مواطنو كسلا يقفلون شوارع المدينة المودية للسوق صباح اليوم في تظاهرة ضد الحكومة

Quote: مدخل: كثيرون ماتوا.. بكينا عليهم أقمنا عليهم صلاة الرحيل وقلنا مع الناس صبرا جميلا فهل كل صبر لدينا جميل؟ النص: كم هي الحياة قاسية عندما يكون قدرك فيها أن تعيش فاقداً لمقومات وأدوات العيش الكريم لكنها جميلة بالصبر وبقاء الأمل في النفوس لحياة أفضل موجودة في خيال منعدم في حقيقته ، لكن الحياة أيضاً سيئة عندما ينتابك شعور بأن لا جميل للصبر سوى مزيد من العذاب والمعاناة والمرارات . ذلك هو حال إنسان كسلا الذي يترنح ما بين عذابات ومرارات واقعه المعيشي وبين البطش والتنكيل والتشريد والحرمان والتعذيب والقتل ممن صمت لهم دهراً لخير توهمه فيهم متقبلاً خداعهم له بخطابهم الديني المنعدم أمامه واقعاً لوازعه الديني الكبير الذي يتضح في جلساته وهمساته وعند قيامه وقعوده وفي كل جوانب حياته اليومية تجده يحفها بالإيمان والأذكار . تجد كل من يهتم بإنسان هذه الولاية يشفق عليه مما هو فيه من الفقر والمرض والجهل وكذلك المتابع لأمر التنمية يتحسر على مدينة الجمال عندما يراها في كل يوم يزداد ظلامها سوءاً في بنياتها التحية وإنهيار في مشروعاتها وإنتشار مخيف للبطالة وتردي الخدمات التعليمية والصحية التي هي أقرب للعدم . ولكم هو مؤسف أن ترى مدينة بتاريخ وجمال كسلا تعاني كل هذه المعاناة أرضاً وإنساناً بفعل من يديرون أمرها ومن خلفهم المركز الذي يتعمد على ألا تتقدم كسلا لتنافس رصيفاتها من المدن السودانية وكأن هذه الولاية ليست جزء من هذا السودان فنجد سوء الخدمات في كل شيء ونجد التشريد والقتل أساس التعامل مع هذا الإنسان فسبق أن قام معتمد محلية كسلا بموافقة والي الولاية بالتسبب في تشريد الألآف من الأسر الفقيرة بقرار سمي قرار التنظيم والتجميل فلم نرى تنظيماً أو تجميلاً والحال يغني عن الحديث . وهاهي مكافحة التهريب تلك العصابة الأخرى التي ترى في أرواح شبابها مصيدة لابد من كسبها بطلق ناري أو دهس لأجسادهم وكأنهم فريسة من الأنعام لا آدميين يمتلكون النفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق فتصطاد ثلاثة أطفال مرة واحدة ولا تكتفي فتهيج أمعاء بنادقهم وسياراتهم لتدهس وتقتل إمرأة تحمل جنينها في بطنها وشاب في ريعان شبابه يُعد لعرسه ويمضي الأمر دون حساب وتأتي الفاجعة في شاب آخر دون رحمة من حي مكرام والقتل مازال مستمراً ويسقط شاب من أبناء ودشريفي بذات الأيادي الآثمة وكل هذه الأرواح لم تجعل في قلبهم رحمة أو تدخل فيهم توبة وخشية مما سيلاقونه أمام رب العزة والجلالة فيطلقون نيرانهم على شاب مشيئة الله أبقته حياً لتستقر الرصاصة في كتفه ولم تمضي الأيام كثيراً وبصورة أكثر وحشية يقع الشاب ياسر جابر محمد فريسة سهلة أمامهم كان نصيبه رصاصة خرجت بعينه بعد أن أصابت الجمجمة من الخلف وأخرى فتكت بكتفه النحيل وقد وصل الشهيد/ناصر لمستشفى كسلا التعليمي آملاً أن يتم إنقاذه وهو لا يعلم أن دخول هذا المستشفى يعني الخروج من هذه الحياة ولو لم يكن كذلك لرضيَّ والي الولاية أن تتم معالجته من المرض الذي يصيبه فيه ولطالما هو منها نتمنى له الشفاء كذلك، فيرقد شهيد كسلا ساعات ينتظر كل من حوله تأكيد رحيله عن هذه الدنيا الفانية لأن حالته كانت تشير لذلك وصدقت حساباتهم ما بين خطورة الإصابات والواقع الطبي للمستشفى فيرحل ناصر شهيداً يضاف لقائمة شهداء شباب كسلا الأبرياء الذين جمعهم شيء واحد هو البحث عن ما يسد لهم رمق أسرهم بعد أن عجزت حكومتهم عن توفير وظائف أو مصانع يكتسبون منها رواتب لا تغني من جوع فتجبرهم المعيشة للإتجاه نحو الحدود لإحضار بعض من جوالات السكر والدقيق وغيرها مما أحلها الله وغير مضرة بالأمن الإقتصادي الوطني أو بقيم المجتمع السوداني فما ذنبهم هل يتركون إخوانهم الصغار يموتون جوعاً دون طعام أو يجبرونهم على تقبل الجهل لعدم إستطاعتهم توفير تكاليف التعليم التي ترتفع يوماً بعد يوم فجامعياً نجد أدنى رسوم بجامعة كسلا هي 500جنيه للقبول العام لا الخاص أو الناضجين أو الدبلوم وكهرباء المدارس تسدد من جيوب أولياء أمور الطلاب فماذا كنتم ترجون من الشباب العاطل بفشلكم وتسببكم في إتخاذهم التهريب الصالح عملاً يخففون عبره تلك المعاناة فتعترفون بتسببكم بإهداءهم الموت المجاني . لقد تألمت كثيراً وأنا أراه يقبع في أكوام من الثلج شريت من مال أهله داخل مشرحة المستشفى التعليمي التي تفتقد لثلاجة لحفظ الجثة وهل يُعقل هذا ؟ وماذا إن تعطلت مصانع الثلج لأيام ؟ وإن كان حديثي ليس صحيحاً لكم أن تشاهدوا صوراً من جثة الشهيد بالموقع الاجتماعي الفيسبوك (أبناء كسلا) . لم ترحمه رصاصات رجال المكافحة ولم ترحمه حكومة الولاية بإحساس قليل له أو لذويه بأن أمله في أن ينقذ قد يتحقق داخل هذا المستشفى . ألا رحم الله شهيدنا وفقيدن اناصر جابر رحمة واسعة وما ننتظره هو حق رباني مشروع على الحكومة أن توفي به لأهله ولشباب كسلا في أن تقتص من الجناة وأن تعمل على رفع حالة الطوارئ عن كل تراب بشرقنا الحبيب لأن الظروف التي إستدعت ذلك نجدها قد إنتفت تماماً وذلك بتطبيق القرار الصادر من رئاسة الجمهورية بجعله واقعاً بين الناس والعمل على فتح المعابر الحدودية مع الجارة اريتريا لانسياب حركة البضائع والسلع والسير في تنظيم عمل الغرف التجارية بين البلدين بما يتيح الفرص المتكافئة لجميع المهتمين بهذا المجال . هذه بعض من المطالب التي يأمل شباب هذه الولاية في أن تحققها لهم الحكومة لإنهاء عهد القتل وسماع أصوات الرصاص الراتبة وحتى تلك اللحظة سيبقى دم الشهيد أمانة في أعناق كل الشباب وعلى الحكومة أن تعي جيداً بأن عهد تسويف القضايا بواسطة رموز رسمية وشعبية قد ولى وما رمي والي الولاية بالحجارة حتى هروبه إلا تأكيد لهذا. آخر المطاف: كثيرون ماتوا.. وما زلت انشد لحنا حزينا أطوف به بين هذي القبور هناك بعيدا تغرد في الصمت بعض الطيور حروف تعانق بعض الحروف وتصنع سطرا نجوم تطوف بعين السماء وتنسج فجرا وفي جبهة الأرض تسري دماء وينبت في الأرض شيء غريب عظام تقوم.. وبين الجماجم همس يدور فما زلت أسمع همسا غريبا وبين التراب قبور تثور وتصحو الشواهد.. تعلو وتعلو وتصنع تاجا.. يزين في الليل صمت القبور وينطق شيئا.. فماذا يقول.. ماذا يقول؟! بقلم عبدالهادي محمود