|
|
 ود دوليب والإنتقال من أسلوب الشيخ عبد القادر الجيلاني إلى أسلوب الشيخ أحمد التيجاني
|
تقديم
هذه لمحات جمعتها وهذبتها من صحائف الإنترنت عن العالم الشيخ محمد ود دوليب (ت. 1883) وهو الناشر الأشهر لأسلوب أو طريق التجاني (الطريقة التيجانية) في محبة الإسلام وإسم الله العلي العظيم والرسول المصطفى (ص) ومكنونات ولطائف رسالته، و في ذا النشر في السودان يرد مع إسم ود دوليب إسم الشيخ الماحي. وليس لي من جمعها وتهذيبهاونشرها سوى أجر التصرف القليل، وهدفي من نشرها هو التنبيه إلى شق أصيل في تاريخ السودان وتكوين بعض عناصر إرتقاءه وبعض عناصر أزماته الموضوعية والثقافية الحاضرة.
الإمامة والتصوف من اليمن إلى السودان:
تعود جذور محمد دوليب إلى أرومة الشيخ الإمام غلام الله بن عائد الركابي وهو أصلاً من لحى اليمن من سلالة الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) وكان محمد ود دوليب أول من نقل تعلم ودراسة القرءآن من دنقلا إلى "دبة الفقراء" على النيل حيث عاش هؤلاء المشايخ الأعلام ردحاً من الزمان هناك ولهم سبعة قباب معروفة بإسمهم (قبب الدواليب)، وقد كان أبناءهم على الطريقة القادرية، واستمرت فيهم الخلافة إلى اليوم .
وحسب المرويات فإذ أكرم الله عز وجل محمد ود دوليب بتأليف "المنظومة" وهي موسوعة كبرى في أسلوب محبة الإسلام والله وأنبياءه ورسوله وآله إلا إنه لم يبتغيها لذاتها ولم ينشدها لعينها بل كانت هذه المنظومة حسب الروايات فضلاً عليه من الله سبحانه وتعالى مثلما كان فضلاً عليه كل ما إشتهر به فود دوليب لم يهاجر أو يشقى سواء طلباً لقرآن، أو لعلم أو لتصوف، فكل هذه المراقي أتته في مكانه إذ عرف القرآن بأكاديمية (خلوة) أجداده، ودرس العلم فيها وهي مسيد أهله وأخذ منها أسلوب أو طريقة القادرية في محبة الله تعالى وكذلك جاءته طريقة التجانية في أسلوب محبة الإسلام والله وأنبياءه ورسوله (ص) وآله الأطهار (ع) تماماً كما جاءت الطريقة القادرية من العراق إلى جده الكبير في مسيده.
ماهي الصوفية؟
الصوفية كون كامل من النشاط الذهني الديني وفي تبسيط شديد فإن النشاط الصوفي لإصطفاء معاني الوجود والحياة والأديان والتعاملات نشاط منظوم بالوجد والكدح إلى الله سبحانه وتعالى عبر مجاهدات وتيسيرات يهبهاالله سبحانه وتعالى من يشاء [فيهم بعض المتصوفة] في الإقبال عليه، والتصوف أمر ونشاط موجود في كل الأديان وعبرها أيضاً، وله أسالب وطرق شتى وفي الإسلام يعده البعض أرقى مسالك أهل الصلاح والفلاح القرءآني والعلمي وجهاد النفس، ويتمثل في جياة الناس عامة كأساليب نفسية وحركية لثقافة وأدب وفن ذكر الله سبحانه وتعالى والأنبياء (ع) والرسول المصطفى منهم صلى الله عليه وسلم. ومرقى ذلك التصوف ومحوره هو كسب تعلم القرآن الكريم وخيراته وبعض تأويله، ولكن بعض أمر التصوف تحور مع تخلف الحياة والتعليم حيث تحول من حال تعلم وأدب وفن وإرتقاء وجداني وعملي إلى حالة تلقين وتحفيظ محض ودروشة، مثلما هو حال كل عمليات التعليم القديمة أو الحديثة البعيدة عن طبائع معيشة الناس حولها، وعن حال إنتاجهم ضرورات عيشهم وحياتهم ،وعن كيفية تجديد سدهم حاجات حياتهم بتجديد نظم الأعمال اليدوية والإبتكارات الذهنية والأدوات العملية والثقافية لرقي وعيهم بها ، فصار التعليم تحنيطاً أو هلاماً وصارت الحياةالثقافية والدينية إجتراراً ومواتاً وبعض الناس كما في آية الحمار يحمل أسفاراً
إنتقال أكاديمية القرءآن من دبة الفقراء إلى خرسي:
في خضم النشاط الثقافي القرءآني والتعلمي والصوفي كان لأكاديمية القرآن التي أسسها الدواليب في "دبة الفقراء " صلات مع سلاطين سلطنة دارفور العربية الإسلامية الحكم الذين كانوا يدعمون تلك الأكاديمية كواجب شرعي عليهم وكعملية سياسية، وقد طلب السلطنة من الخليفة محمد الأحمر أن يقيم خلوة أخرى في أراضي سلطنة دارفور فأجابهم إلى طلبهم المشمول بالرعاية والعطف المالي والمعنوي حيث تحرك الشيخ محمد الأحمر بطلابه وأهله و ما عدا جزء منهم انتقلوا إلى منطقتي الكدرو والحلفايا شمال الخرطوم، وجزء آخر انتقلوا إلى منطقة حمرة الوز شمال كردفان حيث انتقل الباقين مع الشيخ محمد الأحمر إلى بلدة خُرسي قرب بارا جوار الأبيض حيث طاب لهم المقام فيها ورأوا أنها مكان ملائم ومناسب للإستقرار وبدء مهمتهم.
الأعلام والإعلام
في ريادته لطريق أو أسلوب التيجاني في محبة الإسلام والله ورسوله وآله (ص) يذكر مع الشيخ ود دوليب وأحياناً بتفوق عليه إسم الشيخ الماحي الذي أدخل هذا الأسلوب في قلب مناطق دارفور وتجاوزها ولكن من ناحية (عامة) يعد الشيخ محمد ود دوليب هو المؤسس للطريقة التجانية لمحبة الإسلام ورسوله ورسالته في السودان، والفضل في ذلك من قبل ومن بعد لله ولرسوله (ص)ثم لجد دوليب الإمام غلام الله بن عايد الركابي أصل حركة الإسلام الثقافية والعلمية في السودان القديم .
وقد عُرف خبر محمد ود دوليب وفضله في حركة الثقافة الإسلامية من كبار تلاميذه ومنهم الشيخ ودالطفح الجعلي الذي أوكله ود دوليب أمور الفتوى وكان يجيزها بختمه دون أن ينظر إليها ثقة منه، وبعده تلميذه الشيخ الدسوقي (أم درمان) وفي سرد إسمه طرفة فقد سأل ود دوليب عن الشيخ دسوقي يوماً فقيل له إن الدسوقي في ليلة زواجه اليوم، فقال لهم: ((إنه همل إذ وجد العلم سهلاً رخيصاً في بيت أبوه وأمه وما شاف الناس تعبوا كيف في العلم !!)) وكشف ود دوليب عن ساقيه فإذا ركبتيه مثفنتين كركبتي الجمل. !!، ومقابل ذلك لم يشتهر أحد من تلاميذ الماحي في دارفور بيد إني في زمن مضى عثرت على بعض آثار لهم في جامعة تمبكتو في مالي في وقت لم أكن فيه موثقاً بسيطاً نأهيك عن أن أكون موثقاً جيداً.
التعليم الأزهري الخاص
ولد محمد ود دوليب ونشأ بُخرسي وعرف القرآن فيها، بينما درس العلم على يد محمد بارقوم البرناوي الذي جاء من مصر عابراً بطريق خُرسي من الأزهر الشريف، والذي درس فيه مدة ثلاثين عاماً، فطلب يس عم امحمد ود دوليب من الشيخ برناوي أن يدرس محمداً العلم، فرفض الشيخ البرناوي هذا الطلب، حتى جاءته إشارة في منامه أن يوافق على تدريس الشيخ محمد ود دوليب على أن يمحو من قلبه حب المال، فالمال والعلم ولا يجتمعان. ولما كان للشيخ ود دوليب صاحب مال كثير آنذاك بدأ البرناوي تعليمه إياه بأن يكوم أمامه التراب ويقول هذا حب المال والجاه ثم يفركشه ويبسطه رمزاً لأن يزيل الله سبحانه تعالى حب المال والجاه من قلب ود دوليب، ثم قال له: كم نساءك؟ فأجابه ود دوليب أربعة نساء حرائر ومن الإماء كُتار، فقال له: ابلغهن إنك سوف تنقطع للعلم وتنعزل عنهن وأبقى من توافق وانفصل عمن تأبى، فوافقت زينب وطلق الثلاث الأخريات [و مصير الإماء غير مكتوب] ثم دخل ود دوليب الخلوة لتلقي العلم وسمح له برؤية أمه في خلوته يلقي عليها التحية ويرجع. وقد استمرت فترة العلم ثماني سنوات بعدها سمح له بزيارة أولاده مرة في الأسبوع، وبعد عشر سنوات أعطاه الشيخ البرناوي إجازة العلم وقال له : العلم الذي درسته في الأزهر الشريف مدة ثلاثين عاماً أعطيتك له في عشرة سنوات.
طريق القادرية في محبة الله ورسوله (ص) ورسالته:
في خُرس(ي) كان الشيخ محمد الأحمر قادرياً،أخذ الطريق القادرية حين سكنه بدبة الفقراء وخلفه ابنه إدريس وقد كان قادرياً أيضاً، واستمرت الطريقة القادرية في بيت ود دوليب وقد أخذو سندها من الشيخ محمد البهاري (البهاري كلمة تعني الهندي من بهارات تسمية الهند) و هو تلميذ شيخ المتصوفة البغدادي عبد القادر الجيلاني .
تحولت أكاديمية خُرسي من أسلوب وطريق عبدالقادر الجيلاني في دراسة ومحبة الإسلام والله تعالى ورسوله المصطفى (ص) إلى طريق التجاني وأسلوبه في تلك المحبة السامية وذلك في عهد الشيخ محمد ود دوليب المتوفي عام 1300هـ - 1883م وقد خلفه إبنه إدريس لأقل من 3 سنوات ثم تولي الخلافة بعده الدرديري سنة 1886 حتى توفي سنة 1939 ثم خلفه جعفر الصادق المتوفي عام 1967 ثم خلفه الشيخ الدسوقي الصغير المتوفي سنة 1980 وبعده خلفه االشيخ الدرديري المتوفي سنة 1998 والذي خلفه الخليفةالحاضر الشيخ جعفر.
طريق التيجانية في محبة الله ورسوله (ص) ورسالته:
أخذ الشيخ محمد ود دوليب طريق التجاني على يد الشيخ المولود فال اليعقوبي (موريتاني) وله خلافة لطريق التجاني في موريتانيا. تذكر الرواية إنه قد جاء أمر حضرة الشيخ أحمد التجاني: ((أن هنالك شخصاً في السودان يسمى بمحمد ود دوليب ومهمتك يا ولدفال أن تعطيه أمانة الطريق والإذن المطلق فيها)) فجهز الشيخ محمد ولدو فال قافلة، وحسب ما أمره الشيخ أحمد التجاني كانت ترحل إسراء و ترتاح نهاراً وتهتدي في إسراءها بنور تسير إلى جهته فإذا انقطع النور في منطقة ما لمدة ثلاث ليال فهذه تكون بلد الشيخ محمد ود دوليب. وتقول الروايات بتحقق الأمر عندما مروا بمنطقة خُرسي حيث انقطع النور الهادي ثلاث ليال، حيثما كانوا في تخوم خُرسي وهي مضئية عامرة بالمسيد وخلوة القرآن وحلقات العلم والنور الوحيد في المنطقة.
عرض الشيخ محمد ولدو فال أسلوب التجاني في محبة الله ورسوله ورسالتهم للشيخ محمد ود دوليب، قال له أنا مأمور بإعطائك طريق التجاني، فسأله محمد دوليب هل طريق الشيخ عبد القادر الجيلاني غير موصلة إلى الله؟ فقال ولدو فال: طريق عبدالقادر موصلة إلى الله. فقال محمد ود دوليب: أها أنا ما بخلي طريق عبدالقادر، فحاول ولدو فال من جديد مع محمد ود دوليب أن يأخذ أسلوب التيجاني في محبة الله والإقبال عليه فلم يستجب له ود دوليب حتى جاءه النوم ورأى في المنام الرسول صلى الله عليه وسلم والشيخ أحمد التجاني يأمر(ه)؟ بأخذ أسلوب التيجاني، في محبة الرسول ورسالته!! وتسير الرواية إلى إإن محمد ود دوليب قام من منامه ذاك ليأخذ طريق التيجاني في طلب معارف ومكنونات القرءآن ومعالي الإسلام طالباً من ولدو فال فور ذاك التيقظ تعليمه أسس الأسلوب أو نهج الطريق التيجاني في محبة الإسلام والله ورسوله ومكنونات رسالته وكتابه في نفس تلك الليلة قبل الفجر، فكان له ذلك بأمر الله تعالى، ولما أخبر مريديه وأهله انتقلوا معه إلى طريق التجاني وأسلوبه في معرفة ومحبة الإسلام ودرره.
ظروف الحياة وطبيعة تعلم وممارسة القرءآن :
حين كان قادرياً وحين صار تيجاني الأسلوب أحدث محمد ود دوليب نقلة ونهضة في ما نسميه حديثاً معارف أو أكاديميات القرآن خاصة مع الظروف العامة لتمويل ونشاط خلوته، وقد كانت لطرق تعليمه وشرحه أثر كبير في زيادة عدد وكفاءة طلاب تلك الأكاديمية (الخلوة) المتمحورة حول القرءآن زيادة كثيرة، فكان يشرف بنفسه على كافة أمور خلوة القرآن ويقوم بتدريس العلم والفقه تدريساً ذي نقاش وتطبيقات، وقد قام سابقاً لعصره بتحفيظ الطلاب المتون بالألواح الميسرة (الوسائل التعليمية) وكان يشرح لهم النصوص والمتون والحواشي والإختلافات شرحاً مُفهماً يجمع الشتات الدقيق ويرقق الغليظ، بينما كان الذين من قبله يحفظون القرءآن للناس تحفيظاً لسانياً ويتركون شرحه لكيفية فهم التلميذ البادئي لبلاغته ولإتساع فهمه الخاص لأياته، في مناخ فقير الحياة والثقافة، ومن هنا كان تميز أساليب طريق التيجانية وكذا شقيقتها الإسماعلية على طوائف أخرى في السودان غلبت فيها السياسة الشكلية وأكلتها آساليب الحياة العصرية ذات الإنتاج المنظوم المكلف ثماني ساعات والإستعداد له في ثمان ساعات أخرى..
قلة تأثير الأساليب الصوفية والفنية والأدبية وحتى السياسيةفي الحياة الحديثة:
مع كثرة وعظمة جهود الشيوخ الأجلاء في زمانها إلا إن قلة تأثيرهم في مجريات الحياة الحاضرة في زمانهم وفي زماننا بكل ما فيها من فقر وتكالب يمثل ظاهرة قد يحير البعض في تفسيرها ، ولعل السبب في قلة تأثير ا الشروح والكتب والمحاضرات والخطب وأعمال الفن والأدب والسياسة الشكلية بما فيها الإنترنت الحاضر وعدم كفايتها لتحقيق لباب الدين "المعاملة" الإجتماعية سواءاً بين طبقات المجتمع أو بين أقاليم المجتمع أو بين جنسي الذكور والإناث فيه هو إنها أعمال تتم خارج الحقل الذي تنبت فيه حياة الناس وخارج الورشة أو المصنع الذي يحترفون فيه والعلاقات المشكلة لطبيعة حياتهم وكيفية تقبلهم أمور التفكير والإعتقاد، فبمعزل عن تسطير وتحضير وممارسة حياة منتجة متناسقة ومنسقة بسياسة علمية وإقتصاد إشتراكي علمي فعال، وثقافة ذات علوم وآداب وفنون وإنتاج حي متقدم لتلبية ضرورات العيش وضرورات الحياة لا تستوي الأخلاق والتعاملات في دولة بينما الناس يعيشون في إقتصاد رأسمالي مطفف مرابي أعرج محلياً وعالمياً يؤسس التفارق والتفاوت والتباغض والنفاق والكره والتوترات والحروب بينهم.
|
|
  
|
|
|
|
|
| |
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست