|
Re: عطـــــبرة رواية لسعيد (Re: تراث)
|
ومن هو هذا الذي لا يعرف (سيدي الحسن) أو لا يؤمن به؟! هذه المفاهيم التي تربت عليها وكونت جزءاً كبيراً من موروثها ومعتقداتها القائمة على التصالح والتسامح واختلاط العادات والتقاليد بالدين في منظومة واحدة لا تعرف الحدود الفاصلة والقاطعة بين التحريم والتحليل، هل يمكن أن تُلغى وتٌشطب بمثل هذه البساطة التي تصادر تراكم قناعات هي والوجود شيء واحد؟! فأحست أن عزتها قد مست، ومعتقداتها قد أٌهينت، فغضبت أيما غضب، وفقدت سيطرتها على نفسها، فرفعت أصبعها الوسطى من يمناها إلى أعلى وقالت (اللي أكبر من سيدي الحسن يركب هنا) وهي تحرك أصبعها الوسطى حركة معينة بما يفيد رفضها وامتعاضها واحتقارها.. هرعت إليّ الحاجة ست البنات وحضنتني بحرارة وحنان ولسانها يلهج بأحلى الكلام وأعذبه.. فارتحت على صدرها وخياشيمي مليئة بتلك الرائحة العاطرة ذات الأثر المسكن لأي توتر نفسي.. رائحة من إحدى عطورها البلدية التي تجيد خلطتها.. هذه السيدة جميلة في كل شيء مميزة وفريدة ذات طعم خاص بها فتمنيت أن أنام على صدرها الحاني كطفل عاد إلى حضن أمه بعد أن تاه عنه زمناً طويلاً.. تلك لحظات أعرفها ولا أنساها.. آخذتني الحاجة ست البنات من يدي وهي تضغط عليها بكل دفء المودة والحنو.. أجلستني إلى جوارها، وأخذت تسألني عن غربتي وهجرتي وتجوالي في بلاد الله الواسعة غربها وشرقها.. والعجيب إنها لا تنتظر مني جواباً وإنما يختلط سؤالها بحديثها عن ماضٍ أصبح هو زاد حياتنا جميعاً، وكأني بها في هذا الحديث ترثي ذواتنا دون قصد منها.. تصدر عنها آهة عميقة من زفرة كأنها تخرج كل أنفاسها.. أيام خلت (يا ود أمي) ولن تعود ولن تتكرر.. حديثهـا أعاد إليّ طيف أبي وأمي وأخي رحمهم الله.. فقدتهم في هجرتي الواحد تلو الآخر.. وتحققت نبوءة أمي (سنموت كلنا وأنت بعيد ولن تدفنا) فيض دافق من الذكريات الحزينة، فهربت دمعة عنيدة حرى من عيني فضحت انهياري، ولكني تمالكت نفسي وداريت ضعفي كأنني أتشاغل بشيء ما.. لم تلاحظ أختي ما اعتراني وإلا لتحولت اللحظة إلى حالة من البكاء كيوم أمس فحمدت الله.. أخذت الحاجة ست البنات من يدها ودخلت بها إلى الغرفة التي وضعت فيها الحقائب والأكياس لعلها تريد أن تطلعها على الأشياء التي جئت بها.. التفاخر والتباهي ربما خصلة غير حميدة فينا.. اغتراب الأبناء والأزواج والأخوان خلق نوعاً من التمايز الطبقي فأصبحت الحياة لا تطاق إلا به، فصار هدفاً في حد ذاته وليس وسيلة مؤقتة للتكسب.. أعرف أعداداً كبيرة هاجرت ولم تجد الاغتراب كما تظن فعاشت حياة مذلة مهينة ولم يفكر الواحد فيهم في العودة.. مذلة على مذلة ومهانة على مهانة فالأفضل أن تكون في بلدك.. مآسي كثيرة عاشها المغتربون.. وبعضهم دخل السجون وما كان أن يحدث عليه هذا لو كان في بلده.. جاءت الحاجة ست البنات مع أختي من داخل الغرفة وهي تحمل شيئاً في كيس واضحاً منه أن أختي أهدتها شيئاً من الأشياء التي جئت بها.. نظرت إلي الحاجة ست البنات ممتنة وعليها ابتسامتها الجميلة التي تبعث في النفس أحلى المشاعر (شكراً يا ود أمي ما كان في داعي للتعب) هذه العبارات الطيبات جاءت من ذات سيده كل ما فيها يشعرك بأحلى ما تجود به الدنيا.. إنها عبارات تصدر عن نفس طيبة متوازنة متصالحة مع كل شيء حولها.. فشكرها للمجاملة فقط فهي غير محتاجة ولا تمثل لها هذه الهدية شيئاً.. فدنيا أبنائها المغتربين في دول الخليج ظللتها بغيمات نعيم الاغتراب، وجادت عليها برغد من العيش.. ومن عطاء الله أعطت براً وإحسانا، دون منٍ وفي صمت وتكتم دون أن يعرف أحد.. كثير من الأسر اعتمدت على عطائها وهي تعلم يقيناً أن سرها في بئر بلا قرار قاعه لن يرى العلن.. وتعلم يقيناً أيضاً أن كرامتها الإنسانية مُصانة ولن تُجرح أو تُحرج بأي حال من الأحوال.. كل شيء تستعرضه في الحاجة ست البنات تراه يفوق الوصف من جمال الهيئة والشكل إلى جمال الروح والخلق إلى الاعتداد بشموخ الذات بلا غرور أجوف أو تعال بلا عمد..
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
عطـــــبرة رواية لسعيد | تراث | 02-22-05, 12:35 PM |
Re: عطـــــبرة رواية لسعيد | تراث | 02-22-05, 12:37 PM |
Re: عطـــــبرة رواية لسعيد | تراث | 02-22-05, 12:39 PM |
Re: عطـــــبرة رواية لسعيد | تراث | 02-22-05, 12:41 PM |
Re: عطـــــبرة رواية لسعيد | تراث | 02-22-05, 12:43 PM |
Re: عطـــــبرة رواية لسعيد | تراث | 02-22-05, 12:44 PM |
Re: عطـــــبرة رواية لسعيد | تراث | 02-22-05, 12:46 PM |
Re: عطـــــبرة رواية لسعيد | تراث | 02-22-05, 12:48 PM |
Re: عطـــــبرة رواية لسعيد | تراث | 02-22-05, 12:49 PM |
Re: عطـــــبرة رواية لسعيد | تراث | 02-22-05, 12:51 PM |
Re: عطـــــبرة رواية لسعيد | تراث | 02-22-05, 12:53 PM |
Re: عطـــــبرة رواية لسعيد | تراث | 02-22-05, 12:54 PM |
Re: عطـــــبرة رواية لسعيد | تراث | 02-22-05, 12:56 PM |
Re: عطـــــبرة رواية لسعيد | تراث | 02-22-05, 12:57 PM |
Re: عطـــــبرة رواية لسعيد | تراث | 02-22-05, 12:59 PM |
Re: عطـــــبرة رواية لسعيد | تراث | 02-22-05, 01:01 PM |
Re: عطـــــبرة رواية لسعيد | تراث | 02-22-05, 01:02 PM |
Re: عطـــــبرة رواية لسعيد | تراث | 02-22-05, 01:03 PM |
Re: عطـــــبرة رواية لسعيد | تراث | 02-22-05, 01:05 PM |
Re: عطـــــبرة رواية لسعيد | تراث | 02-22-05, 01:06 PM |
Re: عطـــــبرة رواية لسعيد | تراث | 02-22-05, 01:09 PM |
Re: عطـــــبرة رواية لسعيد | تراث | 02-22-05, 01:11 PM |
Re: عطـــــبرة رواية لسعيد | تراث | 02-22-05, 01:12 PM |
Re: عطـــــبرة رواية لسعيد | تراث | 02-22-05, 01:13 PM |
Re: عطـــــبرة رواية لسعيد | تراث | 02-22-05, 01:15 PM |
Re: عطـــــبرة رواية لسعيد | تراث | 02-22-05, 01:17 PM |
Re: عطـــــبرة رواية لسعيد | تراث | 02-22-05, 01:19 PM |
Re: عطـــــبرة رواية لسعيد | تراث | 02-22-05, 01:21 PM |
Re: عطـــــبرة رواية لسعيد | تراث | 02-22-05, 01:23 PM |
Re: عطـــــبرة رواية لسعيد | تراث | 02-22-05, 01:24 PM |
Re: عطـــــبرة رواية لسعيد | تراث | 02-22-05, 01:25 PM |
Re: عطـــــبرة رواية لسعيد | تراث | 02-22-05, 01:26 PM |
Re: عطـــــبرة رواية لسعيد | تراث | 02-22-05, 01:28 PM |
Re: عطـــــبرة رواية لسعيد | تراث | 02-22-05, 01:31 PM |
Re: عطـــــبرة رواية لسعيد | تراث | 02-24-05, 03:09 PM |
Re: عطـــــبرة رواية لسعيد | تراث | 03-18-05, 12:26 PM |
Re: عطـــــبرة رواية لسعيد | Amin Elsayed | 02-24-05, 04:23 PM |
Re: عطـــــبرة رواية لسعيد | Tumadir | 02-25-05, 06:35 AM |
Re: عطـــــبرة رواية لسعيد | AlRa7mabi | 02-25-05, 09:16 AM |
Re: عطـــــبرة رواية لسعيد | adel alsaed | 02-28-05, 02:11 AM |
Re: عطـــــبرة رواية لسعيد | تراث | 03-18-05, 01:06 PM |
Re: عطـــــبرة رواية لسعيد | تراث | 03-22-05, 03:01 PM |
Re: عطـــــبرة رواية لسعيد | صلاح الدين عبدالله محمد | 03-23-05, 03:20 AM |
|
|
|