مشهد من بيت العرقي

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-07-2024, 06:54 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الرابع للعام 2010م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
11-21-2010, 11:45 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مشهد من بيت العرقي (Re: عبد الحميد البرنس)

    وصلت أخيرا إلى بيت أشوك في نواحي الألف مسكن. امرأة سوداء بدينة ربعة في منتصف العمر تقريبا. ظلت لسبب ما تلف ساقها اليسرى دائما بشريط طبي متسخ. ما إن تبادلك العرقي مقابل تلك الحفنة القليلة من المال حتى تعود في صمت وخطى قصيرة بطيئة وتجلس بلا مبالاة على كنبة خشبية في أحد جوانب الصالة وتتابع النظر بمسكنة وتسليم غريبين إلى شاشة تلفاز صغير ظلَّت تتبدل مشاهدها المصوَّرة بلا صوت، لا تستجيب بعدها سوى لطرقات قادم جديد. كما لو أنها تدعو الله في صمتها ساهرة الليل إلا قليلا أن يرزقها بمزيد من تلك الرؤوس البشرية التي عصف بها الحنين إلى بلادها البعيد. كنت أجد عندها من حين لآخر بعضا من بين أولئك المنفيين ممن يؤثرون الجلوس في ضيافتها لدقائق أو أكثر لتناول ما يعرف في "أدبيات العرقي" بمصطلح "كأسات الطريق"، وحتى هؤلاء لم تكن أشوك تتبادل معهم كلمة واحدة، عدا لحظة أن يطلبون منها مزيدا آخر من الشراب وأحيانا تجدهم وقد تلبستهم حالة شعرية غريبة من نوعها في العالم قاطبة فيشرعون بالتفوه بعبارات مثيرة للحيرة من شاكلة "أجمل من الخمر كيفية العثور على الخمر".

    هذه المرة، يا أصدقائي الأعزاء، وجدت في معية أشوك ما بدا لي مثقفين ضليعين من عُملة فلسفية نادرة تذكرك لوهلة بحوارات أفلاطون في "الجمهورية"، مع أولئك السوفسطائيين. كانا في منتصف مناقشة جادة حول ما أخذا يدعوانه على نحو مكرر بمزيد من هراء التفهم "مفهوم الحرية بمذاقه المدهش الفريد". كما لو أنهما يرتلان نشيد الإنشاد. كانا من الاستغراق بمكان إلى درجة أنهما لم يردا على تحيتي، بل لم يلتفتا كذلك حتى إلى وجودي على مقربة منهما كما لو أن مسألة دخولي ومغادرتي لبيت أشوك مسألة من شأنها أن تهدد مسار استمنائهما الفكري العتيق في أية لحظة. فجأة، تحرَّكت كوامن الشر كلها في داخلي.

    وقفت بينهما داخل تلك الصالة بلا صوت. أخذا يتطلعان إليَّ من قعدتهما المتقاربة تلك بذهول وحيرة لا نهائية. "هل من شيء بوسعنا القيام به تجاهك"، سألني أحدهما بتهذيب جم. كاد ذلك أن يطفيء جذوة الشر الموقدة في دواخلي للتو. "هيا، امسح بهما الأرض حالا"، سمعت الصوت وهو يتردد في أعماقي. قال الآخر بشيء من نفاد الصبر "بالمناسبة، يا هذا، أنت تقطع علينا تسلسل نهر الأفكار الدافق". عندئذ، عندئذ فقط، وضعت على ملامحي تعبير وجه إمام على وشك أن يلقي بخطبة عصماء شديدة اللهجة على رؤوس مصلين أنفقوا نصف نهارهم ممارسين الغش داخل الأسواق. قلت لهما مستشهدا بأسماء مفكرين وفلاسفة وكُتّاب غربيين من صنع خيال اللحظة المحض وحده "أيها الأصدقاء، أعذراني، فما قد سمعته منكما للتو لهو أمر لا ينتمي في جوهره اليقيني المتهافت إلى مفهوم المناقشة الإيجابية كما حدده وليم الإسبارطي في نظريته المعنونة باسم رعشة الجسد". في الواقع، بدا صمتي القصير المباغت بديعا ومؤثرا. وكنت أشعر، بعد تجرع ثلاث كؤوس، أثناء مشاهدة تلفاز أشوك الصامت، وكأن الفيلسوف المدعو مهدي عامل يقبع في مكان ما داخل رأسي. تجرأ آنئذ أكثرهما سُكرا، وسألني بتقعر "كيف". قال الآخر كالمتفهم "أجل، كيف، يا هذا، تكون المناقشة مخصيّة، برأيك"؟!.

    قلت مواصلا حديثي بالحذلقة التي يعجز الشيطان الرجيم نفسه في الأخير عن فهم مغزاها "بمعنى أن فضاء المناقشة يتم تصويره في هذه الحال وفق جدلية تلميذه الفذ ستيفن كولجاك كلقاء سريري يجمع في لحظة غضب ثوريّ ما بين إرادتين متوافقتين كما لو أن معركة تنشب رحاها تحت رعاية الشيطان الرجيم نفسه ما بين رجل عارم الشهوة وامرأة شبقة لتوليد ما أسماه بيتر كوبنهاجن نفسه في مرحلة تالية "الدلالة المثمرة لغريزة البقاء، ثم ليلة سعيدة، أيها الأصدقاء". تركتهما آنذاك حائرين ثملين فاغري الفم ميتين تماما بتأثير وقع الصدمة بينما يتابعانني بنظرتين واجمتين متجمدتين: واحدة مصدقة وأخرى متشككة.

    أخيرا، حزينا وحيدا بائسا، عدت إلى شقتي، غرفة، حمام، ومطبخ. مجرد مستطيل أسمنتي صغير جرى تقسيمه إلى ثلاثة أجزاء لا يفصل بينها باب، أو ستارة. بدأت أتجرع كأسات العرقي. وقد خطر لي أن أقوم بواسطة خيالي الداعر بتجريد بعض المشاهد التي رأيتها قبل ساعات في الميرلاند. حذفت صورة عادل سحلب تماما. أحللت نفسي في مكانه. أغمضت عينيَّ. قطعة فقطعة، قمت بنزع ثيابها. لم يمضِ وقت طويل، حتى شرع موضوعي الخاصّ في التوغل ببطء داخل ثنايا العالم الحميم لمها الخاتم.
                  

العنوان الكاتب Date
مشهد من بيت العرقي عبد الحميد البرنس11-21-10, 10:09 AM
  Re: مشهد من بيت العرقي عبد الحميد البرنس11-21-10, 11:34 AM
    Re: مشهد من بيت العرقي عبد الحميد البرنس11-21-10, 11:45 AM
      Re: مشهد من بيت العرقي عبد الحميد البرنس11-21-10, 08:07 PM
        Re: مشهد من بيت العرقي حبيب نورة11-21-10, 09:14 PM
          Re: مشهد من بيت العرقي عبد الحميد البرنس11-22-10, 05:33 AM
            Re: مشهد من بيت العرقي ناذر محمد الخليفة11-22-10, 05:28 PM
              Re: مشهد من بيت العرقي عبد الحميد البرنس11-22-10, 08:16 PM
                Re: مشهد من بيت العرقي عبد الحميد البرنس11-23-10, 00:52 AM
                  Re: مشهد من بيت العرقي عبد الحميد البرنس11-23-10, 09:00 AM
                    Re: مشهد من بيت العرقي عبد الحميد البرنس11-24-10, 10:13 PM
                      Re: مشهد من بيت العرقي عبد الحميد البرنس11-26-10, 07:43 PM
                        Re: مشهد من بيت العرقي عبد الحميد البرنس11-27-10, 08:11 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de