حبوبة الروضة ..بقلم: محمد سليمان الشاذلي كاتب وقاص سوداني

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-05-2024, 07:43 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثانى للعام 2013م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
04-05-2013, 11:52 PM

Ridhaa
<aRidhaa
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 10057

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حبوبة الروضة ..بقلم: محمد سليمان الشاذلي كاتب وقاص سوداني (Re: Ridhaa)


    بحنكتها قسمت الحبوبة الروضة الألفي متر إلى ثمانية مساكن كل منها يتكون من حجرة وبرندة وراكوبة وأدبخانة بلدية وحمام وحوش... البناء كله من الجالوص والباب الرئيسي واحد من خشب السنط الأغبر الغليظ. كانت كل ما توفر لها شييء من تجارة البصل والتمر تطلب من عبدالوهاب أبو دقن صاحب اللوري القلاب أن يأتي بالتراب، ومن الحدوري البنا أن يشرع في حفر الأساسات ووضع البناء طوفاً بعد طوف. حسابها على البناء بالذراع ولا تقبل إلا أن تقوم بعملية قياس الجدران بنفسها ذراعاً بعد ذراع. أما ترميل الجدران وتجييرها فكانت من الأعمال التي تعهد بها إلى عبدالمنعم البربراوي والذي دوماً ما كانت تقول له:
    - إنت سعرك غالي... أنا عايزة جير مش عايزة بوهية دوكو!
    فيسألها:
    - طيب والأبواب وشابيك الخشب العملها خلف الله النجار؟
    فتنفجر فيه غاضبة:
    - قطيعة فيك وفي خلف الله النجار وفي شغلكم.
    وتبصق ثم تستأنف:
    - أديهم برضو جير.
    فيعيد لها كدأبه كل مرة:
    - لكن كده ما بينفع!
    تكوِّر شفتيها المخددتين وتزوم:
    - ما يخصك، إنت قايل عندي الآلاف وللا شنو؟ جير ولازم يكون أخضر.
    هي تحب اللون الأخضر وكل شيء عندها إما أخضر أو يميل إلى الأخضر.
    وفي المئتي متر التي خصصتها لنفسها كانت تزرع الملوخية والسبروق والبامية والطماطم والعجور والرجلة والفول النابت وغير ذلك، كما كانت تنصب قفصاً كبيراً للدجاج البلدي. وفي رأس حجرتها كانت تربي أجوازاً وأجوازاً من الحمام داخل صناديق من الصفيح. تطلع بسلم خشبي يشبه السلم الذي يرتقيه الجعلي مؤذن جامع البرابرة غير البعيد. جملة إيجارتها الشهرية في حدود السبعمائة جنيه، تأخذها مقدماً أول كل شهر وتحفر لها في حوض الملوخية ثم تدفنها بعد أن تلفها بأكياس النايلون. لم تكن بالبيت كهرباء وفواتير الماء التي تنتظم في دفعها في اليوم والتاريخ تحتفظ بها شهراً بعد شهر وعاماً بعد عام حتى ملأت سحارة بكاملها.
    وذات فبراير وصلتها فاتورة مزدوجة تفيد بأنها لم تسدد دفعية يناير مع فاتورة أخرى سميت فروق ومتأخرات ترجع لأشهر وأشهر مما يجعل المبلغ الكلي المستحق الدفع مشتملاً على بند سمي ببند المتأخرات. في ذلك الصباح الشتوي انفعلت في عامل شركة المياه الذي سلمها الفاتورة.
    صرخت في وجهه:
    - سجم خشمك وسجم خشم شركة الموية الماعارفة حساباتها.
    بصقت ثم أردفت:
    - يخصي عليكم.
    لملمت طشاتة البصل والتمر وأغلقت دكانتها الصغيرة واستأجرت تاكسي هلمان في واحدة من مراتها المعدودات لتأخذها هي وسحارة الفواتير إلى إدارة شركة المياه في بداية شارع الأربعين قريباً من صينية المجلس البلدي أمدرمان. هي والسائق حملا السحارة بفواتيرها المدفوعة والمختومة ووضعاها أمام ترابيزة المحاسب.
    وقف المحاسب مفزوعاً:
    - أيه ده يا حاجة؟
    كوَّرت شفتيها المخددتين وزامت:
    - ده سجم خشمك.
    وسألت في لهجة مستنكرة:
    - عشان شنو جايبين لي فاتورة فيها متأخرات؟
    - خليني أشوف.
    - إنت كان عندك نظر كنت رسلت لي فاتورتين؟ واحدة قال أيه قال متأخرات! متين أنا فطيت شهر من يوم الموية دخلت بطن بيتي؟
    فتحت السحارة وفردت الفواتير بكعوبها المختومة.
    صاح المحاسب:
    - يا حاجة دي عايزة ليها فريق مراجعة مش موظف!
    وعلا الضجيج فخرج المدير من حجرته ذات الباب الخشبي المتهالك.
    أزاح نظارة القراءة عن عينيه ووضع نظارة قصر النظر وسأل في استياء:
    - أيه الجوطة؟ في أيه يا أستاذ محجوب؟
    وأطلعه محجوب المحاسب على الأمر فنظر إلى الحبوبة الروضة وقال لها:
    - خلاص... خلاص يا حاجة لمي ورقك وأدفعي حق الشهر بتاع فبراير بسْ.
    وسكت ثم أردف:
    - والله نحن ما عندنا في سجلاتنا قدر فواتيرك دي!
    وحدج شلوخها الست ثلاثة على كلِّ خد، ثم سأل:
    - دي من سنة كم؟
    بصقت بقرف وزامت:
    - من سنة حفروا البحر.
    وللحبوبة الروضة دكانة صغيرة في سوق أمدرمان استأجرها منها تاجر تشاشة.
    وذات عام طلبت منه زيادة الإيجار الشهري فرفض وعند ترددها الملح عليه حلف بالطلاق وكان مسطولاً أن لا يدفع لها ولا قرش حتى من الإيجار القديم، فما كان منها إلا أن ذهبت إلى محكمة أمدرمان الجزئية وكتبت ارضحالاً من ود عووضة تطالب فيه بالإخلاء لعدم السداد. في صبيحة الجلسة دخلت هي ومستأجرها التشاش قاعة المحكمة فتصادف أن كان القاضي سيدة. لم يكن هناك محامون ولم يكن هناك كلام كثير. القاضية حكمت بالإخلاء الفوري وتسليم الدكانة للحبوبة. لشدة سرورها ما ملكت الحبوبة إلا أن انحنت ورفعت محفظتها الجلدية الحمراء المتدلية من رقبتها واستلت منها ورقة بنفسجية من ذات العشرة جنيهات ثم صعدت المنصة وهي تخاطب القاضية:
    - الله ينصر دينك يا بنيتي.
    وابتسمت ثم أردفت.
    - خذي الملاليم ديل ساعدي بيهم حالك.
    إنزعجت القاضية وردت بحزم:
    - والله لو ما كنت مرأة كبيرة كنت أمرت بحبسك!
    فصاحت فيها:
    - تحبيسيني في شنو؟ عشان أديتك هدية؟
    تأملتها القاضية ولزمت الصمت لكن الحبوبة الروضة لم تصمت:
    - والله غلطانة الحكومة السوت النسوان قضوة في المحاكم!
    ثم ما لبثت أن خرجت غاضبة ناسية أن الحكم كان في صالحها.
    واضطربت في ذهن السر الشايقي وفي صدره أشجان وذكريات عمقها حنين طفولة ساحقة، لكن ما ستخلفه الحبوبة الروضة بدا للحظة أهم من كلِّ شيء. الجميع يعرف بيتها ذا الألفي متر، يعرف نخلاتها في البلد، يعرف تجارتها الصغيرة في البصل والتمر. وقال في نفسه: "والإيجارات..! الإيجارات الشهرية التي ستكون صمام أمان محترم"، وفكر في إيجار المئتين وخمسن متراً التي تشغلها الآن، فهو لن يترك بيت أبيه في المهدية ليرحل إلى أمبدة، وأم الخير أخته كذلك لن تفعل. وابتسم في غموض قائلاً لنفسه إنه سيكون من أصحاب الأملاك أخيراً وهو الذي لم يمتلك في حياته إلا مرتبه الشهري. ولوهلة أنّب نفسه يخاطبها: "أتسمي ذلك امتلاك؟ إنه أكثر تفلتاً وتسرباً من الماء نفسه!"، وأراح نفسه بهمسه لها أنه سيكون أخيراً من ذوي الدخل المضمون. تجارة التمر والبصل فلتذهب إلى الشيطان، وعبس إذ بدا له أن عزرائيل نفسه قد يموت والحبوبة الروضة ربما لا تموت. الكل يؤكد أنه تخطت التسعين بعام أو عامين لكنه وفي قرارة نفسه كان موقناً بأنها قد تخطت المائة منذ زمان، بدت خالدة فلم تخرّف ولم تكف عن الحركة والنشاط المثابر.

    ..//3
                  

العنوان الكاتب Date
حبوبة الروضة ..بقلم: محمد سليمان الشاذلي كاتب وقاص سوداني Ridhaa04-05-13, 11:51 PM
  Re: حبوبة الروضة ..بقلم: محمد سليمان الشاذلي كاتب وقاص سوداني Ridhaa04-05-13, 11:52 PM
    Re: حبوبة الروضة ..بقلم: محمد سليمان الشاذلي كاتب وقاص سوداني Ridhaa04-05-13, 11:53 PM
      Re: حبوبة الروضة ..بقلم: محمد سليمان الشاذلي كاتب وقاص سوداني Ridhaa04-05-13, 11:55 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de