الثنائي/ د.( محمد جعفر +الصادق حسن).. بجمهورية مصر في الثمانينيات...تجربة ثرة يجب أن لا ننساها

Quote: تأمين الاعتصام و المعتصمون داخل السفارة كانت قضية استراتيجية ، مركزية ، تتربع عرش الأولويات ،،، فبينما كانت هتافات الطلاب داخل السفارة و خارجها لا تزال تعلو و تشتد،،، و كان الطلاب الذين نجحوا فى اقتحام السفارة بهتافاتهم الداوية يتجمهرون فى صالة مدخل الطابق الأول لمنع عناصر الأمن "الذين كانوا فى تلك اللحظات (قبل وصول قوات الإحتياطى المركزى) منشغلين فى بناء جدار أمنى بكامل عددهم لمنع تدفق المزيد من الطلاب لداخل السفارة عبر حطام الإنهيار المشهود لجدار السدنة و الجلادين ،،، فقد كنا و رفاقى الميامين (محمد طه ، ود الجعلى)،،،(و نحن فى سباق مع الزمن ،،، تدفعنا وتيرة الأحداث المسرعة،، و تحملنا جذوة النضال و استشعار المسئولية،، بحس تلقائى محض،،، دون تخطيط مسبق ، تعليق أو نقاش ،،، و كأنما لغة أخرى ليست كاللغات التى نعرفها كانت توجهنا ،، تحركنا،،، و تخلق فينا ذلك التوافق و التوحد التلقائى فى الرؤيا والهدف و التحسب للأخطار المحدقة و المحتملة التى تهدد الإعتصام) ،،، كنا و نحن مفعمين بكل ذلك نتفقد السفارة بطولها و عرضها ،،، سافلها و عاليها ،،، طوابقها ،،، مكاتبها ،،، صالاتها ،،، مداخلها و مخارجها بحثا عن الثغرات ،،،"الجخانين"،،، والمداخل و كل نقاط الضعف التى يمكن أن تبتذل من خلالها قضيتنا ،،، و تداهمنا عبرها كلاب الأمن و قوات الإحتياطى المركزى التى كنا على ثقة تامة من أنها كانت فى تلك اللحظات تشق طريقها مسرعة نحو السفارة ،،، و ستسعى لا محالة لإجهاض الإعتصام بكل ما تملك من وسائل غير مشروعة و بشتى الطرق و على رأسها العنف و المداهمة ،،، - لم تكن المسألة محتاجة لكثير من عناء البحث فخلال وقت وجيز كانت قد تكونت لنا فكرة متكاملة عن المداخل و المكامن التى يمكن أن تتم من خلالها المداهمة و التى كانت تتمثل فى: 1- مدخل الطابق الأول الرئيسى الذى يتجمهر فيه الطلاب و هو منطقة مكشوفة تقريبا حيث توجد صالة ممتدة مفتوحة تقريبا على المكاتب دون أن يكون هنالك أبواب وسطى أو حواجز ،،، و هذه بالطبع كانت أخبارا محزنة ،،، أما الأخبار المفرحة فقد تمثلت فى أن المداهمة من هذا المدخل تكاد تكون مستحيلة و أية محاولات أو تحرك من قوات الإحتياطى المركزى أو الأمن بالمداهمة ستواجه بمقاومة عنيفة و ستكون بالتأكيد معركة خاسرة بالنسبة لهم و سيمنون فيها بخسائر فادحة ،،، فعليهم أولا تجاوز حشود الطلاب الضخمة ، الغاضبة ، المزمجرة ، و المتجمهرة خارج السفارة للوصول إلى ذلك المدخل ،،، 2- مدخل السفارة الخلفى و هو مدخل جميل، راقى (متكِلف و متعوب عليه) مطل على الشارع الآخر الموازى لشارع القنصلية الذى تدور فيه الأحداث ،،، و قد كان هذا المدخل حقيقة بالنسبة لنا اكتشافا جديدا لم نكن نعلم قبله بوجود مدخل خاص بالسفير و السفارة ،،، و أن للسفارة إطلالة أخرى على الشارع الآخر، و أن ما قام الطلاب باحتلاله هو فى حقيقة الأمر مبنى القنصلية و ليس السفارة، و تبين لنا أن الاقتحام من تلك الناحية أيضا يعد شبه مستحيل ،،، و السبب أن هذا المدخل "كما بدا لنا و نحن نتفحصه من أعلى" كان عبارة عن دهليز طويل بالطابق الأرضى ينتهى بمدخل المصعد الكهربائى الذى يؤدى مباشرة للطابق الخاص بالسفير (فى الطابق الثالث أو الرابع (لا أذكر بالتحديد) و لديه مدخل وحيد لمبنى القنصلية عبر باب المصعد الكهربائى نفسه فى الطابق الثانى/الثالث (لا أذكر تحديدا) و هو يطل على صالة متوسطة الحجم يجب عبورها أولا من بابها الوحيد المؤدى لصالة أخرى ذات مساحة أكبر تمهيدا للوصول إلى القنصلية ،،، 3- تسلق جدران السفارة من الجدار المطل على الممر المؤدى للبوابة الرئيسية للقنصلية أو الهبوط من السطوح و المداهمة من الشبابيك ،،، وهى أيضا كانت فى تقديرنا محاولات إن تمت سيكون مصيرها الفشل الأكيد، 4- كما أنه من المتوقع فى حالة المداهمة أن يتم استخدام العديد من الغازات المسيلة للدموع مثل (البمبان) و لكن أيضا لم يشكل لنا ذلك هاجسا فهو أمر يمكن التعامل معه بسهولة، ف (البمبان،، بخور تيمان) كما خبرناه جميعا و خبره كل واحد منا على حدا بصورة أو بأخرى ،،، فى مراحل نضالاتنا المبكرة فى الثانويات (المتوسطة/العليا) التى تعلمنا فيها إلتقاط قذائف البمبان الموجهة من "البواليس" ناحية المظاهرة و رميها عليهم مرة أخرى ،،، و شهدنا خلالها بكل وضوح كيف أن ربات البيوت قد وقفن متشمرات أمام أبواب بيوتهن المفتوحة على الشوارع و الأزقة المتظاهرة،،، و هن يحملن جرادل المياه،،، المناديل ،، و بخور التيمان،، يستقبلن المتظاهرون ،،، يغسلن وجوههم و عيونهم من آثار البمبان و سمومه الحارقة ،،، يبخرنهن ،،، ثم يدفعن بهم مرة أخرى للشوارع و المظاهرات ،،،،،،،،،،،،،،،،،،، * فى المساهمة القادمة سنشرح لكم تفاصيل الخطة التى تم اعتمادها لحماية و تأمين الاعتصام و نفذت بدرجة عالية من الكفاءة،،، و كيف أن مجرد دبابيس ضغط ،،، إبرة ،،، و ِكِلبسات صغيرة الحجم قد تحولت بقدرة محمد طه و ود الجعلى إلى أسلحة دمار شامل أثارت الرعب فى قلوب السدنة و الجلادين و الكلاب التى كانت تحرسهم،، و فرضت توازنا إيجابيا فى القوى و أكسبت المعتصمون احترام الخصم و تقديره ،،،