|
عبقري الشعر السوداني ___ صديق مدثر
|
عبقري الشعر السوداني ___ صديق مدثر حياته وشعره منذ أن دق الإمام المهدي أطنابه في الطرف الجنوبي الغربي لتلك البلدة التي تقع على الضفة الغربية للنيل،صار قدرأم درمان أن تكون بوتقة انصهار لجميع أهل السودان بسحناتهم المختلفة، ولهجاتهم،وعاداتهم، وتقاليدهم، وأطعمتهم ولباسهم وأزيائهم،فامتزجوا وتزاوجوا وتلاقحت أفكارهم، وصارت أم درمان أمهم التي لا ينتسبون لمكان سواها. ولذلك حق لشاعر أم درمان عبد الله محمد زين أن يقول على لسانها: أنا أم درمان وصوت الأمة وإحساسا أنا التأسيسه بي تم وأنا اللميت شتات ناسا مزجت شمالا بجنوبا وسكبت شروقا في غروبه وزرعت الطيبة في دروبا وطابت "عزة" للأوطان علاوة على هذا، فقد جذبت أم درمان أعداداً كبيرة من العلماء والفقهاء ووضعوا بذلك لبنة قوية لبنية ثقافية وعلمية، أسهمت في جعل هذه المدينة قبلة يؤمها طلاب العلم ومحبو الأدب، فانتشرت خلاوي القرآن الكريم والمكتبات الخاصة وحلقات الفقه والحديث في كثير من الزوايا والدور، وكان هنالك معهد أم درمان العلمي بكل ما له من رمزية ثقافية وزخم علمي، ومسجد أم درمان العتيق ومابه من حلقات علم ذائعة الصيت. وحط بها الرحال رجال من السادة الصوفية؛ من أمثال السيد المكي، وعربي ومكاوي، ، وأحمد شرفي، والطاهر الحيمادي، وحمد النيل العركي، والصائم ديمة، والسادة الأدارسة، والشيخ ود البدوي، ومحمد ود عبد الماجد، والشيخ قريب الله ود أبو صالح الطيبي، ومولانا محمد مدثر الحجاز، وعوض عمر، وغيرهم كثر لا يتسع المجال لذكرهم، فعطروا سماء أم درمان بتلاوة القرآن والإنشاد العرفاني الرفيع، ومدح المصطفى صلى الله عليه وسلم، وكل ذلك مما أثر في وجدان إنسان أم درمان وثقافته، ولعل هذا ما جعل العبارة القرآنية شائعة جداً في شعر الحقيبة، الذي لم يخلُ من أثر التصوف من حيث المفردة والإيقاع واللحن. ومن جانب آخر، كانت هنالك المسالمة وهي تعد بمثابة رافد حضاري لمجتمع أم درمان وقد اشتهرت بحسناواتها الشقراوات فتغزل بهن الشعراء في كثير من القصائد مثل: يا ظبية المسالمة وفي الخمايل حالمة ومن ذلك أيضاً قول عبد الرحمن الريح: لي في المسالمة غزال نافر بغني عليهو جاهل وقلبو قاسي وقلبي طائع ليهو إنّ بيئة كهذه من الطبعي أن تخرج للناس عباقرة في مجالات الإبداع كافة؛ فقد ظهر فيها التجاني يوسف بشير، ومحمد أحمد المحجوب، وصلاح أحمد إبراهيم، وعبد الله الشيخ البشير، ومحمد عبد القادر كرف، وكبار شعراء الحقيبة التي كانت نشأتها في أم درمان ، حيث صدح فيها محمد ود الرضي، وأبو صلاح وعمر البنا وغنى فيها كرومة وسرور ومن بعدهم إبراهيم الكاشف،وإبراهيم عوض وأحمد الجابري. يقول الأستاذ/ حسن أحمد الحسن: (أصبحت أم درمان مركز نشاط للمطربين، والشعراء، وانتشرت أغنية الحقيبة، والأغنية الحديثة وتبارى الشعراء بالقصائد، فأثروا الساحة الفنية والثقافية، وكان لشعراء الحقيبة القدح المعلى، إذ شكلت إبداعاتهم وجدان قطاع كبير من أهل السودان). وبحسبان أن أم درمان هي العاصمة الشعبية، فلا غرو أن يخرج من رحم هذه المدينة العريقة أناس أثروا الساحة السودانية بضروب شتى من الفن والإبداع في مجالات الشعر والقول الرصين؛ ذلك لأن الشعر إنما هو تعبير صادق عن ذاكرة الشعوب وواقعها ووجدانها وتفاعلها مع بيئتها ومحيطها الاجتماعي والثقافي.في مثل هذه البيئة عاش كثير من الشعراء والأدباء والمبدعين، ومن المؤكد أنهم قد تأثروا بكل العوامل التي أشرنا إليها؛ ومن هؤلاء الشاعر الكبير والمربي الفاضل، والمناضل الجسور، صاحب الكلمة الرصينة، والذوق الرفيع، والتعبير الصادق الأستاذ صديق مدثر عبقري الشعر السوداني الذي ولد في عام 1929، وترعرع في ظل دوحة الهاشماب،التي كان يتفيأ ظلالها رجال عظماء من أمثال العالم النحرير الشيخ أبو القاسم أحمد هاشم جد الشاعر صديق مدثر لأبيه، وهي دوحة تتنفس الشعر والعلم والفقه واللغة. وانتقل الشاعر صديق مدثر إلى جوار ربه في الرياض، عاصمة المملكة العربية السعودية في صبيحة الأربعاء العاشر من شهر أكتوبر لعام2012 عن عمر ناهز 83 عاماً، نسأل الله له الرحمة والمغفرة ولذويه ومحبيه وتلاميذه الصبر والسلوان. ولمثل هذا الفاجع ترتدي أم درمان وشاحها الأسود فقد فقدت أحد فلذات كبدها الذين ترعرعوا وشبوا في ربوعها العامرة ولكن أدركته المنية في هضبة نجد وسط جزيرة العرب،فلم تلق عليه أم درمان النظرة الأخيرة، فحق لها أن تضم جوانحها على الأسى والحرقة لمثل هذا الفقد الجلل.وحال شاعرنا الكبير كحال مالك بن الريب التميمي الذي أدركته ريب المنون في خراسان فخلد ذلك بقوله: لعمريْ لئن غالتْ خراسانُ هامتي لقد كنتُ عن بابَي خراسان نائيا يقولون: لا تَبْعَدْ وهم يدفنونني وأينَ مكانُ البُعدِ إلا مَكانيا ومع أن شاعرنا صديق مدثر قد ملأ رئتيه بهواء أم درمان شاباً وكهلاً وشيخاً، وأترع قلبه بحبها وحب أهلها، وكانت أحياؤها وأزقتها مسرحاً واسعاً لشعره، هاهو يفارق الدنيا بعيداً عنها! ولكن هذا قدر الله المحتوم، فقد بكته الجالية السودانية بدموع حرى وهي تواري جثمانه الثرى في مقابر أم الحمام،كيف لا وقد كان صديق مدثر علماً بارزاً، ورقماً كبيراً في الشعر والأدب والترجمة والقصة القصيرة.ونعلم أن صديق مدثر بحكم نشأته قد كان واسع الإطلاع، والمعرفة، والثقافة في كل ضروب الأدب والعلم واللغتين العربية والإنجليزية، وهو أيضاً شاهد عصر على كل الأحداث والمناسبات الوطنية منذ مطلع النصف الثاني من القرن الماضي، وقد شارك في كثير منها بالكلمة وأدخل السجن أكثر من مرة.
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
عبقري الشعر السوداني ___ صديق مدثر | محمد التجاني عمر قش | 03-30-13, 11:05 AM |
Re: عبقري الشعر السوداني ___ صديق مدثر | علي الكرار هاشم | 03-30-13, 11:27 AM |
Re: عبقري الشعر السوداني ___ صديق مدثر | Mandingoo | 03-30-13, 12:13 PM |
Re: عبقري الشعر السوداني ___ صديق مدثر | محمد التجاني عمر قش | 03-30-13, 02:26 PM |
Re: عبقري الشعر السوداني ___ صديق مدثر | محمد التجاني عمر قش | 03-30-13, 02:08 PM |
Re: عبقري الشعر السوداني ___ صديق مدثر | محمد التجاني عمر قش | 03-30-13, 02:34 PM |
Re: عبقري الشعر السوداني ___ صديق مدثر | mustafa mudathir | 03-30-13, 05:27 PM |
Re: عبقري الشعر السوداني ___ صديق مدثر | Dr. Salah Albashier | 03-30-13, 07:57 PM |
Re: عبقري الشعر السوداني ___ صديق مدثر | محمد عوض السيد | 03-30-13, 08:11 PM |
Re: عبقري الشعر السوداني ___ صديق مدثر | محمد التجاني عمر قش | 03-31-13, 08:06 AM |
Re: عبقري الشعر السوداني ___ صديق مدثر | محمد التجاني عمر قش | 03-31-13, 08:01 AM |
Re: عبقري الشعر السوداني ___ صديق مدثر | محمد التجاني عمر قش | 03-31-13, 07:55 AM |
Re: عبقري الشعر السوداني ___ صديق مدثر | محمد التجاني عمر قش | 03-31-13, 10:29 AM |
Re: عبقري الشعر السوداني ___ صديق مدثر | محمد التجاني عمر قش | 03-31-13, 12:23 PM |
Re: عبقري الشعر السوداني ___ صديق مدثر | mustafa mudathir | 03-31-13, 08:30 PM |
|
|
|