عن مدن أخرى ليست من بينها لندن.. إلى محمد خالد أبونورة و سفيان نابري

Quote: ما اقسى ان يهزمنا الوطن يا صديقي ان يخلعنا كما تخلع النعال ويرمينا للمنافي كما يرمى عقب سيجارة بعد ان فتر الناس من "تخميسها" لكنه فعل دون ان يرمش له جفن دون ادنى رعشة شفقة لطالما كنت اردد دائما بيت الشعر الاقدم في ذاكرتي "لعمرك ما ضاقت بلاد باهلها لكن اخلاق الرجال تضيق" بيد ان بلد المليون مليون ضاق بنا عجزنا ان نجد في هذه المليون ميل مربع عن موطيء حلم عن أمل يمزق جوازات السفر وترياق ضد المطارات لكنه ضاق .. ويضيق اكثر فاكثر مثل "خرم ابرة"، كنت عدت الى السودان ذات مساء شاحب كان العسكر في اوج عسفهم آنذاك وكان العام 1997 في هزيعه الاخير يلفظ انفاسه الاخيرة وقد عدت أملا في الا اعود وان استريح من وعثاء السفر ومجالدة الغربة انفقت سنتين ونيف ابحث في هذا السديم الخرافي من الاميال عن ... وطن افتش في ثناياه عن ذاكرتنا القديمة وعن مقاعدنا على الشاطيء وعن اصدقائنا واحبابنا وعن ... امل لكن ذلك "الوطن" كان كأنما تسرب من بين اصابع الساسة وبدا النيل مثل "خور كبير" تعب من الجريان وفقد القه القديم اما الناس فقد تفرقت بهم السبل فلم يبق سوى السماسرة ذوي "الطواقي المحدرة" لم ييق سوى عاطلي المواهب وكذلك العسكر الذين "يهيمون كالقمل على شعر المدينة". فكان ان حزمت حقائب الرحيل مرة اخرى رحيل بلا عودة وشعور مربك يزايلني بأن حلم العودة تلاشى مثل دخان السجائر بل ويرقى الى مرتبة الحماقة كما يسميه اصدقائي فليس لنا الان يا صديقي سوى المدن الباردة والتي "تموت من البرد حيتانها"، وليس لنا سوى "نصف دولاب من الملابس" كي نتقي به هذا الشتاء. اتذكر يا صديقي نهاية فيلم "رجال تحت الشمس" لغسان كنفاني كان البطل يهتف بعد ان هزمه الوطن وهزمته القنابل التي اطاحت برجولته : "ضاع الوطن ... ضاع كل شيء". انا يزايلني نفس ذلك الاحساس الموجع لكنني ساكتب عسى ان نجد بين "مدني" و"مدنك" وطن افضل من ذلك الذي هزمنا ورغم ذلك فاننا نحبه

Quote: وفي الاصل ما يقتتل عليه قومى وتشتتوا علي أثره لو يعلمون وتعلمون لايسوى شي فقيمة التراب والأرض بقيمة ما فعلناه لها وهم لم يتركونا نفعل شي ولم يفعلوا هم شي لهذا التراب بل تمادوا في خرابه وحرقه .

Quote: ..و شتاء آخر، جديد، قاس يطل على ليل المدائن

(عدل بواسطة محمد خالد ابونورة on 12-28-2009, 08:29 PM)

Quote: ننشد المنافي البعيدة عساها تكون أوطانا نستتر خلف جوازات سفرها حين تطأ أقدامنا تراب الوطن الذي أحببنا و سنظل نحب... ثم نبكي أدمعنا، و دمانا، و حكايا الطفولة، و الرفاق الذين مضوا إلى الملكوت دون أن يكون في مقدورنا أن نحتضن أمهاتهم إذ نعزيهن في فلذات أكبادهن؛ أصدقائنا.