رفاق مصــــــــر .................(الجزء الثالث)

Quote: التاريخ: الخميس 19 مارس 2009م، 23 ربيع الأول 1430هـ صحيفة الرأى العام عفواً ..تم الاستغناء عنك..! فرضت الأزمة المالية العالمية تحديات جديدة على جميع دول العالم نتيجة للتداعيات السالبة التي تمثلت في تباطؤ الاقتصاد وانكماش الحركة الاقتصادية كما اثرت على سوق العمل بفقدان الوظائف ومن أكثر القطاعات التي تأثرت بهذه الأزمة «العمال» الذين يفقدون وظائفهم يومياً في معظم الدول المختلفة وتعتبر هذه الأزمة (تسريح وتفنيش العمالة) من اخطر الاشكاليات لما لها من آثار اجتماعية واقتصادية وسياسية. ويقدر عدد الذين فقدوا وظائفهم بالملايين في جميع دول العالم كما بدأت ظاهرة الاستغناء عن العمالة وتسريحها بدواعي الهيكلة تظهر داخلياً ورفعت بعض المؤسسات البطاقة الصفراء للعاملين تمهيداً لاخراج البطاقة الحمراء خاصة بعد أن تكشفت لهم تداعيات الأزمة، وقررت حكومة الجنوب تخفيض العمالة في مؤسساتها المختلفة، ولوَّحت بعض مؤسسات القطاع العام والخاص في الحكومة الاتحادية بتخفيض العمالة.. حاولنا في «الرأي العام» استجلاء الحقائق حول انتقال حمى الاستغناء عن العمالة إلى سوق العمل السوداني وما هي المعالجات والضوابط التي يمكن ان تتم لتفادي هذه الظاهرة الخطيرة؟.. معاً نقف على الحقائق. ----- مدخل أول يقدر حجم العمالة التي فقدت وظائفها منذ بدء الأزمة المالية العالمية في نهايات العام الماضي بأكثر من «05» مليون عامل في مختلف الدول والمؤسسات والشركات حيث بدأت العمالة تفقد وظائفها يوميا، وانتقلت العدوى من الشركات الامريكية والأوروبية الى الدول الآسيوية والعربية والخليجية نسبة لتراجع نشاط الشركات المختلفة وتباطؤ الاقتصاد وقلة حجم المبيعات وتأتي شركات موتورز وجنرال من أكبر الشركات التي قامت بتسريح العمالة وتخفيض المرتبات ولم تسلم من هذه العدوى الدول الاقتصادية الكبرى كالصين واليابان. انتقال التداعيات الى الداخل في الفترة الأخيرة بدأت بعض المؤسسات العامة والخاصة تلوح بتخفيض العمالة ليس بالفصل التعسفي وانما عن طريق التقاعد الاختياري وعرضت مقابل ترك الوظيفة اعطاء مبالغ ضخمة، وتشير «الرأي العام» الى أن ديوان الزكاة والشركة السودانية للمناطق والأسواق الحرة وحكومة الجنوب اعلنت عن اعتزامها لتخفيض العمالة من خلال توفيق اوضاعها باعطاء العاملين مبالغ كبيرة وأكدت بعض المؤسسات أن هذا الاتجاه يأتي في إطار الخطة الشاملة لإعادة الهيكلة واتجهت بعض المؤسسات الى تحويل مهامها واختصاصاتها للقطاع الخاص كادارة الحج والعمرة ولوحت حكومة جنوب السودان إلى إتجاهها لخفض العمالة خاصة بعد انخفاض إيراداتها بعد انخفاض عائدات النفط والتي تعتمد عليها بنسبة «09%» في موازنتها.ومن قبل قررت الامانة العامة لديوان الزكاة بتخفيض العاملين وتوفيق اوضاعهم وذلك بتعويض العاملين بالدرجة الثامنة مبلغ «06» مليون جنيه للعامل بعد إخلاء وظيفته، وذلك حسب افادات نقاباتهم وبالاضافة إلى إعطاء «09» مليون جنيه لعاملي الدرجة الاولى كتعويضات مباشرة بالاضافة إلى حقوقهم القانونية.. ولوحت الشركة السودانية بعرض التقاعد الاختياري للوظائف غير التعاقدية باعطاء العاملين مرتب «73» شهراً اجمالياً في اطار الخطة الشاملة لاعادة الهيكلة. آثار سالبة لكن خبراء الاقتصاد لم يستبعدوا انتقال العدوى الى الداخل، وقالوا إن الأزمة المالية العالمية لها آثار واضحة على العمالة نسبة لانكماش حركة الاقتصاد وللركود الذي حدث مؤخراً مشيرين الى أهمية وضع المعالجات العاجلة والآجلة لتخفيف الأثر على العمالة. ويقول الخبير الاقتصادي عبد العظيم المهل ان نسبة العطالة ارتفعت في العالم وهناك أكثر من «05» مليوناً فقدوا وظائفهم في الدول الكبرى وانتقلت هذه الأزمة الى الدول النامية. ولم يستبعد المهل انتقالها الى داخل البلاد خاصة وأن من يفقدون وظائفهم في العالم يزدادون يومياً. وتوقع أن ترتفع نسبة العطالة في السودان خاصة بعد الركود الذي حدث مؤخراً، وقال ان ذلك سيكون واضحاً في المصانع والتي سوف تتأثر مباشرة من الانكماش الذي حدث للاقتصاد.. وتابع (ان حكومة الجنوب لوحت من قبل بالاستغناء عن العاملين بعد انخفاض إيرادات البترول).. وكما اشار المهل الى تأثر الشركات العقارية بهذه الأزمة خارجياً وداخلياً. وقال ان كثيراً من العمال سيفقدون فرص العمل بعد توقف شركات العقارات والمقاولات والتي كانت تشهد في الفترة الماضية حركة نشطة في مختلف ولايات السودان، ولم يستبعد تأثر قطاع النفط والشركات العاملة في هذا المجال بهذه العدوى قائلاً: ان انخفاض العائد سيكون سلبياً ومباشراً وسيؤدي الى تقليل فرص العمل داخلياً من قبل الشركات العاملة في هذا المجال. وقال المهل ان أزمة العمالة في السودان مركبة نتيجة الأزمة المالية ونتيجة لتداعيات قرار المحكمة الجنائية، وأبان ان عدم وجود احصائيات دقيقة ومتجددة تعتبر من اكبر الاشكاليات التي ستواجه قطاع العمالة في السودان نسبة لعدم المام الجهات المختصة بالاثر المباشر الى جانب عدم وجود منهجية للمعالجة الجذرية للعطالة في السودان، وطالب المهل بضرورة جمع المعلومات عن القطاعات التي يمكن ان تتأثر بذلك قبل فوات الأوان كما دعا إلى ضرورة ايجاد معالجات عن طريق دعم القطاعات الانتاجية وتخفيض الصرف الحكومي وتوجيه الاموال للقطاعات المنتجة لخلق فرص جديدة مع التركيز والاهتمام بالمشاريع ذات العمالة الكثيفة خاصة في الزراعة والصناعة والعقارات باعتبار أن هذه القطاعات توظف اكبر عدد من العمال. تباطؤ نمو الاقتصاد اما الخبير الاقتصادي والباحث بمركز دراسات المستقبل الدكتور عادل عبد العزيز فيقول ان الأزمة المالية تسببت في تباطؤ النمو الاقتصادي وأدت إلى قلة الاستهلاك وبالتالي الى قلة الانتاج لاعتماد الانتاج على طلب المستهلكين، وزاد عندما يكون هناك تباطؤ تكون هنالك عمالة فائضة وتختلف من دولة لاخرى كما تختلف اساليب المعالجة لهذه المسألة من قبل المؤسسات والشركات ففي امريكا لجأت الشركات للتفاوض مع نقابة العاملين بغرض تخفيض المرتبات مع الابقاء على الوظائف كشركة فورد للسيارات، في حين ان الشركات الاخرى لجأت للاستغناء عن العمالة الفائضة كشركة جنرال موتورز واضاف لدينا بوادر لتباطؤ إقتصادي حيث ان بعض الصناعات الغذائية وصناعة البسكويت تشكو من تكدس مخازنها الامر الذي سيؤدي الى تقليل ساعات العمل في تلك المصانع بسبب وجود كميات في مخازنها. وقال ان هذا يعني تقليل الورديات في تلك المصانع لايجاد حلول قد تؤدي لفصل او تخفيض العمالة الفائضة أو باتباع أحد الاسلوبين أما تخفيض المرتبات أو تخفيض حجم العمالة. وقال ان معالجة هذا الامر تتمحور في وقوف الدولة بتخفيض بعض تكاليف الانتاج بحيث تتمكن هذه المصانع من تخفيض الاسعار وزيادة الاستهلاك حتى لا يحدث تخفيض للعمالة، كما على الدولة ان تقوم بالغاء او تخفيض الرسوم المحلية والرسوم المختلفة المفروضة على المصانع لاستمرار واستدامة العمل للمحافظة على العمالة من خلال مراجعة مؤشر سعر الفائدة والمرابحات في البنوك للحصول على مدخلات الانتاج موضحاً بأن هذه المعالجات سوف تضمن استمرار العمل والمحافظة على العمالة. تحوطات واجراءات ويقول دكتور بابكر محمد توم نائب رئيس اللجنة الاقتصادية بالبرلمان ان الأزمة محدودة نسبة لعدم وجود مصانع كبيرة بها عمال كثر، كما أن عمل القطاع الخاص محدود اضافة إلى ان الدولة تحسبت منذ وقت مبكر بوضع المعالجات مع بداية الأزمة المالية من خلال وضع اجراءات تمثلت في حماية الانتاج الوطني وتشجيع القطاع الوطني بزيادة الانتاج وقامت الدولة بزيادة رسوم الجمارك وخفض ضريبة التنمية الى «5%» حماية للمنتج الوطني وتشجيع الزراعة وعدم فرض أية ضرائب جديدة، كما أن اتجاه الدولة لخفض اسعار الطاقة لقطاعي الزراعة والصناعة سيتم في يونيو المقبل وذلك لتوفير فرص اكبر للعمالة الضخمة وزاد : (ان التوسع في التمويل الاصغر يهدف الى خلق فرص عمل بعد توفير فرص مشروعات متعددة في الريف والمدن). وقال ان كل هذه المساعي تهدف إلى المحافظة على استمرار الوظائف مستقبلاً. ويؤكد أتيم قرنق نائب رئيس المجلس الوطني اهمية التنسيق والتكامل بين الحكومة الاتحادية وحكومة الجنوب وعمل شراكات للحد من الاثر خاصة لحكومة الجنوب والتي تأثرت بصورة مباشرة من الأزمة المالية ليس على مستوى العمالة فقط وانما على كافة القطاعات. واشار إلى إتجاه لتخفيض المرتبات والعمالة بنسب متفاوتة قائلاً: لابد من تدخل الحكومة الاتحادية ووقوفها مع حكومة الجنوب لحل هذه الاشكاليات خاصة وأنها تقوم بأخذ «05%» من عائدات البترول المستخرجة في الجنوب من خلال وضع احتياطي للحد من مثل هذه المواجهات التي تقف عائقاً وحذر من عدم إيجاد المعالجات العاجلة، لحل ازمة العمالة قائلاً: اذا ترك الأمر قد تتحول الأزمة من أزمة اجتماعية واقتصادية الى أزمة سياسية وامنية وتصبح أزمة حقيقية داعياً إلى ضرورة وضع المعالجات العاجلة، كما دعا القطاع الخاص المشاركة في حل أزمة العمالة في الجنوب والشمال من خلال وضع معالجات طويلة المدى لتطوير القطاعات الزراعية لتوظيف أكبر عدد من العمالة داعيا الدولة الاهتمام بالقطاعات المنتجة ودعمها وتوظيف الصرف عليها دون التركيز على توصية الصرف على الأمن. آثار محدودة وفي دوائر القطاع الخاص ورجال الاعمال قلل الامين العام لاتحاد الغرف الصناعية عباس علي السيد من تأثيرات الأزمة المالية على العمالة في مصانع البلاد واصفاً ذلك بالضعيف وغير المؤثر مقارنة بالدول الأخرى التي فقدت وظائف تفوق الملايين، كما أن بعض الدول تفقد يومياً عشرات الآلاف من الوظائف. وقال ان العمل في المصانع الوطنية يسير بصورة طبيعية، وتابع ان المجتمع السوداني مجتمع تكافلي أي أننا نحافظ بقدر الامكان على استمرار العمالة حتى وأن كانت المصانع متوقفة ونفى عباس وجود أي اتجاه لتخفيض العمالة من قبل المصانع.. وفي المقابل طالب الحكومة بضرورة وضع المعالجات من خلال وضع السياسات والاجراءات التي تمكن المؤسسات المختلفة من مواصلة عملها حتى لا تتأثر العمالة مستقبلاً. دعم القطاعات الانتاجية ويقول الدكتور الفاتح عباس نائب الامين العام لاتحاد الغرف الصناعية ان الاحساس بتداعيات الأزمة المالية على العمالة ضعيف في الوقت الراهن، كما أن الأزمة تتطور من مرحلة الادنى في طريقها إلى التحول والتأثير الاكبر الامر الذي يتطلب وضع سياسات وتكوين لجان طواريء للحيلولة دون توقف المؤسسات ولضمان استمرارها للمحافظة على العمالة.. ودعا د. الفاتح الى ضرورة مراجعة السياسات نحو القطاعات الانتاجية وتوجيه البنوك للاهتمام بتمويل القطاعات الانتاجية دون التركيز على القطاعات الاخرى التي ربما تزيد تفاقم الأزمة نتيجة للكساد الذي حدث مؤخراً . وشدد على ضرورة ضخ السيولة للقطاعات المنتجة للمحافظة على التوازن وزيادة الانتاج والمحافظة على العمالة. وقال د. الفاتح ان تداعيات الأزمة ظهرت جلياً من خلال الكساد وتذبذب سعر الصرف بعد الاستقرار الذي استمر لاكثر من «5» سنوات مشدداً على ضرورة وضع السياسات اللازمة ووضع التحوطات لتحفيز الانتاج والقطاعات التي تستوعب اكبر شريحة من العمالة. ويؤكد مصدر باتحاد عمال السودان عدم وجود اية شكاوى من العمال حتى الآن بتسريحهم، واكد جدية الاتحاد للجلوس مع كافة المؤسسات للمحافظة على استمرار العمل وذلك من خلال حل المشاكل حتى يستمر نشاط المؤسسة دون توقف ودون تضرر العمال. وقال إنهم في الاتحاد ومنذ بداية الأزمة يراقبون الأمر ويتابعون يومياً الآثار الجانبية التي يمكن أن تحدث نتيجة للكساد والاشكاليات التي تطرأ من وقت لآخر، وابان المصدر أن تأثر العمالة ضعيف مقارنة بالدول الأخرى. تأثر العمالة لكن الدكتور محمد يوسف - وزير الدولة بوزارة العمل والخدمة المدنية - يقول إن الأزمة المالية العالمية رغم تفاؤل البعض بعدم تأثيرها على العمالة لكن سرعان ما تعمقت الأزمة اقتصادياً وأدت إلى إنكماش الاقتصاد وانكماش حجم العمل وتأثر العاملون وبالتالي أدت إلى تأثر المؤسسات والتي تحافظ على ميزان الربح والخسارة واتجاهها إلى التخلص من العمالة جزئياً وكلياً الامر الذي يؤكد تؤثر العمالة بالأزمة المالية سواء في الداخل أو الخارج، وقال ان الأزمة المالية سوف تؤثر على العمالة الوطنية وحتى الاجنبية مستقبلاً ما لم تكن هنالك معالجات تعالج المشكلة الاقتصادية وقال إن المخرج من هذه الأزمة هو اعادة النظر في المنهج الاقتصادي القائم على تحرير السوق والذي وصفه «بالفوضى».. كما أشار الوزير إلى أهمية دعم القطاعات الانتاجية والمشاريع الكبرى التي تقوم بتوظيف اكبر شريحة من العمالة قائلاً: إنه إذا تم انشاء مشاريع جديدة سيساعد ذلك على خلق وظائف جديدة الامر الذي يؤدي إلى تقليل نسبة العطالة.