السودان ما بين الإحياء والتحديث

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-04-2024, 05:05 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الاول للعام 2012م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
11-03-2011, 08:51 PM

Aymen Tabir
<aAymen Tabir
تاريخ التسجيل: 12-02-2003
مجموع المشاركات: 2612

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: السودان ما بين الإحياء والتحديث (Re: Aymen Tabir)

    Quote: جدلية المركز والهامش:
    هي منهجياً، الوضعية التاريخية للدولة التي تجمع فيها كيانات (ماقبل برجوازية =ما قبل رأسمالية) متنوعة ثقافيا ومتمايزة عرقيا ومختلفة دينيا ومتفاوتة تاريخيا، في شكل الدولة الحديثة. وتقول الفرضية أنه غالبا ما تقوم بعض هذه الكيانات بالسيطرة على جهاز الدولة وتستثمره إقصائيا على مستويات عديدة، وتتحول المحددات الثقافية من لغة وآداب وفنون وعادات وتقاليد وعقائد وتراتبيات اجتماعية إلى أسلحة أيديولوجية، ويتمفصل العرق واللون مع الطبقة وتقسيم العمل، والديني مع السياسي، والمذهبي واللغوي مع الاجتماعي، وتكون النتيجة وضعية تاريخية مأزومة ويكون الصراع فيها صراعا شاملا، صراع هويات ضد هويات، صراع كل ضد كل، صراع ثوابت ومتحولات عند كيان اجتماعي ما ضد ثوابت ومتحولات عند كيان آخر. هذه الوضعية نسميها جدلية المركز والهامش التي هي ليست بالضرورة قائمة على البعد الجغرافي، بل هي جوهريا تمركز وتهميش عرقي وثقافي وسياسي واقتصادي وديني. وقد تأخذ أبعادا مذهبية في الدين الواحد، وتتطور بإعادة إنتاج نفسها في شكل أزمات متصاعدة. وتتعارض هذه الوضعية التاريخية جوهريا مع الديمقراطية والتنمية مما يقود إلى أقصى تجليات أزمتها في الحروب الأهلية وأزمات الهوية.
    فبعد صنع الدولة الحديثة في السودان، مع عهد الاستعمار التركي المصري 1820ـ1885م، نشأت فيه مركزية الكيانات الإسلاموعربية بسبب تفوقها النسبي على الكيانات الأخرى وبسبب توجهات الاستعمار في التعاون مع هذه الكيانات، وخاصة الحضرية منها، بالإضافة لرغبتها هي في التعاون معه لتمكين وضعها. وقد ملكها الاستعمار أهم أدوات السيطرة، ألا وهي جهاز الدولة الحديثة وفتح شهيتها من خلال تطوير الأسواق والتجارة على شاكلة الاقتصاد الطفيلي. وبسبب انتشار بعض أبناء الكيان الإسلاموعروبي من التجار المعروفين بالجلابة في أصقاع السودان واستنزاف ثرواته لمصلحة (أوطانهم) الطبيعية في أواسط وشمال السودان عبر تجارة الرقيق وجلب العبيد وتسخيرهم كأيدي عاملة، بالإضافة لأشكال التجارة الأخرى غير المتكافئة، مما زاد تفوق هذه الكيانات التي أسست لما يمكن أن نسميه قومية عربية في السودان. وتدشن ذلك في زمن المهدية بسبب التحولات الديموغرافية التي أحدثتها حروبها وأيديولوجيتها ومن ثم انكباب الكيانات الأخرى في ماعون الإسلاموعروبية بشروطه الإقصائية المذكورة آنفا. وبسبب ضآلة الوعي السياسي لهذه الكيانات والتزام أغلبها أنماط الاقتصاد الاكتفائي البسيط، فقد ظلت "مفعول به" وآلت إلى ما هي عليه الآن فيما يعرف بـ"الكيانات المهمشة" أو الهامش.

    التطورات:
    ولأن الاستعمار عادة لا يكون معنيا بتطوير المستعمرات على أسس (العدالة) كما يدعي، وإنما على أسس الاستغلال حسبما يقتضي الظرف، فإنه بالتالي تمسك بالسير مع التوجهات التي كانت تفرزها الديناميات الداخلية (الاستغلالية أصلا) في المستعمرات مع إجراء بعض التعديلات التي تخدم مصالحه بالدرجة الأولى.
    ولأن الرأسمالية الغربية قد بلغت سن الرشد في نهايات القرن التاسع عشر، فكان من استراتيجياتها تعديل توجهات الإنسان بشكل من الأشكال بما يتوافق مع مصالحها على المدى البعيد. وبما أن الأنظمة العبودية تتناقض مع توجهات الرأسمالية (التي تستلزم أفراداً مستقلين لسوق العمل ولسوق السلع)، فكان لابد من (تحرير العبيد) ـ ليس من أجل سواد عيونهم طبعا ـ وتأسيس نمط الدولة الوطنية (شكل الدولة الحديثة) الذي يتواءم مع تلك التوجهات كقناة تسلكها إجرائيا على الأقل. فكان من أولويات الاستعمار الإنكليزي في السودان أن قام بإلغاء مؤسسة الرق. وقد كان لذلك وقعاً صعباً على الكيانات الإسلاموعروبية بمساواتها ضربة لازب هكذا مع العبيد ـ شكلياً على الأقل ـ أمام الدولة والقانون. وهذا في رأينا من أهم الأسباب التي قادت إلى تشدد الخطاب في التأكيد على عروبة السودان ونفي الآخرين ـ أي العبيد ـ من (السيرة) و(الذات) السودانية (الرسمية)؛ أي الكيان المسيطر اجتماعيا فطالما لا مفر من (سودان) الدولة فليكن الشعب السوداني (شعب عربي كريم)، وليس فقط لأن الاستعمار الإنكليزي "هزم ثورتهم [المهدية] واغتصب بلادهم وكاد أن يحتويهم بحضارته الأوروبية" كما يقول يوسف فضل، فهم في ذلك متعاونون لحد كبير في عهده.
    وقد ظل خطاب المركزية الإسلاموعروبية المعبر عن أيديولوجيتها مواصلا تشدده في تعابير مثل "شعب عربي كريم" ليواجه بالخطاب الآخر (شعب سوداني كريم) ويستمر في مشاتمات أولاد الهاشماب (محمد أحمد محجوب وأحمد يوسف هاشم ومحمد عبد الحليم) لأولاد الموردة ـ أو عبيد الموردة بالمسكوت عنه ـ (محمد وعبد الله عشري الصديق وآخرين) بعد الانشقاق ومواجهة الأخيرين لخطاب التشدد (الأرومي) بخطاب الموهبة. وقد اندثرت سيرة هؤلاء الأخيرين بسبب هيمنة خطاب المركزية ومآلات أصحابه بعد ذلك. فقد أصبح محمد أحمد محجوب رئيسا للوزراء وأحمد يوسف هاشم اعتلى رئاسة القضاء، أما محمد عبد الحليم فوصل إلى رئاسة الاتحاد الأفريقي لكرة القدم ممثلا للسودان مما يكشف دور الانتماءات الإثنية الثقافية في عملية الـ Access to Power.
    وقد ثار الجدال مرة أخرى في مجال الأدب، وقد انبرى حمزة الملك طمبل لمواجهة الخطاب العروبي الذي يمثله العباسي والبنا كما ذكرنا، في مقالاته التي جمعها في كتابه (الأدب السوداني وما يجب أن يكون عليه، 1928م) في محاولة للجم الغلو. ولا ننسى الخلفيات الاجتماعية الاقتصادية والسياسية التي تعبر عنها خطابات الأدب، فكل التعبيرات الهويوية هي في الواقع نابعة من الحراكات الاجتماعية. ويمكن أن نقول أن الخطاب الموازي أو اللاجم للخطاب العروبي هو نتاج صحوة الكيانات الأخرى (المدينية خاصة) التي لا يعبر عنها خطاب العروبة. ولكن بالإضافة لسطوة الكيانات العروبية وغياب التوازن الكمي للآخرين، فيمكن عزو ضعف الخطاب (السوداني) الموازي لعوامل أخرى. فأصحابه لم يجدوا في الواقع سنداً حضارياً أو ماضوياً يتكئون عليه للتباهي. فمبادئ المساواة المفترضة ضمنا في الهوية (السودانية) على أساس الدولة الوطنية لا تجد لها سنداً إلا في خطاب التنوير الغربي وهو في ذلك الوقت يمثل الاستعمار موضوعيا، ولا (يجوز) تبني نظرياته أو على الأقل يصعب تبنيها علناً. أما الاتجاه نحو الإسلام مجرداً هكذا فغير ممكن لأنه ملغم بالاعتراف بالتقسيم العبودي والاستعلاء العروبي اجتماعياً، على الأقل على مستوى تفسيراته الفقهية. لقد كان هذا التعقيد هو السبب وراء تبني النخب المدينية لشعار (وحدة وادي النيل) في محاولة لإسقاط صورة مصر على سودان متخيل أو التطلع لصورة مصر كسقف لوعي ذلك الجيل باعتبار أن المسائل العرقية لم تعد ذات وزن كبير، قدر ما هي الحال في السودان، بالإضافة للسطوة (الحضارية) لمصر على مثقفي السودان. وقد ظهرت في تلك الفترة تنظيمات مثل اتحاد القبائل الذي كان على عبد اللطيف عضوا فيه، والاتحاد السوداني واللواء الأبيض، والكتلة السوداء فيما بعد، تلك التنظيمات التي كان يغذيها شعبيا كيان المنبتين قبلياً ـ أي الأجيال الأولى من أبناء العبيد المحررين ـ بالدرجة الأولى، تلك التنظيمات التي كانت تبحث عن هويتها ضمن هوية (شعب السودان) خارج الأطر العشائرية الطائفية السائدة التي تمثل المركزية الاسلاموعربية، وهذا البحث من قبل المنبتين قبلياً لابد أنه نابع من ومدفوع بوضعيتهم الشاذة كأبناء عبيد محررين، تعلموا واكتسبوا وعياً جديدا بذواتهم تجاوز عتبة التحرير الشكلية في وسط سادتهم القدامى المهيمنين اجتماعيا واقتصاديا وثقافيا.
    وعلى هذا الأساس يمكننا افتراض عدم وضوح الرؤية بالقدر الكافي بالنسبة لخطاب (السودانية) الموازي لخطاب (العروبية) مما أوقعه في ماعونه في نهاية المطاف، الأمر الذي دفع الباحث محمد جلال هاشم إلى تصنيفه (جوهريا) كامتداد للخطاب الإسلاموعروبي. وذلك لعدم توفر الشروط التاريخية لاكتمال (خطاب مواز أو مقابل) في ذلك الوقت.
    أما فيما يتعلق ببعض الكيانات الإثنية الثقافية الأخرى، في جنوب السودان وجبال النوبة، فقد خضعت لسياسات المناطق المقفولة Closed District Policies في الفترة من 22ـ1947م. وفي تقييمنا لذلك، فنحن لسنا من أنصار (جملة وتفصيلا) لأن الاستعمار هو جوهريا استغلال مادي وإعادة إنتاج ثقافي أو إلحاق واستتباع حضاري، أي علاقة تابع بمتبوع. وبهذا الفهم فإننا ننظر إلى المسألة على أساس أن الكيانات الأثنية الثقافية غير الإسلاموعربية في السودان، كانت تتعرض لاستعمار مزدوج؛ الاستعمار الانكليزي الخارجي، والاستعمار الاسلاموعروبي الداخلي. وبالتالي، فإذا كان لابد من (نظر) للمسألة فليكن بمنظور هذه الكيانات المقفولة نفسها The Closed Entities Paradigm وليس بمنظور المركزية الأروبية Eurocentric Paradigm أو منظور المركزية الإسلاموعربية Islamoarabocentric Paradigm . فبمنظور الـClosed Entities ، وبعبر النتائج، فإن أهم (إيجابيات) الاستعمار الانكليزي في السودان، أنه قام بإلغاء مؤسسة الرق أولاً ثم ألحقها بسياسات المناطق المقفولة، مما ساهم في محافظة هذه الكيانات على هوياتها. والمنطق في ذلك هو أنه إذا كان لابد من (مسرحية الثعلب في حظيرة الدجاج)، فالأقل سوءاً هو (ثعلب واحد) وليس ثعلبين أو أكثر، خاصة إذا كان هذا الثعلب الواحد على شاكلة (العدو العاقل) وهو بكل تأكيد خير من (العدو الجاهل). ولنترك المنطق (الصرف) جانباً، لنتجه إلى ماهية هذه السياسات الخاصة بالمناطق المقفولة التي أصبحت شماعة الخطاب الرسمي يعلق عليها أخطائه في إدارة مشكلات السودان وتسببه فيها. وتتلخص أهم ثلاثة بنود منها في:
    1ـ محاصرة تجارة الرقيق. مع العلم بأن (الجلابة) الذين التزموا بهذا البند سمح لهم بالعمل في المناطق المقفولة طيلة سريانها.
    2ـ الحفاظ على هويات الكيانات المقفولة باعتبار واقعها، وتوجيهها (غرباً) في أسوأ الأحوال.
    3ـ منع تسرب الأمراض التناسلية Venereal Diseases المتفشية في شمال السودان إلى الجنوب (العذري) في ذلك الوقت. ونأمل أن نجد من بين البحاثة الشجعان من يستطيع أن يفتح لنا صفحات من تاريخ الدعارة في السودان وعلاقته بأركيولوجيا الثروات المسكوت عنها، حتى نستبين أهمية هذا البند في الواقع.
    وبالطبع ظل الخطاب الرسمي يغيّب مضمون هذه البنود ويصر على أن سياسات المناطق المقفولة هي السبب في مشاكل السودان ويعتبرها أساس أسس المنطق (التبريري). ولكن الواقع هو أن هذه السياسات قد عوقت مشروع الاسلاموعروبية الاستغلالي وفي لحظة حاسمة من لحظات نهوضه الاسترجاعي لبناء الدولة العبودية بآليات الحداثة. لذلك كان التباكي والعويل والصراخ، وتحميل هذه القوانين ما لا يمكن أن تحتمله. فإذا سلمنا جدلاً بأحقية المركزية الإسلاموعروبية في فرض هويتها على هذه الكيانات وحسب مزاجها؛ وهي التي احتاجت لما يزيد عن الاثني عشر قرناً لتعريب وأسلمة شمال السودان فحسب، وقد كانت هذه المناطق المقفولة مفتوحة أمامها في ظل الدولة الحديثة من 1821 وحتى 1922م، ولمدى قرن من الزمان كانت تقيم فيه الزرائب والأديام مثل ديم زبير ولم تعرب ولم تأسلم تلك المناطق والكيانات، فما الذي يجعلها قادرة على أسلمتها وتعريبها في 25 عاماً هي عمر هذه السياسات كقوانين وما لا يزيد عن 15عاما تنفيذاً؟ ثم ها هي الآن كيانات ومناطق أخرى في شرق السودان وغربه وأقصى شماله تقف نفس موقف المناطق المقفولة وكياناتها، في الحرب وفي السلم، فهل كانت هذه أيضاً مقفولة بقوانين سرية لم نسمع عنها؟ (الله أعلم).
    على كلٍ، فأنه بعد تأسيس نوع من الحياة الحضرية وانتشار التعليم وتخرُّج أجيال جديدة من أبناء الكيانات المهمشة ودخولها معترك الحياة المدينية، تم اكتشاف الفوارق وأسس السيطرة وربما أبعادها التاريخية وأشكال الهيمنة والإقصاء المادي والمعنوي. فكان الجنوبيون الأبدر صحوة بعد كيان المنبتين قبلياً وأبناء العشائر غير العربية من المدينيين والانتلجنسيا.
    وأثناء ذلك المخاض جاء الاستقلال، الذي يمكن أن نسميه "هجمة البدو"، فقد ورثت المركزية الاسلاموعربية جهاز الدولة وهشمت جو (العدالة النسبية) التي كانت توفرها دولة الحكم الانكليزي (الاستعمار) وبدأت تستثمره إقصائياً على كافة المستويات (الأمر الذي كان يمنعها منه الاستعمار الانكليزي نسبيا) وفرضت سيطرتها من خلال نخبها وطوائفها. أما على مستوى الهوية فقد سعت لفرض هويتها على السودان عبر مؤسسات التعليم وأجهزة الإعلام من خلال مشروع بوتقة الانصهار على أساس الثقافة الإسلاموعربية التي تغلف بإسم "القومية" بالمعنى السوداني للمصطلح كمصطلح من مصطلحات الترميز التضليلي للخطاب. وفي البداية كان لغياب التوازن الكمي والنوعي على مستوى الوعي أثره في اكتساح هذا التوجه الملغم ـ بتعبير الناقد حسن موسى ـ فقد كانت الغالبية الساحقة للمتعلمين والمسيطرين على مفاصل الدولة هم أبناء المركزية الإسلاموعروبية ومواليهم. ولكن كان لليسار دوراً لاجماً للغلو والتطرف نسبة لوعيه بـ(ديالكتيك) المسألة الذي يمكن أن يولد النقائض التي ستطيح بوضعية المركزية. ولكن هذا اليسار المنتمي اجتماعياً لهذه المركزية المهيمنة كان متواطئاً أيديولوجيا، إذ أن موقفه من فرض الهيمنة الإسلاموعربية هو موقف تكتيكي وإجرائي متستر (بالأممية) وليس موقفا مبدئيا.
    وبالرغم من كل شيء، فلم يكف الخطاب المتشدد عن الإطلال برأسه من هنا وهناك. وها هو السيد إسماعيل الأزهري ـ رئيس الدولة ـ يدلي بشهادته: " … أشعر في هذا المنعطف بأنني مضطر لأعلن أننا نعتز بأصلنا العربي، بعروبتنا، وبكوننا مسلمون .. العرب جاءوا إلى هذه القارة كرواد، لنشر ثقافة أصلية، وإعزاز مبادئ سامية، أشاعت العلم والحضارة في كل بقاع أفريقيا، وفي وقت كانت فيه أوروبا غارقة في دياجير الظلام والجهل والكهنوت والتخلف المريع.. أن أجدادنا هم الذين حملوا المشعل عالياً وقادوا قافلة التحرر والتقدم.." أما التجاني عامر فيكون أكثر إفصاحا، وفي تبريره لعروبة السودان يقول "كان الغزو السلمي للقبائل العربية منتشراً في كل أرجاء السودان الشمالي والشرقي والغربي بالنسبة التي اقتضتها حياة العرب وطريقة عيشهم. فسكن المستقرون والزراع على ضفاف النيل. وانتشر الرعاة في شرق البلاد وغربها وقد ظلوا كما ذكرنا [يكرر هنا مدخل مقالته] يحررون ويعربون بين السلالات المحلية حتى صار السودان كله عربياً في ثقافته ومسلماً في عقيدته". وما بهذه المقولات من مغالطات تاريخية هو جزء لا يتجزأ من إكليشيهات الخطاب الرسمي. وتنفضح هنا نزعة الاستعلاء المسكوت عنها عند أطراف أخرى. ولكن المشكلة كما يرى د. موسى الخليفة هي أنه "إذا كانت ثقافة قد افترضت أن لغتها هي الأحسن، ودينها هو الأحسن، وعنصرها هو الأحسن [وهذا ما ظلت تشيعه المركزية الاسلاموعربية في مؤسسات التعليم وأجهزة الإعلام في السودان] فإنها تربي مواطنها بالإسقاط بأن الثقافات الأخرى أقل. وعند النظر للمشاكل الموجودة في السودان، خاصة المشاكل العنصرية، نجد أنها ناجمة عن هيمنة ثقافة معينة والنظر إليها على أنها متقدمة ومختارة. وهذا يتأسس على مفهوم أن هناك ثقافة أعلى Superior وثقافة أدنى Inferior، وبالتالي صار هناك مفهوم اجتماعي باختلاف درجة بين العناصر المختلفة".
    وفي سياق التأرجح بين التشدد ولاجماته، برزت في الستينات خطابات داعية (للاعتراف) بالمكون الأفريقي للذات السودانية. وسنحاول تلمس الظروف التي تساوقت لبروز هذه الخطابات، والخلفيات التي شحذت همم "المثقفاتية" للاندفاع لهذا الاتجاه الذي تبدى توفيقياً؟
    هناك في رأينا عدة أسباب لذلك، منها ما هو داخلي في الحراك الاجتماعي، ومنها ما هو خارجي.
    على الصعيد الداخلي، فقد تنامى نوع من الوعي (القومي) لدى أبناء الكيانات المهمشة خاصة فيما يعرف (سابقا) بمشكلة الجنوب وبروز إشكالات الحرب الأهلية. وقد شهدت الستينات أيضاً تنامي وعي كيانات إثنية ثقافية (غير جنوبية) كقوى سياسية تجاوزت حاجز التخويف الأيديولوجي المجهّز في الدمغ وأختام الاتهام بالعنصرية، الذي كان وما يزال من أهم أسلحة أيديولوجيا الهيمنة المركزية الاسلاموعروبية. وقد خاضت تلك الكيانات الانتخابات في فترة الديمقراطية الستينية مثل مؤتمر البجا الذي تأسس عام 1958م، واتحاد جبال النوبة، ووحدة غرب السودان، هذا من جانب، ومن جانب آخر، فإنه كما ذكرنا، من خلال توسع قاعدة التعليم والحياة الحضرية والتراكم الكمي والنوعي لأبناء الهوامش في حلبة الصراع فقد تطور وعيهم بذاتهم وبمصالحهم في ظل الهيمنة الثقافية والإقصاء المادي والمعنوي المتمثل في العنصرية الاجتماعية والاستعلاء العرقي، وتجلي ذلك في توزيع الثروة وتقسيم العمل، ومن ثم بينونة الطبقيات ذات الطوابع العرقية. هذا بالإضافة لاطلاع المتعلمين منهم على فلسفات التقدم عامة. ولما لتطور أجهزة الاتصال من أدوار، ومما لا شك فيه أن كان لذلك دور في محاصرة الأيديولوجيا المركزية وشروطها الإقصائية وإكساب الآخرين مساحة للتحرك. ولكنها بالطبع لها خبرة تاريخية كبيرة في المواجهة، فكان تنامي التيارات الدينية التي أصبحت تهدد الجناح العلماني داخل الأيديولوجيا المركزية نفسها، مما دفع هذا الجناح للاتجاه الآخر سواء تكتيكيا ـ على الأقل في سعيه للجم الجناح الديني من جهة، واحتواء نهضة الكيانات الإثنية الثقافية الأخرى من جهة ثانية. وبالطبع لكل أيديولوجيا نظام خطابها القادر على التوسع والامتداد دون أن يفقد اتصاله بمحوره متى ما تعرض للضغوط الداخلية أو الخارجية. وذلك من خلال (فضفضة) المعايير عبر سلسلة من الترميزات التضليلية لمجابهة التكاثر الكمي والنوعي (الواعي) للذين لا تنطبق عليهم أو يعدون خارج هذه المعايير الأيديولوجية السائدة في حلبة الصراع كاستراتيجية خطاب تمهد الطريق لإعادة الإنتاج(في بوتقة الانصهار على الأساس الاسلاموعروبي في حالة السودان) ومنع الاستقطاب الذي يمكن أن يطيح بمشروع الهيمنة برمته وبما يستضمنه من مصالح مادية ومعنوية.
    ولما كان ما هو(أفريقي) في الواقع مصدر (إشانة)، بسبب احتقار اللون الأسود، وبسبب تاريخ مؤسسة الرق قريبة العهد التي لا تتيح أي فرصة (للتباهي) بأصل أفريقي، أو كسب الوجاهة أو تحقيق مصلحة مادية على هذا الأساس لاعتبارات مرتبطة بالتقسيم العبودي في الوعي الاسلاموعروبي السائد؛ فلم يكن ممكنا بهذا الشرط التاريخي الاعتراف بأفريقية (العرب) و(أولاد العرب) أي (أولاد السراري بالمسكوت عنه)، ناهيك عن الإندغام في أفريقية العبيد أولاد العبيد أولاد الخديم "في بلد يتبرأ فيه الناس من العرق الزنجي تبرؤهم من الجذام" كما يقول عبد الله بولا.
    ولكن على الصعيد الخارجي، فقد كانت الستينات فترة للتحولات. فظهور نماذج القادة الأفارقة (المحترمين) أمثال الأب جوليوس نايريري، وجومو كينياتا، ونكروما ولوممبا الذين ملأت سيرهم الأناشيد التي باتت تغنيهم في أرجاء الدنيا، في أيام صعود الأممية، وباتوا مصدر احترام أكثر من غالبية قادة العرب والمسلمين والبيض، فكان لابد أن يكون لذلك أثرا، ودافعا نفسيا ومعنويا للوعي (الأفريقي) المكبوت للتعبير عن نفسه. خاصة بعد انفتاح الاسلاموعروبيين السودانيين على العالم واكتشاف هامشيتهم ومنقصة عروبتهم بالنسبة للعرب وحتى في مصر القريبة حيث يعتبرهم (الشارع) ليس أكثر من (سمارات). ثم تنامي خطاب الخصوصيات في مواجهة الهيمنة الحضارية الغربية وأثره حتى في الخطاب العربي. وفي هذا الجو كان لابد من إيجاد مخارج من هذه الورطة وردم الهوة النفسية، إما بالتشدد الخطابي لتأكيد الإدعاء (العروبة) ـ وهذا ما حدث على مستوى الوعي الجمعي الاسلاموعروبي في السودان ـ أو الاعتراف بمنطق الواقع بالنسبة لأقلية من المثقفين لا تستطيع تنكب طريق المغالطة (بالظاهر والمشكوف) في حال وضعيتها الجهيرة. وقد كانت تلك ـ في رأينا ـ هي الظروف التي تساوقت لبروز خطاب الآفروعروبية، تكتيكيا على الأقل كمحاولة لرسم الطريق لإعادة التوازن النفسي للكيان الإسلاموعروبي. وهذا يعني في الأساس الاعتراف بمكونهم (هم) الأفريقي، وليس بأفريقية الأفارقة في السودان. ويشاركنا في هذا الرأي الباحث محمد جلال هاشم الذي ذهب إلى ذلك من قبل. هذا هو الأساس الذي قام عليه الوعي الآفروعروبي الذي تلقفه الآخرون من المثقفين المتحلقين حول حلبة الخطاب الرسمي واعتبروه تنازلا (ولا حتى تحلم بيه) وتعلقوا به (والغريق يتعلق بالقشة). وكانت النتيجة هزيمة الوعي القومي (الوطني) وإعادة إنتاج الأزمة. وبعبرة النتائج فقد كانت الآفروعروبية ليست أكثر من شكل من أشكال التواطؤ الأيديولوجي مع المركز محور الأزمة في الوضعية التاريخية للدولة السودانية ـ جدلية المركز والهامش. فمواقف أصحاب الألمعية صلاح أحمد إبراهيم ومحمد المكي إبراهيم المؤيدة للإنقاذ، وتوجه د. محمد عبد الحي نحو حزب الأمة وعودته في أواخر أيامه للحظيرة الإسلاموعربية وتحفّظ النور عثمان أبكر عن إكمال إفادته في قوله "لست عربياً … ولكن!" تكمّل الدلالة، أي التمهيد (الرصين) لسير الهيمنة الإسلاموعربية التي آلت في النهاية إلى (المشروع الحضاري).
    أما المتحلقون حول خطاب الآفروعروبية من دعاة السودانوية فقد تاهوا في سديم صنعوه بأنفسهم بتجاوزهم للواقع وأسس إشكالاته، وتغاضيهم عن ذكر حقائقه المتعقلة بآليات الهيمنة والإقصاء، إذ لم يمتلكوا الشجاعة في قول أن (أم المك عزباء) بالسوداني أي (ثيّب) بالعربي الفصيح. أو أن (البغلة في الإبريق)، واكتفوا بالحلم وبـ(الذاتي) في المسألة وتركوا ما هو موضوعي، فلم تأخذهم الرجل الواحدة بعيدا باتجاه الحلم.
    ولكن الواقع اليوم تجاوز أطروحات الآفروعروبية بالذات، لأن قضية الهوية في السودان لم تعد مسالة "ذاتية" سودانية يبحث لها عن متكأ عربي أو أفريقي أو آفروعروبي أو سودانوي. كما لم تعد مشكلتها محصورة في الترميزات الاستفزازية مثل إكليشيه "منذ دخول العرب السودان" في الإجابة على طلب الجنسية السودانية، أو تسمية شارع في العاصمة (القومية) باسم الزبير باشا أكبر تاجر رقيق في السودان، ولا حتى في تجاوز قوانين الجدوى الاقتصادية واختيار مسقط رأسه (الجيلي) لإنشاء محطة تكرير البترول المجلوب من آباره في الجنوب كما سبق وتم جلب العبيد. ولكن المسألة تبدت أبعادها في الواقع المادي المتعين: في التراتبية الاجتماعية، والـAccess to Power ، وفي تقسيم العمل، وفي تجليات ما يسميه د. منصور خالد بالتعالي العنصري المستتر والأبرتهايد الديني.
    وقد (جاهد) د. فرنسيس دينق لإبراز هذا الجانب ولكنه حصره خطيا في علاقة (شمال ـ جنوب) مما أنقص خطابه الماضي في سبيل الكشف عن الاشكالات الحقيقية للهوية في السودان المتعددة الخطوط.
    وسنحاول أن نسرد هنا بعض الأمثلة على ما ذهبنا إليه:
    فبالرغم من إلغاء مؤسسة الرق (رسميا) إلا أنها ظلت ممارسة شعبية في الكثير من المجالات.
    فاجتماعيا؛ ما زالت معادلة التزاوج الأحادية مستمرة لحد كبير. وإذا كانت المسألة مفهومة ومقدرة في القطاعات الريفية المغلقة، فإنها ما زالت تفعل فعلها في القطاعات المدينية وكان من آثارها الطبقية العرقية البائنة. واستمرار الوعي الاجتماعي على أساس التقسيم العبودي عبر ما أسميناه بميكانيزم النفي البيولوجي للرجال في معادلات التخالط الاجتماعي. هذا بالإضافة للتدجين المتصاعد للمرأة في السودان كأثر مباشر لهذا النمط من الوعي الاجتماعي.
    أما اقتصادياً؛ فما زال تقسيم العمل العبودي واقعاً، فقد تم إعلاء العمل الذهني على العمل اليدوي/الجسماني ـ باعتباره عمل العبيد ـ بما لا يقاس ووزع على كل فريق حظه. ومما لا يمكن أن تخطئه العين هو تجلي هذا الوعي في الواقع. فالغالبية الساحقة من (الخدامين) و(الخدامات) أي (العبيد بالمسكوت عنه) هم من أبناء الكيانات السوداء التي كانت مصدرا لتجارة الرقيق وللاستغلال العبودي. وكذلك الغسالين والكناسين ومنظفي المراحيض في كل مكان، والأعمال الحرة الشاقة في تشييد المباني والخفراء فغالبيتهم من الكيانات السوداء (جنوبيون ونوبة وغرّابة وبقارة). في الوقت الذي نجد فيه أن الغالبية الساحقة من (أصحاب الياقات البيضاء) وخاصة المراكز العليا، هم من المندوكروز Mandocoroos (جمع مندكورو ـ أي أصحاب الآذان الحمراء ـ بتعبير أهلنا في الجنوب)، بالإضافة للمنتمين إليهم قيمياً وثقافياً (مواليهم).
    وفي نفس السياق تدخل اللغة واللون في تقسيم العمل (الرسمي) فكل من لديه (لكنة) محروم من العمل في أماكن معينة مثل الأجهزة الإعلام والعلاقات العامة بسبب (الأحادية الرسمية للغة العربية) واحتقار اللغات الأخرى خوفاً من إبراز وجه السودان (غير الحضاري!) وهذا بالإضافة لتقلص أعداد (الملكونين) عامة في مؤسسات التعليم العالي وما يستتبعها من وظائف، بسبب اشتراط النجاح في اللغة العربية لمنح الشهادة السودانية ومن ثم تضاؤل فرص هؤلاء في عملية الـAccess to Power.
    أما موضوع اللون، فسواد لون الإنسان السوداني [كذا] كفيل بإبعاده عن العمل في جهاز مثل التلفزيون!! فهناك تواطؤ غير معلن على (الحد الأدنى من اللون) للعمل كمذيع أو مذيعة في البلد الإسمه السودان. هذا بالإضافة للتوجهات العشائرية في الخدمة العامة طبعاً.
    أما على مستوى الملكية وتوزيع الثروة في السودان، فمثلا في مشروع الجزيرة تم توزيع الأراضي الزراعية في المشروع على أبناء الكيانات ذات الأصول العربية بحجة أنهم ملاك سابقين للأرض قبل قيام المشروع. بينما ترك أبناء الكيانات الأخرى يعيشون في الكنابي كعمال منذ تأسيسه في العشرينات. وقد ظل هذا التوجه مستمرا بعد الاستقلال وحتى الآن دون أن تقوم الدولة (المستقلة) التي غيرت كل شيء بمراجعة وضعية توزيع وتمليك الأراضي الزراعية ومراعاة ظروف سكان الكنابي (المزارعين الحقيقيين) المستقرين منذ ذلك الوقت. وقد ظل هذا التوجه قائما عند تأسيس امتداد المناقل بعد الاستقلال. ولكن الحجج التي كانت تساق لتبرير عملية توزيع الأراضي وتمليكها في الجزيرة، تم التخلي عنها عندما تعلق الأمر بمناطق الزراعة الآلية في جبال النوبة والنيل الأزرق وأعالي النيل. بل قامت الدولة بإزالة القرى وطرد المواطنين لإقامة المشاريع التي تم توزيعها على تجار المدن وكبار (البيروقراطية) المدنية والنظامية، الذين في غالبيتهم ليسوا من تلك المناطق.
    أما تجليات القضية في السكن وتركيب المدينة السودانية، فواضح للعيان وزيارة واحدة إلى الأحياء (الراقية) ذات الطوابق وأخرى للغيتوهات Ghettos أي الأحياء الشعبية جداً تكفي للتأكد من الأزمة وتغني عن المجادلات. ومن أمثلة التوجهات المنحازة من قبل الدولة، عندما تم ترحيل كرتون شمبات إلى الحاج يوسف الجديدة، فقد قسمت الأراضي ووزعت إلى أسر كبيرة وأسر صغيرة ودرجة رابعة فيما سمي بـ(الوحدة الوطنية) ـ وهذه واحدة من الترميزات التضليلية ـ كان التقسيم في الواقع قائم على أسس عرقية وجهوية، إذ احتل أبناء المناطق المهمشة (الزنوج والبقارة) الذين هم في الواقع الأسر الكبيرة ـ بالمعيار العددي ـ مساكن الدرجة الرابعة ذات المساحات الضيقة (200متر مربع) والتي تخلو من خدمات الكهرباء والماء. بينما وزعت منازل الأسر الكبيرة وغالبية الأسر الصغيرة (الأوسع والأفضل المزودة بخدمات الكهرباء والماء) لأناس آخرين ذوي أصول عرقية وجهوية مختلفة.
    أما فيما يتعلق بما يسمى بالسكن العشوائي، فبالرغم من أن معظم الأحياء السكنية في العاصمة مثلا، غير مخططة وينطبق عليها عملياً تعريف السكن العشوائي، إلا أن التكسير والإزالة تطال غالباً المناطق التي يقطنها أبناء المناطق والكيانات المهمشة بالدرجة الأولى. وبطريقة مهينة، وبدون تعويضات على الخسائر المادية. في الوقت الذي تترك فيه مناطق أخرى مجاورة تنطبق عليها كل المعايير الموضوعية، لا لسبب إلا الأصول العرقية والجهوية لقاطنيها.
    ويتجلى تحيز الدولة على الأساس العرقي في ظاهرة (الكشات) (خاصة في أيام النميري)، حيث كان يتم القبض على المواطنين (السود) وترحيلهم (عراة إلا من سراويلهم الداخلية) إلى أقاليمهم بحجة تفريغ المدن من المتبطلين.
    وأخيراً، المماحكة في إيجاد حلول للحرب الأهلية لأنها ببساطة تدور في المناطق المهمشة، ويتضرر منها بالدرجة الأولى أبناء هذه المناطق. بل واتجاه الدولة إلى سياسة الإخلاء والتنزيح القسري بمد نطاق الحرب إلى مناطق كان في إمكان الحكومة السيطرة عليها ولكنها تتركها كمناطق علميات وتمنع وصول المساعدات الإنسانية إليها (بسبب مركزية الطرق ـ حيث أن الطرق دائماً تبدأ من المركز ـ وسيطرتها عليها) وكل ذلك بهدف تهشيم السياق الإثني الثقافي والجغرافي الطبيعي لهذه المجموعات بغرض مسح هويتها بواسطة سياسات هوامش المدن عبر المنظمات الإسلامية. وتكشف ذلك التقارير والدراسات المتعلقة بالحرب في جبال النوبة وإثارة الحكومات للفتن العرقية في غرب السودان، وأخيرا بالهيكلة المبتدعة للإدارة الأهلية وتحيزها لبعض القبائل ضد الأخرى.
    الصدام القومي ومأزق الإسلاموعروبية في السودان:
    إن الوضعية التاريخية للدولة السودانية ـ كما ذكرنا ـ هي وضعية مأزومة بسبب ميكانيزمات التمركز والتهميش القائمة على التحيز على أساس الفارق الإثني الثقافي، ومن ثم استثمار جهاز الدولة إقصائيا وتمفصل العرق واللون مع الطبقة وتقسيم العمل، والديني واللغوي والجهوي مع السياسي، فمن الطبيعي أن ينشأ صراع الهويات. ولأن هذه الوضعية تتناقض جوهريا مع الديمقراطية والتنمية، فكان لابد من أن تتولد المضادات الأيديولوجية للمركزية المسيطرة. والآن، بعد تتويج مشروع المركزية الإسلاموعربية في السودان نفسه في نظام الجبهة الإسلامية (المشروع الحضاري) الذي أخرج المسكوت عنه إلى حيز الممارسة العلنية، وتشديد الخطاب في قمة تجلياته الدينية لمواجهة نهوض القوميات وخاصة المسلمة منها، وبعد تفشي الحروب الأهلية، فقد وصلت الأزمة إلى قمة تجلياتها. والواقع هو أن ما تفعله الجبهة الإسلامية كان دافعه وعيها الحقيقي بمهددات هذا النهوض القومي للمركزية الإسلاموعربية وهيمنتها ومكاسبها التاريخية. إن الشراهة في النهب والتفكيك والاستيلاء والعنف الزائد هي في الواقع محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه ـ لذلك سمو أنفسهم "ثورة الإنقاذ" ـ لإحساس النخبة الإسلاموية باحتمالات ما يمكن أن تؤول إليه الأحداث وحتى لا تخرج من المولد بدون حمص قبل (التحول التاريخي) فهي كانت تسابق الزمن للخروج بأقل الخسائر عامة وبأكبر المكاسب الحزبية خاصة، لذلك أقنعت نفسها بدور الوصي على الكيان. وجملة القول، أن الإسلاموعروبية في السودان في مأزق خطير، فالتاريخ قد كشف عورتها التاريخية، والواقع قد أنتج أو في طريقه إلى إنتاج مضاداتها الأيديولوجية المكافئة قوة ووعياً، وهي من جانب آخر عاجزة عن التخلي عن مكاسبها غير المشروعة في سياق الدولة الوطنية في السودان.
    الريتوريكا وازدواجية الخطاب الإسلاموعروبي في السودان:
    ففي سياق تأرجحه بين (الإسلامي) و (العروبي) من جهة، و(الوطني) و(الأممي) من جهة أخرى، فإن الخطاب الإسلاموعروبي ظل مستنداً في جله على النزعة البلاغية والإنشائية العاطفية (الريتوريكا) المستترة وراء الترميزات التضليلية كالقومية، والأمة السودانية والوحدة الوطنية وبقية المصطلحات المذكورة، بالإضافة لاستضمان إكليشيهات التعددية والتنوع كديكور خطابي يقوم بطلاء برنامج (بوتقة الانصهار) التذويبي سبب المشاكل في السودان. وبذلك فهو محدد بوعي (الهيمنة والإقصاء). ولا ننسى تضامن جميع أطرافه في المغالطة إزاء وقائع الاسترقاق التي تدور في السودان هذه الأيام.
    من جانب آخر هو أيضا خطاب مزدوج ومتناقض ويقوم على مبدأ الكيل بمكيالين؛ ففي مواجهة (الغرب) يستعمل كل أدوات النبذ للهيمنة والقهر الثقافي وإلحاق الحضاري بحجج خصوصية القيم الثقافية والدفاع عن الهويات الحضارية والدينية، ورفض آليات الإقصاء القائمة على اللاتكافؤ بين المركزية (الغربية) وهوامشها في العالم الثالث، والدعوة إلى إعطاء الفرصة للثقافات والحضارات المختلفة للمساهمة (بعدالة) في تحديد ملامح الحضارة الإنسانية؛ وكل ذلك صحيح في رأينا؛ لأنه بالرغم من أن حياة البشر في تحولات مستمرة، وأن مسألة الانتماء والهوية "قابلة للتغير والتبدل وهي مع ذلك مفهوم ديناميكي قادر على التكيف" إلا أن المسألة لا تتأتى بضربة لازب أو بالإكراه لأن منظومات القيم التي تشكل معنى حياة الإنسان في مجتمعه لا يمكن إزالتها جزافاً وبمبررات (برانية) بل هي عزيزة ولا تشترى إلا بعملة (التاريخ). ولكن هؤلاء الإسلاموعروبيين أمرهم عجب! فبمجرد الانتهاء من الخطب الموجهة إلى الخارج، والالتفات إلى الداخل، يدعون ذلك دبر آذانهم وأعينهم ويصادرون حق الآخرين بـ(التلفُّظ بهذا المنطق) مدخلين أياديهم في جيوبهم الأيديولوجية مخرجين الدمغ والأختام والسكاكين. فكل داعية لحقوق خصوصية ثقافية وإثنية في السودان عنصري. وكل متكلم عن حقوق سياسية للقوميات الأخرى وشائر إلى حقيقة هيمنة ومركزية الإسلاموعروبية، معادٍ وكائد للعروبة والإسلام، وربما عميل للغرب. وكل مطالب بعدالة اقتصادية للأقاليم (المهمشة) داعية للتشرذم وتفتيت وحدة الوطن. والجهة الوحيدة المصرح لها بالكلام هي (الإعترافية الرسمية) أي مركزية الذات الاسلاموعروبية التي لا يتجاوز اعترافها الأعور ـ الذي يسكت عن ممارساتها التاريخية ـ تسويد أوراق المؤتمرات والدساتير والقوانين التي لا تساوى قيمة الحبر الذي تكتب به. ويظل هذا (الاعتراف) في حد ذاته شكلا من أشكال الاستعلاء، طالما هناك جهة (ترانسدنتال=أولية ومسلمة سابقة لإجراءات المنطق) (تعترف) (كاعتراف الأب ببنوة إبن الحرام تفادياً للمشاكل) وتفترض في نفسها أنها هي التي (توزع) الحقوق دون أن تسمح بمناقشة المصدر الذي (اشترت منه ملكية الدولة) الذي أعطاها هذا الموقع الاعترافي التوزيعي المعطاء.

    نواصل
    ــــــــــــــــــــ
    تابر
                  

العنوان الكاتب Date
السودان ما بين الإحياء والتحديث صلاح هاشم السعيد10-17-11, 08:36 AM
  Re: السودان ما بين الإحياء والتحديث Aymen Tabir10-17-11, 09:54 AM
    Re: السودان ما بين الإحياء والتحديث Mohamed Abdelgaleel10-17-11, 10:43 AM
      Re: السودان ما بين الإحياء والتحديث صلاح هاشم السعيد10-17-11, 09:40 PM
        Re: السودان ما بين الإحياء والتحديث صلاح هاشم السعيد10-18-11, 08:02 AM
          Re: السودان ما بين الإحياء والتحديث صلاح هاشم السعيد10-18-11, 11:21 AM
            Re: السودان ما بين الإحياء والتحديث محمد على طه الملك10-18-11, 04:34 PM
              Re: السودان ما بين الإحياء والتحديث صلاح هاشم السعيد10-19-11, 12:01 PM
                Re: السودان ما بين الإحياء والتحديث Aymen Tabir10-20-11, 00:21 AM
                  Re: السودان ما بين الإحياء والتحديث صلاح هاشم السعيد10-20-11, 08:29 AM
                    Re: السودان ما بين الإحياء والتحديث طارق ميرغني10-20-11, 08:47 AM
                    Re: السودان ما بين الإحياء والتحديث صلاح هاشم السعيد10-20-11, 09:04 AM
                      Re: السودان ما بين الإحياء والتحديث صلاح هاشم السعيد10-20-11, 11:18 AM
                        Re: السودان ما بين الإحياء والتحديث محمد على طه الملك10-20-11, 02:02 PM
                          Re: السودان ما بين الإحياء والتحديث صلاح هاشم السعيد10-22-11, 11:34 AM
                            Re: السودان ما بين الإحياء والتحديث صلاح هاشم السعيد10-22-11, 12:45 PM
                              Re: السودان ما بين الإحياء والتحديث صلاح هاشم السعيد10-22-11, 12:47 PM
                                Re: السودان ما بين الإحياء والتحديث صلاح هاشم السعيد10-22-11, 12:50 PM
                                  Re: السودان ما بين الإحياء والتحديث صلاح هاشم السعيد10-22-11, 12:53 PM
                                    Re: السودان ما بين الإحياء والتحديث صلاح هاشم السعيد10-22-11, 12:56 PM
                                      Re: السودان ما بين الإحياء والتحديث محمد على طه الملك10-22-11, 01:24 PM
                                        Re: السودان ما بين الإحياء والتحديث صلاح هاشم السعيد10-22-11, 01:43 PM
                                  Re: السودان ما بين الإحياء والتحديث Aymen Tabir10-25-11, 09:02 PM
                                  Re: السودان ما بين الإحياء والتحديث محمد الكامل عبد الحليم11-06-11, 03:07 PM
                              Re: السودان ما بين الإحياء والتحديث Aymen Tabir10-22-11, 01:45 PM
                                Re: السودان ما بين الإحياء والتحديث صلاح هاشم السعيد10-22-11, 02:13 PM
                                  Re: السودان ما بين الإحياء والتحديث صلاح هاشم السعيد10-22-11, 02:36 PM
                                    Re: السودان ما بين الإحياء والتحديث صلاح هاشم السعيد10-22-11, 06:12 PM
                                  Re: السودان ما بين الإحياء والتحديث Aymen Tabir10-22-11, 07:11 PM
          Re: السودان ما بين الإحياء والتحديث Aymen Tabir10-23-11, 07:24 AM
        Re: السودان ما بين الإحياء والتحديث Aymen Tabir10-22-11, 06:51 PM
          Re: السودان ما بين الإحياء والتحديث صلاح هاشم السعيد10-23-11, 08:41 AM
            Re: السودان ما بين الإحياء والتحديث صلاح هاشم السعيد10-24-11, 06:32 AM
              Re: السودان ما بين الإحياء والتحديث صلاح هاشم السعيد10-24-11, 07:49 AM
                Re: السودان ما بين الإحياء والتحديث صلاح هاشم السعيد10-24-11, 09:38 AM
                  Re: السودان ما بين الإحياء والتحديث صلاح هاشم السعيد10-24-11, 02:31 PM
                    Re: السودان ما بين الإحياء والتحديث صلاح هاشم السعيد10-25-11, 07:31 AM
                      Re: السودان ما بين الإحياء والتحديث Aymen Tabir10-25-11, 09:06 PM
                        Re: السودان ما بين الإحياء والتحديث Aymen Tabir10-25-11, 09:09 PM
                          Re: السودان ما بين الإحياء والتحديث سناء عبد السيد10-26-11, 01:17 AM
                            Re: السودان ما بين الإحياء والتحديث صلاح هاشم السعيد10-26-11, 12:46 PM
                              Re: السودان ما بين الإحياء والتحديث صلاح هاشم السعيد10-27-11, 10:43 AM
                                Re: السودان ما بين الإحياء والتحديث صلاح هاشم السعيد10-27-11, 11:54 AM
                                  Re: السودان ما بين الإحياء والتحديث طارق ميرغني10-29-11, 08:09 AM
                                  Re: السودان ما بين الإحياء والتحديث Mohamed Abdelgaleel10-29-11, 08:26 AM
                                    Re: السودان ما بين الإحياء والتحديث صلاح هاشم السعيد10-31-11, 10:47 AM
                                      Re: السودان ما بين الإحياء والتحديث صلاح هاشم السعيد10-31-11, 01:31 PM
                                        Re: السودان ما بين الإحياء والتحديث صلاح هاشم السعيد10-31-11, 06:52 PM
                                        Re: السودان ما بين الإحياء والتحديث Aymen Tabir10-31-11, 11:09 PM
                                          Re: السودان ما بين الإحياء والتحديث طارق ميرغني11-01-11, 00:31 AM
                                            Re: السودان ما بين الإحياء والتحديث صلاح هاشم السعيد11-03-11, 09:32 AM
                                              Re: السودان ما بين الإحياء والتحديث صلاح هاشم السعيد11-03-11, 10:42 AM
                                                Re: السودان ما بين الإحياء والتحديث Aymen Tabir11-03-11, 08:45 PM
                                                  Re: السودان ما بين الإحياء والتحديث Aymen Tabir11-03-11, 08:48 PM
                                                    Re: السودان ما بين الإحياء والتحديث Aymen Tabir11-03-11, 08:51 PM
                                                      Re: السودان ما بين الإحياء والتحديث Aymen Tabir11-03-11, 08:55 PM
                                                        Re: السودان ما بين الإحياء والتحديث صلاح هاشم السعيد11-05-11, 02:28 PM
                                                          Re: السودان ما بين الإحياء والتحديث محمد الكامل عبد الحليم11-07-11, 02:51 PM
                                                            Re: السودان ما بين الإحياء والتحديث صلاح هاشم السعيد11-09-11, 10:27 AM
                                                              Re: السودان ما بين الإحياء والتحديث طارق ميرغني11-09-11, 12:48 PM
                                                                Re: السودان ما بين الإحياء والتحديث محمد الكامل عبد الحليم11-09-11, 01:55 PM
                                                                  Re: السودان ما بين الإحياء والتحديث صلاح هاشم السعيد11-10-11, 11:12 AM
                                                                    Re: السودان ما بين الإحياء والتحديث محمد على طه الملك11-11-11, 11:39 AM
                                                                      Re: السودان ما بين الإحياء والتحديث صلاح هاشم السعيد11-12-11, 07:16 AM
                                                                        Re: السودان ما بين الإحياء والتحديث صلاح هاشم السعيد11-12-11, 09:14 AM
                                                                          Re: السودان ما بين الإحياء والتحديث محمد الكامل عبد الحليم11-12-11, 10:34 AM
                                                                            Re: السودان ما بين الإحياء والتحديث صلاح هاشم السعيد11-13-11, 01:01 PM
                                                                              Re: السودان ما بين الإحياء والتحديث محمد الكامل عبد الحليم11-13-11, 04:29 PM
                                                                                Re: السودان ما بين الإحياء والتحديث Aymen Tabir11-13-11, 08:34 PM
                                                                                  Re: السودان ما بين الإحياء والتحديث محمد الكامل عبد الحليم11-14-11, 11:32 AM
                                                                      Re: السودان ما بين الإحياء والتحديث Aymen Tabir11-14-11, 12:40 PM
                                                                        Re: السودان ما بين الإحياء والتحديث صلاح هاشم السعيد11-15-11, 12:51 PM
                                                                          Re: السودان ما بين الإحياء والتحديث صلاح هاشم السعيد11-16-11, 09:34 AM
                                                                            Re: السودان ما بين الإحياء والتحديث Aymen Tabir11-16-11, 02:31 PM
                                                                              Re: السودان ما بين الإحياء والتحديث صلاح هاشم السعيد11-16-11, 11:09 PM
                                                                                Re: السودان ما بين الإحياء والتحديث صلاح هاشم السعيد11-17-11, 09:09 AM
                                                                                  Re: السودان ما بين الإحياء والتحديث صلاح هاشم السعيد11-18-11, 06:28 PM
                                                                                    Re: السودان ما بين الإحياء والتحديث Aymen Tabir11-19-11, 01:17 AM
                                                                                Re: السودان ما بين الإحياء والتحديث Aymen Tabir11-18-11, 10:33 PM
                                                                                  Re: السودان ما بين الإحياء والتحديث صلاح هاشم السعيد11-19-11, 09:30 AM
                                                                                    Re: السودان ما بين الإحياء والتحديث محمد الكامل عبد الحليم11-19-11, 05:56 PM
                                                                                      Re: السودان ما بين الإحياء والتحديث صلاح هاشم السعيد11-20-11, 10:58 PM
                                                                                        Re: السودان ما بين الإحياء والتحديث صلاح هاشم السعيد11-21-11, 12:29 PM
                                                                                          Re: السودان ما بين الإحياء والتحديث صلاح هاشم السعيد11-21-11, 11:09 PM
                                                                                            Re: السودان ما بين الإحياء والتحديث صلاح هاشم السعيد11-22-11, 10:18 AM
                                                                                              Re: السودان ما بين الإحياء والتحديث محمد على طه الملك11-22-11, 11:29 AM
                                                                                                Re: السودان ما بين الإحياء والتحديث صلاح هاشم السعيد11-22-11, 06:59 PM
                                                                                                  Re: السودان ما بين الإحياء والتحديث صلاح هاشم السعيد11-23-11, 06:42 AM
                                                                                                    Re: السودان ما بين الإحياء والتحديث طارق ميرغني11-23-11, 08:36 AM
                                                                                                    Re: السودان ما بين الإحياء والتحديث محمد الكامل عبد الحليم11-23-11, 08:54 AM
                                                                                                      Re: السودان ما بين الإحياء والتحديث صلاح هاشم السعيد11-24-11, 10:57 AM
                                                                                                        Re: السودان ما بين الإحياء والتحديث محمد على طه الملك11-24-11, 12:46 PM
                                                                                                          Re: السودان ما بين الإحياء والتحديث محمد على طه الملك11-24-11, 07:15 PM
                                                                                                            Re: السودان ما بين الإحياء والتحديث محمد الكامل عبد الحليم11-25-11, 05:58 AM
                                                                                                              Re: السودان ما بين الإحياء والتحديث صلاح هاشم السعيد11-26-11, 06:45 AM
                                                                                                                Re: السودان ما بين الإحياء والتحديث صلاح هاشم السعيد11-28-11, 10:30 AM
                                                                                                                  Re: السودان ما بين الإحياء والتحديث صلاح هاشم السعيد11-28-11, 07:53 PM
                                                                                                                    Re: السودان ما بين الإحياء والتحديث صلاح هاشم السعيد11-29-11, 06:08 PM
                                                                                                                      Re: السودان ما بين الإحياء والتحديث صلاح هاشم السعيد11-30-11, 07:19 AM
                                                                                                                        Re: السودان ما بين الإحياء والتحديث Aymen Tabir12-01-11, 01:49 PM
                                                                                                                          Re: السودان ما بين الإحياء والتحديث صلاح هاشم السعيد12-01-11, 06:01 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de