|
Re: في مسؤولية الانفصال السّوداني!!فاروق حجّي مصطفى(الغاشى والطاشى عارف رشاويكم يا ناس هى لله) (Re: jini)
|
Quote: الانفصال وعبء المسؤولية التاريخية بقلم : حيدر إبراهيم علي ينطبق على السودانيين هذه الأيام نص الآية الكريمة: ـ فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون ـ (سورة القلم، آية 30)، فكل طرف سياسي يحاول التنصل من المسؤولية ورميها على عاتق الطرف الآخر. وتظهر عناصر الحركة الإسلامية، أو ما تبقى منها في السلطة والنشاط السياسي، الأكثر حرصا على تبرئة الذمة. والحقيقة المؤكدة هي أن الانفصال لو تم، فسيكون في عهد حكم حزب المؤتمر الوطني، آخر مسميات الحركة الإسلامية. ويتحدث المؤرخون في أسباب حدوث وقائع التاريخ، عن الأسباب المباشرة وغير المباشرة، والسبب المباشر هو ما يعبر عنه بالقشة التي قصمت ظهر البعير. وكان دائما يقال لنا: ليس مقتل الأمير النمساوي فرديناند على يد صربي في صيف عام 1914، هو السبب الوحيد في اندلاع الحرب العالمية الأولي، فقد سبقته أسباب كثيرة، ولكن هذا الحدث هو عود الثقاب الذي أشعل النار. ولو طبقنا هذا الدرس التاريخي على الواقع السوداني الراهن، لقلنا: ليس لأن الاسلامويين قد أعلنوا الجهاد في تسعينات القرن الماضي ثم وقعوا اتفاقية سلام متسرعة ومنقوصة وثنائية، هم سبب الانفصال. ولكن سياستهم في سنوات الاتفاقية الخمس الأخيرة، هي السبب المباشر في تسريع عملية الانفصال. وعلى الاسلامويين أن يثبتوا أو يركزوا في تحمل هذا الجزء الخطير من المسؤولية، ولكن هناك أطراف أخرى تتحمل المسؤولية بقدر أو آخر، وهي بالإضافة للحركة الإسلامية: الأحزاب السياسية الشمالية، النخبة الجنوبية، المؤسسة العسكرية. وهذا التحديد لا ينفي العوامل الإقليمية والدولية، في عدم المساعدة في الوصول إلى حل وحدوي لقضية الجنوب. قبل أيام أدلي السيد اتيم قرنق، نائب رئيس المجلس الوطني والقيادي في الحركة الشعبية، وهو بالمناسبة من أميز وأرقى السياسيين في الحقبة الأخيرة، بتصريح شديد الأهمية حول مسؤولية الانفصال، حمّل فيه الحركة الإسلامية تلك المسؤولية، باعتبار أنها ظلت منذ عام 1965 تسعى لفصل الجنوب بسبب دعوتها للدستور الإسلامي. وهنا لا بد من تصحيح حقيقة، وهي أن دعوة الحركة الإسلامية للدستور الإسلامي بدأت مبكرا حتى قبل الاستقلال. ومنذ ذلك الحين احتل موضوع الدستور الإسلامي موقعا أساسيا ومحوريا في مجمل الحياة السياسية السودانية، وبدأت ثنائية النقاش: دستور إسلامي أم غير إسلامي (مدني، علماني؟). فقد جاء في قرارات ما يسمى بمؤتمر العيد (أغسطس 1954)، وهو المؤتمر التأسيسي للإخوان المسلمين في السودان، في أحد بنودها: «إقامة حكومة إسلامية تنفذ تعاليم الإسلام». وعقب ذلك مباشرة، وجه الإخوان المسلمون و«جماعة التبشير الإسلامي والإصلاح»، الدعوة إلى الهيئات الإسلامية في السودان لعقد اجتماع في دار جماعة التبشير الإسلامي في أم درمان «للنظر في أمر الدستور، حتى يجيء متفقا مع إرادة الشعب السوداني المسلم ومستندا إلى كتاب الله وسنة رسول الله ، صلى الله عليه وسلم». وانعقد الاجتماع يومي العاشر والحادي عشر من ديسمبر 1955، وشهد تأسيس جبهة الدستور الإسلامي التي انضمت إليها مجموعة كبيرة من التنظيمات الدينية. ومن الملاحظ أن الحزبين الكبيرين ـ الأمة والاتحادي ـ لم تتم دعوتهما، بينما وجهت لاتحادات الختمية وهيئات الأنصار. هذه اللحظة التاريخية، شديدة الأهمية ومفصلية في تاريخ السودان وفي تطور العلاقة بين الشمال والجنوب. فقد اختارت مجموعة كبيرة بحشد من الإخوان المسلمين أن السودان دولة إسلامية، ولم يأت أي ذكر لأقليات أو لتنوع ثقافي وتعدد ثقافات. وهذه هي الفكرة الخاطئة عن الأغلبية وحقها في تحديد توجه الوطن، وذلك لأن حق المواطنة لا يخضع لحسابات الأقلية والأغلبية، وإلا انتفت فكرة المساواة. وليس خطأ الحركة الإسلامية في الإصرار على تطبيق الدستور الإسلامي، ولكن في عدم قدرتها على الاجتهاد في إقرار حقوق غير المسلمين داخل دولة إسلامية تعيش في نهاية القرن العشرين. ومن الملاحظ أن الحركية تغلبت على الفكر والتنظير، إذ رغم كثرة الاجتماعات لم تنشط نقاشات فكرية تقدم فيها مقترحات لشكل ومضمون الدستور الإسلامي المأمول. وقد كان الاستثناء الوحيد، مذكرة الشيخ حسن مدثر، وبعد مدة مقترح أحمد صفي الدين عوض. ونقرأ في المبادئ الأساسية للدستور الإسلامي الذي قدمته الجبهة، في ما يخص غير المسلمين: «على الدولة أن تمكن المواطنين من غير المسلمين من صوغ حياتهم ومزاولة عباداتهم وثقافتهم وتعليمهم الديني، وفقا لأديانهم وعقائدهم ومذاهبهم وعاداتهم، دون إخلال بالنظام العام أو الآداب». وهنا الإشكالية: النظام، كيف يكون عاما وليس خاصا بفئة غالبة؟ ثم آداب من؟ هل رقص جميع الجنوبيين بجلود الحيوانات على أجساد عارية من الآداب؟ يطول موضوع الدستور الإسلامي الملائم، ويري البعض أن هذا الجدل المتجدد والحلقة المفرغة للنقاش داخل الجمعية التأسيسية، كان من أسباب انقلاب 25 مايو 1969. أما مسؤولية الأحزاب الشمالية، فتبدأ بسؤال غريب وهو: كيف يفسرون حقيقة أن كل اتفاقيات السلام مع الجنوبيين وقعتها نظم عسكرية وليست مدنية منتخبة؟ هل لأن العسكريين اكتووا بنيران وويلات الحرب مباشرة، أم لأن الأحزاب المدنية مترددة وتخشى تحمل مثل هذه المسؤوليات؟ وهناك سؤال يؤرقني، وهو لماذا لم تواصل لجنة الاثني عشر المنبثقة من مؤتمر المائدة المستديرة، جهودها لحل مشكلة الجنوب بعد مجيء حكومات المحجوب والصادق المنتخبتين؟ وماذا كان يفعل البرلمان المختار من قبل الشعب، خلال الفترة من 1965 وحتى الانقلاب؟ وماذا تقول مداولاته ومناقشات النواب عن الجنوب؟ ومرة أخرى، ماذا فعل الحزبان من 1986 وحتى انقلاب 30 يونيو 1989 لقضية الجنوب، رغم اندلاع الحرب الأهلية مجددا؟ وبالمناسبة كانت الحكومة المدنية الأكثر بحثا عن السلاح، إذ كانت تريد أن يكون لها شرف هزيمة «التمرد» عسكريا. وكانت اتفاقية الميرغني ـ قرنق من ومضات الفترة الديمقراطية، ولكن استخدمت الديمقراطية لوأد اتفاقية السلام. ويعود هذا التقصير إلى أن الأحزاب السودانية لم تمتلك برنامجا عمليا، ولذلك فهي تتحمل المسؤولية بعد اتفاقية السلام الشامل. ومنذ عام 2005 أدخل النظام المعارضة وأحزابها في الاستيداع، وليس المعاش، وهو عدم العمل الكامل. ويبدو أن المعارضة كانت تتفرج على فشل الشريكين للشماتة فيهما، وهي في هذه الحالة غير مدركة أن فشلهما يعني نهاية الوطن. أما المسؤول الثالث فهو النخبة الجنوبية، التي فشلت في التفكير جديا في وطن قائم على المواطنة. فهي لم تفكر في وطن المستقبل أبدا، وتوقف تاريخ الوطن عند الزبير باشا في القرن التاسع عشر، وتمسكت بسلفية قومية متخلفة.. وهذا موضوع قادم.
كاتب سوداني
|
|
|
|
|
|
|