتقوض وتتهاوى والمطر يشتد ويشتد. ودون أن يشعر السر الشايقي زفر:
    - يعني ما حا يكون في إيجارات؟ نسأل الله ألا تقع كل بيوت الإيجار.
    التفت إليه الأسطى الكيك قائلاً:
    - البيوت أصلها جالوص يا حاج السر فلا تنسى ذلك.
    قطب السر وهمس لنفسه:
    - لا دخل ثابت مع هذا المطر.
    وسأل الأسطى الكيك الأحمر:
    - والقروش النقد عندك فكرة عن محلها؟
    تمتم السر الشايقي:
    - لا والله.
    وقالت أم الخير:
    - ما في جنس مخلوق يعرف عنها حاجة.
    تأوه السر ثم تنهد:
    - اللهم لا اعتراض على حكمك.
    وهنا قال المساعد الطبي محمود:
    - مش الأولى تستروا الجنازة وبعدين...
    فقاطعه السر:
    - بعدين ممكن نبيع البيت على الأقل.
    وصمت وأردف:
    - أصلهم ألفين متر مهما كان.
    وهمست أم الخير:
    - الحبوبة قالت يدفنوها في البلد تحت النخل.. والله مشوار ومحتاجين لوري..
    وصاح السر بغتة:
    - وما ننسى تمر البلد ونخله.
    وصمت ثم زام بصوت خافت:
    - لكن لو يقف المطر.


    END
                  

العنوان الكاتب Date
حبوبة الروضة ..بقلم: محمد سليمان الشاذلي كاتب وقاص سوداني Ridhaa04-05-13, 11:51 PM
  Re: حبوبة الروضة ..بقلم: محمد سليمان الشاذلي كاتب وقاص سوداني Ridhaa04-05-13, 11:52 PM
    Re: حبوبة الروضة ..بقلم: محمد سليمان الشاذلي كاتب وقاص سوداني Ridhaa04-05-13, 11:53 PM
      Re: حبوبة الروضة ..بقلم: محمد سليمان الشاذلي كاتب وقاص سوداني Ridhaa04-05-13, 11:55 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de