|
Re: تأثير نوع التربية التى تلقيتها في البيت على شخصيتك (Re: احمد سيد احمد)
|
حديثٌ عن ابي
د.غازى القصيبى
اول ماتفتحت عيناى عليه كان قويا صاخبا بالحياة. ومرت سنوات , وهزل وانحنى , ومرت سنوات اخرى, ومشيت وراء النعش مذهولا, لا اكاد اصدق ان العملاق النابض بالحياة يحمل جسدا ضئيلا, بعيدا عن الحياة. قيل لى حين بدات اعى ماحولى :"ابوك فى الستين" ولم يكن الرقم يعنى لى شيئا حينئذ. وكبرت قليلا وادركت ان الستين ترتبط فى الاذهان بالشيخوخه, واصبت بالحيرة. كان ابى تجسيدا للعنفوان , فكيف يجتمع عنفوان وكبر؟! كانت خطواته تهز الارض , وتبتلع الدرج قفزا , كان منتصبا كالرمح , كان اوسم من رأيت من الرجال. قبل ان يودع الدنيا بأيام كان لقائى الاخير معه , وكان قد جاوز التسعين, بدا كأنه يعتذر بالضعف عن الحيوية التى لازمت شبابه وكهولته, وكان يتجلد امام الزوار ويصمد, يجلس بكامل هيئته , يخشى ان تخونه الذاكرة,او ينزلق لسانه بجملة لا معنى لها. اعترف للسنين بانتصارها على جسده,لكنه لم يسمح لها بالتسلل الى روحه,او الاقتراب من ذهنه. وبين المشاهد الاولى والمشاهد الاخيرة تتومض مواقف وقصص, فى البداية لم يكن غير وجود مهييب (ومخيف احيانا), اقف عندما يجىء , اقبل يده كلما رايته,انظر الى الارض وهو يحدثنى. فى النهاية, اصبح الصديق الوديع , ظل الوجود مهيبا (ولم يعد مخيفا) , وظللت اقبل يده كلما رأيته, اتحدث اليه وعيناى لا تفارقان وجهه. اذكر كيف علمنى السباحة , وكنت فى ذلك الوقت فى السادسة, كنا بمفردنا فى البركة. كان يسبح, وكنت اتعلق على حافة البركة. نظر الى وقال ببساطة منتاهية : متى تنوى ان تسبح؟ ولم يقل شيئا غير هذا, لم يهدد,ولم يوبخ,ولم يلح,مجرد سؤال وبعد ذلك بساعات كنت اسبح. كان هذا اسلوبه فى التعامل التلميح الذى لا يجرح , والايماءة التى لا تحرج, لم يقل لى قط "صل !" ولكنه ظل, فى كل رسالة تقريبا , يذكرنى باحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم عن الصلاة – لم يقل لى قط "ذاكر!" , ولكن فرحه بكل نجاح احققه كان اوضح من ان يخفيه , ولم يقل لى قط " حسن خطك !" ولكننى سمعته يقول عن احد اقربائى بمسمع منى "ليته يحسن خطه". اهدى لى,وانا على مشارف المراهقة, كتابا دينيا ضخما, وبعد ذلك بشهور اقبل عيد الفطر , واعطانى "العيدية" . قلت : هذه "عيدية" السنة الماضية نفسها, لم تزد! - ولماذا تزيد؟ - لأننى اصبحت اكبر بسنة. - وهل تتوقع ان تكبر "العيدية" معك؟ - نعم , لقد قرأت فى الكتاب الذى اخذته منك ان الرسول عليه الصلاة والسلام قال ما معناه: إن طمع ابن ادم يزيد كلما ازداد سنه. - صدق الرسول عليه الصلاة والسلام! ألم تقرأ فى الكتاب شيئا اخر؟ ألم تجد فيه شيئا عن القناعة؟ قالها وهو يضحك ويضاعف "العيدية" . ذات يوم وانا فى ذروة المراهقة المغرورة , دخل مكتبه ليجدنى فيه اتحدث بانفعال مع الساعى, سألنى بهدوء: - لِمَ تصرخ اثناء حديثك معه؟ - لأنه غبى. - وهل هذا ذنبه ؟ لو اعطى قدرا من الذكاء أتراه كان سيرضى بالبقاء فى موقع يتحمل فيه اهانات مثلك؟ عبر السنين , ظلت كلماته تطن فى اذنى.كم تمنيت ان اقولها كلما سمعت رئيسا "ذكيا" يتذمر من مرءوسه "الغبى". كان يؤمن "باقتسام" الاشياء, حتى اصغر الهدايا كان يقتسمها مع الحاضرين. كانت طلبات الاخرين ترهقه. سألته مرة لِمَ لا يتجاهلها, قال: - لا يا بنى, اليد العليا خير من الد السفلى. عندما كنت احضر اطروحة الدكتوراة , واتبين لاول مرة اهمية الوثائق التاريخية , طلبت منه ان يدون مذكراته , وعرضت عليه ان اتفرغ بعض الوقت لمساعدته, ولكنه رفض, وألححت عليه, فى النهاية, قال: - هل تريدنى ان اكتب مايعرفه الناس جمعيا؟ هذا لاقيمة له, هل تريدنى ان اذيع اسرارا هى عندى بمثابة الامانات؟ هذا ما لا استطيعه, هل تريدنى ان اكذب؟ هذه الايام , كلما قرأت مذكرات شخصية عربية , تذكرت موقفه من المذكرات , وترحمت عليه,وعلى الموقف. كان ابى فى حياته يعنى اشياء كثيرة, ولكننى لم ادرك كل مايعنيه, الا بعد وفاته, إنه كان معلما موهوبا. [/dre] ___________ عن احد اعداد مجلة العربي للعام 1989
أنا وأبي
وأنا عمري 4 أعوام : أبي هو الأفضل وأنا عمري 6 أعوام : أبي يعرف كل الناس وأنا عمري 10 أعوام : أبي ممتاز ولكن خلقه ضيق وأنا عمري 12عاما : أبي كان لطيفا عندما كنت صغيرا وأنا عمري 14 عاما : أبي بدأ يكون حساسا جدا وأنا عمري 16 عاما : أبي لا يمكن أن يتماشى مع العصر الحالي وأنا عمري 18 عاما : أبي ومع مرور كل يوم يبدو كأنه أكثر حدة وأنا عمري 20 عاما : من الصعب جدا أن أسامح أبي ، أستغرب كيف إستطاعت أمي أن تتحمله وأنا عمري 25 عاما : أبي يعترض على كل موضوع وأنا عمري 30 عاما : من الصعب جدا أن أتفق مع أبى ، هل ياترى تعب جدى من أبي عندما كان شابا وأنا عمري 40 عاما: أبي رباني في هذه الحياة مع كثير من الضوابط، ولابد أن أفعل نفس الشيء وأنا عمري 45 عاما : أنا محتار ، كيف أستطاع أبي أن يربينا جميعا وأنا عمري 50 عاما: من الصعب التحكم في أطفالي، كم تكبد أبي من عناء لأجل أن يربينا ويحافظ علينا وأنا عمري 55 عاما: أبي كان ذا نظرة بعيدة وخطط لعدة أشياء لنا ، أبي كان مميزا ولطيفا. وأنا عمري 60 عاما: أبي هو الأفضل
جميع ما سبق إحتاج إلى 56 عاما لإنهاء الدورة كاملة ليعود إلى نقطة البدء الأولى عند الـ 4 أعوام ' أبي هو الأفضل' فلنحسن إلى والدينا قبل أن يفوت الأوان ولندع الله أن يعاملنا أطفالنا أفضل مما كنا نعامل والدينا. _____ منقول من الايميل
(عدل بواسطة احمد سيد احمد on 01-31-2013, 11:01 PM)
|
|
|
|
|
|