|
في حضرة التجاني الطيب .... دمعتان ووردة
|
استلهمت هذا العنوان من كتاب للأستاذة والكاتبة الصحفية والناشطة السياسية اليسارية فريدة النقاش أهدته لي في منتصف التسعينات بمكتبها في مقر حزب التجمع وسط القاهرة " السجن دمعتان ووردة " وتسجل النقاش في ذلك الكتاب معاناة وتضحيات الشيوعيين واليساريين في سجون مصر وسراديب امن الدولة ذلك الجدار الذي انهار على رؤوس بناته في ثورة الخامس والعشرين من يناير الشعبية في مصر. أما الحديث في حضرة التجاني الطيب بابكر تدفعه دمعتان على فراقه وتحمله وردة على قبره الأمدرماني الذي احتفى بجسده النبيل . فهو حديث عن جيل نادر من أهل السودان وطليعته الواعية المثقفة والزاهدة ليس في الحزب الشيوعي السوداني فقط بل في كل الأحزاب السودانية العريقة ، ذلك الجيل الذي لم يعرف الثراء الحرام والاختلاس من المال العام وبناء الفلل والضيعات وانتزاع الأراضي والبنايات وتوريثها لأبناء رجال السلطة وبناتها . ذلك الجيل الذي لم يسجن خصما ولم يعتقل معارضا ولم يقتل بريئا ولم ياخذ الناس بالشبهات . ذلك الجيل هو جيل التجاني الطيب الذي فقدناه في ظروف حرجة .
كتب كثيرون عن التجاني الطيب عن زهده وكياسته وتواضعه وتصميمه على مايراه حقا محضا ومقته للمساومة حول المبادئ ،لكنني عرفت التجاني في حقبة زاهرة بين منتصف الثمانينات ونهاية التسعينات قبل ان ينفض سامر التجمع الوطني . كانت البداية في سجن كوبر في عام ثلاثة وثمانين وحتى قبيل الانتفاضة بأيام حيث كان المعتقل يضم كوكبة من العقد الفريد في السياسة السودانية ، منهم " الصادق المهدي –عمر نورالدائم –عبدالرحمن النور –سعيد الشايب- طه ابراهيم –عثمان جاد الله – ادريس البنا – عوض صالح – عبداللطيف صالح –صلاح عبد السلام –وشباب من طيف من السياسيين والناشطين من أحزاب الأمة والشيوعي واللجان الثورية والجمهوريين والبعثيين و شتى الأحزاب والمنظمات . وتعرفت عليه عن قرب فوجدت فيه سودانيا بكل ما تحمله الشخصية السودانية من سمات وخصوصية تجمع بين موجبات الأصالة وتواضع العالم وحصافة السياسي ورصانة الكاتب المجيد . وتكامل تواصلنا خلال حقبة الديمقراطية الثالثة حتى أطاح بها بانقلاب الإنقاذ ليتصل من جديد ذلك التواصل في قاهرة المعز تحت مظلة التجمع الوطني بكل ما حملته تلك الفترة من تطورات. وكما أسلفت فإن التجاني يعتبر رمزا من ذلك الجيل من الساسة الذين واجهوا الديكتاتوريات العسكرية والشمولية، لم تهزهم السجون والمعتقلات ولم تبهرهم السلطة حتى في فترات الديمقراطية الشحيحة التي مرت على السودان وكانوا زهادا يعيشون على الكفاف غير انهم أثرياء بحب الناس واحترامهم لهم دون ترهيب او ترغيب .
ولعل من أصدق العبارات التي قيلت في تأبين التجاني ماقالته الأستاذة أمينة النقاش " حين رفضت ، فكرة التحدث عن التيجانى الطيب، بصيغة الفعل الماضي، وقالت:أنه شخص متسق في سلوكه العام والشخصي، وهى المرة الأولى التي ترى فيها شيوعيا عربيا لديه كل هذا الاتساق فيما يفعله ويعيشه ويقوله وهذه الاستقامة في السلوك الشخصي.
والحديث عن التجاني الطيب وزملاءه من الثقاة في كافة الأحزاب الوطنية التي فشلت جميع الديكتاتوريات في استئصالها أو إعدامها بدعاوى الحداثة والتطور يفتح ملفا مهما لابد ان يعكف على إجراء مقارنة هامة وأساسية بين ساسة المدرسة الديمقراطية المناضلة من أجل الحرية وساسة أحزاب السلطة الشمولية سيما من طويلي اللسان الذين استباحوا المال العام وبددوا موارد البلاد وتركوا سيادة البلاد نهبا للقوى الخارجية بكل مسمياتها وألوانها .
لقد عبّر الإمام الصادق المهدي في ندوة في واشنطن ردا على تساؤل تنقصه الكياسة من سائل حول ما زعمه بـ " ديكتاتورية " الصادق المهدي .فرد عليه المهدي بقوله يا أخي يكفي إننا على قصر الفترات التي حكمنا فيها إننا : " لم نأتي الحكم إلا منتخبين بإرادة الجماهير لم نعتقل مواطنا لرأي لم نحجر على حرية أحد لم نقتل أحد لم نشنق أحد لم ننهب مالا عاما لم نستغل موارد الدولة بل كنا نعيد مرتباتنا ومخصصاتنا إلى خزينة الدولة "
تجاني الطيب كان من هذا الجيل الذي شرب العفة والنزاهة ممن سبقوه وعاصروه من ساسة الديمقراطية وروادها بكل طيف أحزابها السياسي. هذه الخصوصية التي اتسم بها جيل الديمقراطية لا يقوى على الوقوف أمامها ساسة أحزاب السلطة إلا من عصم ربي وما المشهد الماثل اليوم إلا دليلا على تلك المفارقة . يكفي فقط أن نلقي الضوء على سيرتهم المشرقة حتى يتبين هذا الجيل الجديد المأخوذ بالشعارات الفرق بين هؤلاء وأؤلئك فبضدها تتبين الأشياء . رحم الله التجاني الطيب بابكر وكل الراحلين من الوطنيين الشرفاء الذين أعطوا ولم يأخذوا إلا أكفانهم ومن هذه الأرض الممتدة إلا شبرا من تراب .
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: في حضرة التجاني الطيب .... دمعتان ووردة (Re: Hassan Elhassan)
|
والحديث عن التجاني الطيب وزملاءه من الثقاة في كافة الأحزاب الوطنية التي فشلت جميع الديكتاتوريات في استئصالها أو إعدامها بدعاوى الحداثة والتطور يفتح ملفا مهما لابد ان يعكف على إجراء مقارنة هامة وأساسية بين ساسة المدرسة الديمقراطية المناضلة من أجل الحرية وساسة أحزاب السلطة الشمولية سيما من طويلي اللسان الذين استباحوا المال العام وبددوا موارد البلاد وتركوا سيادة البلاد نهبا للقوى الخارجية بكل مسمياتها وألوانها .
| |
|
|
|
|
|
|
Re: في حضرة التجاني الطيب .... دمعتان ووردة (Re: Hassan Elhassan)
|
لقد عبّر الإمام الصادق المهدي في ندوة في واشنطن ردا على تساؤل تنقصه الكياسة من سائل حول ما زعمه بـ " ديكتاتورية " الصادق المهدي .فرد عليه المهدي بقوله يا أخي يكفي إننا على قصر الفترات التي حكمنا فيها إننا : " لم نأتي الحكم إلا منتخبين بإرادة الجماهير لم نعتقل مواطنا لرأي لم نحجر على حرية أحد لم نقتل أحد لم نشنق أحد لم ننهب مالا عاما لم نستغل موارد الدولة بل كنا نعيد مرتباتنا ومخصصاتنا إلى خزينة الدولة "
| |
|
|
|
|
|
|
|