المكتبة السودانية:رواية....ثلوج على شمس الخرطوم...الحسن محمد سعيد

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-04-2024, 03:26 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الرابع للعام 2010م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
10-19-2010, 10:53 AM

adil amin
<aadil amin
تاريخ التسجيل: 08-01-2002
مجموع المشاركات: 36985

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المكتبة السودانية:رواية....ثلوج على شمس الخرطوم...الحسن محمد سعيد (Re: adil amin)

    حلفاية الملـــوك







    خروجي من الحِلة الجديدة كان آمناً.. لم يعترض سبيلي أحد, ولم ألمس مراقبة ما, من جهات الترصد والقبض والانقضاض.. أخذت أشيائي وبعض كتبي والكراسة الحمراء.. إتجهت شمالاً, صوب بحري إلى حلفاية الملوك..
    حلفاية الملوك.. أسم له مدلول.. لأول مرة في عمري المديد, أفكر فيه.. أتأمله.. إن لي جذوراً حقيقية في هذا المكان, الذي أخذ يمتد ويتسع, على امتداد المدى.. شمالاً على حدود الكدرو, جنوباً تماهت المسافات مع شمبات, شرقاً عبرت شارع المعونة إلى شريط السكة الحديد, وتخطته شرقاً على امتداد الأفق, وغرباً حدها النيل, وكادت تخترقه إلى سهول أم درمان..
    حلفاية الملوك.. جاء أهلي من تلك الأصقاع الشمالية البعيدة, عند (منحنى النيل) كما يقول الطيب صالح, وسكنوا هذا المكان, وأسموه (حلفاية الملوك) مدعين أنهم سلالة ملوك النيل.. حملوا سماتهم وطابعهم الخاص المميَّز, شكلاً وخُلقاً وسلوكاً.. والمُلك في هذا البلد, بسيط كأهله, له بساطة فطرتهم, ورقة حالهم.. هكذا على سليقته وبداهته, بلا صولجانات وبهارج وزخرف سلطة الحكم.. يتماهى فيه الحاكم والمحكوم.. فلا تكاد تعرف من شدة التماثل والذوبان في عجينة واحدة, من هو الحاكم؟ ومن هم المحكومون؟! أصبح الكل في واحد.. لهم كبرياء وعزة نفس وشموخ.. لا ينحنوا ولا يركعوا ولا يسجدوا إلا للواحد الأحد الديان.. الكل نتاج مجتمع زراعي مستقر, لا يوجد بينهم عاطل بالوراثة.. وإنما الجميع ينتهي بهم المطاف في الأرض (ترابلة) يزرعون الأرض ويسقون الحرث, فعلة وأصحاب مِلك.. ورغم فاقة العامة منهم وشدة البؤس, يظل الواحد منهم معتَّداًً بعزة أصل دونها النجوم.. فهم أحفاد محاربين أشداء, أصحاب بأس وعزم.. ففي حمى هؤلاء أريد أن احتمي وأجد الأمن والأمان..
    حينما جاءوا إلى هذا المكان منذ تاريخ بعيد, كان تلالاً من الرمال تعلوها نبات الحلفاء.. هذه (القيزان) الرملية تشابه بيئتهم الجغرافية التي هجروها, فأناخوا رواحلهم عندها وعمروها, وأسموها حلفاية الملوك..
    ياإلهي!! ما هذا, كأني أقرأ في كتاب مفتوح.. وكأني أجد هذا الكتاب أمامي لأول مرة, فأتملى فيه كوجه صبوح, وأتمعَّن في محتواه ومعانيه.. ربما الحاجة للأمن والأمان, هي التي تجعل الإنسان ينظر في أدق دقائق الحياة ومنعرجاتها.. ظلت الحلفاية تتمدد في نظري وفي وجودي, دون أن أشعر بها, أو حتى أفكر فيها للحظة.. آما الآن فإنني أفكر في هذا المكان بكل هذا العمق, كأنني أستلهم تاريخاً أجد فيه أماناً ضائعاً.
    حينما دخلتُ بعد هذا العمر الطويل من الغيبة, رأيتُ المكان الذي عرفته قبل عقدين من الزمان, قد تكرَّش وتمدد وترهل جنوباً وشمالاً وشرقاً مع زحام وجوه لم آلفها, ولم أعرفها من قبل.. يبدو من مشاهدتي أن السودان كله قد تمركز في العاصمة الكبرى.. تُركت كل بقاع المليون ميل مربع, وتمحور الوجود كله, في هذه الرقعة عند ملتقى النيلين..
    كانت الحلفاية بعد أن عمرَّها أجدادي النازحون, تشابه إلى حد كبير حاضرة أم درمان.. فضمت بين ضلوعها كما يقول الشاعر عبد المنعم عبد الحي, إبن الجنوب وإبن الشمال.. فنحن جميعاً بنوك يا سودان, لا تفرق هذا الحاضرة بين أحد منهم.. فإن كانت أم درمان تتخذ من ضفة النيل الغربية موقعاً, فإن الحلفاية تقابلها من ضفته الشرقية, وكأنما صارت حياً من أحيائها المتسعة المترامية, لا يفصلهما إلا مجرى هذا النهر العظيم..
    تماثلت عندي في تلك اللحظات العصيبة, حلفاية الملوك مع كوبر.. فكلاهما أصبح أمامي سجن كبير, أفقد فيه أعظم قيمة في الوجود.. ولم أفكر فيها إلا عندما فقدتُ وأنا داخل سجن كل منهما حريتي!! وبدأتُ أتأمل الحلفاية, كما تأملتُ كوبر من قبل.. فأنا أدخلها وحالي غير حالي السابق.. فتمثلت أمامي قصة سيدنا موسى عليه السلام وهو يتوجه تلقاء مدْين, فأخذت أعماقي تردد الآية الكريمة وهو يناجي ربه (رب إني لِمَا أنزلتَ إلىَّ من خيرِ فقير)..
    في ذلك البيت القديم الصامد كالقلعة في الحلفاية, توقفت, وأنا اتوجس خيفة.. يا تُرى من فيك بعد هذه الغيبة.. إنه بيت خؤولتي.. وجدتك كما تركتك منذ ذلك الزمن الذي أخذ ثلث عمري.. فتح الباب خالي صديق عمري, ورصيف سني.. قالوا إن ميلادنا كان في شهر واحد من ذات العام.. لكن من جاء فينا قبل الآخر, فذلك آمر مختلف عليه..فجدتي تقول إنني ولدت قبله.. وأمي تحلف باليمين المغلظة أن خالي رأى الشمس قبلي.. تشابكنا في عناق طويل أمتد على مدى عمق ذلك الحرمان الضارب في السنين.. إنه لا يصدق وجودي وأنا بين ذراعيه.. لكن دنيا هذا الزمان تأتي بغرائب الأشياء.. علي!! خالي وأخي في الرضاعة في أن.. كل منا رضع من ثدي أم الأخر.. فإي صلة في الدم أقرب من هذا؟! وصداقة عمر تجذرت في وجدان كل منا, رغم ظروف الحياة التي باعدت بيننا..
    تحول البيت كله إلى حركة مثابرة.. ونسي أهل البيت للحظة حزنهم على خالي عبد الواحد المحبوس.. فسارعت خائفاً إلى تحجيم فرحهم الذي فاجأهم كهبة من السماء.. ولاحقت إنفعالاتهم محذراً بأنني مطارد.. وجئتهم لأتخبى وأطلب الحماية والأمن.. أسقط في يدهم.. فالفرح مات في مهده.. وخيم الحزن والصمت من جديد على البيت القديم.. وأعدتُ للمرة الثانية قص حكايتي.. وذكريات كوبر, وحادثة إعتقالي في حصة التاريخ.. وغيابي الطويل الذي أزمن من غير محاكمة..
    قالوا:
    - فقدناك, ولكن ما ظننا أنك معتقل لأي سبب.. فما عرفنا عنك أي اهتمام بالسياسة!!
    تدخل علي قائلاً:
    - أنت غريب الأطوار.. تظل مدة من الزمن تواظب على زيارة الأهل ومعاودتهم, ثم فجأة تنقطع عنهم زمناً, فلا يعرف أحد أين مكانك.. فيقال لنا انك نقلت إلى بلد آخر..فلا نسمع عنك شيئاً إلا بحضورك الذي تطل به علينا فجأة.. ومرات تظل في الخرطوم, تعيش حياتك الخاصة كأنك في عزلة, وأصير أنا مصدر الأخبار عنك.. وهذه المرة طال الغياب وأنا شخصياً أعتبرتك هاجرت.. وقلنا: No news good news.. ولأول مرة يكذب هذا القول!!
    ثم أنفجر كعادته ضاحكاً.. وقال:
    - دخلت التاريخ.. وكوبر لا يدخله إلا صناع الحياة.. لكن يبدو أنك دخلته خطأ.. سلطة (غبيانة).. جعلت منك شيئاً!!
    وعاود ضحكه من جديد..
    لازلت يا علي كما أنت, مرحاً ساخراً من كل شيء.. وأجمل ما فيك سخريتك مني.. كم افتقدتُها يا صديقي وخالي العزيز.. فيك الكثير من الفنان الكوميدي عبد المنعم مدبولي.. حتى في الشكل, رغم سمرتك الغامقة.. لا ينفك ثغرك البسام, يأتي بمليح الحديث وأظرفه, حتى في أكثر الأوقات قتامة وما أوفرها.. خالي عبد الواحد في السجن!! غريب إمرك يا بلد!! ماذا جرى لك في غيبتي؟ الدنيا كلها أصبحت في السجن بسجنه!! ماذا فعل؟ هل شارك في الانقلابات الحقيقية أم الوهمية؟! كثيرة أضحت الأسباب التي تقود إلى السجن!! وكثيرة هي الأسباب المعدومة التي تقود إلى السجن ايضاً.. أمسى الذهاب إلى المعتقل مماثلاً للذهاب إلى السوق!! لا تندهش, فالكل مرعوب.. إنه زمن الرعب بإمتياز.. السلطة مرعوبة والرعية مرعوبة.. فلا امان في بلد خُلقت أرضه, لتكون مهبطاً للآمن والأمان, وتعايش الأعراق والأعراف والثقافات والمعتقدات.. العقل يقود إلى وجود خطأ ما!! العلي القدير خلق هذا الكون وفق نواميس ثابتة سرمدية لا تتبدل ولا تتغيَّر, لكن الذي يتبدل ويتغيَّر هو الإنسان, إنه كان ظلوماً جهولاً.. فالأكيد فيك يا بلد, هو ذلك الخطأ الكبير الذي أخذ يظلل سماءك!! إنه منطق الأشياء..
    ماذا فعل خالي عبد الواحد ليودع الحبس؟! ما أعرفه عنه أنه رجل حزب وسطي معتدل.. أجد إخلاصه لحزبه من خلال تبرعاته السخية, وأنفاقه عليه, إنفاق من لا يخشى الفقر.. ولا يتعدى نشاطه الحزبي الآخر المناقشات والحوارات الشبيه بالمساجلات والتعليقات في كرة القدم..فيها ملاحة القول, وذكاء التعليق, ######رية الرد, وظُرف رد الرد.. وللخلاف مظلة من الحُب, ما فارقت غيماته الودودات النفوس.. ما عدا ذلك, فإنه مشغول بتجارته في المحاصيل كواحد من أعلامها..
    ماذا فعل خالي عبد الواحد ليظل في المعتقل؟! تذكرت جدي لإمي, رحمه الله.. كان من رجالات الإدارة الأهلية.. ذلك النظام الذي إتبعه الإنجليز في المستعمرات البريطانية, هو نظام الحكم الغير مباشر, الذي إنتهجه اللورد (لوجاردن) وطوره وأسسه عندما كان مندوباَ سامياً في نيجيريا عام 1900.. جاء الإنجليز به إلى السودان ليحكموا به الشعب السوداني عن طريق رؤساء وزعماء القبائل والمشايخ والنظار والعُمد.. فأضحى الإنجليزي بهذا الأسلوب الجهنمي بعيداً عن الناس, وتُرك أمر حكمهم لأهلهم من رؤساءه وزعماء وشيوخ ونظار وعُمد.. وكان جدي واحداً منهم, صاحب كلمة مسموعة, ورأي راجح, وقرار نافذ, تصدى للطلبة وللمزارعين, وواجه الإنجليزي دون أن يمس سياستهم أو يعارض حكمهم.. ولكن كانت له طريقته الخاصة في معالجة الأمور, دون أن يعَّرض حياة الناس إلى الموت أو الأذى أو التشريد أو السجن.. كل ذلك, بحكمة شيخ وقور استقاها من نوائب الأيام التي تعلم الحجر.. وكانت له كلمة مسموعة عند الإنجليز.. بل كانت له حظوة رفيعة, عند السير دوجلاس نيوبولد السكرتير الإداري الأشهر.. ولا أنسى ضحكات ذلك الخواجة العاليات في مساءات الحلفاية, التي كانت تطول وهو يستمع لجدي في حديث لا أعي منه شيئاً إلا ضحكات الخواجة الصاخبات, وقد حُفرت في وجداني.. كان بيت جدي هذا في الحلفاية, مزاره الذي لا ينقطع.. وكنت أندهش كيف كان جدي قادراً على إسعاد هذا الخواجة الذي ملأ الدنيا وشغل أهل السودان.. وعندما كبرت. وأصبحت قادرا على فهم الأمور وأستيعابها, أدركت أن جدي كان يتحلى بسماحة أهله وطيبتهم وبساطتهم, وحباه الله بروح دعابة, غطت على صرامته التي كانت تطل برأسها عند كل إستشعار بخطر..
    حينما قُتل ابنه الأكبر في مظاهرة الجمعية التشريعيه في النادي الأهلي بعطبره, تحولت حلفاية الملوك من أقصاها إلى أقصاها إلى مأتم كبير.. ومن يومها تغير جدي إلى أسد جريح, تطول أحزانه ولا تنقطع, كأنما كان يعيش لهذا الإبن.. ورغم كثرة أولاده وأحفاده إلا أن موت إبنه قُرشى ترك في جوفه حزناً أبدياً عجزت الأزمنة عن مداواته حتى فارق دنيانا.. وحين مات كانت على صفحة وجهه أحزانه الصامتة الباكية..
    ومن يوم مقتل قُرشى تحول الجميع عن السياسة المصادمة المتطرفة.. بل الكثير من أفراد الأسرة آثر البعد عنها, كأنما اخذ جدي عليهم موثقاً.. ومن هنا جاءت شرعية إستفهامي: ماذا فعل خالي عبد الواحد ليودع الحبس؟! من خلال كوبر علمت الكثير من الأشياء التي يشيب لها الولدان.. وأخاف أن يكون خالي عبد الواحد ضمن أولئك الضحايا نتيجة الوشايات الانتقامية المغرضة.. والسعيد السعيد من أضحى منسياً..
    قال علي حينما رأى نظراتي التي يكاد يقتلها الفضول مع حيرتي الطافحة:
    - أعتقل خالك عند صلاة الفجر قبل شهرين أو يزيد.. جاء أربعة أشخاص بلباس مدني, وأخذوه من الجامع, وذهبوا به إلى جهة مجهولة.. أين هذه الجهة لا نعرف!! لم نترك مسؤولاً نعرفه أو يعرفه أحد من أهلنا أو معارفنا, ليدلنا عليه, ولنفهم ما هي تهمته؟ ولكن كل المحاولات باءت بالفشل.. بعد عشرة أيام من إعتقاله تقريباً, جاءنا الخبر بأنه قد رحل إلى سجن أم درمان, وبعده إلى كوبرالذي لايزال فيه حتى الآن..
    هزني سماع اسم كوبر.. فقد نشأت بينني وبين هذا المكان علاقة رعب لها جذور وأصول.. إنه المكان الوحيد الذي قبعت فيه خلال عمري المديد زمناً متواصلاً من السنين الطوال, منزوياً في كل ركن فيه.. أعرف نزلاءه بالاسم أو بالملامح والشكل, حتى عتاة المجرمين منهم.. وهذا الوقت الذي يقول به علي بأن أخاة قد رُحل من سجن أم درمان إلى كوبر, يفترض أن أكون قد قابلته فيه.. ولكن شيئاً من هذا لم يحدث..
    قلت:
    - هذا الوقت الذي تقول أنه قد رُحَّل فيه إلى كوبر, كنت أنا هناك.. والمفروض مقابلته.. فالأخبار في كوبرتتناقل كالبرق, فنعرف من خلال العساكر والضباط من دخل ومن خرج..
    رد علي مؤكداً:
    - لا, هو نقل إلى كوبر فعلاً.. وسمح لنا بمقابلته هناك..
    ثم قال لي شيئاً غريباً, ما عهدته في كوبر, وهو أنه كان محجوزاً لوحده في أحد المكاتب, ولم يسمح له بمخالطة أحد من نزلائه على الإطلاق.. وكان التحقيق يجري معه كل ثلاثة أيام تقريباً, ومن ضباط مختلفين, بملابس مدنية.. لم يسأله ضابط أو عسكري بملابس رسمية.. كما أن النيابة العامة لم تحقق معه.. كانت الزيارات له مسموحة في أوقات معينة, ثم فُتحت, فأصبحت ممكنة في كل وقت حتى التاسعة مساءً.. وقد سمح له بمخالطة المسجونين!!
    وُجه له إتهامان: الأول, أنه لم يبلغ السلطات عن المواد الغذائية المخزونة لديه.. فقد فُتح بلاغ ضده في مدينة الأبيض بأنه يملك مخزناً من الدقيق, ولم يبلغ الحكومة عنه خلال المدة القانونية المسموح بها.. وهذا إتهام في غاية الخطورة قد يقود إلى الإعدام أو السجن المؤبد.. والثاني, أنه يهرب العملة الأجنبية إلى الخارج.. وهذا إتهام أكثر خطورة من الأول وعقوبته الإعدام لا محالة عند ثبوته..
    أرعبني حديث علي.. فقد أصبح خالي عبد الواحد قريباً جداً من حبل المشنقة.. إن السلطة ستجعل منه كبش فداء, لإيهام الناس أنها تحمي حقوق المسحوقين.. وسيلوث تاريخ جدي الذي نعتز به.. البيت الكبير الذي لم تُطفأ ناره لسابلة الليل والنهار, أضحى الآن شُبهة ومسبة حين إختلطت المعايير.. وغابت الفواصل بين ما هو إقتصادي وما هو سياسي.. واتهمت الرأسمالية الوطنية في شرفها وأمانتها وصدق سعيها المكلل بالعمل والعرق والصبر على الرزق الحلال..
    قلت منزعجاً:
    - يا علي, هذه جرائم إقتصادية عقوبتها الإعدام والمؤبد.. وخالي سيصبح كبش الفداء!! ما هي ردوده على تلك الاتهامات؟!
    لاحظتُ بروداً على وجه علي, فغاظني ذلك منه.. هل ما ذكره صحيحاً بأنه محبوس في أحد المكاتب, ومسموح له بالزيارة في كل وقت؟! أمر غريب!! وإن صدق الإتهام فالمفروض أن يكون خالي عبد الواحد في زنزانة, البعد بينها وبين الشمس مئة سنة ضوئية.. كيف ذلك؟!
    رد عليَّ علي بإبتسامته المعهودة قائلاً:
    - كانت ردود عبد الواحد واحدة ومتماسكة في كل مرة, وعند كل إستجواب, وأمام كل محقق.. هي نفسها لا تتغير ولا تتبدل..
    سألت متوتراً:
    - ما هي؟؟
    قال:
    - بالنسبة للتهمة الأولى المتعلقة بمخزن الدقيق في مدينة الأبيض, وضح بأن هذا المخزن وبكل ما فيه من دقيق كان موضوع نزاع قضائي بينه وبين شريك له استمر لمدة سنوات حتى المحكمة العليا.. وانتهت القضية لصالحه.. ولكن مادة الدقيق فسدت, وأصبح غير صالح للاستعمال الآدمي, بل قد نسيه تماماً.. وقد طلب محاميه الكشف عن الدقيق معملياً لمعرفة مدى صلاحيته للاستعمال البشري من عدمه.. وقد أثبت الفحص فساد مادة الدقيق, ومن ثم إنتفى القصد المعنوي الأجرامي في الفعل المنسوب إليه.. ويبدو أن البلاغ جاء من خصمه.. للإضرار به, والنيل منه.. أما التهمة الثانية المتعلقة بتهريب العملة..فقد اثبت بالمستندات الصادرة من بنك السودان وبنك الخرطوم بأنه تاجر محاصيل يصدرها لخارج السودان عن طريق إعتمادات التصدير المستندية التي يوافق عليها بنك السودان, ويكلف بها بنك الخرطوم بإعتباره البنك الذي يتعامل معه عبد الواحد.. ويدفع عنها رسوم التصدير المطلوبة.. وهو بهذا العمل المشروع المرخص به من قبل جهة رسمية وهي بنك السودان, يُدخِل إلى البلد عملة صعبة, عن طريق القنوات الرسمية.. وهو بعمله هذا لا يضر البلد, وانما يجلب لها منفعة بحرفية تاجر مقتدر, يعرف كيف يسوَّق للمنتوجات الزراعية السودانية.. ولم يثبت للجهات المحققة, أنه شارك في تهريب الصمغ أو السمسم, أو الذرة وغيرها كما أُشيع ظلماً..
    ثم أستمر ضاحكاً:
    - يبدو يا ابن أختي ان خالك, بل هذا أكيد, كان شامخاً أمام مستجوبية, فلم يترك لهم جنباً يتكئون عليه.. وجدوه صاحب صفحة بيضاء.. لا ادري, ربما أخذتهم العزة بالإثم, فبدلاً من أن يخلوا سبيله, حجزوه بتلك الطريقة المبتدعة في كوبر..
    ارتاحت أعماقي, وزغرد الفرح الحزين فيها لأول مرة..إيه يا كوبر, أيها المارد الجبار, عندما ينطقك رب العزة يوم الموقف العظيم, ستحكي أحشاؤك العجب من ظلامات الدنيا, وظلمات الآخرة.. ويومها سيقول جبابرة الظلم والظلمات يا رب أرجعونِ!!
    قلت منطلق الآسارير:
    - يا تُرى متى سيفرج عنه؟ ألكم علم؟!
    أجاب علي:
    - لا علم لنا, لكن يبدو أن علاقته بالحزب سيكون لها نصيب!!
    سألت من فوري:
    - هل له نشاط ظاهر؟! أعرف أنه شخص معتدل!!
    - هو كذلك.. شخص معقول في كل شيء.. ولا أعرف له نشاطاً معادياً..
    في هذه الأثناء دخلت علينا هدى بالشاي..
    ........................
                  

العنوان الكاتب Date
المكتبة السودانية:رواية....ثلوج على شمس الخرطوم...الحسن محمد سعيد adil amin10-07-10, 10:51 AM
  Re: المكتبة السودانية:رواية....ثلوج على شمس الخرطوم...الحسن محمد سعيد adil amin10-07-10, 10:55 AM
    Re: المكتبة السودانية:رواية....ثلوج على شمس الخرطوم...الحسن محمد سعيد adil amin10-07-10, 10:58 AM
      Re: المكتبة السودانية:رواية....ثلوج على شمس الخرطوم...الحسن محمد سعيد adil amin10-07-10, 10:59 AM
        Re: المكتبة السودانية:رواية....ثلوج على شمس الخرطوم...الحسن محمد سعيد adil amin10-07-10, 11:01 AM
          Re: المكتبة السودانية:رواية....ثلوج على شمس الخرطوم...الحسن محمد سعيد adil amin10-07-10, 11:04 AM
            Re: المكتبة السودانية:رواية....ثلوج على شمس الخرطوم...الحسن محمد سعيد adil amin10-08-10, 05:57 PM
              Re: المكتبة السودانية:رواية....ثلوج على شمس الخرطوم...الحسن محمد سعيد adil amin10-09-10, 12:30 PM
                Re: المكتبة السودانية:رواية....ثلوج على شمس الخرطوم...الحسن محمد سعيد adil amin10-10-10, 12:03 PM
                  Re: المكتبة السودانية:رواية....ثلوج على شمس الخرطوم...الحسن محمد سعيد adil amin10-13-10, 12:07 PM
                    Re: المكتبة السودانية:رواية....ثلوج على شمس الخرطوم...الحسن محمد سعيد adil amin10-14-10, 09:45 AM
                      Re: المكتبة السودانية:رواية....ثلوج على شمس الخرطوم...الحسن محمد سعيد adil amin10-16-10, 02:56 PM
                        Re: المكتبة السودانية:رواية....ثلوج على شمس الخرطوم...الحسن محمد سعيد adil amin10-17-10, 12:04 PM
                          Re: المكتبة السودانية:رواية....ثلوج على شمس الخرطوم...الحسن محمد سعيد adil amin10-19-10, 10:53 AM
                            Re: المكتبة السودانية:رواية....ثلوج على شمس الخرطوم...الحسن محمد سعيد adil amin10-20-10, 11:17 AM
                              Re: المكتبة السودانية:رواية....ثلوج على شمس الخرطوم...الحسن محمد سعيد adil amin10-21-10, 08:37 AM
                                Re: المكتبة السودانية:رواية....ثلوج على شمس الخرطوم...الحسن محمد سعيد adil amin10-21-10, 08:40 AM
                                  Re: المكتبة السودانية:رواية....ثلوج على شمس الخرطوم...الحسن محمد سعيد adil amin10-21-10, 08:54 AM
                                    Re: المكتبة السودانية:رواية....ثلوج على شمس الخرطوم...الحسن محمد سعيد adil amin10-21-10, 09:03 AM
                                    Re: المكتبة السودانية:رواية....ثلوج على شمس الخرطوم...الحسن محمد سعيد adil amin11-04-10, 07:43 AM
                                      Re: المكتبة السودانية:رواية....ثلوج على شمس الخرطوم...الحسن محمد سعيد adil amin11-24-10, 09:48 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de