توثيق :جامعة أمدرمان الاهليه : منارة علم وقلعة صمود

Quote: في الأهلية تعلمنا البساطة........ لربما لن يستطيع أحد أن يتخيل ذلك ولكن تلك الحقيقة ......... الشارع العام كان في بداية إنطماسته الحالية ، كان هناك الكثير من تغليف الأشياء ، إذ لا شئ واضح..... ولذلك كان جميع الطلاب عندما يعبرون بوابة الجامعة يعودون للسودان الذي كان ....... سودان البساطة والتلقائية ، سودان الأحزاب وسودان السياسة الحرة النزيهة والتي حتى من أراد تشويهها لديه تمثيل داخل الجامعة يحاول أن يمرر أجندته ولكن تأتي الرياح بما لا يشتهي السَّفن ..... كان خطابهم السياسي ( وأعني جماعة المنبر الإسلامي بالجامعة والذين كانوا يمثلون حكومة إنقلاب الكيزان ) به الكثير من الضعف ولذلك كانوا لا يأبهون أن يتركوا تجميل وجههم والظهور بالوجه الحقيقي ..... وجه العنف ...... إليك ذلك اليوم وأحكم فقط وأنت لست ببعيد عن تلك الأحداث ...... سبتمبر 1995 ، كان شهراً به الكثير من الأحداث ولكن أهمها حريق الجامعة ( الأول) ، كنت قد تخرجت في أغسطس من ذلك العام وذهبت للجامعة في ذلك اليوم لإستخراج شهادة الإكمال لتقديمها للخدمة العسكرية والتي رأي الكثير من الزملاء أن نتقي شر الحكومة ونؤديها........ كانت سكرتيرة القسم ( كاترينا ) قد وعدتني بأنها ستجهزها لي في ذلك اليوم . وعندما وصلت لمكتبها وجدتها جاهزة ، ما علي إلا أن أدفع باقي الرسوم وأخذها .... كنت أري بعض التوتر داخل الجامعة وكان الشئ الملفت للنظر عدم وجود أي كادر من كوادر الجبهة الإسلامية وذلك يعني أنهم يضمرون شراً ...فلقد تعودنا على أساليبهم في ..... الكر والفر..... أذكر أنني بعد أن إستلمت شهادتي كنت أهم بمغادرة الجامعة عندما أتي صديقي أبو عاقلة وقال لي أنهم يتوقعون أن تهاجم مليشيات الجبهة الإسلامية الجامعة ولم أكن ملماً بتفاصيل الخلاف آنذاك ..... وقال لي أن هناك خطة لحماية الجامعة وأنني يمكن أن أشارك فيها . نظرت إلى الشهادات وقلت له " فليكن" . كنا ضمن مجموعة من الطلاب مهمتهم منع أي عربة من الدخول بالبوابة الرئيسية وتأمين جزء من السور حتى لا يستغل الكيزان أنه قصير نسبياً ويعبرونه للدخول للجامعة....... وجدت إحدى الزميلات وكانت تحمل شنطة كبيرة نوعاً ما وأعطيتها شهادتي ووعدتها بأن أحضر في منزلهم المساء لأخذ الشهادات ..... كانت سيارات الجيش والشرطة تحيط بالجامعة من كل صوب و كان كل من يخرج يتم إعتقاله حتى الطالبات ، رأيت من على السور في ذلك اليوم فتيات منقبات يقمن بالإرشاد عن بعض زميلاتهن في أحزاب سياسية معارضة لكي يتم إعتقالهن ... كانت العربات المحملة ببعض المهاويس من الجامعات الأخرى قد وصلت وتمركزت على ناحية المفابر .... قلابات ....هينو ...دفارات وكأننا في حالة حرب ... لم يكن لدينا شئ ندافع به عن الجامعة سوى إيماننا بها .. و مكانتها في قلوبنا ووجداننا. وبعض الحصى والصخور الصغيرة ......كانت العربات و" البكاسي" المشهورة بتابعيتها لجهاز الأمن تحاول الدخول من البوابة الرئيسية بشكل متكرر والشئ الغريب أننا وجدنا أن البوابة مفتوحة على مصراعيها منذ الصباح الباكر ، فكانت العربات تأتي وتحاول الدخول فنحصبها بما تيسر من " الحجار والطوب" فيرجع السائق مسرعاً ..... وعندما يحاول أحدنا أن يذهب لغلق البوابة أيضاً يتم حصبه بالصخور من الجهة الأخرى .... كانت إحدى الطالبات قد جلست على السور وخلعت طرحتها ورفعتها عاليا وهي تقول لهم " اتيتم بالسلاح والسيخ ..... تريدون إقتحام مكان علم ومنارة صمود .... لكم هذه ياجبناء ...." ثم ترفع لهم الطرحة عالياً .... لم نندهش كثيراً عندما بدأ أحد الذين كانوا ضمن قوة الأمن في السباب المقذع لتلك الفتاة وبأسوأ لغة ..... بل تعداها وبدأ في تهديدنا بالنيل منا وأننا اصلاً لسنا من مَنْ يعدون رجالاً ... واشار بأصبعه الأوسط...... عند ذلك الحدث وصلت قوة كبيرة من الإحتياط المركزي ..... تمركزوا أمام المليشيات ...كنا نواصل في منع سيارات وبكاسي الأمن من الدخول عبر البوابة .....ذلك اليوم رأيت شباب يدافعون عن وطن يسمى الأهلية ....كان الموضوع بالنسبة لهم/ لهن أكبر من سياسة فقط ....إنتماء وما أعظمه ..... لا زالت ذاكرتي تحتفظ بتلك الملحمة .... كان البعض يذهب ليأتي لنا ب " الطوب" ونحن نستعمله في حصب الدخلاء ...... فجأة علت صيحة " إنهم يستخدمون الرصاص الحي ..... إستعملوا السور كساتر..." علت صيحة من الجانب الآخر - نفس الشخص البذئ - " والله لو حرشنا ليكم اخوات نسيبة بس بقدروا عليكم " ردت عليه ل. ع. من على السور مرة أخرى " كدي أنت تعال براك بدون العساكر والسلاح ده البشوفكم كده يقول بتحاربوا في حرب التحرير" إستمر ذلك الشخص والذي تمكنت من رؤيته في إطلاق سيل من الكلام الجارح في حق الزميلة ل. ع. كان متوسط الطول بديناً بعض الشئ تمتد مؤخرته للخلف وكرشه للأمام ويبدو كأنه الرقم 4 باللغة العربية وكان يحمل في يده سلاحاً صغير الحجم ويشبه الرشاش وعندما يتكلم يلوح به فرحاً.... لا يمكنني نسيانه البتة ... بعد ذلك الحوار بين الأمنجي و ل. ع. بدأت قوة الإحتياطي في التجمع أمام المليشيات ثم أخذوا في الإحماء وبدأوا العدو نحو السور كان كل منا يمسك بمجموعة من الصخور الصغيرة..... كانت قوة الإحتياطي تطلق بعض الصرخات محاولة منها لإرهاب الطلاب الذين صمدوا أمام المليشيات وقوى الأمن المختلفة ..... كانت تعليماتهم على ما أعتقد أن يتجاوزا السور قفزاً وطبعاً كانوا يعلمون أن الطلاب ليس لديهم أي شئ سوى الحصى والأحجار فلذلك كان كل واحد يمسك امامه ب درع من الزجاج المصقول ويهرول ناحية السور .... كان الجميع ينتظر حتى وصولهم في مسافة قريبة وفعلاً بدأنا في حصب القوة ولكن للأسف لم يتراجعوا ... بل رأيتهم يقزون السور وكأنه مقعد في الطريق .... بدأ إشتباك بالأيدي مع قوة الإحتياطي رأيت أحد افراد الشرطة وهو يطارد إحدى الفتيات وهي تتجه ناحية مكتب مدير الجامعة فقررت أن أحاول أن أوقفة ..... كنت أحمل قالبا من الطوب في يدي وهرولت ناحيته كانت الفتاة قد وصلت للباب المؤدي لمكتب مدير الجامعة الخارجي وهو كان كما يذكر الجميع من قضبان حديدية أمسكت الفتاة بيديها على القضبان وبدأت في الصراخ .. رأيت ذلك الشرطي وهو يضربها بالهراوة التي كان يحملها في يده على ظهرها وهي تصرخ ..... وجدت نفسي أمسك بيده وأتشابك معه كان بالفعل أقوى مني فلقد طرحني ارضاً بسهولة ...... وبينما كان يحاول أن يضربني بهراوته إذ أصابته ثلاثة قوالب من الطوب فوقف ثم أخذ يعدو في إتجاه الغابة ليطارد الطلاب الذين رموه . كنت لا ازال على الأرض حينما أتت نفس الفتاة وساعدتني في النهوض ، بعدها سمعت صوت نسوي يقول لي " يا ولد تعال إنت والبت المعاك دي وخشوا هنا" إلتفت فوجدته صوت إحدى المراسلات والتي كانت تعمل في مكتب مدير الجامعة آنذاك عبد الرحمن أبو زيد رحمه الله ...... إقتحمنا المكتب وكان مكتباً فارها به طقم جلوس من ارفع وارقى الأنواع ويتوسط الغرفة مكتب خشبي ضخم به بعض الأوراق والخطابات على ما أذكر فسألنا عن ما حدث فأخبرته بكل شئ وفي تلك اللحظة دخل المكتب مجموعة أخرى تحتمي به مكونة من طالبتين وطالب ولا زلت أذكر أن إحدى الطالبات زميلتنا سلمى بركية ..... امرنا مدير الجامعة بأن نحتمي كلنا بالحمام الداخلي للمكتب والذي كان صغيراً جداً ولكن " النفوس إتطايبت" فحوانا جميعاً خمس أرواح معلقة لم تجني شئ سوى أنها تنتمي لأكثر جامعة تكرهها حكومة السؤ ..... كنا نشاهد من النافذة الصغيرة للحمام ما يفعله افراد الأحتياطي المركزي بالطلاب ... كانوا يضربون بلا رحمة لا يفرقون بين فتى وفتاة بل أن أحدهم كان يجر إحدى الطالبات وهي تصرخ من شعرها ، وآخر كان يضرب أحد الطلاب في منطقة حساسة تلك المناظر البشعة تطاردني حتى الآن ...... عندما كنا داخل الحمام أتت مجموعة أعتقد أنها من الشرطة وأمرت البروف بأن يصدر قراراً بإغلاق الجامعة وأذكر أن البروف قال لهم بالصوت العالي أنه لا يستطيع أن يصدر قراراً كهذا وحده ، بعدها طلبوا منه الذهاب معهم لرئاسة أمن الدولة وقال لهم انه اولاً سيذهب لأقسام الشرطة لكي يفك اسر الطلاب الذين قُبض عليهم وأذكر أنه قال " أنا لازم في الأول أمشي أفك اولادي الموجودين في الأقسام ديل بعدين بجيكم.... وبعدين أنتو كيف تدخلوا بي قوة كبيرة كده للجامعة الجامعة دي ما عندها حرمة .... وخلونا من ده.... مكتبي ده ما عندو حرمة" كان الرجل الآخر يحاول أن يوصل له رسالة واحدة لذلك خرج وقال له " نحن في إنتظارك في الخارج" بعدها خرج البروف وسمعته يقول للمراسلة " خلي المكتب فاتح واعملي فيها إنك قفلتيهو عشان الأولاد الجوة ديل يطلعو بعد ما الجو يهدأ........" أذكر أن المراسلة فتحت باب الحمام وقالت لنا بصوت خافت " إنتظروا شوية يا أولادي لمن أجيكم راجعه" .... وفعلا مكثنا داخل الحمام ما يقارب الساعتين وكنا نراقب ما يحدث من خلال نافذة الحمام حيث رأينا إنضمام المليشيات لقوات الشرطة وممارستهم للعنف ضد الطلاب والطالبات ....... كان يوماً غريباً لن أنساه أبداً علمت بعدها أن قوات الأمن والمليشيات قد هاجموا الطلاب والمحاضرين وحطموا بعض الممتلكات وإقتحموا حمام النساء وأخرجوا كل الطلبة من الجامعة إلى مراكز الشرطة حيث كانت اقسام الشرطة تعج بطلاب وطالبات الأهلية ذلك اليوم.... بعد أن خرجنا من الحمام جلسنا في المكتب وذلك بعد أن رأينا المليشيات وقوات الإحتياطي تغادر " مسرح العمليات " بطريقة منظمة جداً عبر البوابة الرئيسة ...... كان هناك بعض الشاي في حفاظتين وبعض السندوتشات .... لا أدري لماذا بدأنا في الأكل وإحتساء الشاي .........بعد فترة سمعنا صوت الخالة - المراسلة- وهي تقول " اسمعوا خلاص الجامعة فضت أطلعوا بعد ده ..... كان الوقت قبيل الغروب و لذلك خرجنانتخفي بالأشجار و من خلال السلك إلى العرضة حيث كانت عربات الأمن لا زالت تمشط المنطقة ثم بالمواصلات إلى وسط أمدرمان ومنها تأكدنا من أن زميلاتنا اللائي كن معنا قد استقلت كل واحدة منهن الحافلة أو البص المؤدي لمكان سكنها ......... سلامي يا ايمن لياسر جاكسون والذي أشتاقه كما يشتاق التسالي للطقطقة...... ولي عودة اخرى اسامة الباز..... طالب سااااااي كدة