بمنحة من معهد فولبرايت.. د. سعاد تاج السر تحاضر بالجامعة الامريكية بالكويت.. الف مبروك!

Quote: قراءة نقدية فى فكر الشيخ على عبدالرازق (1956 – 1887) قبل أن يسدل العام الماضى أستاره، دفعت الدكتورة سعاد تاج السر على، الى المطبعة بأحدث عمل لها حول كتاب الشيخ على عبدالرازق ‘الاسلام واصول الحكم‘. وقد صدرت طبعته الأولى بالانجليزية، على أمل أن تجد طريقها الى قراء العربية فى أمد وجيز. وما من شك فى أن هذا العمل سيملأ فراغاً محسوساً لدى قراء الانجليزية المهتمين بحركة التجديد التى انتظمت العالم الاسلامى بعد الحرب العالمية الأولى. وقد لقيت أفكار الشيخ عبدالرازق على وجه الخصوص إهتماماً وأصداءاً واسعة منذ أن أصدركتابه المثيرحول ‘الاسلام وأصول الحكم‘ فى عام 1925. وتمت ترجمته الى عدد من اللغات العالمية. إلا أن النسخة الانجليزية لأسباب غير معلومة لم تعد فى متناول القراء المهتمين. لهذا تعكف الدكتورة سعاد حالياً على إعادة ترجمة هذا العمل البالغ الأهمية الى اللغة الانجليزية. كذلك ضمنت كتابها مقتطفات وحواشى وافية للتعويض عن غياب المصدر الأصل. وبلا محاباة، لقد تعززت قناعتى بعد مطالعة كتاب الدكتورة سعاد بكل ماعرفت به من امتلاك لناصية البحث والتحقيق والتدقيق والمعرفة الراكزة بتطور الفكر السياسى فى الاسلام منذ عهد الخلفاء الراشدين. وربما أعانها على ذلك أهتمامها وتخصصها العلمى ونشأتها الباكرة فى أسرة دينية وأدبية مرموقة. وكل من يتثنى له قراءة هذا الكتاب باللغة الانجليزية سوف يقف على دأبها فى تقديم أفكار الشيخ على عبدالرازق باستفاضة غير مُملة، وفى سياق الفترة الزمنية المعنية، وبموضوعية وحزم لاتخطئه القراءة المتمعنة. والدكتورة سعاد محققة وباحثة متقنة لصنعتها. زينت هذا العمل بلغة علمية متينة وسلسة فى آن واحد. وقد تحرت الدقة فى نقل المصطلحات الدينية من العربية الى الانجليزية. ويبدو الاتقان فى الكم الهائل من المراجع العربية والانجليزية التى انتهلت منها. صدرالكتاب عن مطبعة جامعة يوتا الامريكية، ويقع فى نحو مائة وستين صفحة. تتلمذ الشيخ على عبدالرازق على أيدى رائد التجديد الاسلامى الشيخ محمد عبده واقتفى أثره. وقد أحدث كتابه ‘الاسلام واصول الحكم‘ أصداءً واسعة بين مهلل وناقم. فقد انبرى له بالنقد القارص من عرفوا آنذاك ‘بهيئة العلماء الكبار‘ الذين تكالبوا عليه قدحاً، واتهموه بالتجديف بعيداً عن تعاليم الاسلام تحت تأثير العلمانية الوافدة من الغرب. وهكذا افتوا بعزله من هيئة علماء الأزهر الشريف. ووقف على رأس من ألبوا عليه الشيخ رشيد رضا ومفتى الديار المصرية الشيخ محمد البخيت المعطى. بينما هب للدفاع عنه كتابٌ وعلماء لا يطالهم الشك منهم محمد حسين هيكل واحمد امين وكذلك خالد محمد خالد- فى مرحلة باكرة - بالاضافة الى عميد الأدب العربى طه حسين الذى واجه بدوره هجمة لا تقل ضراوةً عما تعرض لها الشيخ عبدالرازق. تعرض الدكتورة سعاد للجدل الذى لم تخبو حدته بتاتاً بشأن العلاقة بين الأصالة والحداثة. وتذهب الى أن هذا الجدل مفيد. بحسبانه يرفد دماءاً جديدة فى الفكر الاسلامى الذى ظل هامداًً على أيدى رجال الدين الذين انكفاوا على أنفسهم امعاناً فى كبت جزوة الاستنارة والتجديد باعتبارها من بدع الليبرالية الاوربية الوافدة. وقد انبرى الشيخ عبدالرازق للدفاع عن حيوية الفكر الاسلامى وقدرته على التجديد الذاتى قبل أن تصل الى ذلك المدى المدارس الليبرالية الاوربية الرائدة. وتطرق الى ذكر المؤلفات الاثنى عشر للكندى منها رسالته الكبرى فى السياسة ورسالة العامة والى مؤلفات الفارابى الثمانية فى السياسة. وفى هذا السياق أيضاً ذهبت الدكتورة سعاد الى المقاربة بين أفكار الشيخ عبدالرازق وجون لوك الذى عارض الحق الالاهى الذى تشبث باهدابه الملوك فى العصور الوسيطة، وحذر من ان تقحم الدولة نفسها فى شئون الافراد. لقد أحدث كتاب ‘الاسلام واصول الحكم‘ زلزالاً فكرياً عظيماً بالتصدى لمناقشة فكرة الخلافة فى الاسلام وانبرى للاجابة على السؤال الازلى عن علاقة الدين والدولة، وفكرة ‘الحاكمية لله‘ كما تجلت لاحقاً فى كتابات المفكر الاسلامى سيد قطب. والشيخ عبدالرازق يعارض قكرة الخلافة ولايقر بوجود ‘سلطة نهائية‘ الا لله تعالى ورسوله الكريم بما يوحى اليه. ويدعو بلا مواراة الى الفصل بين الدين والدولة بحسبانها شأن دنيوى بين البشر. ويمضى للقول بأن المسلمين أحرار فى اختيار نظم الحكم التى تلائم واقع حياتهم فى كل زمان ومكان. فالقران يدعو بصفة واضحة الى التشاور فى شئون الامة ويرفض الاستبداد بالرأى وحق الأمم فى اختيار مؤسسات الحكم التى تتفق مع احداثيات الزمان والمكان، فى دون تشنج أو تصلب. وفى صياغة آرائه لم يتوخ الشيخ عبدالرازق قوالب الخطاب الدينى المتعارفة لدى علماء الأزهر وحسب، بل ذهب الى استنباط دعواه للتجديد من القرآن الكريم والسنة والقياس والاجماع. ادركت الدكتورة سعاد أهمية الأفكار التى أطلقها الشيخ على عبد الرازق خاصة وأن السؤال المحورى حول ‘الدين والدولة‘ لازال قائماً. وليتها أولت هذه المسألة حيزاً أكبر دون الاخلال ببنية كتابها المتين. فقد ألمحت الى دور الجماعات الدينية السلفية التى جنحت الى تكفير الدولة القائمة (أيمن الظواهرى). وكما أظهرت تجربة الحقب المتعاقبة منذ منتصف الستينات الماضية فان ماأصطلح المحللون على تسميته ‘بالاسلام السياسى‘ لم يعد جسماً واحداً كما كان عليه الحال فى ازمان غير بعيدة. مما يستوجب تحليلاً باطنباً لرصد التغيرات التى طرأت على الفكر والممارسة داخل هذه المنظمات. فالناظر الى تجربة حزب العدالة فى تركيا يلحظ تحولاً دائرياً أفضى بها الى تبنى منهج براغماتي كاساس للحكم، بينما انتقلت حركة الاخوان المسلمين فى مصر للعمل من خلال النظام ‘الليبرالى‘ القائم بكل علاته، وفى المقابل انتهجت الجماعات الاصولية المتطرفة نهجاً تكفيرياً عنيفاً (القاعدة/طالبان). وفى عدد من البلدان الاسلامية انخرطت التنظيمات والاحزاب الاسلامية فى المشاركة داخل البرلمانات ذات النمط الليبرالى (الكويت الاردن العراق). ولربما أضافت الدكتورة سعاد الى حصيلة المعرفة التى ينضح بها كتابها القيم إذا تثنى لها مقاربة أفكار الشيخ على عبدالرازق حول العلاقة بين الدين والدولة على تجربة بلادنا عند تطبيق قوانين سبتمبر 1983، وما افرزته من بعث لفكرة ‘الخلافة‘ الاسلامية على عهد الرئيس نميرى. وتجربة ‘الانقلاب الاسلامى‘ الذى أوصل الجبهة الاسلامية القومية الى الاستيلاء على الحكم فى يونيو 1989 وأدخل البلاد فى نفق مظلم. هذا عرض مبتسر لكتاب على قدر كبير من الاهمية، أتمنى أن يجد طريقه الى المكتبة العربية فى يوم قريب. عبدالمـاجد بـوب – جريدة الأحداث - الخرطوم (عدل بواسطة A/Mag