|
Re: السودان ... مخاض التاسع من يوليو،، كمال الجزولي يكتب للجزيرة نت (Re: معاوية الزبير)
|
إذاً، وبفضل ذلك (المرشد)، أصبحت خطة (الأسلمة والتعريب) المتلازمين، ضربة لازب، في المنظور الإجرائي البحت، والقائمين على رموزيات القوة المادية، والتفوق العرقي، وإهدار حق التميز الثقافي، هي البديل (الوطني الحر المستقل) للسياسات الاستعمارية تجاه الجنوب حتى لم تترك له سبيلاً سوى (الانفصال) بموجب استفتاء يناير 2011م، وقد فاقم من ذلك توهم الجماعة المستعربة المسلمة السودانية، أو بالأحرى نخبها، أن عليها الوفاء، في تخوم العالمين العربي والإسلامي، بمهمة (مقدسة) ألقت بها على عاتقها الجماعة العربية المسلمة الكبرى في مركز القلب من هذين العالمين لتجسير الهوة التي تعيق انسياب (العروبة) و(الإسلام) نحو عالم الأفارقة الوثنيين، مما ولد لدى غالب النخب الشمالية، وبالأخص النخبة الإسلاموية التي تسيدت اقتصادياً، وسياسياً، واجتماعياً، منذ 1989م، ذهنية (رسالية) تجاه الجنوب قائمة على الإخضاع والاستتباع subordination، مثلما ولد لدى قطاعات عريضة من النخب الجنوبية ردود فعل شديدة العنف والحدة تجاه كل ما هو عربي وإسلامي، مما يتمظهر، غالباً، في الميل إلى تضخيم الانتماء للرموزيات الثقافية والعرقية (الأفريقانية)، وللديانة المسيحية، وللغة (الإنجليزية)، رغم أنف الحقيقة القائلة بأن 60% من العرب موجودون، أصلاً، في (أفريقيا)، ورغم أنف (عربي جوبا) الذى لا تعرف التكوينات القومية الجنوبية نفسها لغة تواصل lingua franca فيما بينها غيره.
هتان النظرتان المتصادمتان اللتان تمتحان من الوهم، لا الواقع، حبستا كلا (العروبة) و(الأفريقانية)، على ركاكة المقابلة الاصطلاحية، في أسر مفاهيم عرقية وثقافية دعمت مناخ العدائيات المستمر بلا طائل، وعرقلت أي مشروع معقول لوحدة مرموقة.
فلسنا البلد الوحيد الذي تمايزت فيه الأعراق؛ على أنه ما من بلد مثلنا زعم فيه البعض انتسابهم إلى عرق (خالص) يستعلون به على بقية الأعراق، فدفعوا الآخرين، بالمقابل، إلى مجابهة هذا الاستعلاء باستعلاء مساو في المقدار، ومضاد في الاتجاه.
ولسنا البلد الوحيد الذي قام على تعدد وتنوع تحتاج مكوناته إلى حوار تاريخي هادئ، ومثاقفة تلقائية رائقة، غير أنه ما من بلد مثلنا كابرت فيه جماعة بتفوقها الثقافي والديني واللغوي، طالبة تنازل الآخرين لها عما بأيديهم، وتسليمهم بامتيازها المطلق، فلم تحصل منهم إلا على الكراهية المختلقة، والدم المفتعل.
ولسنا البلد الوحيد الذي أدى استلحاقه القسري، منذ مرحلة ما قبل الرأسمالية، بفلك السوق العالمي، إلى تفاوت قسمة الثروة، وحظوظ التنمية والتطور، بين مختلف أقاليمه؛ سوى أنه ما من بلد مثلنا انطمست بصائر نخبه الحاكمة عن رؤية المخاطر التي يمكن أن تحيق بسلطتها نفسها، في ما لو تحولت جملة هذه المظالم إلى (غبينة) تاريخية.
|
|
|
|
|
|
|
|
|