|
لمصلحة من يعمل السائحون ؟
|
لمصلحة من يعمل السائحون ؟ منذ أن استولت الإنقاذ على السلطة ، بانقلابها الذي أسمته بالأبيض ، عملت على توطيد دعائم حكمها ، ليست بإقامة العدل في ربوع البلاد ، أو بالعمل على رفاهية المواطن ، ومحاولة كسبه إلى صفها ، وكما حاولت إخفاء ثوبها الإسلامي في أيامها الأولى عندما أودعت شيخ الحركة الإسلامية الدكتور حسن الترابي ، سجن كوبر ، ووضعت إستراتيجية قتل من يخلفها ، ومن يخلف أي حكم هو المعارضة الجاهزة ذات منهج الحكم الواضح ، والتي لها خبرة في إدارة الدولة ، وبما أنها حكومة قد أتت على ظهر الدبابة ، فلقد اهتمت بالمعارضة التي اقتلعت السلطة منها ، وان كانت السلطة وقتها سلطة الشعب ، لأنها أتت عبر صناديق الاقتراع ، اتفقنا ، أو اختلفنا حول من مثل هذا الشعب في ذلك التوقيت . وضعت الإنقاذ إستراتيجية قوية ، وهي الإستراتيجية الوحيدة التي نجحت في تطبيقها خلال سني حكمها الطويلة ، وكانت إستراتيجيتها ، إماتة المعارضة القوية التي ستسبب لها الصداع الدائم ، والتي من المفترض أن تكون حكومة ظل وعونا لأي حكومة قائمة ، إذا ما كان وضع الحكومة الأم صحيحا . بدأت الإنقاذ في تنفيذ إستراتيجيتها من عدة وجوه ، فبدأت بإضعاف الأحزاب التقليدية الأمة والاتحادي الديمقراطي ، وذلك بشق صفوفهم ، فحدثت الانشقاقات في صفوف هذه الأحزاب ، وقامت باحتضان مبارك الفاضل المهدي ، بعد أن انشق عن حزب الأمة ، وكون حزباً جديداً باسم الأصالة والتجديد ، ولكن سرعان ما اختلف مع حكومة المؤتمر الوطني وخرج من القصر . فلم تكتفي حكومة المؤتمر الوطني بذلك ، بل كثفت من نشاطها ، داخل هذين الحزبين ، إلى أن أوصلت أبناء السيدين المبجلين ، ليكونا أغلى قطعة ديكور داخل القصر الجمهوري . رغم أن ثمن هاتين القطعتين لم يكن غاليا ولم يكلف الحكومة كثيراً ، لشراء هاتين القطعتين ، ولكن ما كلفها هو الاعتناء بهما ، ومداراتهما ، والتعامل معهما بحذر ، حتى لا يتم سرقة القطعتين ، ومن ناحية أخرى حتى تم تعيين العديد من المختصين لكشف سماعات الصوت والكاميرات الخفية داخل القطع الأثرية الموجودة في هذا المكان الحساس . ولكن رغم ما أُثير من غبار فقد بقيت هاتين القطعتين داخل القصر الجمهوري . أما بقية الأحزاب السودانية المعارضة ، والتي لا ترفع السلاح في وجه الحكومة ، فقد شهد على وفاتها المرحوم محمد إبراهيم نقد ، في أكتوبر من العام 2011م عندما اخذ قطعة الورق وكتب فيها حضرنا ولم نجدكم في ميدان أبو جنزير وسط العاصمة الخرطوم ، قبل أن تقتاده الأجهزة الأمنية ، فمنذ ذلك التاريخ ، ومنذ تلك اللحظة ، فقد تم إصدار شهادة الوفاة للمعارضة غير المسلحة داخل الخرطوم وخارجها ، وتأكد لحكومة المؤتمر الوطني ، الأمان والسلامة من هذه المعارضة . اتجهت الحكومة منحى آخر للقضاء على المعارضة التي لا تنتمي ، إلى أحزاب معينة ، فقد قامت بجذب زعماء القبائل ، والعشائر ، فوقع اختيارها للشيخ موسى هلال ، والذي قامت الحكومة بسجنه في السابق ، في قضايا امنية ، فقربت إليها موسى هلال وعينته مستشارا لرئيس الجمهورية ،والذي لاقى تعيينه أصداء سيئة من قبل المجتمع الدولي الذي يتهمه بقيادة مليشيا الجنجويد ، وقيامه بجرائم حرب في دارفور . بعد المفاصلة الشهيرة بين المؤتمر الوطني ، وقائد الحركة الإسلامية الدكتور حسن الترابي ، وتكوين حزب المؤتمر الشعبي ، بدأت وتشكلت معارضة جديدة لحكومة المؤتمر الوطني ، معارضة تعرف من تعارضه جيداً ، وتعرف إستراتيجيته جيداً ، وهنا بدأ ناقوس الخطر يدق ، وهنا بدأت حكومة المؤتمر الوطني ، تعد العدة لمتابعة كل من هو شعبي ، أو من يشك في انه شعبي ، فاستطاعت أن تستقطب عددا ليس بالقليل لإرجاعه إلى زنزانة المؤتمر الوطني ، وانتهجت في ذلك أساليب عديدة ، من ترغيب وترهيب وابتزاز أحيانا أخرى . وجهت الأجهزة الأمنية وهيأت نفسها لمتابعة أصدقاء وأحباء وأخوان الأمس ، أعداء اليوم ، وكان جل خوفها من تحول فئة المجاهدين ، عبر مسمياتهم المختلفة ، من سائحون ودبابون ، إلى المؤتمر الشعبي ، وخوفهم من سحر الدكتور حسن الترابي لإمالته فئة المجاهدين القادرة على قلب أي طاولة ، وهى التي رجحت كفة الإنقاذ في بداية عهدها . ولقد نجحت حكومة المؤتمر الوطني إلى حد كبير ، في جذب العديد منهم . في الآونة الأخيرة وبعد أن استعرت نار الفساد ، وتطاير شرره ، وبعد أن أزكمت روائحه الكريهة النتنة الأنوف ، وأدمت قصصه القلوب ، تنادى من بَعُدَ أو اُبْعِدَ عن صف الحركة الإسلامية ، وهمسوا فيما بينهم ، وزاد الأمر ، فأصبح الهمس صوتا مسموعا ، وكان نتيجة ذلك ، اللقاء الصحفي مع شقيق الرئيس البشير ، والذي حاول نفي بعض التهم عن نفسه وعن أسرته ، ومن بعدها كان تكوين الرئيس البشير لمفوضية الفساد . وانتداب الدكتور الطيب أبو قناية للقيام بهذه المهمة . ظهرت في الآونة الأخيرة ما سمي بمجموعة السائحون ، وهي مجموعة مقاتلة كانت في وقتها لا تلتزم حتى بقوانين قادتها في الخرطوم ، وعدم الالتزام يكون في الذهاب إلى ساحة الحرب في الجنوب ، وعبر اقرب طائرة مغادرة إلى جوبا . قامت هذه المجموعة ورفعت صوتها قويا ومدويا ، فأخاف صوتها بكل حق حكومة المؤتمر الوطني ، لأنهم يتحدثون باسم المقاتلين والمجاهدين ، والشهداء ولأنهم يعرفون جيدا الحكومة ويجيدون التعامل معها ، وقبل أن يرتفع صوت هذه المجموعة ، ليسمعه الكل ، تولت الأجهزة الأمنية أمر هذه المجموعة ، وذلك بان جعلت أفرادا معروفين بانتمائهم المطلق للمؤتمر الوطني ، ليتولوا قيادة هذه المجموعة ، ولتصير هذه المجموعة مسرحية جديدة سيئة الإخراج والإعداد . وفرت حكومة المؤتمر الوطني الغطاء الإعلامي لهذه المجموعة ، فأفردت لها صحف المؤتمر الوطني الصفحات لعمل اللقاءات ، والتبشير بها على طريقتها ، ومن ثم وظفت كاتبي المقالات في هذه الصحف لعمل الإعلام والإعلام المضاد ، فجابت هذه المجموعة ربوع السودان ، ولا ادري ماذا تفعل ، وكما قال ممثلوها فقد التقوا بالتجار والطلاب ، وكانت دعاية جديدة للمؤتمر الوطني . وكانت صفحتهم على الفيسبوك ، تتحدث عن الإنقلاب الأخير ، وتطالب بالإفراج عنهم ، ولكنها سرعان ما انحرف المسار ، وأصبحت الصفحة ، ساحة لصراعات الوطني والشعبي ، وأخيراً صراعات السنة والشيعة ، مما يؤكد أن الصفحة تدار بواسطة الجهات الأمنية التابعة للمؤتمر الوطني . إذا ظلت الظروف والأحوال هكذا ، فليهنأ المؤتمر الوطني بطول البقاء ، في حكم السودان ، وبالطريقة التي تعجبه ، وليتحدث قادة المؤتمر الوطني بلغة ( لحس الكوع ) دون خوف أو ملل ، فهاهي خططهم تنجح بكل سهولة ، وهاهم يتولون ذمام القيادة حتى وسط معارضيهم ، ولك الله يا سودان .
|
|
|
|
|
|
|
|
|