الأستاذ محمود محمد طه: هذا مغتسلٌ باردٌ وشراب

Quote: حوار صامت بين المدينتين التوأم روحياً رفاعة والدامر عمر عوض الدامر الأستاذ محمود محمد طه .. أحد ثلاثة من أهل الفكر والتصوف .. على مدى تاريخ السودان .. كانوا شهداء للعقيدة والوطن. ابتلتهم بخصومة حكام زمانهم. أولهم في عهد السلطنة الزرقاء .. الفقير عبد اللطيف ود الخطيب .. وكما يقول عنه ود ضيف الله : أنه درس جميع الفنون ــ ويعني الفقه والتفسير واللغة ... إلخ ــ وقد مدحه بعض علماء الحرم المكي .. ولقربه الشديد من بسطاء الناس .. لم يكن لسلطان الفونج الملك بادى ابو شلوخ ليرضى عنه .. فكان أن دبَّر أمر قتله صبراً .. في غرفة مغلقة .. لا هواء ، لا أكل ولا ماء .. عندها قال الشهيد وهو في سكرات الموت : عسى أن يكون موت الفقير بخراب الأمير . وقد كان . إذ صار قصر الملك كناسة ومأوى للكلاب. أما الثاني فهو عالم المهدية الحسين ود زهرا .. وقد أفرد له الدكتور أبو سليم كتاباً بعنوان .. عالم المهدية الحسين إبراهيم زهراء .. وفيه نرى كيف كانت سيرة حياته وسجنه وموته .. إذ أُدخل في غرفةٍ مظلمة ــ مثل سابقه ــ بعد أن تم تطويب النوافذ والباب ــ لا هواء لا طعام ولا ماء حتى فاضت روحه الطاهرة عام 1895 م وثالثهما إبن مدينة العلم رفاعة الشهيد محمود محمد طه .. ثمانينات القرن الماضي . وما بين الشهيد والبروف عبدالله الطيب إبن مدينة العلم الدامر .. المدينة التوأم روحياً لرفاعة .. صلة فكرية .. فكانت مرثيته البليغة بعد اغتيال الشهيد خير دليل وفيها يقول : قـد شَجَـانى مُصَـابه محمـــودُ مارقٌ قيلَ وهو عِندى شـهـيدُ قـتـلـته الأفـكارُ فى بلدِ الجهلِ الـذى سيـطرت عليـه الــقـيودُ سـبـق الناس فى السياسةِ رأياً حـين فيــها تـفكيرهم مـحـدودُ واثقاً كان فى الخصُومةِ بالفكر لــو الفـكــرُ وحَــدَه المنشــــودُ زعمــــوا أنـَّـه تــزندق وارتدَّ وقـــالـوا هـو الـــعدو اللـَّــدود وفي المقدمة التي اختطها البروف لكتاب الدكتور ابو سليم يلخص مأساة الشهيدين الزهراء ومحمود .. حيث يقول : الحسين زهرا رجل فذ ومأساته هي مأساة أهل الفكر في كل زمان .. خصوصاً عندما يبتلون بخصومة الرجال العمليين.. وقد ذكر اسمين بصورة واضحة.. ولا يخفى واحد منهما على أحد ثم قال : قصة محمود ليست ببعيدة عن قصة ود الزهرا والشبه بينهما كبير. وما كتبه البروف براءة من أي إتهام ينسب إليه.. وفي بقية ما ذكر بالمقدمة جاءت سيرة إبن العربي والحلاج وابن المقفع. وقد كتبت أنا الشاعر المغمور.. ملحمة مطولة تناولت فيها الكثير من الأحداث والشخصيات بعنوان " التناسخ والغفران " وخلالها جاء الحديث عن الشهداء الثلاثة.. لهم الرحمة، ومن ضمن ما جاء في مرثية شهيد القرن الماضي إبن رفاعة وإبن الإنسانية هذه الكلمات البسيطة. ولا أخفي أسفي.. وأنا أنشر شعري الدارج الضعيف.. بعد ما كتبه البروف عبد الله من شعر رصين.. *** حبيبنا الغالى ضل مدود ويلقاك بالبشاشة ودود نغيمو الدافي طالع من وتر مشدود وفيهو حلاوة النبرة طيورو الراحلة في الافق البعيد رواحة ماضمت جناحها حدود ولافكرو السرب بى فوق مكبل بالقيود مصفود وكان الغايب الحاضر ... يضارع قوة الموجود فض خواتم المجهول وفك طلاسم الشفرة *** أتاريك ياحبيبي جميل مشن من جفنك الغيمات ويشرب من صفاك النيل وتظهر روعة القمرة *** جراحات الوطن نجمات ... يضوّن في إهاب جسمك شموخ ابطالو مكتوب في حروف اسمك يمازج رسمك المضمون جمال الصورة والفكرة قلوبنا معاك لحظة منحنى التاريخ وعند الملحمة الكبرى وانت تواجه الاعدام خُطاك الثابتة نحو المشنقة المنصوبة تخطو بيك لى قدام وفي أجفانك المكحولة ما اختلجت ولا شعرة *** كانت ساعة في عمر الزمن مشحونة بالإحساس وبالفكرة تجسد عزة الاوطان.. وترفع هامة الانسان وتجمع في كثافة اللحظة كل نضارة التاريخ وكل مواقف الذكرى وتتقدم بريق البسمة في شفتيك يرسم طعنة السكين ويشبه كيّة الجمرة وتتقدم سماحة وجهك الشايقني في الليل البهيم زى طلة القمرة وتتقدم تهز الدنيا تتفجر شرايين الحجر بالدم وتغلى مراجل الثورة حِبَال المشْنَقَة المشْدُودَة حــانة عليكْ تَصابِح صمْتك الرّاضي وتَعَايِن ليكْ ودِيـن الفَطـرة فِي أخــــــر الزمـــن كِيفن يَـسِـل السّـيف عَلِي الفِكْـــــــرة ***** لأهل رفاعة مودتي الحميمة ابنكم ــ وان كنت أكبركم سناً ـ عمر العوض ــ الدَّامر 0912363991