|
حينما تاتى الرياح بما تشتهى السفن - قصة من الواقع-
|
الاهداء: الى روح اصدقائى نوروز وريكو الذين رحلا عن الدنيا فى يوم واحد دون ان يعرفا من منها هو المريض,
ذات مساء من مساءات الاحاد حين كان الجو صحوا كمساءات اواخر الخريف, لم تمارس الطبيعة عقم الانسانية المعهود فكانت انيقة تعزف سيموفونية الوجود بكل الق , اوركسترا الطبيعة تبدو فى قمة ذهوها فحتى اصوات الجنادب التى تصيب بالغثيان داخل جدران المنازل, الا انها حينما ياتى دورها لتقدم صولتها فى هذه المقطوعة الكونية, فما اجمل صوت الجنادب حينما ياتى من بين هفيف الريح حين يمر بين اغصان الاشجار و ما اجمل تراقص الاغصان حين تكون الشمس قد ارسلت اشعة خافتة تبدو متناهية كلما اقتربت منك مبشرة بمساء يخلب النفوس, وفى هذه الاثناء كانت طيور برية وعصافير تشقشق من على تلكم الاغصان المتمايلة .
هكذا كانت الطبيعة حين التقيا لقاءا مدبرا لاول مرة , فبعد ان كان كل منهما يتصنع المرور بمكتب الاخر متساءلا عن اشخاص لم يخلقوا الا فى خياله فى لحظة السؤال او يدعى انه قدم عن طريق الخطأ , مارسا هذا الكذب الخلاق على كليهما البعض حينا من الدهر, انه مساء العاشر من تشرين وبعد عدة تلكؤات كان الوعد بالقاء فاتى ريكو مبكرا بساعة عن مواعيد اللقاء ليجلس مع نفسه ليخطط الى الخطبة الافتتحاية و التكيتكات التى سيتجاوز بها ثقالة اللقاءات الاولى بين من يعشقون بعضهم فى صمت ولازمان طويلة و يتنظرون المناسبات السعيدة التى تقطع بهم صحاري و مطبات التعارف الاولى التى تتكون فيها الانطباعات الاولية و التى فى اغلب الاحيان تشكل قاعدة اساسية فى فهم كل طرف للطرف الاخر. دارت كل هذه الافكار فى راس ريكو وقبل ان يكمل سيناريو اللقاء فاذا بنوروز معشوقته تلقى عليه تحية مسائية اشبه بغزل الماء للجدول والارض بعض من الرمل الناعم, وبعد قليل من ادعاء التماسك رد عليها التحية و طلب منها الجلوس , جلست بجواره فى ذلك المقعد الخشبى المصمم لتلكم الحديقة العامة التى لا يرتادها كثير من الزوار فى مثل هذه الاوقات, وهو كان يصلى فى دواخله ان لايمر بهذا الطريق ممن يعرفونه حتى لا يكدرون عليه مساءه ويفقدونه تماسكه الذى كلفه تمارين ذهنية لساعات طوال.
ابتدر حديثة قائلا ماذا تعتقدين عن شقشة الطيور ؟؟
ردت نوروز وبكل اريحية قائلة " اعتقد انها تمارس الجرد المسائى, فهى تخرج فى الصباح الباكر وفى رحلة بحثها عن طعامها تعقد الصفقات والصداقات والتحالفات, وهاهى تعود مساءا ليحكى كل طائر لشركائه فى الحياة من زوج وابناء كيف كان يومه, اما نحن فيسعدنا ان نطلق عليه شقشقة" .
سعد ريكو ايما سعادة بردها الذى فتح له نوافذ الولوج الى قلبها من كل اتجاهات او على الاقل هذه ما بدأ لريكو,
مضت ايام وايام وتعمقت مشاعر ريكو و نوروز تجاه بعضهما البعض و لم يتركا مكان جميلا الا وزراره سويا, قضيا اجمل لحظات حياتهما مع بعضهما البعض, اما ذلك البنش الخشبى فاصبح من الاماكن المقدسة التى لا يزورونها الا فى مناساباتهم القصوي كعيد ميلاد اي منهما و راس السنة و ذكري حبها الاولى و هكذا مضت الحياة.
وهكذا وفى النصف الثانى من شهر مارس قررا ان يلتحما بالرباط المقدس و ان يتزوجا و يتوجا غرامها العارم بدخول عش الزوجية ككل مخلوقات الله.
وهكذا وفى يوم السادس والعشرين من شهر مارس ذهبا سويا الى معمل سارونى الشهير والمتخصص فى اجراء الفحوصات الطبية للراغبين فى الزواج , المعروف ان قوانين دولة سيرينيا تفرض على الراغبين فى الزواج بعض الفحوصات الطبية و تترك بعضها ان يكون اختياريا , ففحص فيروي الايدز HIV يعتبر شرط اساسى لاكمال مراسم الزواج , وليس هناك اي سلطة دينية كانت مدنية تستطيع اكمال مراسيم الزواج لاي زوجين دون اجراء هذا الفحص, اما فحوصات الخصوبة عند المرأة والذكورة عند الرجل و الفحوصات الجينية فحوصات اخري مثل السكر و ضغط الدم فتترك لرغبة الطرفين و ان كانو يتلقوا تشجيعا لاجراءها.
فى تمام الساعة العاشرة كان ريكو و نوروز يجلسان على اريكة وثيرة و يستمعان الى تعريف طويل عن مرض الايدز و عن حملة الفايروس و بالرغم من انهما سمعا مثل هذا الحديث فى اجهزة الاعلام وفى دورات تدريبية لعشرات المرات الا ان هذه المرة يبدو ان للكلام بعدا اخر فهو لم يعد فى دائرة التوعية الاختيارية بل هو يتعلق بفحص المرض و تاهيلهم نفسيا للتعامل معه فى حالة اكتشاف ان احدهم حامل للفايروس , و اخطرتهم الممرضة عن كل الاحتمالات و بعد فترة وجيزة قامت باخذ العينة من كل منهما ووجهت لهما سؤالا قائلة:
الى ان تظهر النتيجة بعد دقائق ماذا ستفعلان ان كان احدكما حاملا للفايروس؟
وماذا ستفعلان ان كنتما كليكما حاملان للفايروس؟؟
وماذا ستفعلان ان كنتما كليكما سليمان؟؟؟
ولم يجب اي منهما على اي من الاسئلة التى طرحتها الممرضة التى تؤدي فى عملها بالوجه الذى تدربت عليه, وهى لم تكن تعى ان قلبى ريكو و نوروز لم يعرفا التفكير فى خيار انهما لن يعيشا معا , فهما فكرا فى اسماء ابناءهما و بناتهما و فكرا فى كل التفاصيل و التفصيلة الوحيدة التى لم تخطر على خيالهما هى ماذا سيحدث لو انهم سيفترقا؟؟؟
وفى تلكم اللحظة تقدمت الممرضة و طلبت منهما ان يريا النتيجة بفسهما بعد ان شرحت لهما كيفية التحقق من سلامتهما او اصابتهما, قبل ان يقولا شيئا بدت معالم النتيجة تبدو ظاهرة فى وجه الممرضة اذ ان احدهما اتضح انه حاملا للفايروس ولا يعنى لهما من هو الذى كانت نتيجة فحصه ايجابيا بقدر ما يهمهما انهما لابد ان ينفصلا عن بعضهما البعض و خرجا من باب المعمل و لم يهمسا باي كلمة لبعضهما البعض بل المدهش انهما لا يدريان حقيقة من منهما حامل للفايروس, و منذ ان خرجا افترقا و لم يحدث ان التقيا او سال احدهما عن الاخر فكانت اخر لحظة وقعت عينهما على بعضها البعض وهما يفترقا عند الخروج من باب المعمل فاحهما ذهب يمينا و الاخر ذهب يسارا. الا ان الشيء الذى ظل يفعلاه سرا و لم يتفقا عليه ان كل منهما كان يذهب الى زيارة البنش المقدس هكذا اسمياه و يستمعان الى معزوفة الموت التى تعزفها الطبيعة فى اوقات الخريف المبكر وكل منهما ينتظر حتفه الذى لا يدريه.
بكري الجاك
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
حينما تاتى الرياح بما تشتهى السفن - قصة من الواقع- | Bakry Eljack | 04-21-04, 11:55 AM |
Re: حينما تاتى الرياح بما تشتهى السفن - قصة من الواقع- | Tanash | 04-21-04, 03:58 PM |
Re: حينما تاتى الرياح بما تشتهى السفن - قصة من الواقع- | Mashaier Ahmed | 04-21-04, 04:28 PM |
Re: حينما تاتى الرياح بما تشتهى السفن - قصة من الواقع- | nada ali | 04-21-04, 04:24 PM |
Re: حينما تاتى الرياح بما تشتهى السفن - قصة من الواقع- | nazar hussien | 04-21-04, 04:44 PM |
Re: حينما تاتى الرياح بما تشتهى السفن - قصة من الواقع- | ghurba | 04-21-04, 06:27 PM |
Re: حينما تاتى الرياح بما تشتهى السفن - قصة من الواقع- | Nagat Mohamed Ali | 04-21-04, 07:25 PM |
Re: حينما تاتى الرياح بما تشتهى السفن - قصة من الواقع- | Mashaier Ahmed | 04-21-04, 09:04 PM |
Re: حينما تاتى الرياح بما تشتهى السفن - قصة من الواقع- | Bakry Eljack | 04-21-04, 11:26 PM |
Re: حينما تاتى الرياح بما تشتهى السفن - قصة من الواقع- | Mashaier Ahmed | 04-22-04, 00:17 AM |
Re: حينما تاتى الرياح بما تشتهى السفن - قصة من الواقع- | Bakry Eljack | 04-22-04, 12:14 PM |
Re: حينما تاتى الرياح بما تشتهى السفن - قصة من الواقع- | Yasir Elsharif | 04-22-04, 01:21 PM |
Re: حينما تاتى الرياح بما تشتهى السفن - قصة من الواقع- | Mashaier Ahmed | 04-22-04, 03:44 PM |
Re: حينما تاتى الرياح بما تشتهى السفن - قصة من الواقع- | Bakry Eljack | 04-22-04, 04:06 PM |
Re: حينما تاتى الرياح بما تشتهى السفن - قصة من الواقع- | Muhib | 04-23-04, 01:31 PM |
Re: حينما تاتى الرياح بما تشتهى السفن - قصة من الواقع- | samia gasim | 04-25-04, 09:12 AM |
Re: حينما تاتى الرياح بما تشتهى السفن - قصة من الواقع- | Bakry Eljack | 04-25-04, 10:10 AM |
|
|
|