|
|
 Re: هل د. غازى صلاح الدين مفكر حقا ام هى مبالغات الكيزان و المعجبين؟ (Re: حيدر حسن ميرغني)
|
الاستاذ غازي صلاح الدين يكتب عن الطيب صالح
التاريخ 1995 أيضا فيما أظن، والمكان برشلونة، عاصمة إقليم "قطلونيه"، كما كان يسميه المسلمون عندما دخلوا اسبانيا وغلبوا لسانهم في تسمية مدائنها وأقاليمها وأعلامها. فمدريد "ماردة" ورودريك "لذريق". والطريف أن الإسبان فيما بعد، بعد أن دانت لهم الأرض، أعملوا لسانهم بطريقتهم، كأنهم ينتقمون، في الأسماء العربية، فابن رشد هو "أفيروس" والمستعربون هم "الموزيرابو". كانت المناسبة هي ندوة حول ثقافة السلام دعانا إليها، ثلة من السودانيين شماليين وجنوبيين، مدير اليونسكو آنذاك، الإسباني الجنسية، الدبلوماسي الشاعر، "فيديريكو مايور". وقد خطبنا في الجلسة الافتتاحية رجلان: فيديريكو مايور، ويان برنك، مندوب الأمين العام للأمم المتحدة، هو هو ذات الرجل الذي يفتش أحوالنا هذه الأيام ويقرر عنها للأمين العام للأمم المتحدة، وكان حينها وزيراً للتعاون الدولي في الحكومة الهولندية. الأول لاتيني والثاني جرماني. تحقق لدي يومها ما اعتقدته دوما أن اللاتين عرب في أصولهم القديمة. فبينما ألقى علينا الثاني كلمة موجزة مختصرة، ألقى علينا الأول خطبة عصماء استغرقت نصف ساعة وحوت من ألوان الفصاحة والبلاغة ما حوت، وشدني إلى ما قاله فخره بالتاريخ العربي في شبه جزيرة إيبيريا، واستدلاله من ذلك على أن تعدد الثقافات وتباينها لا يمنع النهضة، فإسبانيا لم تشهد نهضة كالتي شهدتها تحت ظل حكم المسلمين. في تلك الندوة رأيت الأستاذ الطيب صالح كفاحاً ومواجهة لأول مرة. عرفته من قبل وأمتعت نفسي بصحبته من خلال كتبه. وعرفته أيضا من خلال نقده القاسي للإنقاذ في الصحافة العربية. كان نقده مؤلماً، لكنه لا يحملك على أن تكرهه، لأنك إذا أعملت شيئاً من "الإيمباثي" أو الأريحية السياسية كما سميتها فستراه مقتنعاً بما يقول صادقاً فيما يساوره من سوء الظنون. والسياسي الحكيم لا يعادي شاعراً أو أديباً على كل حال، فكما قال المتنبي "فإن عداوة الشعراء بئس المقتنى". قرأت روايات الأستاذ الطيب صالح كلها وأنا بين نهاية المرحلة الثانوية وبداية الجامعة، وظللت نهما لمزيد منها طيلة العقود السابقة لكنه ظل يضن بعطائه. لكنني يئست من طول الانتظار لما أدركت أن الأستاذ لا يكتب من أجل الشهرة أو المال، وإنما يكتب عندما تتلبسه "الحالة". و"الحالة" هي كالجذب عند الصوفية هبة ومنة لا يصطنعها المرء ولا يحتال إليها. والتمست له العذر فقد تعرضت شخصياً لإغراءات من بعض الصحف الخارجية للكتابة بالدراهم الحرة فاعتذرت وقلت الكتابة مفسدة للكتابة والكاتب. ومثل الكاتب الذي يكتب للأجر كمثل التي تؤجر رحمها لتلد لأخرى فتضيع بينهما الأمومة. قنعت بإعادة قراءة الروايات حتى حصلت على كتابه الأخير "منسي إنسان فريد على طريقته"، فالتهمته في "ضحويه" لأنه من صنف ال "أنبتداونبل" Unputdownable كما يقول الإنجليز أي الذي لا تقوى على أن تضعه جانباً حتى تكمله. لروايات الطيب صالح ولشخوصه سحر خاص. ويكفي أن أستعير هنا ملاحظة أحد النقاد العرب الذي قرأت له قبل أكثر من عشرين عاماً والذي وصف المشاهد في روايات الطيب صالح بالفخامة والهول وغموض المآل كأنك تدلف إلى الآخرة، شبيهة بمشاهد الموت في الروايات الشكسبيرية. وعندما تلتقي بالطيب صالح فإنه يعطيك إحساساً قوياً بأنه شخصية قد خرجت لتوها من صفحات رواياته، فهو في آن واحد مصطفى سعيد بغموضه، والزين "ببركته"، ومنسي بتفرده. لذلك لا تراه متوتراً أبداً، هو كما يقال ببعض تعبيرات هذه الأيام متصالح مع نفسه، يصف ما يرى ويقول ما يشاء، ويعتذر لك بتواضع ومسكنة صوفية أنه قد "كبر وطلق". وطلق في تعابير السودانيين يوصف بها الرجل الكبير الذي قارب الخرف فأصبح يقول ما يشاء من دون ملامة (كالبعير الذي انفلت من عقاله). قبل أن أقرأ رواية منسي للأستاذ الطيب، قبل قرابة أسبوع تقريباً، حاولت قراءة رواية أخرى لكاتب عربي اشتهر اسمه هذه الأيام، فلم أستطع مواصلتها لما حوته من البذاءة والفاحشة المجاهرة، وتأكد لدي أن دوافع هذا الكاتب لا تعدو التوزيع وجلب المال فشعرت باحتقار الذات لو جاريته فتركت الكتاب. وعندما قارنت تلك الرواية بكتاب "منسي: إنسان فريد على طريقته" تملكني إحساس قوي بأن الطيب صالح شخص متدين بطريقته. فالطيب صالح يصعب أن نصفه بالتدين بالمعايير السائدة هذه الأيام، برغم ذلك فإنني كما أراه شخصية خارجة من صفحات رواياته فإنني أراه ناسكاً خارجا من صفحات كتاب "ود ضيف الله"، من الذين تخرج لهم المعاني "دخاخين دخاخين"، أو الذين "رفع عنهم الحجاب فرأوا ما بين العرش والفرش" وأشباه ذلك مما يستنكره عامة الذين تشبعوا بالثقافة السلفية. لذلك ليس مستغرباً أن ينقم الطيب صالح المتدين بمعايير القرن السابع عشر على الإنقاذ، بل وعلى المهدية من قبلها، لأنهما أفسدتا الدين في نظره. وهذه وجهة نظر ينبغي تفهمها في الحد الأدنى. تحدثت في بعض مداخلات تلك الندوة حديثاً رأيته عاديا، لكن لسبب لم أفهمه تماما وقع موقعاً حسناً من الأستاذ الطيب صالح.
كتابة تنم عن فكر وإلمام بالتاريخ كما قال عنه الراحل الطيب
عيبه الوحيد وجوده وسط شرذمة لاتقيم للفكر أي إحترام
|
|
  
|
|
|
|
|
| العنوان |
الكاتب |
Date |
| هل د. غازى صلاح الدين مفكر حقا ام هى مبالغات الكيزان و المعجبين؟ | عوض محمد احمد | 11-26-12, 03:45 PM |
| Re: هل د. غازى صلاح الدين مفكر حقا ام هى مبالغات الكيزان و المعجبين؟ | بشير جبريل علي | 11-26-12, 04:11 PM |
| Re: هل د. غازى صلاح الدين مفكر حقا ام هى مبالغات الكيزان و المعجبين؟ | Hussein Mallasi | 11-26-12, 04:26 PM |
| Re: هل د. غازى صلاح الدين مفكر حقا ام هى مبالغات الكيزان و المعجبين؟ | Hussein Mallasi | 11-26-12, 04:29 PM |
| Re: هل د. غازى صلاح الدين مفكر حقا ام هى مبالغات الكيزان و المعجبين؟ | Hussein Mallasi | 11-26-12, 04:32 PM |
| Re: هل د. غازى صلاح الدين مفكر حقا ام هى مبالغات الكيزان و المعجبين؟ | محمد زكريا | 11-26-12, 04:35 PM |
| Re: هل د. غازى صلاح الدين مفكر حقا ام هى مبالغات الكيزان و المعجبين؟ | حيدر حسن ميرغني | 11-26-12, 04:59 PM |
| Re: هل د. غازى صلاح الدين مفكر حقا ام هى مبالغات الكيزان و المعجبين؟ | حيدر حسن ميرغني | 11-26-12, 05:31 PM |
| Re: هل د. غازى صلاح الدين مفكر حقا ام هى مبالغات الكيزان و المعجبين؟ | عوض محمد احمد | 11-26-12, 06:04 PM |
| Re: هل د. غازى صلاح الدين مفكر حقا ام هى مبالغات الكيزان و المعجبين؟ | Abdullah Idrees | 11-26-12, 06:31 PM |
| Re: هل د. غازى صلاح الدين مفكر حقا ام هى مبالغات الكيزان و المعجبين؟ | حيدر حسن ميرغني | 11-26-12, 06:50 PM |
| Re: هل د. غازى صلاح الدين مفكر حقا ام هى مبالغات الكيزان و المعجبين؟ | عوض محمد احمد | 11-26-12, 07:26 PM |
| Re: هل د. غازى صلاح الدين مفكر حقا ام هى مبالغات الكيزان و المعجبين؟ | عوض محمد احمد | 11-27-12, 07:52 PM |
| Re: هل د. غازى صلاح الدين مفكر حقا ام هى مبالغات الكيزان و المعجبين؟ | عوض محمد احمد | 11-27-12, 07:52 PM |
|
| |
حيدر حسن ميرغني
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست